هل ستصبح أوروبا أقوى عقب التعافي وتعود ثانية إلى المسار؟

هل ستصبح أوروبا أقوى عقب التعافي وتعود ثانية إلى المسار؟

ما الذي ستتطلبه إعادة أوروبا إلى المسار مرة أخرى؟ كان هذا السؤال محوراً أساسياً لقمة النشاطات العملية الأوروبية، وكذلك تقرير البحث الذي أنجزته إنسياد، وأكسنتشر، واتحاد المشروعات في بلجيكا، حيث تولت عملية التمويل شركتا صن، ومايكروسوفت. وجرت في إطار إعداد هذا البحث مقابلة نحو 250 من الرؤساء التنفيذيين، وغيرهم من كبار مسؤولي النشاطات العملية في كل من القطاع العام، والخاص، حيث دارت الأسئلة حول ثلاثة محاور رئيسية:
ستصبح أوروبا أقوى بعد التعافي، حيث رأى 65 في المائة من الرؤساء التنفيذيين الذين حققت شركاتهم نمواً في عام 2009 أن أوروبا ستصبح قوة مشاركة رئيسية وقائدة على مستوى الاقتصاد العالمي في عام 2020.
وسيكون الابتكار في صلب التعافي الأوروبي، إذ أفاد 66 في المائة ممن شملتهم أسئلة هذه الدراسة أن شركاتهم تعتقد أن الابتكار يمكن أن يعيد نشاطاتهم العملية ثانية إلى المسار الصحيح.
إن نوعية، وتنوع السكان يعتبران من المزايا الرئيسية في القارة الأوروبية، إذ يعتقد 70 في المائة من المستجيبين أن تحسين مهارات قوة العمل خلال السنوات الخمس المقبلة سيكون أمراً حيوياً في النجاح المستقبلي للنشاطات العملية على نطاق قارة أوروبا.
ويقول برونو لانفين، المدير التنفيذي لمختبر إنسياد الإلكتروني، وأحد المشاركين في إعداد التقرير، ''هنالك فترتان سابقة، ولاحقة لكل أزمة. والرأي السائد بين كثير من المحللين، والمراقبين، هو أن الجميع متشائمون في أوروبا. ومع ذلك، فإن الرؤساء التنفيذيين الذين شملتهم هذه الدراسة يعتقدون أن أوروبا ستخرج قوية من هذه الأزمة، حيث ستكون لديها قيادة رشيدة على مستوى القطاع المالي، كما ستتوافر لها قاعدة أوسع فيما يتعلق بالتنافسية في الأجل الطويل، كما ستكون لديها حالة صفاء ذهني أوضح لغزو الأسواق الأخرى في مختلف أنحاء العالم''.
أما مارك سبلمان الذي يعمل انطلاقاً من لندن، وهو الرئيس العالمي للشؤون الاستراتيجية في شركة أكسنتشر، ورئيس المجلس التنفيذي لغرفة التجارة الأمريكية في أوروبا الممثل لـ 140 شركة أمريكية في القارة الأوروبية، وبوجود 4.8 مليون موظف، واستثمارات تصل إلى 1.2 تريليون دولار، فيقول إن الاقتصادات المختلفة تمر بمراحل مختلفة من التعافي. ويضيف ''إننا نشهد تعافياً بسرعات متعددة. وحتى داخل القارة الأوروبية، فإن بلداناً مختلفة عانت بدرجة أعلى، أو أدنى، نتيجة للتراجع الاقتصادي. ونجد على سبيل المثال أن الأداء البولندي كان جيداً خلال الأزمة، بينما واجهت بلدان أخرى مثل اليونان، وإسبانيا، والبرتغال، وإيرلندا أوقاتاً أصعب. وعليك أن تختار المواقع بدقة إذا كنت تريد الشروع في نشاط عملي جديد. ويتعلق الأمر هنا بالبحث المعمق عن أماكن، ومواقع النمو المحتمل، بينما تستمر السيطرة على التكاليف، وتجنب التعقيد غير الضروري في نموذج العمل المطبق''.
إن تأسيس المشاريع صيغة فيها مجال كبير لإمكانيات النمو في قارة أوروبا. وقد أرغمت الأزمة الاقتصادية كثيرين على معايشة أسواق عمل صعبة، الأمر الذي قد يعني أن النجاة هي أن يكون لديك نشاطك العملي الخاص بك. ومن شأن ذلك الأمر العمل على تسريع التعافي. ويقول نيل فونستاد، كبير زملاء البحث في مختبر إنسياد الإلكتروني، ''إذا كان بإمكان المشاريع الصغيرة، والمتوسطة أن تنمو، فإن البطالة ستتراجع. ولا بد من أن نعمل على تحسين بيئة عمل هذه المشاريع الصغيرة، والمتوسطة''.
إن ما يقوله ريتشارد بيلي، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الأوروبي هو هذا الشيء بالضبط، حيث يقول ''إن صلب مهمتنا هو تعزيز إمكانية الحصول على التمويل بالنسبة إلى الشركات الصغيرة، والمتوسطة، وذلك لدعم مواجهة المخاطر، وتحسين مستوى الابتكار، وزيادة القدرة على تأسيس المشاريع. غير أن هذه المهمة صعبة، وبالذات في الوقت الراهن، وذلك في ظل وجود أزمة اقتصادية عميقة، وكذلك وجود مقدار كبير من عدم اليقين. ويضاف إلى كل ذلك أن البنوك أدخلت نفسها في مشكلات كبرى، كما أنها تفرض شروط إقراض قاسية للغاية على الشركات الصغيرة التي أظهرت أعراضاً أخطر على صعيد نشاطها العملي''.
كيف لنا أن نسد الفجوة بين إطلاق شركة جديدة، والتمكن الفعلي من تحقيق الأرباح؟ هنالك احتمالان بهذا الخصوص هما: الحافز المالي الحكومي، واستثمارات القطاع الخاص.
يقول لانفين ''حين تحتاج إلى تعاون وتنسيق في الأجلين القصير، والطويل، فإنك تغدو في حاجة إلى الحكومات. ومن الواضح أن الحمائية توجه خاطئ في الأجل الطويل، إذ أن الجميع سيعانون إذا جرى إلحاق مزيد من الأذى بالتجارة الحرة. ولكنك قد تكون في إطار نشاط عملي معرض للمنافسة الدولية، حيث ستحتاج إلى نوع من التدخل الحكومي، وبعض شبكات السلامة، وذلك لضمان ألا يترك من يفقدون وظائفهم نتيجة لهذه المنافسة دون فرص الحصول على نوع من الدعم، أو إمكانيات إيجاد وظائف جديدة. وهنا يكون المرء بحاجة إلى الحكومات لتقديم الحلول''.
أما على صعيد استثمارات القطاع الخاص، فإن بيلي يضغط باتجاه مزيد من مشاريع رأس المال المغامر، وشركات الأسهم الخاصة على صعيد القارة الأوروبية، ويقول ''إن رأس المال المغامر عمره ما يراوح بين 12 ـــ 15 سنة في أوروبا، و25 سنة في المملكة المتحدة، مقابل 45 ـــ 60 سنة في الولايات المتحدة. ولذلك، فإن مثل هذه المشاريع هي طريقنا كمشاريع عملية رئيسية، حيث ثبتت صحة ذلك منذ أن بدأت هذه المشاريع في قارة أوروبا''.
ويعمل صندوق الاستثمار الأوروبي في الوقت الراهن، حيث يأتي 60 في المائة من رأسماله من قبل البنك المركزي الأوروبي، على تخفيض فوائد القروض التي يقدمها، وذلك لتغطية صناعة التمويل متناهي الصغر التي تشهد مستويات متسارعة من النمو. ويشرح بيلي هذا الأمر بقوله ''لدينا برنامج تمويل جديد جرى التفاوض حوله مع الاتحاد الأوروبي، وذلك تحت اسم ''تقدم التمويل متناهي الصغر''، ويضيف أن هذا برنامج يخصص نحو 200 مليون يورو لدعم مؤسسات التمويل متناهي الصغر، حيث إن بعضها هو عبارة عن فروع مصرفية متخصصة، وذلك بهدف تحفيز النشاط الاقتصادي. وهنالك عدد كبير من مؤسسي المشاريع المعتمدين على مثل هذا النوع من التمويل. وكذلك لدينا إحصائية حديثة تفيد بأن ثلث المشاريع الصغيرة الجديدة الممولة بهذا النوع من التمويل يملكها أشخاص عاطلون عن العمل، ولولاها لما كان لديهم ما يسند ظهورهم سوى الجدران. ويعمل ذلك على توفير الوظائف، وعلى زيادة الإبداع، وهما أمران يرى صندوق الاستثمار الأوروبي أن عليه دعمهما بصورة واضحة''.
الحقيقة أنه يبدو أن الأزمة الاقتصادية هي التي فتحت الأبواب أمام التمويل متناهي الصغر، على وجه العموم في أوروبا الغربية، حسب رأي بيلي الذي يقول ''بدأ الأمر في شرق، ووسط أوروبا، قبل انضمام دول هاتين المنطقتين إلى الاتحاد الأوروبي، ثم تحرك ليزداد توسعاً في غرب أوروبا لأن هنالك إدراكاً عميقاً لوجود حاجة إليه. وما زالت صناعة التمويل متناهي الصغر، والائتمان على نطاق صغير، متخلفة في قارة أوروبا في الوقت الراهن بسبب وجود اعتقاد سائد بأن القطاع المصرفي سيتولى تغطية هذا الأمر''.
غير أن إيجاد مؤسسي مشاريع، أو تفعيل الأفكار الاستثمارية، يحتاج إلى أمور أخرى كثيرة إضافة إلى التمويل. ويقول لانفين ''إن الابتكار، شأنه شأن تأسيس المشاريع، حالة ذهنية، ومن الصعب للغاية إيجاد مثل الحالة الذهنية هذه، حيث إن من الضروري أن يكون لديك أشخاص تكون هذه الحالة مزروعة بعمق في دواخلهم، وما عليك سوى الاستفادة منهم، حيث إن بمقدورك تطويرهم''.
وفي ظل هذا النوع السائد من البيئة العالمية، نجد أن الجيل المقبل يفكر بالفعل في طريقة مختلفة عن طريق الآباء. وقد شاركت مجموعة البحث الفكري، Think Young، بأسئلتها الخاصة بها ضمن دراسة إنسياد هذه، وهي من المجموعات غير الربحية التي تسعى إلى معرفة آراء المحترفين الشباب، والمسؤولين الحكوميين الذين هم دون الخامسة والثلاثين من أعمارهم.
ويقول أندريه جيروسا، (28 عاما) مؤسس هذه المجموعة الفكرية البالغ 28 عاماً من عمره، ''يرى الشباب أن ما هو آتٍ من خارج أوروبا يمثل فرصة، ويرى 83 في المائة منهم أن دول مجموعة Bric (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين) تمثل فرصة، وليس تهديداً. ونحن نرى أن التغيير أمر جيد، حيث إن الشباب في أيامنا هم مواطنون رقميون، يتقنون أربع، أو خمس لغات، كما أن معظم من قابلناهم يعيشون في الوقت الراهن في بلدان مختلفة عن أماكن ولادتهم، وكذلك فإن بمقدورهم الوجود في كل مكان بفضل الإنترنت''.
إنهم يقولون كذلك إن العالم لم يتخلص بعد من الانكماش، ولكنهم إيجابيون في تطلعاتهم نحو عام 2020، كما أنهم، شأنهم في ذلك شأن من هم أكبر منهم سناً من مؤسسي المشاريع، ضاقوا ذرعاً بالبيروقراطية، وعوامل الإعاقة الإدارية. ويقول غيروسا ''إن هذا الأمر يجعل من الصعب على مؤسسي المشاريع إنشاء شركات أوروبية فعلية، حيث من المستحيل أن تدير من إيطاليا مشروعاً في المملكة المتحدة لكي تدفع أجور موظفيك في إسبانيا. كما أن الأمر مختلف عن دفع أجور موظفيك في بلجيكا. وهذا أمر لم يعد مقبولاً أبداً''.

الأكثر قراءة