قطاع المباني الخضراء.. فرص استراتيجية لدول الخليج

قطاع المباني الخضراء.. فرص استراتيجية لدول الخليج

تحظى دول مجلس التعاون الخليجي بفرص نوعية للاستفادة من طفرة المشاريع التي تشهدها لوضع أساسات صناعة خضراء تتوافق مع المعايير البيئية، وفي حال الاستثمار الأمثل لهذا القطاع، يمكن لدول المنطقة أن تتصدر قطاع المباني الخضراء والصناعات المرتبطة به على الصعيد العالمي وفقاً للدكتور سامي محروم، رئيس مبادرة دعم السياسات الابتكارية لدى كلية إنسياد لإدارة الأعمال، الذي يقدم مجموعة من المعطيات التي تسهم في بناء صناعة خليجية خضراء رائدة عالمياً، حيث يشير إلى أن هذا القطاع يشكل فرصة استثمارية مغرية في ظل الطلب العالمي المتنامي على الأبنية الخضراء، التي تتوافق مع المعايير البيئية من خلال مجموعة من المواصفات، بدءا من استهلاك أقل للطاقة، مروراً بإنتاج أقل للنفايات، وصولاً إلى الحد من انبعاثات الكربون، ويلفت محروم إلى أن حجم سوق الأبنية الخضراء عالمياً يقدر بـ 500 مليار دولار، ويتوقع أن يصل إلى التريليون دولار قريباً جداً.

تنامي الطلب
تأتي مستويات الطلب المتنامية على الأبنية الخضراء في ظل تزايد الوعي لدى الأفراد بأهميتها الصحية والبيئية، خاصة مع اتساع نفوذ الأحزاب المدافعة عن البيئة في المؤسسات الحكومية الغربية، وباتت معظم بلديات المدن الكبرى إلى جانب الحكومات المركزية، تدفع باتجاه سن قوانين
وقيود تحافظ على البيئة والصحة العامة وفرضها على قطاع البناء والإنشاءات ليتم الالتزام بها في كل مبنى أو مشروع جديد، ويقول محروم إن تلك القوانين لم تفرض على السوق، بل تمت من خلال عملية حوار وتفاوض مع الشركات الكبرى العاملة في قطاع البناء، وذلك حرصاً على عدم الإضرار بالقطاع العقاري، ولخلق نوع من التوازن في الأسواق. وقد وجدت الشركات العاملة في قطاع الإنشاءات فائدة اقتصادية في المعايير البيئية المفروضة من قبل الحكومات، بعد أن أدت تلك القوانين إلى التزام جميع الشركات والمطورين بمعايير الأبنية الخضراء، الأمر الذي أوجد نوعاً من الثقة لدى المستثمرين للاتجاه نحو هذا النوع من المشاريع التي ستجد الطلب في الأسواق.

تخصص خليجي
تعتبر منطقة الخليج العربي من أكبر أسواق الإنشاءات على الصعيد العالمي في ظل تواصل حركة البناء والعمران وتطوير مشاريع البنية التحتية على نطاق واسع، وفي ضوء سعي هذه الدول إلى التخصص في قطاع اقتصادي جديد، يأتي قطاع الأبنية الخضراء في المقدمة وفقاً لمحروم، الذي يؤكد مكانة قطاع البناء في الاقتصاد الأخضر، حيث تشكل النفايات وانبعاثات الكربون الصادرة عن الأبنية نسبة ترواح من 30 و60 في المائة من إجمالي التلوث البيئي، وتتميز الأبنية الخضراء بميزات تمكنها من تخفيض استهلاك الطاقة بنسب كبيرة.
ويرى محروم أن قطاع الأبنية الخضراء هو القطاع الأفضل استراتيجياً أمام دول الخليج لكي تستثمر فيه على الأمد الطويل، ما يسهم في تحقيق أهدافها التنموية في توفير بنية تحتية عصرية ومتطورة تواكب الموجة العالمية للتقنية الخضراء، ويقترح رئيس مبادرة دعم السياسات الابتكارية لدى كلية إنسياد لإدارة الأعمال، أن تبادر الحكومات الخليجية بفرض قيود على جميع الشركات العاملة في مجال التطوير العقاري وقطاع الإنشاءات للالتزام بالمعايير البيئية بهدف رفع التحدي التقني لإنجاز الأبنية الخضراء، ثم تقوم الجهات التنظيمية بدراسة اتجاهات الطلب على مختلف التقنيات الخضراء لرصد التقنية الأكثر طلباً من الأسواق ليتم اشتراط توفيرها في جميع المباني المنشأة حديثاً، ووضعها كشرط في المناقصات والعقود المستقبلية، على أن تؤسس الحكومة من جانب آخر صندوقا للدعم المالي بهدف مساعدة الشركات على تطوير التقنيات المطلوب توفيرها وفقاً للشروط الموضوعة، ومن أجل الوصول إلى تلك التقنيات والحد من ارتفاع تكاليفها، يجب تشجيع نشاطات الأبحاث والدراسات على الصعيد المحلي عبر الشراكة مع المؤسسات العالمية المتخصصة، ومن خلال سلسلة التوريد التي تضم شركات تعمل في صناعات مرتبطة بقطاع الإنشاءات. يسهم كل مشروع أخضر بإضافة معرفة تقنية يمكن تعميمها ومراكمتها تشارك فيها الشركات المحلية والعالمية في السوق المحلية، والتي يمكن أن تصدر لاحقاً إلى الأسواق الخارجية في ظل الطلب العالمي المتنامي على الأبنية الخضراء، ويضيف محروم: ''تقوم الفكرة بشكل رئيسي على ربط الطلب بتوطين جزء من العرض، أي توطين المعرفة، حيث تستحوذ دول المنطقة على المعرفة التقنية المطلوبة للمشاريع الخضراء، وتركز على تطويرها محلياً بالاستفادة من كونها سوقا رئيسية في قطاع الإنشاءات، لتقوم لاحقاً بتصدير التقنيات الخضراء إلى الخارج والاستفادة من اتساع سوق هذا النوع من الأبنية على الصعيد العالمي''.

مبادرات خضراء
يأتي محروم بولاية كاليفورنيا كمثال على السياسات الحكومية التي من شأنها تعزيز الطلب عبر سن قوانين تفرض توفير العرض في الأسواق، حيث اشترطت الولاية الأمريكية على جميع السيارات أن تنتج كميات محددة من غاز الكربون بحلول عام 2020، ما دفع بشركات السيارات للاستثمار في تطوير وتحسين أداء السيارات التي تصنعها لكي تتوافق مع شروط ولاية كاليفورنيا بحلول التاريخ المحدد لسريان القانون، مع ثقتها بتواجد الطلب في السوق، إذ لن يتم استعمال أنواع السيارات الأخرى التي لا تراعي البيئة حينها.
ويشير محروم إلى أن بعض المبادرات الحكومية قد وفرت أيضاً تسهيلات مالية للأفراد الراغبين في شراء مساكن خضراء للمرة الأولى، وتقديم دعم مالي لهم، فيما عملت مثلا الحكومة الألمانية على توفير دعم مالي للأشخاص الراغبين في جعل منازلهم صديقة للبيئة، كالتحول إلى استخدام الطاقة الشمسية على سبيل المثال، أو تعزيز العزل الحراري للمنزل، ما يساهم في تخفيض استهلاك الطاقة، وعلى الرغم من الأزمة المالية الأخيرة، إلا أن أجزاء كبيرة من الأموال الحكومية التي ضخت لإنعاش الاقتصاد المحلي للكثير من الدول، قد خصصت لدعم قطاع الأبنية الخضراء، وقد طرحت عدة دول أوروبية مبادرات أخرى لتشجيع الاستهلاك الأخضر، كتقديم مبلغ مالي محدد لأي شخص يستبدل سيارته القديمة بسيارة كهربائية أو هجينة ''هايبرد''.
ويضع محروم جميع هذا المبادرات في إطار تنمية الطلب في السوق والتشجيع على الاستثمار في الأبحاث وتطوير التقنيات الخضراء بما من شأنه تشجيع تدفق استثمارات القطاع الخاص على هذا القطاع.

الأكثر قراءة