الشيخ عبد الله بن المنيع: في البدايات اعتبرونا "دراويش" واليوم يطلقون علينا لقب خبراء شرعيين

الشيخ عبد الله بن المنيع: في البدايات اعتبرونا "دراويش" واليوم يطلقون علينا لقب خبراء شرعيين
الشيخ عبد الله بن المنيع: في البدايات اعتبرونا "دراويش" واليوم يطلقون علينا لقب خبراء شرعيين
الشيخ عبد الله بن المنيع: في البدايات اعتبرونا "دراويش" واليوم يطلقون علينا لقب خبراء شرعيين

أكد الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء، وعضو عدد من الهيئات الشرعية في المصارف التي تتعامل بالمصرفية الإسلامية، أن المصرفية الإسلامية أثبتت وجودها وثبتت قدميها على الوجود العالمي، بل أصبحت مطمعا وهدفا عالميا، وهو ما يدعو إلى العناية بها خشية أن تصاب بما يؤثر في مسلكها وسمعتها. وحذّر الشيخ المنيع من خطورة ما يعمد إليه البعض من القيادات المصرفية العامة في إيجاد منتجات مصرفية تقليدية وإلباسها لباسا إسلاميا على سبيل التضليل، وهي في الواقع أبعد ما تكون عن الشرعية. ويرى الشيخ المنيع ـــ الذي يعده البعض ''مهندس'' تحول البنوك إلى الصيرفة الإسلامية ـــ أن التوجه الذي تشهده البنوك السعودية نحو التحول إلى بنوك إسلامية توجه حميد ولا مخاطرة فيه، يجب تشجيعه فهو من باب القضاء على الربا، ويعد من أسباب نموها.

جاء ذلك لدى استضافته في لقاء عقد في مقر المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق في الرياض. ويندرج هذا اللقاء، ضمن التعاون الوثيق بين البنوك السعودية، ممثلة في لجنة الإعلام والتوعية المصرفية ونادي ''الاقتصادية'' الصحفي، ومجلة "المصرفية الإسلامية" لتوعية وتثقيف المجتمع بالمعرفة التامة حول آفاق العمل المصرفي ومنتجاته، ولا سيما فيما يتعلق بالخدمات المصرفية الإسلامية، التي أصبحت تشهد إقبالا متناميا من قبل مختلف أفراد المجتمع.

وفي الكلمة التي افتتح فيها اللقاء أكد الشيخ على أهمية أن يكون للمصرفية الإسلامية هوية لها استقلالها، ولها قيمتها، ولها فلسفتها في الاتجاه النشاطي الذي من شأنه أن يعطي النتائج التي تميزها عن المصرفية التقليدية. وأضاف قائلا: ''عندما جاءت المناداة بالمصرفية الاقتصادية الإسلامية، كان الغرب ينظر إليها نظرة رجعية ونظرة تأخر، أما الآن، ولا سيما بعد وقوع الأزمة المالية العالمية التي كانت البنوك الإسلامية أقل تأثرا بها، فقد تغير الوضع وأصبحوا ينظرون إليها نظرة إعجاب وتطور، بل إن كثيرا من البلدان الغربية أسست عددا من المصارف الإسلامية كما في بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، وكذلك في الولايات المتحدة. ويرى الشيخ المنيع أن طرح كثير من البنوك الإسلامية منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، حقق لكثير منها عوائد تفوق ما تقدمه البنوك التقليدية من منتجات، ويأتي ذلك نتيجة رغبة الشريحة العظمى من المتعاملين مع البنوك في السعودية في البحث عن مصادر للرزق والكسب والتعاملات الحلال. وأعرب عضو هيئة كبار العلماء عن تفاؤله بأن تتحول جميع البنوك في المملكة التي تعمل بصورة تقليدية إلى المصرفية الإسلامية، مشيرا إلى أن تحول البنوك التقليدية إلى بنوك إسلامية فيه من الفوائد الكثير، أهمها: رضا الله تعالى في الابتعاد عن الربا، وتحقيق شعور ابن الإسلام ورغباته في التطلع إلى تحويل تلك البنوك التقليدية، خاصة أن جميع البنوك المصرفية الإسلامية القائمة حاليا تحققت بناءً على رغبة عملائها في ذلك.

وأضاف أنه يؤمن تماما بأن السبيل الوحيد لتحول البنوك السعودية نحو المصرفية الإسلامية يأتي عن طريق الحوار والتعامل المباشر معها، وإيجاد الحلول الإسلامية البديلة لمنتجاتها التقليدية، معتبرا أن هذا التحول يتم بالتعامل التدريجي، وزرع ثقة التعامل وإيجاد البدائل.

تحريك الأسواق

ركز الشيخ المنيع الذي يعد من مؤسسي اللجان الشرعية في عدد من المصارف السعودية، على أن المصرفية الإسلامية تقوم على الوضوح عند التعاقد والبُعد عن الغرر والغبن وبيع المجهول؛ مما أسهم في انتشارها وفي تطورها، لتحظى بقبول وانتشار واسع على مستوى العالم. وتناول الشيخ المنيع تطور المصرفية الإسلامية في السعودية بالتحديد، رغم التحديات التي تواجهها، والنظرة المستقبلية لهذه التعاملات الإسلامية، ولا سيما أن البعض يؤكد أن المستقبل سيكون للمصرفية الإسلامية، خاصة بعد أحداث الأزمة المالية العالمية، وأن الاقتصاد الإسلامي سيكون له شأن وتأثير في الاقتصاد العالمي. وأشار الشيخ المنيع إلى دور المصرفية الإسلامية في تحريك الأسواق وتنمية الاقتصاد، حيث تعتمد على شراء وبيع السلع والبضائع، ويدخل فيها نقل وتسلم وتسليم، وفي ذلك تشغيل للأيدي العاملة واستئجار المستودعات واستيراد البضائع، بينما القروض التقليدية عبارة عن تداول نقدي فقط في معظم الأحيان، وفي مكان ربما لا تتجاوز مساحته 20 مترا ولا تتجاوز آثاره هذه المساحة ومبلغ التعامل.

همز ولمز

دعا الشيخ المنيع إلى ضرورة تحري الدقة عند انتقاد المصرفية الإسلامية، حيث تأتي أحياناً عن سوء فهم وإدراك من قبل بعض الناقدين لدور المصرفية الإسلامية، كما يندرج بعضها ضمن الهجوم الذي تتعرّض له المصرفية الإسلامية بشكل متعمّد، مطالبا برعاية هذه التجربة التي أصبحت تلقى ترحيباً في عدد كبير من دول العالم، حيث إن الغرب بدأ يبحث بجدية عن أساليب التمويل الإسلامي، وبدأ في إنشاء مصارف متخصصة في هذا المجال، كما قام بإنشاء أقسام في بعض الجامعات الغربية لتدريس المصرفية الإسلامية وإجراء البحوث حولها. ودعا الشيخ المنيع المصارف الإسلامية إلى ضرورة التوسع في نشر ثقافة التعاملات المالية الإسلامية بين أفراد المجتمع عن طريق عقد الندوات والمؤتمرات وعقد ورش العمل وهكذا. وقال: ''أتذكر أنه عندما بدأنا أنا ومجموعة من الإخوان ننادي بالمصرفية الإسلامية كنا نسمع كثيرا من الهمز واللمز والسخرية، وكانوا يعتبروننا ''دراويش''، وكنا نقول: ''اصبر وما صبرك إلا بالله''، لكنهم اليوم يطلقون على المشايخ لقب خبراء شرعيين في المصرفية الإسلامية.

ذكر الشيخ المنيع بعض القصص عن كيفية تحول بعض البنوك السعودية إلى المصرفية الإسلامية، ومنها البنك الأهلي، حيث قال: ''كان هناك مجموعة من أهل الخير يشعرون بوجود مصرفية إسلامية تحل مكان التعاملات المصرفية التقليدية، وقد كثر هذا الكلام أمام قيادة البنك، فما كان منهم إلا أن فكروا في تحويل أحد فروع البنك في جدة ويقع في شارع حائل تحديدا ـــ وهو فرع أداؤه المالي متواضع جدا آنذاك ـــ وبعد تحويله إلى المصرفية الإسلامية، لم يمض أكثر من ستة أشهر إلا وهذا الفرع أصبح من بين أقوى فروع البنك وسبق مجموعة كبيرة من فروع البنوك الأخرى التي لها اعتبارها وشأنها، وبعد ذلك أصبح تحول فروع البنك الأهلي تدريجيا إلى فروع إسلامية، حيث يملك البنك حاليا 279 فرعا، كلها فروع تنحصر أعمالها في مقتضيات المصرفية الإسلامية''. وتابع قائلا: ''ويوجد حاليا عدد من البنوك المحلية التي لديها فروع تتعامل بالمصرفية الإسلامية مثل: ''الرياض''، ''ساب''، و''سامبا'' التي تسير في الاتجاه نفسه وغيرها''. ويواصل حديثه: ''المصرفية الإسلامية كانت موجودة في الخليج، وتحديدا في البحرين ثم دبي، وقد بدأت تنتقل إلى عدد من البلدان العربية والإسلامية، وهي الآن تحولت إلى اقتصاد عالمي له اعتباره واحترامه والثقة بالأخذ به''. وزاد: "في الواقع، إن هذا التطور العجيب في المصرفية الإسلامية جاء ليرد على كل المشككين فيها، بعد أن عرفوا أن المصرفية الإسلامية ما هي في الواقع إلا إنقاذ للاقتصاد العالمي، والمصرفية الإسلامية أفضل من المصرفيات الأخرى؛ لأن المصرفية الإسلامية مبنية على الوضوح المبني على الحقيقة والشفافية والإفصاح بعيدا عن الغرر والغبن والجهالة والغش والتدليس''. والدليل على ذلك أن كثيرا من المصارف الدولية التقليدية التي تأثرت تأثراً بالغاً بتبعات الأزمة المالية العالمية كان ذلك نتيجة عدم الوضوح وغياب الشفافية في تعاملاتها وسعيها وراء الكسب المادي والمالي بصرف النظر عن النتائج، ما تسبب في انهيار وإفلاس عديد منها.
#2#
مطمع وهدف عالمي

وتابع المنيع: ''إن تلك البنوك الغربية خسرت لأن تعاملاتها كانت لا تبنى على الحقائق والوضوح، وإنما على مجرد تصورات وإيجاد معايير وضوابط لتحصيل الكسب، بغض النظر عن أن هذا الكسب مبني على حقائق أو غير ذلك، وبناء على هذا نحمد الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ أن المصرفية الإسلامية جاءت من المسلمين، وكان الغرب ينظر إليها نظرة رجعية ونظرة تأخر، أما الآن فهم ينظرون إليها نظرة إعجاب وتطور، بل إن بعض البلدان الغربية عملت على تأسيس مصارف إسلامية كاملة، كما في بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وكذلك في الولايات المتحدة. ومما لا شك فيه أن المصرفية الإسلامية أثبتت وجودها وثبتت قدميها على الوجود، وأصبحت مطمعا وهدفا عالميا، والواقع أننا في حاجة إلى أن نعتني بها خشية أن تصاب بـ ''نكسة''، وهذا يتطلب منا الرجوع إلى الشرع باستمرار في جميع تعاملاتنا المالية والمصرفية، وإجهاض جميع المحاولات التي تسعى إلى إيجاد منتج قريب من هذا المنتج ويحمل اسما إسلاميا على سبيل التضليل بلباس إسلامي وهو في الواقع بعيد عن ذلك، وهو أخطر ما يمكن. لذا فإنه ينبغي أن تكون للمصرفية الإسلامية شخصية وهوية واستقلالية ولها أيضا قيمتها وفلسفتها في الاتجاه الذي من شأنه أن يعطي النتائج قيمتها وتميزها عن المصرفية التقليدية. ولفت الشيخ المنيع إلى أن من أهم الأمور للتحول إلى المصرفية الإسلامية، مرضاة الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ وإبعادنا عما يغضب الله وعما لا يرتضيه، وأن المصرفية الإسلامية في عوائدها وفي نتائجها أفضل بكثير من المصرفية التقليدية. وأضاف: ''بعض رجال الفكر في أوروبا وغيرها يتعجبون من أسباب ضعف تأثر البنوك التي أخذت بالمصرفية الإسلامية بتبعات الأزمة المالية العالمية بالشكل والهيئة والمضمون التي تأثرت به البنوك الأخرى، لكنهم لم يجدوا غير سبب واحد هو الاتجاه إلى المصرفية الإسلامية، وإيجاد هيئات شرعية لها من شأنها أن تراقب تطبيق هذا التوجه.

مداخلات ومناقشات الحضور

بعد ذلك جاءت مداخلات ومناقشات الحضور، حيث قال الكاتب الاقتصادي علي الشدي: بصفتي أحد أعضاء مجلس إدارة مصرف الراجحي فإنني أعتز بأن الشيخ المنيع كان من المؤسسين للهيئة الشرعية، وقد بذل جهودا كبيرة مع أعضاء اللجنة في نقل الملاحظات يوما بعد يوم، فكل المصارف التي أخذت بالمصرفية الإسلامية في بداياتها كانت عليها بعض الملاحظات، ولكن العبرة في أن تستجيب قيادات البنوك وتأخذ بملاحظات اللجنة الشرعية، والآن مصرف الراجحي لا نقول إنه يتصف بالكمال، وإنما اقترب من إنهاء جميع الملاحظات التي أثيرت في وقت سابق. والحقيقة أن المصرفية الإسلامية أعطت المملكة وجها مصرفيا عالميا تتميز به، وفي الوقت نفسه أثبتت نجاحها في خارج المملكة، والدليل على ذلك أن لدى ''الراجحي'' فرعا في ماليزيا وقد حقق في فترة قياسية نجاحا على الرغم من المنافسة الشرسة في السوق الماليزية. وسؤالي لفضيلة الشيخ: هل يعتقد فضيلة الشيخ المنيع أن المصرفية الإسلامية شرحت شرحا وافيا وكافيا للآخرين، لأنني أعتقد أن هناك قصورا في هذا الجانب؟ رد الشيخ المنيع: لا شك أن التوعية بالمصرفية الإسلامية تحتاج إلى مزيد من النشاط، والدليل على ذلك أن الهيئات الشرعية القائمة بالمراقبة هي في الواقع تكاد تكون متكررة على المصرفيات الإسلامية، مما يدل على وجود شح في الطاقات البشرية المؤهلة في سبيل القيام بأعمال الهيئات الشرعية، ونحن نعاني هذا النقص، ونبحث عن الكفاءات، ومع الأسف عندما نجد بعض الكفاءات الشرعية لكننا في الواقع نجد أن من أهم ما يعتبر قاصرا عن تغطية الحاجة اللغة الإنجليزية وهي لغة البنوك، لذا نتمنى أن يتجه المؤهلون التأهيل الشرعي نحو التأهيل اللغوي، الأمر الثاني أتمنى أن توجد جامعة خاصة بالنشاطات الاقتصادية على وجه العموم، وإن وجدت من الدولة فهو الأفضل وقد قامت بالكثير، ولا شك أن القطاع الخاص له مسؤولية في سبيل ذلك، أو أن تقوم البنوك بإنشاء معهد مصرفي واسع النطاق قد يكون سببا في إيجاد توعية ونشاط أكثر في سبيل إدراك قيمة المصرفية الإسلامية، وكذلك يكون هناك تحفيز بحثي في المنتجات الاقتصادية.

ثم قال محمد العمران ـــ كاتب اقتصادي ـــ لدى سؤالان، الأول: أنه من المعروف أن البنوك الإسلامية وكذلك البنوك التقليدية لديها هيئات شرعية، لكن الملاحظ أن بعض البنوك الإسلامية لديها إدارات للرقابة الشرعية، ومهمة هذه الإدارات الرئيسة التأكد من تطبيق القرارات الصادرة عن الهيئات الشرعية، ومع الأسف هناك تجاوزات كبيرة بالنسبة للبنوك التي ليس لديها رقابة، وأنا أجزم بأن كثيرا من التجاوزات يصل فيها الحد إلى الاستغفال والغبن تجاه الأفراد، وتتم المتاجرة بقرارات الهيئات الشرعية أكثر من أنها تكون التزاما ومبادرات داخل البنوك، نريد أن نعرف رأي فضيلتكم في هذا الأمر؟ السؤال الثاني: الأشكال المصرفية الإسلامية التي لها شعبية كبيرة لدينا في المصارف السعودية هي أربعة: المرابحة، المتاجرة، البيع الآجل، والبيع بالتقسيط، لكن في حقيقة الأمر هي شكل واحد كلها مرابحة مع تبديل الأدوار بين المقترض والمستثمر والعكس صحيح، والمفهوم واحد، في حين أن هناك بعض أشكال المصرفية الإسلامية الأخرى لم تجد شعبية مثل: المشاركة، المضاربة، والاستصناع، ما يعني أن المصرفية الإسلامية مبنية على مبدأ واحد هو المرابحة أو تطلق عليه أسماء أخرى جميعها تصب في الاتجاه نفسه، ما رد فضيلتكم على ذلك؟ رد: الشيخ المنيع قائلا: القول إن هناك تجاوزات ـــ الله أعلم هذا القول فيه تجاوز ـــ والحقيقة أنه يمكن أن يكون هناك تجاوز لكنه لا يعد ظاهرة، يمكن أن يكون موظفا صار لديه شيء من سوء الفهم أو عدم الاهتمام، ونحن نجتهد في إيجاد ملتقيات متعددة مع الموظفين وكذلك عملاء البنوك، ونرشدهم فيها إلى أن الخطأ من الموظف يسيء إلى سمعة البنك ويأخذه العملاء على أنه غلطة البنك وليست غلطة موظف، وإن وجد بعض التجاوزات لا شك أن الرقابة على تنفيذ قرارات وتوصيات الهيئات الشرعية قائمة وكل ثلاثة أشهر يأتي تقرير وتذكر فيه جميع الملاحظات.

أما الدكتور عبد الوهاب أبو داهش فقال: من خلال هذا اللقاء أجد هناك مقارنة الند بالند بين المصرفية الإسلامية والتقليدية، وأنا أعتقد أننا لم نصل إلى هذه المرحلة، إذ إن مصرفا عالميا واحدا بأصوله وتعاملاته في العالم أكبر من جميع التعاملات الإسلامية الآن، وربما ليس من المنطق التحدث عن المصرفية الإسلامية أنها أصبحت واقعا ممكنا التعامل معه، كما أنه لا يمكن أن نعترف بأن السعودية تمثل البنوك الإسلامية لأنها لم تعترف في دساتيرها وتشريعاتها بأن هناك شيئا اسمه مصرفية إسلامية، وفي اعتقادي أنه من المهم جدا أن نضع حدودا واضحة جدا لما يعرف بالمصارف الإسلامية. ودور الهيئات الشرعية ليس تكوين منتجات تساعد البنوك التقليدية على تعظيم أرباحها لو اتجهت إلى التعاملات الإسلامية، وهذا ما يحدث حاليا في السعودية والغرب لأنها تريد تعظيم العائد مهما كان اسم المنتج، وكذلك البنوك الغربية التي تتعامل مع دول العالم الإسلامية هي تريد أن تستغل رؤوس أموال بعوائد أعلى، وفي حقيقة الأمر أن المنتجات ليس فيها فرق سواء كانت مرابحة أو تقليدية. وهنا فأنا أعتقد أن المرابحة هي نوع من أنواع الربا لأن البنك لا يدخل في مرابحة إلا ويعرف تماما أن هناك عوائد كبيرة جدا عليها، وبالنسبة للاستغلال الذي حرم الربا من أجله فهو موجود في المرابحة وكلما ارتفعت الأرباح زاد معدل الاستغلال وبالتالي صار التحريم أعظم. رد الشيخ المنيع: أرجو ألا يركن ممن ركن إليه من قالوا: ''إنما البيع مثل الربا''، على كل حال في حالة تعثر السداد في البنوك التقليدية لا تنظر إلى سبب التعثر والعداد ماشي بالفائدة، أما في المصرفية الإسلامية فإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، والمهم لماذا نهمل تنشيط الأسواق التجارية، كما أن التعامل في المصرفية الإسلامية يحرك الأسواق التجارية، حيث يستفيد منها الناقل والشاحن والوسيط وغيرهم، وهذا يختلف تماما عما يحدث في المصرفية التقليدية، وهناك فرق بين التعامل الإسلامي والتعامل التقليدي، ونحن في الواقع أمامنا وازع ديني ولا بد أن يكون في الاعتبار أن نسمع ونطيع رب العالمين في التفرقة بين الحق والباطل، وهناك فارق بين المصرفية التقليدية والمصرفية الإسلامية في كثير من الجوانب ونحن ملتزمون بالتوجيه من رب العالمين في هذه الناحية ولا تكون نظرتنا مادية بحتة.
#3#
تضارب المصالح

من ناحية أخرى تحدث الدكتور عبد الرحمن السلطان ـــ أكاديمي وكاتب اقتصادي ـــ حول تعدد الهيئات الشرعية وتضارب المصالح بحكم تبعيتها بشكل أو بآخر للبنوك، وعن إمكانية أن يكون هناك جهاز مستقل للهيئات الشرعية.على ذلك رد الشيخ المنيع بالقول: بالنسبة للهيئات الشرعية الواقع أننا منذ وقت طويل ونحن ننادي بأن يكون في مؤسسة النقد جهاز متخصص للرقابة على تعاملات المصرفية الإسلامية يماثل في حجمه الجهاز المتخصص للمراقبة على التعاملات المصرفية التقليدية، لكون المؤسسة هي المسؤولة عن نشاط المصارف على وجه العموم، وبالذات لو نظرنا إلى تطور المصرفية الإسلامية خلال السنوات القليلة الماضية والتوسع في أنشطتها، مما يفرض الحاجة إلى أن يكون لدى مؤسسة النقد مثل هذا الجهاز للمصرفية الإسلامية. وبالتالي نحن نرى أن وجود هيئة شرعية عليا في مؤسسة النقد تعنى بترتيب وتنظيم الهيئات الشرعية الموجودة في كل بنك، سيحقق مزيدا من الانضباط والإبداع والابتكار للتعاملات الإسلامية.

وفيما يتعلق باختصاص الهيئات الشرعية، تحدث الدكتور القويز وقال: دعني أذكر بعض الملاحظات وهي أن هناك عدم وضوح في دور اللجان الشرعية، لأن اللجنة لا تتخذ قرار الاستثمار أو تقدم منتجا أو غيره، لأن هذا من مسؤولية البنك، كما أنه ليس من مسؤولية اللجنة الشرعية أن تقدم منتجا لأن دورها هنا أن تقرر إن هذا المنتج يتوافق مع الشرع أم لا. لقد ذكر فضيلتكم أن البنك هو صندوق للإقراض، والحقيقة أن هناك بنوكاً استثمارية إسلامية وهي موجودة في البحرين، وأنها لم تجد لها ملجأ إلا الاستثمار في العقارات، وذلك من خلال بيع المشروع العقاري على الورق، ومن ثم استثمار العائد في مشروع مماثل وتتراكم الأرباح. وأود أن أطرح عليكم سؤالا: إنه لا يزال لدى البنوك الإسلامية مشكلة في إدارة السيولة ليوم أو لآخر، وربما أن الصكوك أو السندات قد تحل جزءا من المشكلة؟

وجاء تعليق الشيخ المنيع على ذلك قائلا: نعم إن الهيئات الشرعية ليست مهمتها أن تأتي بمنتجات للبنك أو المصرفية الإسلامية، وإنما مهمتها أن تكون أغلبية عملها في النظر إلى المنتجات التي تقدمها المصرفية الإسلامية، فهي تنظر ما هذه المنتجات وفي الإجراءات المتبعة في الأخذ بهذه المنتجات، وهل هذه الإجراءات صحيحة أو غير صحيحة؟ ومنضبطة مع أسس التعاملات الشرعية؟ كما تنظر إلى الاتفاقيات التي تجري بين البنك والأفراد أو بين البنك وبعض الشركات ونحو ذلك، للتأكد من عدم وجود ما يتنافى مع المقتضيات الشرعية. واستطرد قائلا: ''الهيئات الشرعية تتابع وتتطرق دائماً وأبداً إلى مراقبة هذه التوجيهات، بعد أن يأخذ البنك بالمنتجات المبنية على سلامة هذه المستندات التي تنفذ بموجبها هذه المنتجات. أما أن يكون للهيئات الشرعية أن تأتي بمنتجات وتقول هذا منتج يصلح لكم وهذا لا، فهذا ليس الغرض من الهيئات الشرعية، إنها تنظر في صحة هذه المنتجات وفي صحة تطبيق ما يختار منها، وهذا في الغالب مجال الهيئات الشرعية، وإذا وجد من الهيئة الشرعية أن تعطي أو تشير إلى منتجات معينة فهذا من باب التعاون وليس من واجبها''.

نحتاج إلى تطور

واعترف الشيخ المنيع بأن الهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية في حاجة إلى أن تطور نفسها ماليا ومصرفيا واقتصاديا، حيث إن ذلك سيساعد على فهم أكثر للمنتجات المصرفية، وفي إعطاء الرأي والحكم الشرعي الدقيق والملائم لها، وبالنسبة لتنفيذ وتطبيق المنتجات فهي تندرج تحت مهمات ومسؤوليات قيادات المصرف والجهات المختصة فيه، أما الهيئات الشرعية فهي تراجع بعد إقرار المستندات من عقود واتفاقات وضمانات وغيرها، وتتابع عن طريق الرقابة الشرعية الموجودة للهيئة، ومن المعلوم أن كل هيئة شرعية لها قسم مراقبة يقدم لها تقارير بشكل دوري (كل ثلاثة أشهر) عن جميع ما يتعلق بالقرارات والعقود والاتفاقيات التي تصدر من الهيئات وعن سلامة تطبيقاتها.

وفيما يتعلق بمتاجرة البنوك الإسلامية بالعقارات، قال الشيخ المنيع: أرى أنه إذا فسح للبنوك العمل في مجال المتاجرة بالعقارات (شراء وبيع)، فإن هذا أفضل من تصرف المقاولين الذين يقومون بإنشاء منازل صغيرة بمواصفات عادية جدا ثم يبيعونها بأسعار خيالية، لأن البنك ينظر إلى تكاليفه وينظر كذلك إلى ما يمكن أن يكون عائدا مقبولا له في هذا، وفي الأمر نفسه رأينا مجموعة من الأفراد الذين تعاملوا مع البنوك لشراء منازل وهم الآن يدفعون أقساطا شهرية بقيمة الإيجار الذي كانوا يدفعونه للعقار المستأجر.. كما أنهم في النهاية وبعد 15 عاما مثلا يملكون المنزل، فهذا في الواقع أمر جيد للغاية. وتمنى الشيخ المنيع من البنوك الإسلامية أن توسع دائرة نشاطها في مجال التمويل العقاري الخاص بالأفراد، وأن تأتي بمخططات أراض وتنشئ عليها وحدات سكنية وتبيعها للمواطنين، ولكن لكون البنك أو المصرف هو صندوق وعاء تمويلي عام لجميع الأنشطة الاقتصادية والتجارية، فلا أزال أرى أن توسع نشاط البنوك الإسلامية في بناء الوحدات السكنية فيه نفع وليس فيه سلبيات. أما فيما يتعلق بوجود مشكلة لدى البنوك الإسلامية فيما يتعلق بإدارة السيولة، فأنا أرى أن هذا الأمر سببه التقصير في البحث عن المنتجات، والحقيقة أن المصرفية الإسلامية على عكس المصرفية التقليدية فالأولى لديها تورق، بيوع تقسيط، بيوع مرابحة، مشاركة، تصنيع، بيوع سلم، إضافة إلى الاشتغال بالضمانات، وهو عكس المصارف التقليدية التي هي مجرد بيع وشراء نقود بنقود. وأعتقد أن ضعف تشغيل السيولة لدى البنوك الإسلامية سببه التخوف من المخاطرة ويرجع إلى تخوفها من آثار وأخطار ما قد يعمل في هذه السيولة، والحاجة إلى التمويل قائمة، مثل المزارع، المصانع، ووسائل الاستيراد والتصدير، وغيرها.

اختلاط رأس المال

وجاءت مداخلة مطشر المرشد الرئيس التنفيذي لـ ''ميريل لينش'' في السعودية، فقال: هناك في الجانب العملي للعمليات المصرفية يوجد اختلاط لرؤوس الأموال التقليدية والإسلامية في وعاء واحد ''الخزانة'' وتوظيفها لتحقيق العائد. وما نخشى منه أن يحصل لنا كما حصل لابن سينا، كأن يأتينا من بعض البنوك المركزية الغربية كتب وتعليمات في المصرفية الإسلامية ونبدأ في اتباعها، حيث قامت بعض البنوك الغربية كما في فرنسا بإنشاء أقسام لمراقبة المصرفية الإسلامية وهي تابعة للبنك المركزي، ما يحصل هو البحث المستمر للوصول إلى سر المصرفية الإسلامية واتباع تعليماتها الحقيقية مثل: الإجارة الموصوفة بالذمة، بينما في السوق المحلية اختلطت علينا الأمور ولم نستطع معرفة المنتج الإسلامي من التقليدي وكثرت الاجتهادات لشبابيك مصرفية إسلامية تمثلها بنوك عالمية.

إجابة الشيخ المنيع: فيما يتعلق باختلاط رأس مال البنك التقليدي بالإسلامي في وعاء واحد في خزانة البنك، فهذا لا يؤثر في سلامة التعامل مع المصرفية الإسلامية، فإن النقود ليست حراما لذاتها وإنما لطرق اكتسابها وفي الأمر نفسه هناك بنوك تفصل ما بين إدارة الأموال التقليدية والأموال التي يكون مصدرها التعاملات الإسلامية، ولكن إذا كان المصرف إسلاميا 100 في المائة ومع ذلك يدخل صندوقه كسب سيئ، نقول: هذا لا يؤثر في اتجاه البنك نحو المصرفية الإسلامية وإنما يجب تجنيب هذا الكسب وصرفه في وجوه البر والإحسان. أما إذا كان البنك مختلطا ولم يتحرر من التقليدية ويدخل فيه كسب من أنشطة المصرف التقليدية فهذا لا يؤثر في النشاط الإسلامي الذي هو موجود فيه. وتابع قائلا: ''كون نتائج التعاملات الإسلامية ونتائج التعاملات التقليدية تضخ وتصب في خزانة واحدة تكون ملكا لبنك واحد ولا تزال المصرفية التقليدية تمارس فيه، فهذا لا يؤثر في نشاط المصرفية الإسلامية، ولكن يجب الحرص دائماً على تطهير الخزانة العامة للمصرف وتحويلها بالكامل إلى رأسمال إسلامي، ما يعد أمرا محمودا ومطلوبا".

إلباس المنتجات التقليدية العمامة الإسلامية

وفي سؤال للدكتور محمد الجديد: كيف تنظر إلى مستقبل المصرفية الإسلامية في السعودية بشكل خاص وفي العالم الإسلامي بشكل عام في ظل محدودية ـــ بل شح الكوادر المصرفية المؤهلة في كلا الجانبين في العلم الشرعي وفي العلم الفني، وأيضا في ظل شح المنتجات الإسلامية؟ إجابة الشيخ المنيع: ''لو قارنا بين واقع المصرفية الإسلامية قبل عشر سنوات وبين واقعها اليوم، لوجدنا هناك نشاطا وتوسعا واعترافا كبيرا بمكانتها، لكن يجب علينا حماية المصرفية الإسلامية من أن يأتي أحد بالمنتجات التقليدية ويحاول أن يلبسها ''عمامة'' إسلامية، فهذا الأمر قطعا غير مقبول، ولا شك أنه سيؤثر في سمعة المصرفية الإسلامية، ويتنافى تماما مع مقاصدها وأهدافها السامية والنبيلة. وتابع قائلا: ''ينبغي أن ننظر إلى المنتجات الإسلامية وأن نطبق عليها المقتضيات الشرعية فيما يتعلق بالإلزام، وفيما يتعلق بالحقائق الصحيحة المتمثلة في العقود نفسها وفي كل شيء من شأنه أن يكون محققا للوضوح الكامل في التعامل''. وبالنسبة لي ولإخواني القائمين على المصرفية الإسلامية في الهيئات الشرعية وهيئات المراقبة، نحذر من الاتجاه الذي من شأنه أن يقرب المصرفية الإسلامية إلى المصرفية التقليدية وليس العكس، وهذا في الواقع من أخطر ما يمكن. ونحن أملنا وتفاؤلنا كبير جداً بأن نجد للمصرفية الإسلامية أثرها وقيمتها ليس فقط على المستوى المحلي وعلى مستوى العالم الإسلامي، بل حتى على المستوى العالمي، ما يحتم علينا حمايتها من أن تقترب من المصرفية التقليدية، فتكون بذلك صفرا على اليسار ـــ ككحل باقية لا تلبث دموعها أن تمحو الكحل الذي هو من مصادر جمالها.

أما الدكتور سليمان العريني، الرئيس التنفيذي لشركة الإبداع للاستشارات، فقد ركز على ما يخص العمليات المصرفية ودخول بعض العلماء الشرعيين، سواء في البنوك وكذلك الشركات، وهذا يتطلب معرفة وخبرة في هذا العمل سواء في التمويل، والاستثمار، والمحاسبة، وبالتالي يستطيع الحكم على هذه العمليات، في حين أن معظم أعضاء الهيئات الشرعية خلفيتهم شرعية إسلامية وأنه ليس لديهم خبرات عملية، لذا فإنه من الصعب عليهم الحكم على عمليات بناء على تقارير، وهذا قد يعكس فجوة كبيرة.على ذلك أجاب الشيخ المنيع: من المعلوم أن الهيئات الشرعية ليس الغرض منها إيجاد منتجات مصرفية، وإنما غرضها أن تراجع المنتجات التي يراد استخدامها والعقود والمستندات المتخذة من أجلها، ومن شأنها أن يكون لديها متابعة ومراقبة لهذه القرارات. ومن الجانب التنفيذي فإنه ليس من الضروري أن يملكوا الخلفية المالية، فهي تنظر إلى جميع البنود من البداية إلى النهاية ودراسة هل هي متوافقة مع المقتضيات الشرعية أم لا، الهيئة الشرعية بحاجة إلى تطوير نفسها لكن ليس من مهمتها تنفيذ وتطبيق المنتجات.

الأكثر قراءة