حماية المستهلك من أهم الواجبات والضروريات
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، والصلاة والسلام على المرشد إلى سمو الأخلاق والمثل وحسن التعامل، وبعد، ففي المقالات الأربعة السابقة تكلمت عن حماية المستهلك من الغش والتقليد في التعاملات والخدمات، وفي هذا المقال الأخير عن حماية المستهلك أتطرق إلى أمر له علاقة بحماية المستهلك من الغلاء الفاحش الذي يتسم بالجشع والطمع والمغالاة في الأسعار لمجرد الاحتجاج بارتفاع الأسعار عالميا، وهذا تبرير ثبت عدم صحته من وجوه عدة، ومن ذلك أن البيع لدول الخليج يكون بأسعار مرتفعة؛ لكون الدول المستورد منها ـــ وحسب اعتقادهم ـــ أن دول الخليج دول غنية؛ لما تملك من ثروة نفطية، وهذا اعتقاد خاطئ فيما لو قورنت بالدول الغنية في أوروبا، والولايات المتحدة، فضلا عن الدول الأخرى مثل الصين واليابان، ناهيك عن التبرير بالتضخم الذي إن وجد فهو بسبب ارتفاع أسعار العقارات بيعا وإيجارا، ولا دخل لذلك بأسعار المواد الغذائية، ولكن أعزو كل ما يحصل من ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى انعدام الرقابة، وترك التجار يتصرفون كما يحلو لهم من رفع الأسعار بشكل لافت للنظر، وإذا ما سئل التاجر عن سبب رفع السعر عما كان عليه بالأمس، أو قبل مدة قصيرة برر ذلك بأسباب واهية وغير مقبولة، والأكثر من ذلك التبرير غير المنطقي وغير المقبول، وهو سياسة السوق الحرة، أو حرية التجارة بلا قيد ولا رقابة، ووزارة التجارة والصناعة لا تقوم بدورها الرقابي بحكم وظيفتها الأساسية، بل نقل عن مسؤول فيها ترديد هذه الحجج الواهنة التي يراد من ورائها التنصل من المسؤولية، وقد قرأت ما كتبه الصديق العزيز الأديب حمد القاضي في صحيفة ''الجزيرة'' الصادرة يوم السبت 15/11/1431هـ الموافق 23/10/2010م عندما كتب بأسلوب استنكاري (عجيب تصريح مسؤول كبير في وزارة التجارة في صحيفة ''المدينة'' بتاريخ 9/12/1430هـ عندما برر زيادة الأسعار وطمع التجار مؤكدا: ''إلى أن ذلك يعود إلى التباين الملموس في الأسعار في طرق الحصول على السلعة وفروق الإيجارات بين المحال، مؤكدا اتباع المملكة سياسة السوق الحرة)، وكان من حق الكاتب القدير حمد القاضي أن ينزعج ويستنكر من تصريح هذا المسؤول الكبير، وتنصله من مسؤولية الرقابة، والحد من ارتفاع الأسعار، بتبريرات واهية، وإلقاء المسؤولية على جمعية حماية المستهلك التي وصفها الأستاذ حمد (بالغلبانة)، بل أقول العاجزة عن أن تقوم بأي دور لحماية المستهلك لما نشر عنها من خلافات القائمين عليها، ولا أريد أن أقول أكثر من ذلك، وما دامت وزارة التجارة مقصرة في أداء واجباتها في حماية المستهلك، فمن باب أولى أن تقصر جمعية حماية المستهلك عن القيام بواجباتها فينطبق المثل الذي أورده الأستاذ حمد القاضي (ليجتمع المتعوس على خايب الرجا)، فوزارة التجارة مقصرة في الوفاء بواجباتها لحماية المستهلك من الغش التجاري والتقليد، والحد من ارتفاع الأسعار، ونعرف هذا من واقع الحال المعاش، وتحكم التجار برفع الأسعار لمعرفتهم أن لا رقيب ولا حسيب، فمثلا نعرف ما أثير حول ارتفاع أسعار الأرز، وما تم من محاولة الحد من هذا الارتفاع، وقيل إنه تم خفض السعر، وفي الحقيقة أن ما حصل نوع من التحايل المكشوف عندما خفض وزن كيس الأرز من 45 كجم إلى 40 كيلوجراما، وبالتالي خفض السعر من 280 و290 ريالا إلى 220 ريالا، وهذا كمثال يتحدث عنه الناس، وغيره من الأمثلة، وحتى ارتفاع أسعار المواد الغذائية من خضراوات وفواكه وأطعمة وغيرها، ولقد أعجبت بما اتخذه بعض مواطني الكويت عندما نادوا المستهلكين بحماية أنفسهم بمقاطعة شراء الطماطم وتركه يتعفن عند التجار الطماعين الجشعين، ومحاربة المستغلين الذين أعمت المادة بصائرهم وأبصارهم يُعد من الواجبات والضروريات الحتمية لحماية المستهلك من مخاطر التعسف المتمثل في رفع الأسعار بشكل فيه مغالاة ظاهرة ومضرة، ولا صحة لأي تبرير يردد كالقول بحرية التجارة، أو أن السوق تتمتع بحرية التجارة، فالشريعة الإسلامية تحث على عدم المغالاة في الأسعار، وخوَّلت ولي أمر المسلمين بأن يتدخل بأمر حازم منه في الحد من ارتفاع الأسعار غير المبررة، ونعرف ما اتخذ عندما حصلت الأزمة العقارية في المملكة من قيود قضت على التلاعب برفع أسعار الإيجارات، وهناك بحوث فقهية إسلامية كثيرة يركز على أهمية تدخل ولي الأمر عندما يكون هناك تلاعب في أسعار السلع والمواد الضرورية للمجتمع، وولي الأمر خادم الحرمين الشريفين بما له من سلطة عامة أوكل لوزارة التجارة القيام بدورها لحماية المستهلك من الغش التجاري والتقليد، والمغالاة في الأسعار بما يضر بالمستهلك بأجهزتها المتعددة، فهل قامت بهذا الواجب؟! إن الوقائع، وما نقرأ يعطي انطباعا بأنها لم تقم بدورها، وهذا ظاهر للعيان من تصريح المسؤول الكبير الذي أشرت إليه آنفا، وما يحصل من تحايل من تنقيص الوزن، والادعاء بتخفيض السعر، كالمثال الذي نوهت عنه فيما تقدم، وقد يكون هناك أمثلة مشابهة يعرف عنها غيري من المواطنين، وما سطرته في هذا المقال القصير مجرد رأي وفكر وخاطرة تلمح إلى أن ارتفاع الأسعار ليس جله بسبب ارتفاع الأسعار عالمياً، أو بسبب التضخم، أو أي مبرر آخر، وأرجو أن أكون موفقا فيما أبديته، وأن يكون فيه الفائدة، وما التوفيق إلا بالله العلي القدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين