6 معوقات تمنع الشركات والبنوك السعودية من القفز بأدوارها الاجتماعية

6 معوقات تمنع الشركات والبنوك السعودية من القفز بأدوارها الاجتماعية

منعت نحو ستة معوقات أساسية، شركات القطاع الخاص والبنوك السعودية من الاصطفاف بصورة أكبر وأكثر فاعلية إلى جانب الجهود الحكومية التي تبذل لتعزيز مفاهيم المسؤولية الاجتماعية وأنشطتها في المملكة، والتي يأتي في مقدمتها عدم وجود مرجعية رسمية تنظم أعمال المسؤولية الاجتماعية في المملكة، وتضع لها التشريعات والقوانين والأنظمة، التي تعمل على ازدهارها وتطورها وانتشارها.
كما يسهم ضعف مستوى ثقافة المسؤولية الاجتماعية، لدى معظم أصحاب القرار في المنشآت، في إعاقة تنفيذ عديد من البرامج، أو عدم تحقيق غيرها للأهداف المنشودة منها، ويخلق في الوقت نفسه فجوة بين توجهات ومقاصد تلك البرامج والنتائج المتحققة عنها، إلى جانب غياب التخطيط الاستراتيجي لأعمال المسؤولية الاجتماعية.
ولما للمسؤولية الاجتماعية من آثار اقتصادية واجتماعية وتنموية على القطاعين العام والخاص في أي بلد في العالم، فإن التقرير التالي يستعرض مفهوم المسؤولية الاجتماعية على الصعيدين المحلي والعالمي، والوقوف على أهم المراحل التي مر بها، سواء داخل المملكة أوخارجها.. إليكم محصلة التقرير:

المفهوم العالمي
ظلت المشاركة الاجتماعية على مستوى العالم إلى وقت قريب والمرتبطة بخدمة المجتمع ولسنوات طويلة، تعتمد على المبادرات والجهود الفردية، التي لا تخضع في معظم الأحيان إلى خطط، أو تستند إلى استراتيجيات علمية وعملية واضحة ومدروسة، ما قلل من شأنها، وأضعف من قيمتها الاقتصادية، ولا سيما أن معظمها كان يعتمد على المبادرات الفردية، المتمثلة في التبرع بالأموال ومنح الهبات وغير ذلك، دون النظر إلى مردودها التنموي على أفراد المجتمع.
ولهذا السبب وحتى يومنا هذا لم يتفق العالم على مفهوم ومصطلح موحد للمسؤولية الاجتماعية، حيث على سبيل المثال، يعرف البنك الدولي المسؤولية الاجتماعية للشركات على أنها ''التزام أصحاب النشاطات التجارية الإسهام بالتنمية المستدامة من خلال العمل مع المجتمع المحلي، بهدف تحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم الاقتصاد والتنمية''، في حين يعرفها مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة، على أنها ''الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقيا والمساهمة في تحقيق التنمية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل''.
نتيجة للتباين الواضح بين الناس على مستوى العالم، في تعريف المسؤولية الاجتماعية، أصبح هناك خلط واضح في الأوراق، فالبعض ينظر إلى الصدقات والتبرعات والعمل الخيري، على أنها نوع من أنواع المسؤولية الاجتماعية، في حين ينظر البعض الآخر إلى العمل التطوعي على أنه جزء رئيس لا يتجزأ من أعمال المسؤولية الاجتماعية، وعلى النقيض من ذلك فهناك فريق من الناس ينظر إلى المسؤولية الاجتماعية، على أنها التي تعاظم من دور منشآت القطاعين العام والخاص في عملية التنمية الاقتصادية، وتعمل بشكل مؤسسي تحت مظلة ومرجعية تشريعية، تحقق التوازن بين الأطراف الثلاثة التي لها علاقة وارتباط مباشر ببرامج المسؤولية الاجتماعية (الدولة والقطاع الخاص والمجتمع)، وذلك تجنبا للازدواجية والعشوائية والتضارب فيما بين البرامج.
خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، أصبح هناك توجه قوي وواضح من قبل المنشآت العاملة في القطاع الخاص على مستوى العالم، وبالذات في الدول الصناعية، للمساهمة الفاعلة في برامج المسؤولية الاجتماعية، من منظور استراتيجي واقتصادي، يعمل على استتباب التنمية واستمرارها في المجتمعات، بمفهومها الواسع والشامل، وتبعاً لذلك باتت المسؤولية الاجتماعية جزءاً لا يتجزأ من الخطط والاستراتيجيات التي تسيّر المنشآت بمقتضاها دفة أعمالها.

الجهود الحكومية
بالنسبة للوضع في المملكة، فيعد التكافل الاجتماعي أحد أهم صور وعناصر المسؤولية الاجتماعية، كما أنه يعد جزءا مهما في ثقافة المجتمع السعودي وتقاليده وعاداته. وقد عرف العمل الاجتماعي في السعودية منذ وقت بعيد وأخذ أشكالا كثيرة ومتعددة، منها ما كان يتم تنفيذه بشكل فردي، ومنها ما كان يتم تنفيذه بشكل عائلي أو من خلال القبيلة، إلا أنه بدأ يأخذ شكله المنظم والمؤسساتي بعد توحيد المملكة على يد المغفور له بإذن الله تعالى مؤسسها الملك عبد العزيز آل سعود، والتوجه نحو بناء مؤسسات الدولة، حيث أنشئت في عام 1354 جمعية الإسعاف الخيري في مكة المكرمة، والتي انحصرت خدماتها آنذاك في تقديم الخدمات الإسعافية للحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، وفي عام 1383 أنشئت جمعية الهلال الأحمر السعودي كتطوير لجمعية الإسعاف الخيري، وعقب ذلك أنشئت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في عام 1380، لتصبح مسؤولة عن أعمال الضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية، وتم بعد ذلك فصل الجزء المختص بالشؤون الاجتماعية في وزارة مستقلة للشؤون الاجتماعية في عام 1425، واتجهت بعد ذلك الدولة إلى تعزيز وجود المسؤولية الاجتماعية في المملكة، من خلال إنشاء عديد من الصناديق التنموية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، صندوق تنمية الموارد البشرية، للتصدي للمشكلات الرئيسية، التي يعانيها المجتمع، والتي تأتي على رأسها وفي مقدمتها، مشكلة تفشي البطالة بين المواطنين السعوديين من الجنسين.
من هذا المنطلق أعطت خطط التنمية الخمسية المتعاقبة اهتماما وتركيزا كبيرين للتنمية الاجتماعية في برامجها التنموية المختلفة، وانعكس ذلك في تزايد الأهمية النسبية لمخصصات الإنفاق على برامج ومشروعات التنمية الاجتماعية الشاملة، والتي تندرج تحتها برامج تنمية الموارد البشرية، والرعاية الصحية، والرعاية الاجتماعية، حيث على سبيل المثال بلغ مجموع حجم الإنفاق على التنمية الاجتماعية خلال خطة التنمية الأولى 1390/1395 مبلغ 10.5 مليار ريال، في حين بلغ إجمالي حجم الإنفاق خلال خطة التنمية الثامنة 1425/1430، نحو 464,1 مليار ريال، أو ما يعادل نسبة 76 في المائة من إجمالي الإنفاق على قطاعات التنمية المختلفة.
من بين الخطوات العملية الحديثة، الرامية إلى تأسيس عمل مؤسسي للمسؤولية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية، أنشأت الغرفة التجارية الصناعية في الرياض مجلسا للمسؤولية الاجتماعية، ويرؤسه فخريا الأمير سلمان بن عبد العزيز ـــ أمير منطقة الرياض، والذي يعد بمثابة مرجعية لأنشطة ومشروعات المسؤولية الاجتماعية، التي تتبناها الشركات والمؤسسات لتنمية المجتمع وتلبية احتياجاته، كما يسعى المجلس إلى حشد الدعم والمساندة لبرامج التنمية المستدامة في منطقة الرياض خاصة وفي مناطق المملكة عامة، من خلال اقتراح الأنشطة والبرامج، التي يتولاها القطاع الخاص، بما في ذلك وضع برامج للتحفيز على برامج المسؤولية الاجتماعية لدى القطاع الخاص، وإيجاد معايير وأنظمة محلية لتطبيق تلك البرامج.
الجدير بالذكر أن المجلس قام أخيرا، بتنفيذ دراسة ميدانية حديثة عن المسؤولية الاجتماعية، نشرت تفاصيلها الزميلة صحيفة ''الشرق الأوسط'' في العدد 11528، والتي كشفت عن أن برامج تأهيل الشباب، أتت في مقدمة البرامج المجتمعية المقدمة من قبل الشركات بنسبة 76 في المائة، ثم تلتها برامج التدريب بنسبة 74 في المائة، ثم برامج التوظيف بنسبة 65 في المائة، بينما أتت برامج رعاية الأيتام في المرتبة الرابعة بنسبة 62 في المائة.
وتلت تلك البرامج في المرتبة الخامسة، برامج رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بنسبة 50 في المائة، ومن ثم برامج رعاية الأطفال بنسبة 47 في المائة، وبرامج رعاية المرضى بنسبة 44 في المائة، وتلتها في المرتبة الثامنة برامج رعاية المسجونين وأسرهم بنسبة 38 في المائة، وتبعتها برامج رعاية كبار السن بنسبة 34 في المائة، بينما جاءت برامج الرعاية الصحية في المرتبة الأخيرة بنسبة 31 في المائة.

معوقات تواجه الشركات
تواجه مؤسسات القطاع الخاص العاملة في السعودية، عددا من المعوقات لدى قيامها بتنفيذ الأعمال المرتبطة بمجالات المسؤولية الاجتماعية المختلفة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، عدم وجود مرجعية رسمية تنظم أعمال المسؤولية الاجتماعية في المملكة، وتضع له التشريعات والقوانين والأنظمة، التي تعمل على ازدهارها وتطورها وانتشارها. من بين المعوقات كذلك، ضعف مستوى ثقافة المسؤولية الاجتماعية، لدى معظم أصحاب القرار في المنشآت، ما يعوق تنفيذ عديد من البرامج، ولا يحقق الأهداف المنشودة منها، ويخلق في الوقت نفسه فجوة بين توجهات ومقاصد تلك البرامج والنتائج المتحققة عنها. من بين المعوقات أيضا، غياب التخطيط الاستراتيجي لأعمال المسؤولية الاجتماعية، بما في ذلك غياب الهياكل التنظيمية والتشريعية وآليات العمل، المرتبطة بتنفيذ البرامج، إضافة إلى عدم توافر كوادر بشرية ووحدات أو إدارات متخصصة في مجال التخطيط لبرامج المسؤولية الاجتماعية وتنفيذها، حيث غالبا ما تناط أعمال نشاطات المسؤولية الاجتماعية لإدارات في المنشأة لا علاقة لها بالمسؤولية الاجتماعية.
أخيرا وليس آخرا، عدم وجود معايير أو مؤشرات يتم بموجبها تقييم أداء أعمال المسؤولية الاجتماعية، يجعل من الصعوبة بمكان التأكد من فعالية البرامج المطبقة وقدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة منها، هذا إضافة إلى أن ضعف التنسيق بين المنشآت والجهات ذات الصلة بمجالات عمل المسؤولية الاجتماعية، وغياب المعلومات عن الاحتياجات الأساسية والفعلية في مجالات المسؤولية الاجتماعية يضعف من فاعلية تلك البرامج ويقلل من قيمتها التنموية والاجتماعية.

ثمار المسؤولية الاجتماعية
رغم المعوقات العديدة التي تواجه الشركات في تنفيذها لبرامج المسؤولية الاجتماعية، إلا أن معظمها يتجه بقوة نحو الالتزام بتنفيذ تلك البرامج لكونها تعود بعدد كبير من الفوائد والمنافع على المنشأة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
التحسين من صورة المنشأة لدى أفراد المجتمع وكسب احترامهم وتعاطفهم معها ما يعزز من مكانتها في السوق ومن إقبال المستهلكين على شراء منتجاتها والاستفادة من خدماتها، والذي بدوره سينعكس بشكل إيجابي على مبيعاتها وعلى زيادة أرباحها وعوائدها المالية.
شعور العاملين لدى المنشآت، التي لديها برامج فاعلة في مجالات عمل المسؤولية الاجتماعية على النطاق الداخلي والخارجي للشركة، بالرضا الوظيفي، نتيجة لشعورهم بالفخر والاعتزاز بالمنافع التي ستتحقق، ما سيضاعف من مستوى الولاء الوظيفي والانتماء للمنشأة، وسيعزز الرغبة في العمل لديها، والذي بدوره سيساعد على الاستقرار الوظيفي وانتظام وتيرة العمل والإنتاج في المنشأة.

الأكثر قراءة