الجمعة, 2 مايو 2025 | 4 ذو القَعْدةِ 1446


النجاح مرهون برسم وتنفيذ سياسة أمريكية فاعلة في الشرق الأوسط

تلقَّى الحزب الديمقراطي والرئيس باراك أوباما ضربة انتخابية كبيرة إثر فقدان الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي، جاء ذلك بعد أن اعتبرت الانتخابات النصفية كاستفتاء على إنجازات الرئيس باراك أوباما الاقتصادية. من هنا يعرف الرئيس أوباما أن معركة إعادة الانتخاب التي ستجري بعد عامين بالتمام والكمال من الصعوبة بمكان وهي في حاجة إلى إنجازات كبيرة، أهمها شعور الشعب الأمريكي بأن اقتصاد بلادهم آخذ في التحسن بدرجة ملحوظة، وغير ذلك فإن أوباما سيعاني إلا في حال تحقيقه إنجازا كبيرا على مستوى السياسة الخارجية.
في ضوء هذا التحول الداخلي، جاء انعقاد قمة العشرين في سيؤول في كوريا الجنوبية التي سبقتها جولة أوباما الآسيوية. جولة الرئيس أوباما - حسب تعبير دوجلاس بال - لا يمكن فهمها بمعزل عن محاولات الرئيس إعادة الاشتباك مع منطقة شرق آسيا وكجزء من محاولته النهوض بالاقتصاد الأمريكي عن طريق معالجة المشكلات الناجمة عن الأزمة المالية التي عصفت بالعالم أجمع، فالرئيس يسعى لخلق الظروف المناسبة لإعادة التوازن للاقتصاد الكوني.
لكن الرئيس الذي يشعر بأن المنافسة تأتي من ذات الإقليم ممثلة بالصين وممارساتها الاقتصادية بدأ جولته بأربعة أيام في الهند، ودلهي هنا المحطة الرئيسة والأولى في جولته؛ لأن الرئيس يحاول أن يبني على العلاقات الاستراتيجية القوية التي كان سلفه جورج بوش قد أسس لها. ولا يخفى على أحد أن تعزيز العلاقة مع الهند ليست أمرا ثنائيا يمكن فهمه بطريقة عادية، وإنما يأتي في سياق خلق أو تعزيز قوى ذات وزن مقابل الصين، مع أن هناك من بين المحللين من يرى أن الهدف هو فقط تعزيز العلاقات الثنائية بصرف النظر عن موقف الصين أو الموقف من الصين. فأصحاب الرأي الثاني يشيرون إلى أن هناك فرصا تجارية يمكن للرئيس أوباما أن يدفع بها في الهند، وهنا ينصبّ الحديث عن التعاون النووي، وربما بيع بعض المقاتلات وطائرات الشحن.
تكتسب الهند أهمية كبيرة، فهي منطقة بالغة الحساسية من الناحية الاستراتيجية، وهنا يمكن للولايات المتحدة أن تقيم علاقات سياسية واقتصادية وشراكات في هذا الاتجاه، وربما هناك من يعتقد أن الهند ستكون العامل الموازي للصين مع أن الهند ستخدم نفسها ولن تلعب دورا نيابة عن الولايات المتحدة. ومع ذلك هناك من يرى بأنه من الضروري استكمال الدبلوماسية مع الهند، التي بدأها الرئيس بيل كلينتون في التسعينيات. وربما يستحسن أن تستمر الولايات المتحدة في العلاقة لفتح المجال أمام قطاع البزنس للاستثمار، بالرغم من الإعاقات البيروقراطية في الهند، التي تخنق بعض قطاعات الصناعة.
ربما يوظف الرئيس الزيارة في محاولة منه لإرسال رسالة إلى الداخل الأمريكي بأنه يعمل ما في وسعه لإخراج الولايات المتحدة من أزمتها الاقتصادية. لذلك جاءت المحطة الثانية وهي الزيارة لإندونيسيا، هنا لم يقض الرئيس أكثر من يوم واحد في محاولة للتعويض عن زيارات سابقة كان قد خطط لها، لكنها لم تحدث؛ نظرا لتطورات سياسية داخل الولايات المتحدة، كما أن في إندونيسيا أكبر غالبية مسلمة، وهي دولة تعاملت مع قضايا الإرهاب بشكل فعال جدا. بعد ذلك جاءت محطتا كوريا الجنوبية واليابان.
غير أن زيارته لهذه البلدان على أهميتها جاءت جميعها في سياق تعامل الولايات المتحدة مع الملفين الاقتصادي والصيني. فحسب كثير من المراقبين للصين والولايات المتحدة أجندات متشابهة إلى حد بعيد: عملية إعادة التمويل الدولي، إعادة ميزان التجارة بين البلدين إلى وضع أفضل، التعامل مع قضايا المناخ، كما أن هناك قضية مهمة تتعلق بنشر السلاح النووي، وهنا إشارة واضحة إلى كل من إيران وكوريا الشمالية. فهناك حاجة إلى متابعة ما تقوم به الصين في الملف الإيراني، كما أن هناك حاجة إلى تشجيع الصين لوضع مزيد من الضغوط على كوريا الشمالية، هذا في وقت ترغب الصين في رؤية الولايات المتحدة عائدة لمحادثات سداسية الأطراف مع كوريا الشمالية.
الأهم ربما هو موضوع الاقتصاد، وهنا الحديث عن قمة مجموعة العشرين. فمجموعة العشرين هي أحوج إلى الانخراط في نقاش جدي حيال موضوع إعادة التوازن للاقتصاديات المختلفة، فالاقتصاديات التي تجني فائضا كبيرا مثل اليابان وألمانيا والصين في حاجة إلى تخفيض الفوائض. أما الدول التي تعاني عجزا كبيرا مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما ففي حاجة إلى خفض النفقات والعمل على التوفير أو فرض مزيد من الضرائب. بطبيعة الحال لا تحتاج ولا ترغب الولايات المتحدة في فرض مزيد من الضرائب؛ نظرا لموقف الكونجرس، وما زال الأمريكان ينفقون بمعدلات قياسية. أما الصين فمن غير المتوقع أن توافق على النكوث عن التصدير؛ لذلك ستحاول إيجاد طريقة للتقليل من الفائض ولو شكليا، والهدف الذي حدده وزراء المالية هو 4 في المائة، فلا تزيد الدول التي فيها فائض والدول التي فيها عجز عن 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. الفائض ارتفع في الصين في السنتين الأخيرتين بمعدل 6 في المائة، وهو مبلغ ضخم جدا في تجارة اليوم، في حين ارتفع في ألمانيا الآن بمعدل 6 في المائة، ولا تبدي رغبة حقيقية في تخفيض الفائض؛ ما يعني أن هناك مشكلة كبيرة كانت موضع بحث في القمة.
بالنسبة إلى أمريكا فهناك تفكير بأن تحقيق مزيد من النمو من شأنه أن يقلل من العجز في الموازنة، وكان الرئيس قد بعث برسالة واضحة إلى قادة قمة العشرين بأن أفضل طريقة للسيطرة على العجز الكبير في موازنة أمريكا ومساعدة الاقتصاد هي تحقيق معدلات نمو كبيرة وسريعة. وكان على الرئيس أوباما الدفاع عن سياسات أمريكا التي كانت مسؤولة عن ارتفاع معدلات العجز في الموازنة، في حين كان هناك من بين أعضاء مجموعة العشرين مثل بريطانيا وألمانيا من قام بخفض كبير في النفقات، ويجادل الأمريكان بأن هذا الإجراء هو خاطئ في وقت ما زال فيه التعافي من الأزمة الاقتصادية في بداياته، كما دافع الرئيس أوباما عن قرار الفيدرالي بطبع 600 مليار دولار لدفع عجلة النمو في أمريكا. ولم تسلم الخطوة من نقد مباشر من قبل ألمانيا التي اعتبرت أن مثل هذا الإجراء سيلحق ضررا بالدولار، وهي تعبير غير مباشر عن الحماية في التجارة، وهو الأمر الذي رفضه الجانب الأمريكي.
على كل، انتهت قمة مجموعة العشرين كما بدت؛ إذ سيطر عليها الخلاف المتعلق بالفجوة والفائض، وكذلك ما يعتبره البعض محاولة الصين في الحفاظ على مستوى عملتها منخفضا وبشكل مصطنع؛ حتى يتسنى لها دعم تصديرها على حساب الوظائف الأمريكية، وهو الأمر الذي دفع الرئيس أوباما إلى المطالبة بأن تمضي الصين لاقتصاد يستند إلى السوق، وقال أوباما: ''لا يمكن لأي دولة أن تفترض بأن طريقها للازدهار ممهد عن طريق الصادرات للولايات المتحدة''، ومع ذلك عبرت الصين عن غضبها مما قامت به الولايات المتحدة أخيرا من ضخ 600 مليار دولار، وهي خطوة رأت فيها الصين محاولة أمريكية لإضعاف الدولار.
في النهاية، خرجت وثيقة عن لقاء قمة العشرين وافق فيه القادة على إجراءات متعددة لتحقق الاستقرار الاقتصادي، وكان هناك أيضا التزام بأسعار صرف يحددها السوق، كما أن إعادة التوازن للتجارة بين الدول لم يوافق عليه بالشكل الذي أراده الرئيس أوباما عندما كان يطالب بنسبة 4 في المائة كحد على الفائض والعجز بسبب معارضة كل من الصين وبعض الدول المصدرة الكبرى.
لا يمكن الادعاء بأن الرئيس أوباما حقق ما كان يرنو إليه بسبب صمود الدول الأخرى وشعورها بأن الرئيس أوباما مكبل بنتائج الانتخابات النصفية؛ لذلك لم يخشوا أن يقفوا في وجهه - على حد تعبير صحيفة ''كريسشيان ساينس مونتور'' في عددها الصادر في 12 من الشهر الجاري.
ومع عودة الرئيس دون نجاحات كبيرة - كان يريدها في معرض تحسينه وضعه الداخلي بعد أن فقد حزبه أغلبية مجلس النواب في الكونجرس الأمريكي - فعلى الرئيس تقع مسؤولية العمل في خطين متوازيين: الأول هو لتحسين الاقتصاد الأمريكي؛ لأن الناخب الأمريكي سيكون له كلام آخر في حال تعزيز الانطباع بأن الرئيس لم ينجح في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي، وثانيا يحتاج الرئيس إلى أن يحقق إنجازات في السياسة الخارجية لعله يسوَق ذلك داخليا.
ربما من المبكر الحكم على قدرة الرئيس والفريق الاقتصادي الذي يعمل معه في التصدي للتحديات الاقتصادية الداخلية وتحسين تنافسية الاقتصاد الأمريكي على مستوى العالم، لكن يمكن أيضا الحديث وبشيء من الثقة بأن قدرته على إحداث اختراقات مهمة في السياسة الخارجية مرهونة بمدى نجاحه في رسم وتنفيذ سياسة أمريكية ناجحة في الشرق الأوسط. نشير هنا إلى محاولة الرئيس أوباما التركيز على حل الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، مع أن الوضع يبدو أصعب عليه مما كان في السابق. فرئيس وزراء إسرائيل بات يشعر بأنه أقوى في المواجهة مع أوباما من أشهر قليلة ماضية؛ لأن حزب الرئيس الآن في موقع الأقلية في الكونجرس، وهو الأمر الذي يمكن أن يعوّل عليه نتنياهو في حال قرر التمرد على أوباما. في نهاية المقال اليوم، نقول إن الدافع الأهم الذي يحرك الرئيس أوباما هذه الأيام وربما للسنتين القادمتين هو البقاء السياسي، ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق إعادة الانتخاب لفترة ثانية. كل المؤشرات تظهر أن المعركة الانتخابية هذه المرة ستكون أقوى، بل وأصعب من سابقتها بعد أن أصدر الشارع الأمريكي حكمه على الجمهوريين وأسقط مرشحه جون ماكين. يعرف أوباما أن الورقة الاقتصادية للرئيس بوش هي التي ساعدته في تحقيق النصر في السباق الرئاسي، ويعرف أيضا أن الورقة ذاتها هي من سيضمن له البقاء أو الذهاب بعيدا عن المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. قمة العشرين التي كان يعول عليها أوباما الكثير لم تساعده، لكن علينا أن نتذكر أن قمما أخرى ستعقد قبل إجراء الانتخابات، وربما يتمكن من تحقيق شيء ما في قادم الأيام وربما لا، لننتظر!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي