هل تعكس قيادتنا للسيارات أخلاقياتنا؟

بالرغم مما حققه نظام ساهر لردع بعض المتهورين أو عدم المبالين بالأنظمة، إلا أنني أتساءل: هل هناك علاقة بين أخلاقياتنا والطريقة التي نقود بها سياراتنا في الشوارع العامة؟ وهل هناك علاقة بين الفوضى والتهور وحب التملك وكأن الطريق ملك لبعضنا أو أنه ورثه من والديه، وبين حب لأخيك ما تحب لنفسك؟ فعلا أرى أن قيادة السيارات كشفت أخلاقيات كثير منا. فما إن تؤشر لتغير مسارك في الطريق إلا وتجد من هو خلفك بمسافات بعيدة يؤشر ويكبس لك الأنوار العالية والفلاشات، وكأنه يقول انتظر لا تغير مسارك حتى أصل وبعد ذلك يمكنك ذلك. كأنك ستتعدى على بيته. حتى لو اعترضك ـــ لا قدر الله ـــ شخص أو عائق وأردت أن تتجنب الاصطدام به فلن تجد من يسمح لك بتغيير مسارك أو أن يخفف سرعته ليفسح لك المجال. مع أنني أجزم بأن الكثيرين لديهم حيز من الوقت أو ثوان حتى يساعدك. والبعض لا يحترم إعطاءك حق الطريق، فلو كان على الدوار فإنه يرى أن الأحقية له ويسب ويلعن من قد يدخل عليه. وإن كان ليس على الدوار ويود الدخول للدوار فإنه يرى أن الأحقية له هو وليس لمن داخل الدوار. سبق أن أشرت إلى كثير من الممارسات الخاطئة في مقال بعنوان (قيادتنا للسيارات هل هي قيادة أم سباحة؟)، والذي أوضحت فيه قلة الوعي المروري أو ''تطنيشنا'' للأنظمة والأخلاقيات. فتجد من يسبح بسيارته وكأنها سفينة، ويخرج من مسار لآخر دون إشارة، أو يسير فوق الخط الأوسط طمعا وحتى لا يستفيد منه أحد!
وفي الوقت نفسه أرى ظاهرة معاكسة وهي النفاق الاجتماعي الذي نعيشه، والمشهد الذي يزعجني هو رؤية مجموعة من المنافقين عند أبواب الخروج من قاعة مناسبات أو طعام عشاء وهم يلزمون ويحلفون على بعضهم ويؤثرون على أنفسهم هذا الكرم العظيم بالسماح للآخرين بالخروج قبلهم. ثم تجد المنافقين أنفسهم بعد أمتار من الموقع على الطريق أو عند الإشارة وهم يسابقونك ويتخطونك بل قد يزاحمونك ويجعلونك تصطدم بالآخرين.
أعتقد أن موضوع قيادة السيارات لدينا يعكس حقيقة مدى حبنا لبعضنا البعض ومدى تمسكنا بديننا ''لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه''، فنحن في حرب ومعركة ينتصر فيها عادة الجهلة والمتهورون وكأننا أعداء، ونتجادل بالأبواق لنزعج الآخرين الذين ليس لهم دخل بالموضوع، حتى السلام أو السب أصبح بالأبواق.
حتى عند الوقوف للإشارة المرورية الضوئية وهي حمراء، يجب أن تحتاط لأن بعضهم قد لا يتوقف ويحدث لك ما لا تحمد عقباه. وإذا توقفت فإنك ستسمع أصوات الأبواق قبل لحظات من فتح الإشارة الخضراء مع التكبيس بالأنوار العالية، وكأنه يقول لك تحرك يا (...).
حتى استعمال الإشارة لتغيير المسار أصبح يعد إشارة إلى بدء الحرب لمن هم خلفك بمسافات ليقودوا بأقصى سرعة منعا لك من الدخول في مساره، وكأن الطريق حق مكتسب له ولأهله، أو أنانية بعضهم بالقيادة وسط مسارين للطريق ليضع الخط الفاصل من عيون القطط وسط سيارته، فهو يملك المسارين ولن يضيع أحدهما لأيٍ كان، أو من يدخل من الطريق الفرعي للشارع العام دون أن يتوقف لرؤية القادمين من اليسار أو اليمين، وعدم احترام المشاة حتى في الأحياء السكنية التي أصبحت طرقها أسرع من الطرق السريعة.
تعودت أن أترك مسافة للأمان بيني وبين السيارة التي أمامي ولكن تركي ذلك الفراغ يجعل الذين خلفي يدقون أبواقهم والذين جنبي في المسار يدخلون علي.
ومنتهى الإزعاج هو أن ترى من يلصق صدام سيارته بسيارتك على الطريق السريع لتفسح له المجال ليجتازك فهو أهم منك، ولو حاولت بالتباطؤ، فإنك قد تدخل في معركة وشجار، وهو غير مبالٍ لو صدمت سيارتك أو لو ذهبت أنت وأهلك ضحية الموت، الأهم أنه يملك الطريق وأنت وأهلك في (...) فأنت أخرته عن جمعة الشباب أو المفطح في الاستراحة.
أصبحت القيادة لها علاقة بالكرامة والشهامة والعصبية القبلية لمن يملك الطريق، وأصبح الجميع في الطريق أعداء لنا يجب أن نوقفهم عند حدهم ليقفوا جانب الطريق ويدعوا أو يتركوا أولوية الطريق للنشامى.
أستغرب ذلك من أناس يقومون بهذه التصرفات في الوقت الذي نراهم خارج المملكة وفي الخليج العربي يتقيدون ويحترمون الآخرين، فهل غير السعوديين أهم وأكثر قيمة لدى هؤلاء المستهترين؟ أم أن من استهان بالعقاب أساء الأدب؟! أملي كبير ألا يمرض نظام ساهر ويصيبه الأرق والكوابيس من أخلاقيات قيادتنا للسيارات فيصبح اسمه آآرق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي