الاستدامة واستراتيجية شركتك

الاستدامة واستراتيجية شركتك

هل يمكن للاستدامة أن تصبح جزءاً رئيساً من استراتيجية الشركة؟ الجواب هو أنه لا بد لها أن تكون كذلك. ولن يقتصر الأمر على ذلك أبداً، بل إنها ستكون جزءاً مهماً للغاية من الاستراتيجية خلال الأعوام الـ 50 المقبلة، حسب رأي بول كلايندورفر، أستاذ كرسي باول دوبرول لتطوير الاستدامة في ''إنسياد'' الذي يضيف كذلك أنه لم يعد أمامنا خيار سوى ذلك ''يقترب عدد سكان كوكبنا الأرضي من سبعة مليارات نسمة، ويعيش نحو أربعة مليارات منهم بدخل يومي يقل عن دولارين، حيث نلاحظ البروز الواضح لمشكلة عجز المياه، ومشكلات متعددة أخرى''. ولذلك فإن السؤال لا يتعلق باحتمال أن تصبح الاستدامة جزءاً من الاستراتيجية، وإنما كيف يكون ذلك، وبأي تكلفة؟
إن الكلمة الأولى في مثل هذه الحالات هي ''كيف''، وإن التوافق حول هذا الأمر، في رأي هذا الأستاذ، يعرف ''بالشفافية الراديكالية، إذ برز هذا المصطلح إلى السطح في حوار شيق حول الاستدامة ورد في كتاب بعنوان ''البيئة والمعلومات''، لمؤلفه دان كولمان، أحد المراسلين السابقين لصحيفة ''نيويورك تايمز''.
تعني ''الشفافية الراديكالية'' بصورة أساسية سحب الستارة بصورة كاملة عن السلسلة التي تربط بين المنتجات – الكشف عن أي شيء من البصمات الكربونية إلى المواد الكيماوية المستخدمة في إنتاج المنتجات، وتصل حتى إلى أسلوب التعامل مع العمال – حتى يتمكن المستهلكون من اتخاذ قرارات قائمة على معلومات صحيحة بخصوص المنتجات التي يشترونها. وهي تعني كذلك ''أنك على استعداد تماماً لأن ينظر إليك، وأن يراك مستثمروك، والآخرون'' حسب رأي هذا الأستاذ الذي يضيف ''أن الأمر يتطلب مضامين واضحة إزاء الحاجة إلى تطوير الوضع، وكذلك درجة من المصفوفات الواضحة بخصوص ذلك المركز''.
إن الأمر يمثل توازناً دقيقاً بين إيجاد صورة إيجابية عامة في الوقت الذي تحرص فيه الشركة على الإبقاء على الأساسيات. ويمكن أن يكون ذلك الأمر مكلفاً، ولكن إذا تمت ممارسته على نحو سليم، فإن منافعه يمكن أن تكون كبيرة للغاية، بل ويمكنها حتى تعويض التكاليف التشغيلية. ويقول كرستوف ليونبيرغر، مدير ممارسة الاستدامة في شركة إيجون زندر الدولية ''عادة ما تكون لقيمة الاستدامة آثار من الدرجة الثانية تتعلق بكيفية توقعك لمثل هذه الأمور''. وعلى سبيل المثال، فإن الزبائن الذين يشاركون شركة ما إيمانها بقيم معينة يمكن أن يكونوا راغبين في دفع مزيد من الثمن مقابل الحصول على منتج معين.
غير أن المنافع لا تقف بالضرورة عند المستهلكين، حيث إن مالكي الحصص، والموظفين، وحتى أولئك الذين يعملون في سلاسل الإمدادات، يمكن أن يفضلوا العمل مع شركة توازن القيم السائدة لديها مع القيم المحترمة من جانبهم. ويمكن للتشبيك الاجتماعي كذلك أن يلعب دوراً مهماً في تحقيق الدرجة المطلوبة من الاستدامة لدى الشركات ذات العلاقة بذلك. ويلاحظ أن هناك المزيد من آراء المستهلكين التي تظهر على الإنترنت، كما أن صورة العلاقات التجارية تخرج من أيدي الشركات، وجهات الإعلان التقليدي، الأمر الذي يمنح جمهور المستهلكين قوة مختلفة في الأسواق.
يقول ليونبيرغر ''حين تفكر بالانتشار الواسع للعلامة التجارية الذي يتحقق عبر كل ذلك، فإنك تجد أنه هائل بالفعل، كما أنه يحدث عند لحظة الشراء. وهو كذلك أمر متعلق بالسيطرة من جانب الشركات التي تعتقد، انطلاقاً من أرقام ميزانياتها العامة، أن علامتها التجارية هي الأصل الرئيس بين أصولها المتعددة''.
إن كل هذه الأمور تعيدنا مرة أخرى إلى الدور الذي تلعبه مسألة الشفافية الراديكالية فيما يتعلق بقضية الاستدامة ''وإن قضية هذه الشفافية الراديكالية تعمل على دفعنا بقوة نحو حافة السوق، الأمر الذي له علاقة فعلية بالناس، وكيفية التفاعل فيما بينهم''.
وإن لظاهرة التشبيك الاجتماعي كذلك أثراً على اختيار الرؤساء التنفيذيين، وأعضاء مجالس إدارات الشركات، على حد سواء. ويقول ليونبيرغر ''إن ذلك الأمر يتعلق بالتوازن بين أن يكون لديك شخص لديه اتصال فعلي بالأمور التي تحدث على أرض الواقع عند الحد الأمامي للسوق، والجيل التالي، وما لذلك من أهمية بالغة''.
إن قضية الاستدامة تصبح ذات أهمية متزايدة في تكامل عملية الاختيار، حسب رأي هذا الخبير الذي يضيف أن الشركات تبحث عن الرؤساء التنفيذيين الذين لديهم ''القدرة على التصرف الأخلاقي، والتحدث بلباقة وكياسة، وأن تكون لديهم، إضافة إلى كل ذلك، شجاعة المخاطرة في الخوض في قضايا تعتقد أنها في حاجة إلى علاج''.
غير أن ذلك لا يعني تجاهل النتائج الأساسية، حيث إن القدرة على التفكير تجارياً فيما يتعلق بمسألة الاستدامة أمر في غاية الحيوية، والأهمية. والأكثر من كل ذلك هو أمر يمكّن المستهلكين، وحملة الأسهم، من أن يقيسوا الأمور في ظله. و''بدلاً من الحديث عن الأشجار في بابوانيوغينيا، فإن الأمر يجب أن يتعلق بمضمون حقيقي بالنشاط العملي الذي يهم ذلك الشخص صاحب العلاقة''.
حين تتفق قيم الرئيس التنفيذي مع فرص جني الأرباح، فإن ذلك يجسّد، من الناحية الفعلية، وضعاً يؤدي إلى أن يربح الجميع في الوقت ذاته. ولنأخذ على سبيل المثال جان بول بايلي، رئيس مجلس إدارة شركة لابوست الذي يقوم بإعداد دراسة حالة لحساب ''إنسياد'' بخصوص كهربة شركة البريد الفرنسية. ويناسب بايلي الوضع السائد لدى جيل جديد من الرؤساء التنفيذيين، حيث إنه شخص يوازن على نحو دقيق بين القيم البيئية مع الممارسات الصحيحة للنشاط العملي. والحقيقة هي أن الخدمات البريدية على النطاق العالمي في أيامنا هذه ليست غنية بالسيولة، وبالتالي ''فإنها تبحث عن فرص للاقتصاد في الإنفاق، وتقوم بذلك بوسائل تؤدي إلى خفض الآثار الضارة للانبعاثات الكربونية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى نتائج عملية أفضل''.
إن الحصيلة النهائية هي أن إحداث تكامل بين الاستدامة واستراتيجية الشركات، أصبح أمراً لا يمكن الاستغناء عنه، وإذا تمت معالجته على نحو مناسب، فإنه يمكن أن يكون عاملاً إيجابياً في هياكل نشاطات الأسواق القائمة. ولكن إذا جرى تجاهله، فإن العواقب يمكن أن تؤدي إلى كارثة. ويحذر كلاينبيرغر من ''أن العالم الذي نعيشه في القرن الـ 21 عالم يتصف بالندرة الشديدة، وبالتالي، فإنه لا بد من استيعاب المخاطر الجديدة إذا كنا نريد أن نترك هذا الكوكب الأرضي في حالة معقولة من خلال ممارسات استدامة صحيحة لأولئك الذين سيعيشون فوقه بعدنا''.

الأكثر قراءة