سيدات الأعمال .. والوكالات الشرعية

أحمد الله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، الذي علمنا ما لم نعلم، وأصلي وأسلم على الهادي النذير الذي أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة، ونصح الأمة وأرشدها إلى الطريق القويم.. وبعد، فإن مناسبة كتابة المقال عن سيدات الأعمال.. والوكالات الشرعية، ما لاحظته من تذمر وتضايق ثلاث سيدات أعمال من إلزامهن بالتوكيل عن أنفسهن عند مزاولة أعمالهن من قبل بعض موظفي جهات حكومية، ذكـرت في الحـوار والنـقاش الذي دار في برنامج (واجه الصحافة) ''يديره الصحافي والكاتب الأستاذ داود الشريان''، والذي دعيت للمشاركة فيه قبل يوم من تسجيل الحوار بصفتي من المختصين في الدراسات القانونية والمقارنة؛ وذلك للمشاركة بشكل محايد بما أراه من طرح له صلة بالحوار من الناحية الشرعية والقانونية، وبما يتاح لي من فرصة للحديث من قبل مدير النقاش، وكنت لا أعرف على أي أساس دعيت للمشاركة؛ لأن مقدم البرنامج لم يسبق أن التقيت به - وجها لوجه - حتى يعرفني، لكن عرفت منه عندما حضرت أن هناك زميلا فاضلا قد أرشدهم إلي للمشاركة، وقد يكون الزميل قد اعتذر عن المشاركة، فقيل له من ترشح فذكر اسمي لهم، فاتُصل بي فاستجبت معتقدا أنني قد أوفق في المشاركة بما يفيد، لكن - والحق يقال - إنني أشعر بأن ما أبديته من رأي لم يكن كافيا في الإقناع بما ذكرته؛ لأن المقاطعة للحديث من قبل مدير النقاش لم تمكنني من استكمال الرأي الذي أبديه من الناحية الشرعية والنظامية (القانونية)، ولقد أدركت أن هذا سيجعل المشـاهد لا يرى لي مشـاركة حقـيقية في الحـوار والنـقاش، وهـذا - فعلا - ما سمعته من الأصدقاء الذين اتصلوا بي هاتفيا، أو في المجالس واللقاءات التي جمعتني بهم، وإلى درجة أن بعضهم قال لي إنك لم تُحضّر للموضوع، فقلت لهم إنني لم أحضّر للموضوع، بل لم أكن أعرف عما سيدور الحوار والنقاش حوله، ولكن ثقتي بنفسي بأن أي حوار أو نقاش في موضوع عام سأشارك به حسب اختصاصي، وأن ما لا يكون في اختصاصي، أو لم أكن أعرفه سأكون - صريحا - بأن أفصح عن عدم معرفتي به، وهذا من واجب كل شخص واع، ومدرك أن معرفته محدودة، وأن من ظن أنه علم فقد جهل، ولكثرة ما أثير من نقاشات وحوارات في اللقاءات والمجالس الخاصة حضرتها يثار ما كنت قلته حول ما طرح من إلزام المرأة أن تُوكل عن نفسها، وألا تقوم بعملها بنفسها، وخصوصا سيدات الأعمال، فإن بعض المثقفين قد أدرك من إجاباتي المقتضبة (أو المختصرة) أن سيدات الأعمال غير ملزمات بالتوكيل عن أنفسهن، إلا إذا رغبن في ذلك، وهذا أمر واضح كل الوضوح مع التطور الواسع والتنمية في كل المجالات بما أتاح لسيدات الأعمال من المشاركة في أعمال التنمية باعتبارهن جزءا من المجتمع، وأخذن دورهن مثل رجال الأعمال، ويشهد على ذلك ما قرأته أخيرا يوم الأربعاء 11/12/1431هـ الموافق 17/11/2010 في صحيفة ''الجزيرة'' من أن المشاركات في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض 6647 مشتركة بمعدل ارتفاع بلغ نسبة 18 في المائة عن العام المنصرم، وقيل إن هذا يعكس دور المرأة كعنصر شريك فاعل في المجتمع، وذلك بالمساهمة في التنمية الاقتصادية الوطنية، وعندما دار الحوار والنقاش حول ما يبديه بعض الموظفين في جهات حكومية، ذكرت في النقاش منها وزارة التجارة والصناعة مؤكدا أنه يقال لهن إن النظام يلزم سيدات الأعمال بالتوكيل، فسألني مدير الحوار عن مدى صحة ذلك؟ فأوضحت أنه لا يوجد نظام يقضي بإلزام سيدات الأعمال بتوكيل رجل يتولى المراجعة وإنهاء الإجراءات المطلوبة بالنيابة، وموضحا أنه كان في السابق يجري العمل بروتين وبيروقراطية إدارية توجب مثل هذا القول عندما كانت المرأة لا تحمل وثيقة إثبات شخصية ومتحجبة، فلا يمكن التحقق من شخصيتها عند إجراء توثيق أي تصرف من بيع أو شراء، وهذا الروتين والبيروقراطية الإدارية ترسخت في أذهان بعض الموظفين كعرف أطلق عليه (نظام)، فتم مقاطعتي في الحديث بالتأكيد على وجود نظام، وألمح بأنني لا أعرف عنه شيئا، موضحين أن نماذج وزارة التجارة مذيلة (بالوكيل الشرعي)، فقلت لهم إن هذه النماذج ليست بنظام، وإنما عملت حسب الروتين، وكنت أتمنى لو أن مسؤولا من وزارة التجارة قد شارك في هذا الحوار، ولكن من بداية الحوار نوه داود الشريان بأن مسؤولَين من الوزارة قد اعتذرا بسبب السفر؛ مما أوجد فراغا لا يمكن سده، وصار النقاش يدور وكأن هناك نظاما حسب فهمهم، ولذا أكد على ما قلته من عدم وجود نظام يلزم المرأة بالتوكيل عنها، وأنه ليس من حقها مزاولة عملها بنفسها، وأن المرأة مثلها مثل الرجل عندما نقول إن من حق كل شخص كامل الأهلية سواء كان رجلا أو امرأة أن يزاول عمله بنفسه، وأنه بإرادته المنفردة من حقه أن يُوكل غيره عنه إذا رأى لذلك موجبا، وباطلاعي على عدد من المراجع لم أجد أي نظام أو قرار تنظيمي صادر من مجلس الوزراء يلزم المرأة بالتوكيل عنها؛ ولهذا أتمنى من كل فرد يقرأ هذا المقال من الموظفين وغيرهم تزويدي بصورة مما لديه إذا كان هناك نظام أو قرار تنظيمي صادر من مقام مجلس الوزراء، وذلك على الفاكس 4539978، أما التعليمات والتعاميم والنماذج غير المبنية على نظام، أو قرار تنظيمي من مجلس الوزراء، فلا يمكن وصفها بنظام (أي قانون)، بل هي كما ذكرت مبنية على فهم لإجراءات روتينية، وبيروقراطية اجتهادية إدارية انتهى العمل بها بعد التطور والتنمية الاقتصادية، وأصبحت المرأة من حقها الحصول على وثيقة إثبات شخصية مستقلة، ولا أدل على ذلك مما ذكرته إحدى المشاركات في الحوار من أن مجلس الوزراء الموقر قد أصدر قرارا في عام 1425هـ، مفاده عدم إلزام المرأة (سيدة الأعمال) بالتوكيل عن نفسها، ومع عدم اطلاعي على القرار فإن الرأي القانوني حيال صُدور هذا القرار فإنه لم يكن مقررا لقاعدة جديدة، بمعنى أنه ملغٍ لنظام أو قرار تنظيمي، بل إن القرار يُعد كاشفا لقاعدة عامة موجودة وفق ما ذكرته آنفا، وهي حرية الشخص في التوكيل إذا رأى لذلك موجبا، وهذا معروف عند العلماء والمثقفين، العارفين بحكم الخبرة، والممارسات العملية، وكتب الفقه الإسلامية لم تتطرق إلى إلزام الشخص السوي كامل الأهلية بالتوكيل، سواء كان رجلا أو امرأة، وإنما تطرق لبيان أحكام الولاية والوصاية عن الشخص فاقد الأهلية على تفصيل واضح، وهذه تختلف عن الوكالة الشرعية، والجهل بهذا الاختلاف يؤدي إلى الخلط واللبس، والاجتهادات غير الصحيحة.
ولعلني فيما تقدم ذكره قد بينت ما لم يُتح لي توضيحه، وأقول للأخ العزيز الأستاذ داود الشريان - بكل صراحة - إن مقاطعة المتحدث قبل أن يستكمل رأيه تجعل كثيرا من المتخصصين والمثقفين يعتذرون عن المشاركة في برنامج (واجه الصحافة)، ولعل الزميل الفاضل الذي لن أذكر اسمه قد اعتذر لهذا السبب، وكذلك المسؤول في وزارة التجارة والصناعة، وحسبي أنني قلت ما جاد به فكري، فإن كنت أصبت، فذلك بتوفيق من الله العزيز الحكيم، وإن كنت أخطأت فمني، وأستغفر الله التواب غافر الزلات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي