هل فقدت الصكوك كثيرا من مصداقيتها ؟
هل فقدت الصكوك كثيرا من مصداقيتها أخيراً؟ هل هناك مبررات لهذا الطرح أم أن التعاطي مع تلك المنتجات كان خاطئاً؟ وما السبيل لإصلاح ما قد يعتريها من قصور؟ وأخيراً ما البدائل التي يمكن أن تحل محل الصكوك؟ أسئلة طرحتها دوريةSo Far المتخصصة في التفكير الاستراتيجي في مجال التمويل الإسلامي، التي تصدرها مؤسسة يسّار ميديا Yassar Media بالإمارات المتحدة. وتحرص الدورية على عرض آراء لمن يعملون في مجال المصرفية الإسلامية بالفعل أكثر من عرض آراء المنظرين الأكاديميين.
تبدأ "راجا تيه ميمونة عبد العزيز" Raja Teh Maimunah Raja Abdul Aziz –كوالالمبور، ماليزيا ـــ بالقول إن وجهة النظر المتعلقة بفقد الصكوك المصداقية ظهرت عقب سلسلة من العثرات التي شهدتها صكوك رفيعة المستوى في دول الخليج بدءاً من دار الاستثمار ومجموعة سعد وأخيراً صكوك النخيل في 2009. ولعل الأخيرة كانت هي الأبرز في تكوين وجهة النظر القائلة إن الصكوك فقدت مصداقيتها. ويرجع هذا إلى أن النخيل اشتهرت بقيامها بأعمال جزيرة النخيل الجميرة وجزيرة صناعية أخرى مما وضعها في دائرة الضوء أكثر من غيرها. وتشير الكاتبة إلى أن كثيرين ممن يتهمون الصكوك يجهلون ـــ أو يتجاهلون ـــ أن صكوك النخيل لا تزيد على 5 في المئة من إجمالي ديون دبي التي تسببت فيها سندات وقروض تقليدية لا دخل لأي من المنتجات المصرفية الإسلامية فيها. كما أن نسبة الصكوك التي واجهت التعثر لا تزيد على 3 في المئة من إجمالي الصكوك المطروحة على مستوى العالم، مشيرة إلى أن وجود تفاحة معطوبة أو اثنتين لا يعبر عن بقية المحصول. وتقول إن هناك دروساً مستفادة من التجربة أهمها ضرورة أن يكون رأس المال أكثر تنظيماً، ولا سيما في الأسواق الشابة مثل السوق الخليجية. لذا يجب على السلطات المسؤولة أن تلعب دوراً أكبر في التدخل للعمل على تعافي الأسواق، وذلك بوضع قواعد صارمة على طرح الصكوك كما هو الحال في ماليزيا ـــ على سبيل المثال. وتشير إلى أن نمو الصكوك الماليزية واجه تباطؤا إلا أنها لم تعان كما هو الحال في الخليج العربي. ومن الملاحظ أن مصداقية الصكوك ليست محل تساؤل في السوق الآسيوية بشكل عام إلا أن مدى معقولية الائتمان تبقى محل اختبار. وتخلص إلى أن العثرات التي واجهت الصكوك أخيراً يجب أ لا تعتبر بمثابة سقوط للمنتج نفسه وإنما هي نتيجة لأخطاء تتعرض لها أية إصدارات ائتمانية. ولهذا يجب ألا ينظر إلى الأزمة التي تعرضت لها تلك الأدوات على أنها النهاية وإنما هي وقفة لتصويب الأخطاء.
#2##3#
خطر الاعتماد على مجال وحيد
ويتفق مع هذا الرأي بليك جاود Blake Goud ـــ بورتلاند، الولايات المتحدة ـــ حيث يؤكد أن سوق الصكوك لم تتأثر بسقوط عدة صكوك هنا أو هناك، وليس أدل على ذلك من انحسار الضوء عن تلك العثرات بمجرد ظهور أزمة اليونان. ويشير إلى أن مسألة المصداقية أثيرت قبل أزمة النخيل بعامين عندما خرج الشيخ تقي الدين عثماني مؤكداً أن 85 في المئة من الصكوك المطروحة في الخليج غير متفقة مع أحكام الشريعة. وبعدها بأشهر أصدرت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية دليلاً للصكوك المطابقة للشريعة وفيه تم نقل الميزانية في سوق الصكوك من صكوك المضاربة والمشاركة إلى صكوك الإجارة. وقد تسبب هذا التغيير ـــ مع تداعيات الأزمة العالمية ـــ في ندرة إصدار أية صكوك. وقبل هذا التحول كانت البنوك الإسلامية تقوم بإصدار صكوك، إلا أن عدم وجود أصول مادية لاستخدامها كصكوك جعل تلك البنوك تطرح صكوك مضاربة ومشاركة أسهمت بدورها في تمويل أنشطة تلك البنوك. واعتمدت غالبية صكوك الإجارة على الأصول العقارية اعتماداً على الطفرة العقارية التي شهدتها دبي وغيرها من مناطق الخليح. وقد تسبب هذا في توجيه صناعة الصكوك إلى قطاع واحد وهو العقارات التي كانت الأكثر عرضة للانهيار المالي العالمي. ويشير الكاتب إلى اتهام يتعلق بإصدار عدد كبير من الصكوك لا يختلف عن السندات التقليدية فلم تضف تلك الإصدارات أي جديد. إلا أن الاختلاف يكمن في أن الصكوك تعتبر واجهة صناعة التمويل الإسلامي في أسواق رأس المال العالمية. كما أن الصكوك تعد بمثابة الجسر بين المستثمر التقليدي وبين صناعة التمويل الإسلامي، إذ تطرحها المؤسسات التقليدية التي ترغب في دخول الأسواق الإسلامية أو المؤسسات الإسلامية التي لا ترغب في التعامل بأية منتجات تقليدية. وفي الوقت الذي أصبحت فيه الاقتصادات قوية في الدول التي تصدر الصكوك مثل دول الخليج ازداد طلب المؤسسات التي تعمل وفقاً للشريعة بدرجة جعلتها تستحوذ على غالبية الإصدارات. وكان من الصعب على المستثمرين الآخرين أن يجدوا نصيباً من إصدارات جديدة. وعندما بدأت الأزمة العالمية نجح عدد من المؤسسات المطابقة للشريعة في تقليص استثماراتها في إصدار صكوك جديدة. وفي الوقت نفسه فشلت المؤسسات التقليدية الراغبة في دخول تلك السوق في التعامل مع تلك المنتجات مما جعلها تحجم عن الاستثمار في صكوك جديدة. ومع وصول الأزمة العالمية إلى منطقة الخليج وبدء سقوط بعض مصدري الصكوك بات من الواضح أمام عديد من المستثمرين أن تلك الإصدارات تحمل مخاطر إضافية نظراً للهيكلة التي لم يتم اختبارها والتي وضعت بغرض التوافق مع أحكام الشريعة. وقد أثار التحول إلى صكوك الإجارة الشكوك في نجاح تلك الإصدارات في السوق المالية العالمية نظراً لأنها بذلك تنافس النموذج التقليدي الموجود بالفعل. ولهذا السبب كانت الأنظار مشدودة نحو صكوك النخيل التي رهن البعض نجاحها أو فشلها بنجاح أو فشل صناعة التمويل الإسلامي برمتها. وذهب البعض إلى أن سقوط النخيل أثبت أن تلك الصناعة لا تختلف عن التمويل التقليدي. ولكن على الرغم من المشكلات التي واجهت بعض الصكوك متسببة في كل هذا اللغط استمرت الصكوك في إيجاد مشترين. ويشير الكاتب إلى أن أهم درس من صعود وسقوط سوق الصكوك هو أن يدرك القائمون على صناعة التمويل الإسلامي أن الصكوك ليست محصنة ضد الأزمات ومن ثم فيجب ألا تقدم نفسها كبديل للسندات التقليدية اعتماداً على تلك النظرة فحسب. ويشدد على أهمية ألا تلجأ المؤسسات التي تصدر الصكوك إلى استنساخ الإصدارات التقليدية لتصبح الصكوك بذلك مجرد نسخة كربونية من المنتجات التقليدية. ويشير إلى أهمية استحداث منتج استثماري مطابق للشريعة يختلف عن نظيره التقليدي. ولا يهتم بعض المستثمرين في الصكوك بالمنتجات المطابقة للشريعة بل يفضلون الأنماط الأخرى التي تتيح لهم الحصول على سعر فائدة ثابت للاستثمار فيها. ومن الحلول الناجعة في هذا الصدد التركيز على توضيح مدى اختلاف الصكوك عن السندات التقليدية من الناحية التطبيقية ومن ثم استخدام تلك الاختلافات كطريقة جذب للمستثمرين الذين لا يلقون بالاً لسوق الصكوك من الأساس. كما يجب أن يعمل القائمون على صناعة التمويل الإسلامي على تنوع الإصدارات كما حدث بصورة ما في إصدارات GE Capital و International Finance Corporation. ويختم الكاتب بتأكيده أن هناك كثيرا من العمل الذي يجب إنجازه لوضع الصكوك في المكان اللائق بها في سوق السندات العالمية.
صيغ المشاركة بديل للصكوك
وفي مقاله يرى ديفيد فيكاري (دواد فيكاري عبد الله) David Vicary (Daud Vicary Abdullah) ـــ كوالالمبور، ماليزيا ـــ أن القول بفقدان الصكوك المصداقية قد يكون له نصيب من الصحة. وقد تسببت تصريحات بعض العلماء بعدم شرعية بعض الصكوك ـــ وهو ما أقرته الهيئة الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ـــ في إثارة تخوف المستثمرين والعامة من الصكوك. ويعتبر أن الصكوك أداة فاعلة لزيادة رأس المال بطريقة تتفق مع الشريعة إذا ما وظفت بصورة صحيحة. إلا أنه من المهم أن تتم توعية المستثمرين بهيكل تلك الأدوات وما الذي يحدث في حالة تعرضها للسقوط. وعن كيفية الإصلاح يقول إن هناك مجالين: أولهما هو التعليم والتوعية إذ يجب على المستثمر أن يكون ملماً بالطبيعة الخاصة لتلك الأدوات ومدى اختلافها عن الأدوات التقليدية. وعلى سبيل المثال فإن الإجابة عن سؤالين اثنين حول دور الأصول في الصكوك توضح الكثير عن طبيعة تلك الأدوات. السؤال الأول: إذا ما حدث انهيار لصك ما هل يمكن للمستثمرين أن يتعامل في الاصول؟ والسؤال الثاني: إذا ما حدث عارض يمس الأصول نفسها هل تتأثر عائدات المستثمر أم أنها بمنأى عن ذلك؟ إذا كانت الإجابة بـ "لا" عن السؤالين فإنها تكون تعاملات قائمة على الأصول لأن الأصول ليس لها دور مؤثر في تلك الهيكلة. أما المجال الآخر فهو يتعلق بوضع ضوابط شفافة مطابقة للشريعة إذ إن تلك الصناعة بحاجة إلى آلية عمل تجعل القرارات الشرعية المتعلقة بها تصل إلى العامة بطريقة لا تعوزها الشفافية. ويجب على الهيئات الشرعية أن تقدم حيثيات قراراتها وفتاواها. ومن شأن هذا النهج أن يزيد من مصداقية تلك القرارات التي تم التوصل إليها في نظر المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. أما بالنسبة لبدائل الصكوك فيوضح الكاتب أنه يجب أن يتم توجيه أدوات المشاركة في المخاطر وغيرها في زيادة رأس المال بما يصب في مصلحة المجتمع. ومن أمثلة ذلك الاستفادة من تلك الأموال في تمويل مشاريع البنية التحتية مثل إنشاء طرق أو بناء محطات توليد طاقة. ويمكن للحكومات المعنية ألا تقصر الاعتماد على الصكوك فحسب، بل أن تستخدم صيغاً أخرى مثل المشاركة. ويقترح أن يقوم المواطنون بالدخول في تلك المشروعات مباشرة بدلاً من الإسهام بها بشكل غير مباشر من خلال دفع الضرائب على أن يشاركوا في الربح والمخاطر على المدى الطويل. ويسهم هذا الاقتراح ـــ إن أدير بطريقة سليمة ـــ في تحقيق أكبر قدر من الشفافية في المشروعات التي يتم الاستثمار فيها فضلاً عن العائدات الضخمة التي سيدرها على المجتمع بشكل عام وعلى المستثمرين من المواطنين.
حياد عن أهداف التمويل الإسلامي
يرى بول مكنمارا Paul McNamara ـــ دبي، الإمارات ـــ أن الصكوك نجحت في منتصف العقد الماضي في أن تصبح الواجهة الجذابة ذائعة الصيت لصناعة التمويل الإسلامي بشكل عام. ويمكن ملاحظة هذا بوضوح من خلال الهيكلة التي استخدمت في الصكوك التي أصدرت في الخليج العربي وآسيا وما امتازت به من حداثة وضخامة وسرعة وتعقيد. وفي تلك الأحيان كان العالم يترقب مسار تلك الأدوات الجديدة وما إذا كانت مؤهلة لتحل محل الأدوات التقليدية. إلا أن التداعيات التي شهدتها الصكوك أخيراً تحتم وقفة لالتقاط الأنفاس ومراجعة وتقييم التجربة. ويرى أن القول إن الصكوك فقدت المصداقية له ما يبرره حيث إن تلك الصناعة اكتنفتها بعض الأخطاء الكبيرة التي تدفع ثمنها حالياً. إلا أنه يعتبر تلك الأخطاء لها إيجابياتها حيث إنها أتاحت الفرصة أمام الخبراء لدراسة الأمر جيداً بما يضمن عدم تكرار أخطاء الماضي مجدداً. كما يرى أن التعاطي مع الصكوك تم بطريقة خاطئة حيث إن الجميع تناسى الهدف الأساسي من أية منتجات أو أدوات مالية تدار بطريقة مطابقة للشريعة وهو تحقيق النفع للأفراد والمجتمع بشكل عام. إذ إن الأمر لا يتعلق بجني الأموال فحسب، ومن ثم فقد أدى غياب ـــ أو تغييب ـــ هذا البعد في عدد من الصكوك إلى التبعات التي أساءت كثيراً إلى تلك الصناعة النبيلة في هدفها. وبالنسبة للإصلاح فهو يتمثل في بناء إطار عمل تنظيمي إشرافي متعقل قوي وفاعل. ولكن أحداً لا يمكنه القيام بتلك المهام بمفرده فهو مجهود جماعي تعاوني، يجب أن يشعر الجميع بالتزام نحو أداء كلٍ دوره. وعن البديل المقترح للصكوك يقول إن أحداً لا يملك بللورة سحرية للعثور على بديل وإنما الفرصة متاحة لكل إبداع في هذا المجال على أن يراعي الأهداف الأساسية التي وضعتها صناعة التمويل الإسلامي وهي تحقيق الفائدة للفرد والمجتمع بطريقة تتفق مع الشرع.
القيمة الفضائية للمال
أما دكتور آرمين بابازيان ـــ دبي، الإمارات المتحدة ـــ فيقدم مفهوم القيمة الفضائية للمال Space Value of Money كنموذج عالمي موازٍ للمبدأ الإسلامي بتحريم سعر الفائدة، والعمل على دمج الأنشطة الحقيقية في الأدوات والتعاملات التي تتم بها. ويوضح قائلاً إن أي مشروع استثماري مهما كانت طبيعته تكون له قيمة فضائية للمال عندما يكون له تأثير في الفضاء الملموس وسكانه. ويحقق المشروع أرباحه عن طريق استخدام أشخاص فعليين وأصول فعلية إلى جانب توافر الوقت ورأس المال. ويمنح النشاط الفعلي المشروع تاثيرا مجتمعيا يغيب إذا كان عائد الربح هو سعر الفائدة، أي عاملي رأس المال والوقت فحسب. لذا فإن أي مشروع أو أداة تتم هيكلته بهذه الطريقة التي تتضمن الأنشطة الفعلية يكون له قيمة فضائية للمال. ويعد مفهوم القيمة الفضائية للمال محصلة تأثيرات الأصول الحقيقية لمشروع ما. وتتضمن الأصول كل ما يتعلق بالمشروع من موارد بشرية ومبان وموارد ومنتجات ووسائل نقل وابتكارات ومؤسسات. وبمعنى آخر فإنه من الممكن قياس التأثير "الفعلي" لمشروع سواء من منظور مالي أو ما يتعلق بكمية ونوع الأصول. وتتطلب صناعة التمويل الإسلامي مشاريع وأدوات لتحقيق القيمة الفضائية للمال. وتحقق المنتجات الحالة هذا بمستويات متفاوتة. وفي بعض تلك المنتجات يتم تأطير الأنشطة الفعلية في سياق قانوني فيما يعد التأثير في الأشخاص الفعليين والأصول الفعلية أقل نسبياً. وتعتبر الصكوك استثمارات محددة العائدات ذات قيمة فضائية للمال. ويعتمد تحديد العائدات على معادلة يتم الاتفاق عليها مسبقاًً لتحديد العلاقة بين المخاطر والعائدات، ولا تتعارض مع المبادئ التي وضعها المشرع. إلا أن العنصر غير المقبول في إطار عمل التمويل الإسلامي هو الفائدة المحددة على رأس المال والوقت. وللتحقق من مطابقة مبادئ الشريعة يجب التأكد أن الأرباح لم تجن من رأس المال والوقت، بل أيضاً من خلال الأنشطة الفعلية والموارد الإنتاجية والمشاركة الأخلاقية في المجتمع والاقتصاد، أي أن يكون للأداة قيمة فضائية للمال. وهناك عدد من هياكل الصكوك يهدف إلى تحقيق هذا كما ينبغي، إلا أن نتيجة تلك الجهود تكون عبارة عن تعقيدات في تلك الهياكل. ويشير إلى أنه يجب التأكد أن هذه التعقيدات لا تتحول إلى تعقيدات قانونية وأن الهدف منها قد آتى ثماره بعدم اعتبار الوقت ورأس المال فحسب. ويعتبر أن الصكوك أدوات فريدة إذ إنها تجمع بين كونها تتيح تدفق النقد وبين تقديمها قيمة فضائية للمال. ويدعو إلى تبني هيكلة تسمح بالاستفادة التامة بتلك الأدوات مع تصحيح أي قصور أظهرته الأزمة الأخيرة.