عمر أفندي

تعد بريطانيا رائدة مبادرات الخصخصة في العالم، وصاحبة أكثر التجارب ثراء لمن أراد الاطلاع على مبادرات الخصخصة، وكيف تتفاعل تلك المبادرات بين المؤسسات ذات العلاقة كمؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص. الحكومات ترغب في التخلص من عبء بعض القطاعات مع خلق وظائف كثيرة لأبناء الشعب في الوقت نفسه. والقطاع الخاص يرغب في التملك الحر ورفع الإنتاجية والجودة وتقليل النفقات ومن ثم الربحية. الخصخصة في العالم العربي تحمل القليل من التجارب الناجحة، والكثير من التجارب التي أفشلتها البيئة الاستثمارية العربية. بريطانيا تتمتع بالتشريعات الاستثمارية الموثقة والشفافة المدعومة من قبل سلطة تنفيذية عدلية. في التسعينيات الميلادية تحول متجر للتجزئة اسمه (تسكو) ــ بفعل تطبيق منهجية إدارية جريئة ــ من محال صغيرة إلى سلسلة تجزئة عالمية تتواجد في 14 دولة، منها أمريكا، ويدخل أداؤها المالي في حساب موشر (الفوتسي) لأكبر 100 شركة بريطانية. وأصبحت تجربة (تسكو) في التوسع والإنتاجية والجودة والإبداع تدرس في أقسام الإدارة والمال والأعمال في الجامعات البريطانية العريقة. في المقابل، لدينا في الوطن العربي مثال لفشل الخصخصة يتمثل في متاجر (عمر أفندي) المصرية العريقة التي تعود إلى القرن الـ 19. متاجر (عمر أفندي) نمت في بداية القرن الماضي وأصبحت منتجاتها علامة تجارية عالمية خاصة الملابس المصنوعة من القطن المصري المندثر المسمى ذوالتيلة. في أواخر القرن الماضي ترهلت متاجر (عمر أفندي) وأصبحت موطنا للصناعة الصينية الرديئة، وملاذا للبطالة المقنعة، حيث يصدم الزائر بالأعداد الكبيرة للموظفين، ويصدم بمنهجيتهم في إدارة المتجر، وإجراءات التعامل والبيع البيروقراطية. ومن خلال مبادرات الخصخصة تم بيع (عمر أفندي) إلى مستثمر خليجي سعى إلى إعادة هيكلتها بإعادة النصاب الواقعي للقوى العاملة، ورفع جودة البضائع. إلا أن البيئة الاستثمارية كانت له بالمرصاد، فكانت العوائق، ومن ثم مزيدا من التأخر لهذا الاسم العريق. هناك دول عربية كبرى تعاني شح الأموال اللازمة لتطوير قطاعات كبرى لديها، وتعاتب في وسائل إعلامها الدول الخليجية التي تستثمر في الدول الغربية وتعزف عن الاستثمار البيني العربي، بينما هي تمتنع عن التعرض للأسباب الحقيقية التي أفشلت الغالبية العظمى من الاستثمارات العربية ــ العربية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي