حوار المنامة.. الأمن في المنطقة لا يتجزأ والتوتر في الخليج سببه التصادم الأمريكي - الإيراني

يبدو أن هناك اهتماما دوليا خاصا بمنطقة الشرق الأوسط؛ نظرا إلى كثرة أسباب وعوامل التوتر الإقليمي وتشابك الملفات الأمنية، امتدادا من طهران وانتهاء بالصرع مع إسرائيل حول إنهاء آخر احتلال كولنيالي على وجه البسيطة. وآخر دليل على هذا الاهتمام الدولي هو عقد مؤتمر أمني في مدينة المنامة - عاصمة البحرين - ليكون منتدى أو منبرا يمكن القادة بحث القضايا الأمنية العالقة والتي في حاجة إلى عناية خاصة؛ حتى يتجنب الإقليم عواقب سلبية إن لم تبذل الجهود لحلحلة الأوضاع. لكن يجب التنويه بأن عقد الحوار السنوي في البحرين هو لتوفير منتدى أو منبر لنقاش القضايا الأمنية وليس للاتفاق على سياسات محددة، فقيمة الحوار في تمكين السياسيين من مختلف الدول المهتمة في تبادل الآراء والتعرف على مواقف كل دولة.
وفي ظل انكشاف استراتيجي وخيم في المنطقة العربية، اختتم للتو في المنامة/ البحرين أعمال المؤتمر الأمني السابع الذي نظمه المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن بحضور شخصيات سياسية عالمية من أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط والخليج العربي وإيران ألقت الضوء على عدد من القضايا التي تعنى بالأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. وبالفعل تم نقاش مختلف القضايا، كان أبرزها الموقف من إيران بوصفها دولة تسعى للهيمنة في منطقة الخليج. وكان أبرز المتحدثين الملك عبد الله بن الحسين الذي ألقى خطابا افتتاحيا حدد فيه التحديات والأخطار التي تواجه الإقليم بشكل عام وهيلاري كلينتون التي حضرت للمؤتمر قبل أيام من انعقاد محادثات ست زائد واحد في جنيف لمعالجة الملف الإيراني النووي. كما قدمت إيران رؤيتها وكذلك فعلت تركيا.
السعودية التي ينظر لها كحامل ميزان الاستقرار في منطقة الخليج العربي قالت كلمتها في مختلف القضايا، وهي كلمة أو لنقل موقف يتفق معها العرب. ففي كلمته أمام المؤتمر أكد الأمير تركي الفيصل مجموعة من القضايا بالغة الأهمية التي تشكل في مجملها أسباب استقرار أو زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي. وكرر الأمير تركي السؤال المهم الذي يشكل في جله موقفا عربيا واضحا يتعلق بالجهة التي يسلكها المجتمع الإسرائيلي في ظل الوضع القائم وعدم بروز أي اتجاه يوحي بأن إسرائيل قد تجنح للسلم. فأين تريد إسرائيل أن تذهب؟ فهل تريد إسرائيل أن تكون دولة ديمقراطية أم تتجه أكثر وأكثر تجاه نظام الأبرتهايد العنصري وما يمكن أن ينجم عنه من كوارث وأزمات لها أول وليس لها آخر؟
فهذا السؤال - على رأي الأمير تركي - ليس مطروحا إلا على الشارع الإسرائيلي وأنهم وحدهم الإسرائيليون من يستطيع أن يجيب على مثل هذا التساؤل المهم. فهل يكفي فقط الحديث عن حل الدولتين دون وضع آلية لتنفيذ ذاك الحل؟! وفي السياق أكدت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، أن الحل الأمثل هو حل الدولتين. لا غبار على مثل هذا الكلام، فالعرب استبطنوا ذلك منذ سنوات طويلة والدليل على ذلك المبادرة السعودية للسلام التي تعرف باسم مبادرة السلام العربية والتي أقرتها قمة بيروت في عام 2002. وعودة على الموقف السعودي الذي كان وما زال قائدا في فكرة حل الدولتين، فالانطباع السائد بين النخبة السعودية أن غياب حل الدولتين سيؤثر على المنطقة بشكل عام، وأكثر من ذلك يرى الأمير تركي الفيصل في كلمته أنه والحال كذلك، فإنه على المجتمع الدولي تقع مسؤولية التحرك وإقناع الشارع الإسرائيلي بضرورة الحل وضرورة أن تتخذ قرارا بشأن الجهة التي تريد أن تسلكها في قادم الأيام بدلا من الوقوف موقف المتفرج. فلا يمكن الاستمرار باللعبة ذاتها دون توقع عواقب وخيمة في الأيام القادمة.
في المؤتمر كان التركيز الأمريكي، كما جاء على لسان وزيرة الخارجية على الملف النووي الإيراني. وفي كلمة لها، وضحت الوزيرة أين تقف بلدها تجاه الملف النووي وأين يقف بقية العالم، وربما كانت تريد أن تلعب على عامل الخوف عند البعض من الخطر الذي سينجم في حال تمكن إيران من تطوير سلاح نووي، فأمن الخليج سيكون أسيرا لما يمكن أن يقوم به النظام الإيراني إذا ما امتلك سلاحا نوويا، خاصة أن موازين القوى في الخليج قد تأثرت بشكل بالغ مع تغيير النظام العراقي في نيسان (أبريل) من عام 2004.
موقف السعودية من الملف النووي الإيراني يأتي في سياق رؤية استراتيجية واضحة يرى الاستراتيجيون السعوديون أنها ستجلب الاستقرار للمنطقة بشكل عام، وقد قال الأمير تركي إنه كان يأمل أن يسمع في المؤتمر ما يفيد بالتزام أمريكي إلى إقليم خال من أسلحة الدمار الشامل، وأنه أيضا مع فكرة إيجاد بنك لليورانيوم المخصب، حيث يتم تزويد الدول في المنطقة بما تحتاج إليه من يورانيوم مخصب لأغراض سلمية مثل توليد الطاقة. وكانت إيران على لسان وزير خارجيتها منوشهر متقي، الذي حضر المؤتمر، مع فكرة البنك؛ على أن يكون له فرع في طهران! ومع جاذبية عرض بنك لليورانيوم المخصب إلا أن السعودية هي أقرب لفكرة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، بما فيها السلاح النووي، وأن الرياض تتجه تجاه تحقيق هذه الفكرة، وأنه لا يوجد أي بديل آخر يمكن له أن يطمئن بقية الدول ويمنع سباق تسلح له عواقب وخيمة على استقرار الإقليم. وبالفعل هناك عدد من المحللين يرى أن الرياض لن تسمح بإدخال إيران لسلاح نووي دون أن ترد على ذلك بمحاولة الحصول وإنتاج سلاح نووي؛ حتى لا تنفرد إيران باحتكار سلاح يعطي لطهران ميزة على غيرها من دول الخليج. كما أن السعودية أكدت موقفها المعلن بأنها وإن كانت تعارض أن تنتج إيران أسلحة نووية، إلا أنها ليست مع الخيار العسكري الذي يطرح بين الفينة والأخرى في كل من تل أبيب وواشنطن؛ لذا تقع على عاتق إيران مسؤولية إبداء استعداد للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتبديد أية شكوك فيما يتعلق أين تتجه إيران.
ولكن من غير المفيد حصر قضية أمن الخيلج بموقف إيران من ملفه النووي، فالقضية أكثر تشعبا وفي حاجة إلى فهم شامل. وفي مقاربة جديدة إلى حد ما، يرى الأمير تركي الفيصل أن الأمن لا يتوقف فقد ولا ينحصر على الأمن بالمفهوم التقليدي، بل هناك مكونات اقتصادية واجتماعية وصناعية لا بد من التوقف عندها عند صياغة مفهوم للأمن. وربما تأثرت السعودية كما غيرها بما يقوم به موقع ويكيليكس من قرصنة على قواعد معلومات، وبالتالي هناك حاجة إلى الأمن الإلكتروني. فالإشكاليات التي أثارها موقع ويكيليكس ربما تحد من رغبة الدبلوماسيين والسياسيين من تبادل الاتصالات؛ خوفا من أن تقع في يد موقع أو مقرصن يمكن أن يكشف ما يجب أن يكون بعيدا عن الأنظار. فهناك ضرورة لأن يستمر الدبلوماسيون والسياسيون بتبادل الآراء وأنهم في حال عدم تمكنهم من ذلك بسبب الخوف من التسريب، فإن من شأن ذلك أن يلحق أذى بمصالح الدول. ويرى الأمير تركي أن المسؤولية في جلها تقع على عاتق الولايات المتحدة التي جاء منها التسريب، لتكن حذرة ولكن أيضا من أجل أن تستعيد الثقة والمصداقية لاشتباكها مع بقية الدول، وأن تتأكد أنه لن يكون هناك مزيد من التسريبات.
ربما الموضوع الأهم الذي كان يراقبه الجميع هو كيف ستتعامل كل من إيران والولايات المتحدة، خاصة أن عددا من دول الخليج العربي باتت مقتنعة بأن التوتر في منطقة الخليج سببه التصادم الأمريكي - الإيراني، أي أن مصدر التهديدات لأمن الخليج يأتي من دول من خارج منظومة الخليج، فلا توجد دولة واحدة في الخليج العربي، بما فيها السعودية تطمح بأن تكون مهيمنة في الخليج بالرغم من أن موازين القوى تسمح للسعودية بأن تكون حاملة لموازين القوى التي انهارت أعقاب انهيار نظام صدام حسين. وربما الدولة الأقرب للتفكير السعودي هي تركيا التي لا تريد هي الأخرى أن يكون هناك تنافس إقليمي يأخذ شكل سباق تسلح يلحق أذى بمصالح الجميع. فموقف تركيا هو ما جاء على لسان وزير خارجيتها في كتاباته الكثيرة، التي تسعى لخلق إقليم خال من النزاعات.
يمكن القول إنه وبالرغم من إثارة مواضيع مهمة مثل قرصنة البحار وأمن اليمن والعراق، إلا أن الغائب الأكبر في الموقف الأمريكي هو التركيز على سبب الصراع الرئيس في المنطقة، ألا وهو الاحتلال الإسرائيلي لأراض عربية، واللافت أن الولايات المتحدة قد تخلت للتو عن شرط تجميد الاستيطان لبدء واستئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهذا التراجع الأمريكي ما هو إلا تعبير عن الإعلان عن عجز في ممارسة الضغط على إسرائيل. نقول غائب لأن كل الاتجاهات - التي تستهدف نزع استقرار المنطقة وخلق التوترات الإقليمية لتسهيل تنفيذ سياستها وتحقيق مصالحها الضيقة - تستغل الاحتلال الإسرائيلي لتجنيد المتطوعين ولكسب معركة الأفكار الدائرة في المنطقة. وهذه ملاحظة تاريخية؛ إذ إن كل الحركات حتى العلمانية منها واليسارية كما هي الإسلامية تحاول توظيف ورقة فلسطين في سياق محاولاتها كسب الشارع وحشد التأييد.
ودون عودة لمبادرة السلام العربية التي وقفت السعودية خلفها بقوة، فإنه من المستبعد أن يعم الاستقرار في الإقليم، فهناك نظام حاكم في تل أبيب وحكومة يمينية لا يبدو أنها تستوعب عواقب التعنت وانعكاس ذلك على أمن المنطقة بشكل عام على المدى المتوسط والبعيد، وهنا دائما ما يطرح السؤال سعوديا وعربيا حول كيف يمكن لأميركا أن تخدم مصالحها في ظل بيئة مليئة بالمشاعر المعادية للولايات المتحدة بسبب سياسات الأخيرة في الصراع العربي الإسرائيلي. صحيح أن هناك أولوية بالنسبة لدول الخليج تتعلق بانعكاس الصراع والمواجهة بين طهران وواشنطن، لكن أيضا لا يمكن التقليل من الضرر الناتج عن استمرار تأجيل حل قضية فلسطين التي تعتبر قضية العرب الأولى التي تهم الجميع بصرف النظر عن وجود أو عدم وجود مصادر تهديد أخرى في كل إقليم.
ما من شك أن عقد الحوار الأمني في المنامة يأتي في وقت يتميز به الإقليم بدرجة عالية من عدم التيقن، وربما كان من المفيد أن تلتقي الدول وتتحاور لعل ذلك ينزع فتيل التوتر في بعض الملفات، لكن استمرار تجاهل الغرب المهيمن على فرض مفاهيم خاصة بالأمن وهي مفاهيم مجزأة نظرا إلى موقف واشنطن من الملف الإسرائيلي - الفلسطيني لن يكون وصفة استقرار على المدى المتوسط. لذلك كان حريا بالعرب - وهو ما فعلوه - أن يعبروا عن رأيهم في مختلف ملفات الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي