بين الطفرة العقارية والكساد .. إلى أي يتجه الاقتصاد الصيني؟

بين الطفرة العقارية والكساد .. إلى أي يتجه الاقتصاد الصيني؟

هل أسعار العقارات في الصين مرتفعة بشكل مفرط وهل هناك كثير من الديون في السوق؟
الإجابات هي ''لا''، و''ليس تماما'' على التوالي، كما يقول جوناثان أندرسون، أحد المتحدثين في مؤتمر آسيا ''سوبر رتيرن'' للاستثمار في هونج كونج والمدير الإداري لقسم اقتصاد الأسواق الناشئة العالمية في بنك يو بي إس.
ومقارنة بالولايات المتحدة في السنوات العشر الماضية ـــ حيث كانت القروض العقارية تمول نحو 100 في المائة من مبيعات المنازل الجديدة في المتوسط ـــ كان ما بين 25 في المائة و30 في المائة فقط من مبيعات المنازل الجديدة في الصين ممولة بالقروض العقارية في الفترة نفسها. وحين كان أصحاب المنازل يأخذون القروض العقارية، كانوا يقترضون عادة 50 في المائة من قيمة المنزل.
ويقول أندرسون: ''لذا ليس هناك كثير من الديون''.
وفي حين ارتفعت أسعار العقارات في الصين بمعدل 135 في المائة في العقد الماضي، ارتفعت الدخول الوطنية بنسبة 146 في المائة خلال الفترة نفسها.
ويذكر أندرسون: ''نتيجة لذلك، تنخفض نسب الأسعار إلى الدخول في الصين. وهي تنخفض كل عام تقريباً، مع استثناءات قليلة''. ''لم يسبق أن شاهدنا اتجاهاً متزايداً في أسعار المساكن نسبة إلى الدخول على مدى العقد الماضي في الصين. وليس لدينا ديون، وليس لدينا زيادات أسعار ولدينا مستويات مخزون، بأفضل ما يمكن قياسه، تنخفض بشكل سريع منذ عام 2005''.
ومع كل ذلك، فإن الأدلة واضحة على أن قطاع العقارات في الصين يزداد نشاطاً، على الرغم من جهود بكين لكبح ما يعتبره كثيرون فقاعة عقارية متنامية.
وشهد أيلول (سبتمبر) الماضي انتعاشاً سريعاً نسبياً في أسعار العقارات والمبيعات بعد تراجع دام أربعة أشهر مدفوعا بتشديد سياسات الحكومة. ووفقا للمكتب الوطني للإحصاءات، ارتفع مؤشر أسعار العقارات الوطنية في الصين بنسبة 0.5 في المائة في أيلول (سبتمبر) مقارنة بالشهر السابق، وارتفع بنسبة 9.1 في المائة مقارنة بالفترة نفسها قبل عام. ويغطي المؤشر 70 مدينة كبيرة ومتوسطة الحجم.
وارتفعت أيضاً مبيعات العقارات على الصعيد الوطني من حيث المساحة بنسبة 16.6 في المائة مقارنة بالعام الماضي في أيلول (سبتمبر)، بعد انخفاض 10.1 في المائة في آب (أغسطس) ـــ وفقا للمكتب.
والسبب الرئيسي للانتعاش القوي لقطاع العقارات في الصين، كما يقول بول شولت، الرئيس العالمي لقسم الاستراتيجية المالية في بنك التعمير الصيني الدولي، هو حزمة الحوافز الاقتصادية للصين التي بلغت قيمتها نحو 600 مليار دولار عام 2009.
وقال شولت، في مقابلة مع ''انسياد نولدج'' على هامش مؤتمر سوبر رتيرن، إنه تم ضخ نحو 45 في المائة من حزمة الحوافز في إنشاء البنية التحتية، وقد شكل هذا ''جزءاً كبيراً جداً من النمو في الفصول المالية الأربعة الماضية. ينخفض هذا إلى حد كبير مع إنفاق هذا المال. وهكذا فإن الجزء الأكبر من معدل النمو بدءاً من الآن تقريباً في عام 2011 يأتي بشكل متزايد من الاستهلاك وبشكل أقل من الاستثمار''.
وعلى أية حال، فإن التوقعات الاقتصادية للصين خلال السنوات القليلة المقبلة ''قوية جداً''، كما يقول بن سيمبفندورفر، رئيس الخبراء الاقتصاديين في RBS ومؤلف كتاب ''طريق الحرير الجديد''. ويتوقع سيمبفندورفر، وهو أحد المتحدثين في المؤتمر، أن ينمو اقتصاد الصين بمعدل سنوي يبلغ نحو 10 في المائة في العامين المقبلين. ومع ذلك، يخشى أن قطاع العقارات قد ''يقع في مشكلات'' في العامين إلى الخمسة أعوام المقبلة، مع ارتفاع التضخم إلى ''مستويات أعلى بشكل خطير''.
ويعتقد سيمبفندورفر أيضاً ـــ الذي يرى أن قطاع العقارات هو المحرك الاقتصادي الرئيسي للصين ـــ أن قطاع التصنيع المرتبط بالإسكان ـــ بما في ذلك منتجي الصلب والنحاس والأنابيب والأثاث والأجهزة الإلكترونية المنزلية ـــ سيتراجع حين ينخفض قطاع العقارات في النهاية.
وهو يقول: ''إذا كان سيتم تصحيح قطاع العقارات، وإذا كنا سنشهد بضع سنوات من الإنفاق الضعيف جداً على الاستثمار في هذا القطاع، سيكون التأثير في قطاع التصنيع هائلا''.
ومع ذلك، فإن التضخم لا يشكل تهديداً كبيراً في الأجل القريب لأن أسعار المواد غير الغذائية وأسعار المواد الغذائية لا ترتفع بشكل سريع ـــ كما يقول سيمبفندورفر. إلا أن التضخم يشكل ''تهديداً رئيسياً'' في الأجل المتوسط، لأن الصين تواجه ضغوطاً تضخمية هيكلية من الأجور وأسعار الأراضي وأسعار المواد الخام.
ولكن هل يدفع نمو الصين السريع البلاد نحو كارثة اقتصادية كما يقول بعض المستثمرين؟
يشير جوناثان أندرسون من بنك يو بي إس إلى أن بعض المراقبين للصين متشائمون فيما يتعلق بالتوقعات الاقتصادية للصين لأنهم يعتقدون أن الدولة غارقة في فائض هائل من رأس المال وإيجاد القدرات. علاوة على ذلك، ارتفعت نسبة الاستثمار المحلي إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين إلى نحو 50 في المائة حالياً بعد أن كانت بين 35 و40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في التسعينيات. إلا أن معظم الاستثمار ذهب إلى قطاع العقارات. وعلى هذا النحو، لم تكن الصين توسّع بشكل كبير حصتها الاقتصادية من قاعدتها التصنيعية المتصلة بقطاعات غير العقارات ـــ بما في ذلك المصانع الصناعية وبناء السفن ـــ عما كانت عليه قبل 10 إلى 15 عاماً ـــ كما يقول أندرسون.
وفي الواقع، أدى التوق الصيني إلى ملكية العقارات إلى انخفاض الاستهلاك الشخصي إلى نحو 30 في المائة من إنفاق الأسر حالياً عن نسبته في التسعينيات، التي بلغت 50 في المائة ـــ وفقاً لأندرسون.
ويقول أندرسون: ''لا تشهد الصين انهيار إنفاق الأسر وانهيار الطلب المحلي. والشيء الوحيد الذي يحدث في الصين هو أنه كانت هناك عملية إعادة تخصيص كبيرة للإنفاق على العقارات''.
ويضيف: ''الشيء الوحيد الذي تبني الصين مزيدا منه اليوم هو العقارات''.
''وقصة العقارات ضخمة. ولكن ليس هناك عملية لإيجاد فائض كبير لرأس المال في الصين''.
''ما يوجد هو طفرة عقارية كبيرة. وإليها ذهب إنفاق الأسر، والإنفاق على الاستثمار. وإذا فهمت قصة العقارات في الصين، ستفهم قصة الصين''.

*كتب هذا المقال كيفن تان بناء على مقابلات مع ''إنسياد نولدج'' وجلسات مؤتمر آسيا سوبر رتيرن في هونج كونج.

الأكثر قراءة