انتشار التمويل الإسلامي السريع يحمل خطرا كبيرا.. وعلى العلماء إبقاء زمام المبادرة في أيديهم
أكد خبير التمويل الإسلامي الأستاذ الدكتور سيف الدين إبراهيم تاج الدين، أن دور المستثمر المسلم يجب أن يتعدى الإطار الضيق للنظرة الرأسمالية للاستثمار إلى ملامسة حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية، وتحدث تاج الدين وهو عضو الهيئة العلمية لكرسي ''سابك'' في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في حوار لـ''الاقتصادية'' عن دور المستثمر المسلم، وعلاقة الاستثمار بالتمويل الإسلامي، مبيناً العديد من المواضيع والقضايا المهمة ذات العلاقة.
نحن نعلم أن الإسلام انتشر في جنوب شرق آسيا والعديد من مناطق العالم عن طريق التجار المسلمين، إلا أننا نرى أن هذه الرسالة مفقودة اليوم في عمل البنوك الإسلامية، ما تعليقكم على ذلك؟ وما دور المستثمر في نشر المصرفية الإسلامية؟
بداية يجب ألا ينحصر دور المستثمر المسلم في اهتمامه بالأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملات فقط، بل يجب عليه أن يجعل الاستثمار رسالة، فكما هو معلوم أن من أهم المطالب الشرعية هو الوقوف على حقيقة أن الاستثمار ليس مجرد تركيب فني، وإنما هو معاملات لها انعكاساتها على حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية وفي مستقبل الأبناء والأمة بصفة عامة، فالمستثمر المسلم يجب أن يتبنى هذا الطرح ويخرج من البوتقة الضيقة التي هي النظرة الرأسمالية للاستثمار، وينظر للاستثمار على أنه رسالة اجتماعية ودينية في المقام الأول.
نحن نرى أن الحس الديني مفقود الآن في كثير من المسلمين، فنجده سواء كان مانحا أو طالبا للتمويل، فهو يبحث عن الأقل تكلفة، وهذا أدى إلى نتائج سلبية بالذات في الغرب، فإذا كان المسلم لا يهتم إلا بالأقل تكلفة فمن باب أولى أن يهتم كذلك غير المسلم.. كيف ترون هذه الرؤية؟
أعتقد شخصيا أن مسألة الأقل والأكثر تكلفة هي ليست بهذه الدرجة، وأعتقد أن الشخص الذي يعتقد أن عائده أقل وهذا أكثر يعبر عن شيء من القصور؛ لأن العائد الأقل في المدى البعيد هو أكبر والعائد الأكبر في المدى القريب قد يكون أقل في المدى البعيد، وإلى هذا المعنى أشار سيدنا علي ـــ رضي الله عنه ـــ فقال: ''يا معشر التجار لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره''. وكما نشاهد أن الأزمة المالية الحالية قد أثبتت أن السعي نحو العائد الأكبر قد يدمر كل الاستثمار فلا يبقى لا عائد أكبر ولا أصغر، فترشيد الاستثمار مطلوب، فليس المهم الحصول على عائد كبير في زمن وجيز، بل المطلوب الحصول على عائد مستقر ومستديم ويحقق لك أنت ما ترجوه من نفع وللمجتمع من حولك، والإنسان مدني بطبعه، والتجارة تحقق هذا الجانب لأن التاجر يحقق الربح لنفسه ويلبي للناس حاجاتهم، فالمستثمر مطالب أن يؤكد هذا البعد الاستثماري، فالنظر لا يجب أن يكون إلى العائد القليل أو الكثير، وإنما إلى استدامة العائد وكذلك أهداف الاستثمار والحس الديني، ومفهوم البركة هو أهم الأشياء، فالاستقرار والاطمئنان ينعكس عليك.
كلنا نشاهد الانتشار السريع للمصرفية الإسلامية في الغرب، وهذا رسخ اتجاها مهما، فالكثيرون يخشون أن تفرغ المصرفية الإسلامية من معناها الإسلامي، كما أن الكثير من المشرعين هم غربيون وغير مسلمين، إضافة إلى أن هناك تهاونا وضعفا من قبل المسلمين.. برأيك ما تأثير ذلك في مستقبل الصناعة المالية الإسلامية؟
هناك تخوف كبير بدا يلوح في الأفق ويترسخ في أذهان الناس من هذه المسألة، على الرغم من أنه في رأيي أمر مبشر يحمل اتجاهين مهمين، لِنَقُلْ إنه سلاح ذو حدين، فالمشرق هنا هو أنه جميل جدا أن ينتشر الاستثمار الإسلامي ويجد قبولا عالميا، وهذا بالطبع يتطلب أن يبقى زمام المبادرة والأمور في يد المسلمين، فالإفراط في حسن النية ووضع الثقة في الآخرين ليس من الحكمة، بل يجب أن يبقى الزمام في أيدي العلماء المسلمين حتى تؤتي المصرفية الإسلامية ثمارها في أمريكا وأوروبا وآسيا وبقية أنحاء العالم، وهكذا يجب علينا الانتقال من المرحلة الحالية التي تتصف بأنها خالية من وجود أي رابط نظامي واضح جدا، فالمطلوب إذن إيجاد هذا الرابط، وتكون هناك موجهات متفق عليها وكيف يمكن تنفيذها، وقد تعقد لهذا مؤتمرات حتى لا تتحول إلى بعض الجزئيات والأحكام التي يمكن التحايل عليها.
ما الدور المطلوب من التاجر المسلم في نشر روح الشريعة في جانب المعاملات المالية؟
مطلوب من التاجر المسلم شيئان: الأول يتعلق بسلوكه الشخصي في التعامل مع الأفراد، وهناك أسس معروفة في هذا الإطار لا تخفى علي أحد مثل الصدق، والأمانة، والشفافية في التعامل والبعد عن الجشع والطمع، أما الثاني فيتعلق بالمرونة، وفي هذا القسم نذكر النظرية الاقتصادية المعروفة التي تتحدث عن المرونة، وهو أنك كلما خففت السعر حصلت على عائد أكبر واهتمام أكبر، وهو معنى قول على المشار إليه سابقا، والتاجر عليه أن يكون أفقه واسعا، وأن يهتم بالعائد البعيد، ويسهل على الناس، ويراعي طبقات المحتاجين، ولو حرص على دفع زكاة ماله لكانت هناك مساعدة كبيرة جدا في المجتمع والتخفيف من معاناة كثير من طبقات المسلمين.
بعيداً عن الاستثمارات وانتشار المصرفية الإسلامية، نرى وبوضوح اليوم الاختلافات في وجهات النظر، وهي اختلافات ظاهرة على خارطة المصرفية الإسلامية، فهناك كما نشاهد مدرستين: المدرسة الماليزية والمدرسة الخليجية، وهناك اختلاف في المسائل الفقهية الموجودة بينهما، هل تعتقدون أن هذا قد يؤثر سلبا في المصرفية الإسلامية، وكيف يمكن أن نتفادى هذه الخلافات؟
أعتقد أنك تقصد بيوت الخصم في ماليزيا، وهذه بأمانة مشكلة عويصة ومستمرة دون حل، ودائما نقرأ أن هناك جهودا مبذولة لتقريب وجهات النظر في هذا الأمر، إلا أننا ما زلنا ننتظر ثمرة هذا التقريب، ويبدو أن الاتجاه العالمي يسير نحو دعم المدرسة الماليزية، نظرا لأنه الأسهل في نظرية خصم الديون وغيره، وهذه غير مقبولة من وجهة النظر الشرق أوسطية، ومع احترامنا الشديد للإخوة في ماليزيا ولما يستندون إليه من المذهب الشافعي، أعتقد أن الكثير من الشافعية في سورية والشرق الأوسط ومصر يرون أن مذهب الإمام الشافعي لا يجيز هذا التعامل، فأعتقد أن من أهم هذه الحلول أن يلتقوا الشافعية أنفسهم. لماذا لا يكون هناك مؤتمر حول نظرة الإمام الشافعي ـــ رحمه الله ـــ لهذا الأمر؟ أعني بيع العينة، ولو اجتمع علماء الشافعية باستقلال عن المذاهب الأخرى، وأنا لست هنا أدعو للمذهبية، ولكن أقول ما دامت المسألة مسألة مهيبة لماذا لا تحرر داخل المذهب نفسه؟