مقارنة بين الأحكام الشرعية والممارسات الحالية
في الوقت الذي تقترب فيه المصرفية الإسلامية من مرحلة البلوغ، هناك دعوات من عدة جهات إلى أن تتقدم باتجاه المقاصد الشرعية، بدلاً من مجرد الالتزام بالمتطلبات التعاقدية للتعاملات. وبرغم أن اللجان الشرعية هي عنصر إلزامي في المؤسسات الإسلامية، إلا أنه لا يزال هناك قدر كبير من الغموض يحيط بكيفية ومدى كفاءة الانسجام بين الفتاوى الشرعية وبين ممارساتها. ربما يكون الطريق نحو المنهج القائم على المقاصد الشرعية طويلاً، لأن المؤسسات على ما يبدو تسعى باستمرار للعثور على ثغرات في تطبيق أحكام ومعايير وفتاوى اللجان الشرعية. لكن لا بد من السير في هذا الطريق لتحقيق مقاصد الشريعة وحتى يصبح من الممكن إبرام وتنفيذ العقود ضمن إطار إسلامي خالص لا وجود فيه للشبهة أو الأمور المحظورة من الناحية الشرعية.
وربما كانت هناك فتاوى فردية من اللجان الشرعية مهدت الطريق أمام البنوك الفردية من حيث التساهل والتهاون في تطبيق المعايير الشرعية. بالتالي لا تزال هناك حاجة لفحص دقة الممارسات في المصرفية الإسلامية. ومن بين المسائل التي تتطلب فحصاً دقيقاً، هناك مسألة الطريقة التي تعمل بها البنوك الإسلامية في إبرام العقود.
من القضايا المثيرة للشبهة، هناك قضية التوقيع المبدئي لجميع مستندات التعامل، على اعتبار أنه يمثل ابتعاداً عن التسلسل المألوف، الذي يقوم على العرض (الإيجاب) ثم القبول. وجهة النظر الفقهية السائدة هي أن صيغة الإيجاب والقبول في البيوع لا يمكن تنفيذها إلا بعد أن يكون البائع قد حاز موضوع التعاقد. وينظَر إلى التوقيع المبدئي، في الظروف العادية، على أنه وعد من أحد الأطراف بالشراء أو البيع. وأدى هذا إلى إثارة السؤال التالي: هل يعتبر الوعد بمثابة إيجاب أو قبول، أم أنه ليس كذلك؟
لا بد من إجراء دراسة عميقة لتحليل الآراء الفقهية حول هذا الموضوع ومراجعة ممارسات البنوك الإسلامية في ماليزيا. ويقدم الباحث عدداً من الحلول في نهاية هذا البحث. بالتالي تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق أمرين: الأول هو بيان الأحكام الشرعية الخاصة بتسلسل إبرام العقود في منتجات المصرفية الإسلامية. والثاني هو دراسة الممارسات الفعلية للمصرفية الإسلامية في إبرام العقود الخاصة بتمويل السيارات وتمويل المساكن والممتلكات العقارية وعقود الإجارة والمرابحة والتمويل الشخصي.
تعتبر هذه الدراسة مهمة للغاية، من حيث إنها تبين مدى التزام ممارسات المصرفية الإسلامية بالأحكام الشرعية. ومن هذا الباب فإنها ستسهم بالتأكيد في ضمان أن تكون ممارسات المصرفية الإسلامية على الوجه الصحيح بين الأطراف في النظام. كذلك فإن الدراسة مهمة من حيث إنها تقترح حلولاً للبنوك التي ربما لا تكون قادرة على تطبيق الطريقة السليمة في إبرام العقود. كذلك سيسهم هذا البحث في مساعدة الباحثين والممارسين والدارسين للحصول على فهم أعمق لموضوع يواجهونه في أعمالهم اليومية.
1ـــ يعتبر علماء أصول الفقه أن الركن في مسألة ما هو أمر أساسي لا بد منه لهذه المسألة، وأن غياب الركن يعني غياب المسألة، وأن وجود المسألة يعني تحقق الركن. من جانب آخر، يعتبر الشرط أمراً يؤدي غيابه إلى عدم وجود المسألة المرتبطة به، لكن وجوده بحد ذاته لا يعني بالضرورة وجود المسألة. الفرق الأساسي إذن بين الركن والشرط هو أن الشرط ليس جزءاً جوهرياً في المسألة المرتبطة به.
يستخدم الفقهاء تعبيرات مختلفة أثناء دراستهم لأركان العقود. بعض الفقهاء يميزون بين الأركان والشروط في العقد. وهذا هو ما جرى عليه معظم فقهاء الشافعية ومَن وافقهم على ذلك. وهناك فقهاء لا يستخدمون كلمة "ركن" وإنما يستخدمون عوضاً عنها كلمة "شرط" لتشتمل على أركان العقد. وهذا ما جرى عليه فقهاء الزيدية (وهي من طوائف الشيعة المعتدلة في اليمن).
1ـــ1 الركن الأول: الإيجاب والقبول (صيغة العقد)
يشترط الإسلام الرضا كأساس للتعاقد، ويعتبر العقد باطلاً في غيابه. قال تعالى في محكم التنزيل:"يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" (الآية 29 من سورة النساء)
وحيث إن الرضا هو حالة نفسية داخلية، فإن من الصعب تحديد مقدار الرضا لدى الأطراف المتعاقدة إلا من خلال معادِل موضوعي. وقد اعتبر الفقهاء أن هذا المعادِل هو صيغة الإيجاب والقبول، التي تعتبر ركناً أساسياً لا بد منه لإقامة الدليل على حصول الرضا لدى المتعاقدين. وبالتالي أصبحت هذه الصيغة علامة دائمة لتحديد رضا أطراف التعاقد. وهذا ما يجعلها ركناً لا بد منه لسلامة العقد. وقد فسر الإمام النَّسَفي الآية الكريمة الواردة في سورة النساء على النحو التالي: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل بما لا تبيحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا". وقد استنتج العلماء كذلك أن التعامل بما ليس عندك غير جائز. لكن السؤال هو: هل يعتبر التوقيع المبدئي من باب التصرف فيما ليس عند أطراف التعاقد؟
1 ـــ 2 التراضي
يعتبر الرضا الشفوي أو المكتوب على أنه "وصف ظاهر" للنية، ويعتبر دليلاً على قيام الرضا بين الأطراف. وقد بحث القرطبي في طبيعة التراضي وقال: "اختلف العلماء في التراضي، فقالت طائفة: "تمامه وجزمه بافتراق الأبدان بعد عقدة البيع". وقال الإمام النَّسَفي: "... تجارة عن تراض بالعقد أو بالتعاطي ...".
1 ـــ 3 تفاصيل التراضي في إبرام العقود
أجمعت أغلبية جمهور الفقهاء على أن وجود العقد وإتمامه وسلامته تعتمد جميعاً على وجود تعبير لفظي أو مكتوب يُظهر فيه الطرفان أن كلاً منهما راض عن العقد. ويطلق الفقهاء على ذلك وصف "التعبير عن الإرادة". ويقول فقهاء الحنفية إن البيع يقع حين يستخدم الشخص الفعل الماضي بقوله: "بعتُ" أو "اشتريتُ". ويجوز استخدام صيغة المضارع بالقول "أشتري" أو "أبيع". لكن لا يجوز استخدام صيغة المستقبل، لأن ذلك يناقض أهداف العقد الذي يجري إنجازه في ذلك الوقت. لذلك يعتبر بعض الفقهاء (مثل وهبة الزحيلي) أن البيع غير المنجز (أي البيع القائم على أمر في المستقبل) بيعاً فاسداً (وفقاً لفقهاء الحنفية) وباطلاً (وفقاً لجمهور الفقهاء). كذلك اعتبر الحنفية أن استخدام الطلب (مثل "بِعني" أو "اشتر مني") يجعل العقد باطلاً، ما لم يعرب الشخص عن نيته بعد إتمام التعاقد بقوله "اشتريت" أو "أشتري" أو "بعت" أو "أبيع".
ومن الأمور الأخرى الدالة على حصول التراضي استخدام الكتابة، أو المعاطاة، أي تبادل السلع دون استخدام كلمات.
وقالت طائفة أخرى من الفقهاء إنه لا يجوز اللجوء إلى كتابة العقد إلا إذا كان أحد الطرفين غير قادر على الكلام، وإلا فلا يجوز. ويأخذ بذلك غالبية الشافعية وفقهاء الإباضية.
#2#
وبعد مقارنة آراء الفقهاء وما قدموه من دليل، توصل كاتب هذا البحث إلى أن كتابة العقد هي بحد ذاتها كافية لإقامة الدليل على وقوع التراضي. كما أن الممارسات الحالية تعتمد على العقود المكتوبة دون اللجوء إلى صيغة لفظية. والواقع أن العقود المكتوبة أصبحت هي الناظم في العقود التجارية في ماليزيا.
1 ـــ 4 تبادل المواد بالفعل (المعاطاة)
اختلف الفقهاء في جواز العقود القائمة على تبادل المواد بالفعل دون استخدام تعبير لفظي (أي المعاطاة) بدفع الثمن وحمل المادة المشتراة.
قال فقهاء المالكية والحنابلة والإباضية إن البيع ينعقد بمجرد التبادل. وقد قبل بهذه الفكرة عدد من فقهاء الشافعية، مثل الإمامين الغزالي والنووي. أما فقهاء الحنفية فقد أجازوا المعاطاة دون لفظ في المواد غير المهمة فقط. لكن جمهور فقهاء الشافعية (وبعض الإباضية) يعتبرون أن العقد بالمعاطاة دون تعبير لفظي يعد باطلاً.
لكن من دراسة النص القرآني والسنة يظهر لنا أن هناك دليلاً صريحاً على جواز التعامل بالمعاطاة (أي دون استخدام تعبير لفظي)، سواء كانت المادة رخيصة أو غالية الثمن. وقد سار على ذلك عدد من العلماء مثل الكاساني والنووي وابن قدامة، وقالوا إن العرف في مجتمع معين دليل مقبول على جواز المعاطاة حين يرتضيها الناس.
2 ـــ أحكام اللجان الشرعية حول التوقيع المبدئي والتسلسل في إبرام العقود
تلعب اللجان الشرعية في البنوك الإسلامية دوراً أساسياً في إصدار المبادئ الإرشادية وتحديد العوامل والثوابت التي تسترشد بها الصناعة. وفوق هذه اللجان توجد المجالس الاستشارية الشرعية التابعة للأجهزة التنظيمية، مثل البنك المركزي الماليزي، وهيئة الأوراق المالية الماليزية، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية. وفي سبيل دراسة موضوع التوقيع المبدئي، قام الباحث بتحليل الأحكام الصادرة عن عدد من اللجان الشرعية. وتبين من الدراسة أن لجنتين فقط من بين اللجان أصدرتا أحكاماً واضحة بخصوص هذه المسألة. وذلك على النحو التالي:
1ـــ ذكرت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية صراحة أن هناك حاجة إلى توقيع المستند بعد إبرام العقد الأول. وقالت الهيئة في المعايير الشرعية الصادرة عام 2008 تحت عنوان "المرابحة للآمر بالشراء" إنه لا يجوز شرعاً للمؤسسة أن تبيع أي شيء (لطرف ثالث) بموجب المرابحة قبل استحواذها على هذا الشيء. بالتالي لا يجوز للمؤسسة التوقيع على عقد المرابحة مع الطالب (أي الزبون) قبل إبرام العقد مع البائع الأول (أي الموَرِّد) لشراء سلعة المرابحة والاستحواذ عليها بالفعل أو من الناحية العملية، بأن تُعطَى حرية الاستفادة من السلعة أو تقديم مستندات تفيد حصولها على ملكية السلعة. بالمثل تعتبر المرابحة باطلة إذا كان العقد الأول (بين المؤسسة والموَرِّد) باطلاً، على اعتبار أن العقد في هذه الحالة لا يعطي الملكية التامة للمؤسسة. ويذكر المعيار صراحة أنه لا يجوز شرعاً للمؤسسة أن تقوم بالتوقيع على عقد المرابحة مع الطالب (الزبون) قبل إبرام العقد مع البائع الأول (أي الموَرِّد) لشراء السلعة.
وبالنسبة لعقد الإجارة، يذكر المعيار أنه يشترط لصحة عقد الإجارة بخصوص أحد الموجودات أن يسبق عقد الإجارة عقد يبين الاستحواذ التام؛ إما للعقار الذي سيجري تأجيره أو حق الانتفاع بالعقار. ويؤكد المعيار على الحاجة إلى عقد الاستحواذ التام قبل إبرام عقد الإجارة بين الطرفين.
2 ـــ مجموعة دلة البركة: لم تتطرق فتاوى دلة البركة بصورة مباشرة إلى مسألة التوقيع المبدئي، لكنها ذُكِرت بصورة غير مباشرة في فتوى بينت الوقت الذي يمكن فيه الدخول في العقد الثاني. وقالت الفتوى إنه بخصوص إبرام عقد المرابحة يوم صدور كتاب ضمان الشحن، يجوز إبرام عقد المرابحة مع الزبون بعد وصول بوليصة التأمين الخاصة بالشحنة، والتي تبين ملكية البنك للسلعة، رغم أنه لا بد للبنك أن يدفع المال إلى المنتِج. نفهم من هذه الفتوى أنه لا يستطيع الطرفان إبرام عقد المرابحة إلا بعد أن يحصل البنك على ملكية السلعة موضوع المرابحة.
أما بالنسبة للمؤسسات المالية الأخرى، فقد اتصل الباحث هاتفياً بصورة انتقائية بعدد من أقسام التمويل أو المنتجات ضمن البنوك الإسلامية. ويبين الجدول التالي أجوبة عدد من البنوك حسب التصنيف المذكور:
3 ـــ تفاصيل التوقيع المبدئي والأسباب وراء هذه الممارسة:
وجه الباحث استبياناً إلى عدد من المصرفيين العاملين في البنوك المشتركة في رابطة البنوك الإسلامية في ماليزيا حول كيفية التعامل في مسألة العقد المبدئي. وفيما يلي نعطي ملخصاً لإجاباتهم:
1 ـــ يقوم الزبون بالتوقيع المبدئي على المستند حين يتقدم بطلب للحصول على أحد التسهيلات التمويلية من البنك.
2 ـــ يوقع الزبون مسبقاً على جميع المستندات كإجراء شكلي فقط. ويتم إبرام العقد بصورة فعلية من خلال محادثة هاتفية مسجلة.
3 ـــ بالنسبة للتمويل السكني، يوقع الزبون على جميع المستندات في مكتب المحامي.
وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كانت اللجنة الشرعية للبنك توافق على التوقيع المبدئي لهذه المستندات، قال عدد كبير من البنوك الإسلامية إنه لا توجد موافقة من اللجنة الشرعية لكنها تحاط علماً بهذه الممارسة. معنى ذلك أن اللجنة الشرعية لم تصدر قراراً رسمياً بذلك. بالمقابل، قال عدد قليل من البنوك إنها أحاطت اللجنة علماً بالموضوع أو على الأقل أطلعتها عليه.
وبالنسبة للسؤال حول ما إذا كان البنك يسمح بالتوقيع المبدئي بخصوص المنتجات التالية، فإن معظم البنوك التي تقبل بالتوقيع المبدئي بصورة عامة تقبل بالتوقيع المبدئي بخصوص المنتجات التالية:
ـــ التمويل العقاري.
ـــ التمويل الشخصي.
ـــ تمويل السيارات.
ـــ التمويل التجاري.
يذكر أن بعض البنوك قالت إنها لا تسمح بالتوقيع المبدئي بخصوص التمويل الشخصي.
كان هناك سؤال ينص على ما يلي: "هل يضمن البنك أن ممثله الرسمي يقوم بالتوقيع على المستندات حسب التسلسل؟". أجاب عدد قليل من البنوك بأنها لا تتبع التسلسل بالضرورة عند توقيع المستندات. وقالت بنوك أخرى إنها تراعي بالفعل التسلسل.
وبالنسبة لسؤال حول التسلسل الذي ينبغي أن يتبعه البنك في توقيع المستندات لعقود المرابحة، اتفق جميع المشاركين في الاستبيان على أن التسلسل ينبغي أن يكون على النحو التالي: اتفاقية البيع والشراء، ثم اتفاقية شراء الملكية، ثم اتفاقية بيع الملكية.
وبالنسبة للتسلسل الذي ينبغي أن يتبعه البنك في عقود الإجارة، أجمعت معظم البنوك على أن التسلسل الواجب مراعاته هو على النحو التالي: اتفاقية البيع والشراء، ثم اتفاقية شراء الملكية، ثم اتفاقية الإجارة، ثم اتفاقية بيع العقار. وكان هناك بنك يعتبر أن التوقيع هو مجرد إجراء شكلي وكان يعتمد بصورة تامة على اتفاقية شراء الإيجار دون أية اتفاقية أخرى.
وفيما يتعلق بالسبب الذي يدعو البنوك الإسلامية إلى ممارسة التوقيع المبدئي، كانت الإجابة:
1 ـــ لا بد أن يكون البنك الإسلامي متمتعاً بالكفاءة نفسها التي يتمتع بها البنك التقليدي في سبيل تسريع معاملات التوقيع.
2 ـــ إن وجود عدة جلسات مختلفة للتوقيع على المستندات من شأنه إرهاق الزبون.
4 ـــ النتائج والخلاصة والتوصيات
نستنتج مما تقدم أن أكثر المناهج التزاماً بالأحكام الشرعية فيما يخص إبرام العقود وتوقيعها هو عن طريق عدد من الجلسات بين البنك والزبون. وإن من غير المنطقي بالنسبة للبنك الإسلامي، باعتباره بنكاً يقوم على أساس تجاري، أن يتصرف على نحو مماثل للبنوك التقليدية القائمة على صرف القروض عند إبرام العقود حين تكون هناك اعتراضات شرعية تحظر القيام بذلك. بالتالي ينبغي على المصرفيين والزبائن في البنوك الإسلامية التواصل فيما بينهم بأنفسهم في المراحل المختلفة للتعاملات وأن يتم تنفيذ على ذلك النحو المذكور أعلاه.
على سبيل المثال، في عقود المرابحة يجب على البنك أن يضمن أنه أكمل شراء المادة أو السلعة من الموَرِّد، حتى يتمكن من الدخول في عقد مرابحة مع طرف ثالث، أي الزبون. بالتالي لا بد للزبون أن يأتي إلى البنك مرتين: الأولى لقبول عرض التمويل، والثانية لإجراء عقد المرابحة مع البنك، بعد أن يكون البنك قد اشترى السلعة أو المادة واستحوذ عليها إما بالفعل وإما من الناحية العملية. من جانب آخر، يمكن إبرام عقد المرابحة بين البنك والزبون باستخدام أحدث سبل الاتصال، مثل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية على الهاتف الجوال، أو من خلال محادثة هاتفية، أو من خلال نظام خاص يمكن إنشاؤه وإدارته عن طريق الهاتف بحيث تتم طباعته بعد ذلك.
لكن الطريقة الثالثة المتبعة في التوقيع المبدئي، كما ذكرنا في البند الخاص بهذا الموضوع أعلاه، تتفق مع وجهة نظر أغلبية الفقهاء، على اعتبار أنها تفي بالتسلسل السليم للعقود وتضمن أنه تم نقل الملكية إلى البنك قبل إبرام عقد المرابحة أو عقد الإجارة مع طرف ثالث. وكما ذكرنا في الجدول الوارد أعلاه، فإن الطريقة الثالثة هي أن يتم إبرام العقد شفوياً حسب التسلسل، وتعتبر المستندات شكلية فقط، لكن المستندات يجب أن تتبع الأحكام الشرعية مثل مستند اتفاقية شراء العقار واتفاقية الشراء والبيع واتفاقية الإجارة الإسلامية.
ولتحسين وضع العقد اللفظي (الشفوي) من خلال المحادثة الهاتفية المسجلة، ينبغي على البنوك الإسلامية استخدام الوسائل التكنولوجية العصرية كما ذكرنا أعلاه. وينبغي بذل الجهود الرامية إلى إنشاء نظام عملي يمكن استخدامه إلكترونياً لتمكين البنك والزبون، على نحو يكفل للجميع إبرام وتنفيذ العقود بصورة متفقة مع الأحكام الشرعية، باتباع التسلسل الصحيح، وعلى نحو يمكن طباعته كمستند رئيسي ليكون رديفاً للتوقيع المبدئي لمستندات العقود الإسلامية في حالة حدوث خلاف بين الطرفين.
والله أعلم.
من إصدار: الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية
وحدة التمويل الإسلامي والمصرفية الإسلامية
كلية إدارة الأعمل، جامعة أوتارا - ماليزيا