خلق فرصة عمل واحدة في صناعة البتروكيماويات يؤدي إلى خلق ما لا يقل عن 6 فرص أخرى
أكد جمال ملائكة رئيس الشركة الوطنية للصناعات البتروكيماوية ''ناتبت'' أن التوجه الحالي لسياسة الدولة بجانب الاستثمار في الصناعات البتروكيماوية الأساسية هو في الاستثمار في الصناعات الثانوية التي تستخدم منتجات الصناعة الأساسية كمواد خام, وبالتالي تنويع مصادر الدخل وزيادة فرص العمل للمواطنين بصورة أكبر, وهي سياسة حصيفة وتدل على بعد نظر صانعي القرار, وبين ملائكة في حوار مع ''الاقتصادية'' أن السوق السعودية للبروبيلين تنمو في حدود 8 إلى 10 في المائة سنوياً، وبالتالي فإن معظم إنتاج مصانع البولي بروبيلين يتجه إلى التصدير، الذي يعد خيار استراتيجي لأنه يساعد على تنويع مصادر الدخل، وبين ملائكة أن حجم الطلب العالمي على مادة البولي بروبيلين يـقدر بـ 48 مليون طن سنوياً في عام 2010 , وتبلغ نسبة النمو السنوي من 5 إلى 6 في المائة تقريباً مما يعني وجوب إنشاء مشاريع جديدة تقدر بثلاثة ملايين طن سنوياً، وأضاف أن من الركائز الأساسية لنجاح هذه الصناعة توفير اللقيم بسعر يزيد على التكلفة وبسعر مُحفز، كما يجب إعادة النظر في تسعير غازي البروبان والبيوتان، والاستمرار في تمويل الصناديق الحكومية لهذه المشاريع والتوسع فيها، والعمل على تطوير الموانئ، وإيجاد الأرضية الملائمة لقيام صناعات مساندة لصيانة الآلات والمعدات التي تستخدم في المشاريع البتروكيماوية، والتوسع في مشاريع البنية التحتية وإقامة مشاريع الماء والكهرباء، كما نرى أن يتم إنشاء مدن جديدة صناعية شبيهة في الجبيل وينبع في مناطق أخرى، وتوفير الدعم الفعال لهذه الصناعة عندما تواجه سياسات حمائية غير عادلة من بعض الدول كما نرى الآن. فكان لنا الحوار التالي:
نود في البداية التعرف على نشأة الشركة وتأسيسها؟
تأسست الشركة الوطنية للصناعات البتروكيماوية ''ناتبت'' عام 1999، وهي شركة مساهمة سعودية وجميع مساهميها هم من الشركات والمواطنين السعوديين. وتمتلك شركة اللجين وهي شركة مساهمة عامة 57.4 في المائة من أسهم الشركة, كما تمتلك المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ما يعادل 12.2 في المائة.
ما أهم المنتجات التي تقوم الشركة بتصنيعها؟
تقوم الشـركة بإنتاج 400 ألف طن من البروبيلين ومن ثم تقوم بتحويل البروبيلين إلى مادة البولي بروبيلين بالكمية نفسها, وتقوم الشركة بإنتاج عدة أصناف من مادة البولي بروبيلين أهمها الكوبوليمير، والشركة هي أول شركة سعودية تقوم بتصنيع البولي بروبيلين على أساس تقنية السفيري بول والتي زودتها بها شركة ليونديل بازيل وهي من أفضل التقنيات المستخدمة لتصنيع البولي بروبيلين في العالم. وتدخل هذه المادة في صناعة السيارات والأجهزة المنزلية ومواد البناء والسجاد والتعبئة والتغليف وبعض المستلزمات الطبية والزراعية وعشرات من الصناعات الأخرى.
#2#
من هم عملاء الشركة في السوق المحلية والسوق العالمية؟
تقوم الشركة بتسويق إنتاجها في السوق المحلية وفي دول العالم كافة، وقد باعت الشركة منتجاتها في نحو 50 دولة حتى الآن على الرغم من عُمرها القصـير إنتاجياً, حيث بدأنا الإنتاج التجاري فقط في آب (أغسطس) 2010.
هل من توسع مستقبلاً لرفع الطاقة الإنتاجية للمصنع؟
تخطط الشركة ـــ إن شاء الله ــ لزيادة إنتاجها أو على الأقل مضاعفته، حيث إن التوسع في هذا النوع من الصناعة مهم من الناحية الاقتصادية كما أن السوق العالمية تنمو بما يوازي من 5 إلى 6 في المائة سنوياً (تقريباً ثلاثة ملايين طن سنوياً) وإذا لم تقم المملكة بإنشاء مصانع بتروكيماوية جديدة لمقابلة التوسع في السوق العالمية فسوف تقوم دول أخرى بذلك مما يَحرم المملكة من هذه الفرصة النادرة أي أننا سنخسر آلاف الوظائف ويقوم المستثمرون بإنشاء مشاريعهم في دول أخرى بدلاً من إقامتها في المملكة.
نود أن تحدثنا عن طريقة استخدام تقنية الأوليفلكس لإنتاج البروبيلين من غاز البروبان الذي تزود شركة أرامكو السعودية المجمع به.
تقوم الشـركة باستخدام غاز البروبان والذي يتم توفيره من قبل شركة أرامكو السعودية لتصنيع مادة البروبيلين عن طريق نزع الهيدورجين من البروبان باستخدام تقنية الأوليفلكس المرخصة للشركة من شركة UOP ومن ثم تحويل البروبيلين، كما أسلفت إلى مادة البولي بروبيلين باستخدام تقنية السفيري بول من شركة ليونديل بازيل.
هل لديكم منافسون في السوق يقومون بإنتاج البولي بروبيلين؟
المنافسة موجودة في كل مكان وفي السوق السعودية يصل إنتاج البولي بروبيلين نحو سبعة ملايين طن سنوياً مع أن حجم السوق المحلية لا يتجاوز 450 ألف طن سنوياً، وبالتالي فإن معظم الإنتاج يتجه إلى الأسواق العالمية وأهمها بالطبع الأسواق الآسيوية وعلى رأسها الصين والدول الأوروبية وتركيا ودول الشرق الأوسط وإفريقيا.
ويتميز الإنتاج السعودي بجودته, وتتوسط المملكة الأسواق العالمية وخاصة مدينة ينبع الصناعية التي هي في رأينا موقع استراتيجي بين آسيا وأوروبا وفي قلب الشـرق الأوسط بالطبع. كما تستخدم المشاريع البتروكيماوية أحدث التقنيات وتتميز مصانعها البتروكيماوية بحجم إنتاج كبير مما يحســن من اقتصاديات هذا النوع من المشــاريع.
هل السوق السعودية في حاجة إلى زيادة الإنتاج من مادة البولي بروبيلين؟
السوق السعودية للبروبيلين تنمو في حدود 8 إلى 10 في المائة سنوياً، وبالتالي فإن معظم إنتاج مصانع البولي بروبيلين يتجه إلى التصدير، والتصدير خيار استراتيجي لأنه يساعد على تنويع مصادر الدخل وينبغي عدم إغفال هذه النقطة. ويقدر حجم الطلب العالمي على مادة البولي بروبيلين بـ 48 مليون طن سنوياً في عام 2010 وتبلغ نسبة النمو السنوي من 5 إلى 6 في المائة تقريباً مما يعني وجوب إنشاء مشاريع جديدة تقدر بثلاثة ملايين طن سنوياً يا حبذا أن يكون معظمها في المملكة وذلك تحقيقاً للأهداف الاستراتيجية التي وضعتها الدولة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حيث اتخذت قراراً حكيماً ومدروساً باستخدام المنتجات النفطية كلقيم وكوقود للمشاريع البتروكيماوية لتنويع مصادر الدخل وتعظيم القيمة المضافة وتوفير فرص العمل للسعوديين وتوطين التكنولوجيا ووضع المملكة كأحد أهم أربع دول مصنعة للمواد البتروكيماوية ومشاريع الطاقة في العالم وغيرها من الأهداف الاستراتيجية لهذه البلاد.
وطالما إننا نتكلم هنا في موضوع البولي بروبيلين فأريد التنويه أننا قد اخترنا هذا النوع من البلاستيك لأن مادة البولي بروبيلين تنمو عالميا بشكل كبير جدا، كما أشرت عاليه, وهذه المادة تقضم حصة من المواد الأخرى وتأخذ من حصتها في أسواق البلاستيك على سبيل المثال وليس الحصر البولي إيثيلين والبوليستر والبي في سي وحتى من حصة البلاستيكات الهندسية وذلك بخلط البولي بروبيلين بمواد أخرى compounding.
ومن أهم القرارات التي اتخذتها الدولة لتنفيذ هذه الأهداف الاستراتيجية هي الاستفادة من الميزة التنافسية للقيم وقامت بتسعيرها للمصانع البتروكيماوية بأسعار تفوق تكلفة إنتاج اللقيم وذلك لتشجيع قيام المشاريع البتروكيماوية والتي بالفعل توسعت بصورة كبيرة ومشرفة وناجحة.
وينبغي الإشارة هنا إلى أن الحكومة السعودية نظرت بحكمة كبيرة إلى تكلفة استخراج اللقيم، وبالتالي قامت بتسعيره للمصانع البتروكيماوية آخذة في الاعتبار المردود الإجمالي على الاقتصاد السعودي ولتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي أشرنا إليها آنفاً, وكذلك زيادة الدخل الوطني لعشرات السنين المقبلة.
إن الأرقام تظهر أن تصدير المواد البتروكيماوية يفوق من حيث القيمة بمقدار الضعف تقريباً على تصدير المواد البترولية التي تغذي المشاريع البتروكيماوية، وهذا يؤدي إلى تعظيم القيمة المضافة والتي هي إحدى ركائز سياسة الدولة ـــ أيدها الله.
وشركة ناتبت كشركة بتروكيماوية تقوم بدورها كاملاً لتحقيق الأهداف التي وضعتها الدولة، حيث تصل صادراتها إلى أكثر من مليار ونصف المليار ريال سعودي تقريباً، وتوظف أكثر من 440 موظفاً، حيث يصل حجم العمالة الوطنية إلى أكثر من 51 في المائة قامت الشركة ولا تزال تقوم بتدريبهم بصورة مستمرة وهي نسبة ممتازة قياساً إلى عمر الشـركة القصـير، كما قامت الشـركة بالحصول على أفضل تكنولوجيا لتصنيع مادة البولي بروبيلين.
هناك ضعف في نسبة النمو في الصناعة البتروكيماوية في السوق السعودية على الرغم من التحديات المحلية والعالمية التي واجهتها هذه الصناعة خلال العقود الثلاثة الماضية. ما هو المستقبل الذي ينتظر هذه الصناعة من وجهة نظركم؟
إن هذا السؤال يرتبط ارتباطا مباشراً بما ذكرته آنفاً على وجوب استمرار سياسة الدولة في تشجيع التوسع في الصناعات البتروكيماوية، وقد لوحظ أخيرا بطء في إنشاء مصانع بتروكيماوية والاستثمار في هذه المشاريع العملاقة والتي تكلف مليارات الريالات يتطلب استقرارا في السياسات وتزويد هذه المشاريع باللقيم بدلاً من تصديره إلى الخارج، وذلك أن الفائدة من التصدير ربما يظهر من أول وهلة أنها أعلى سعراً إلا أن المردود الاقتصادي لإنشاء المشاريع البتروكيماوية هو مردود يفوق تصديره وبيعه بالسعر العالمي أضعافاً مضاعفة، وأعتقد أنني شرحت هذه النقطة بإسهاب.
كما أود الإشارة هنا إلى أن التوجه الحالي لسياسة الدولة بجانب الاستثمار في الصناعات البتروكيماوية الأساسية هو في الاستثمار في الصناعات الثانوية التي تستخدم منتجات الصناعة الأساسية كمواد خام وبالتالي تنويع مصادر الدخل وزيادة فرص العمل للمواطنين بصورة أكبر وهي سياسة حصيفة وتدل على بعد نظر صانعي القرار، ولكننا نود التشديد على أن الاستثمار في الصناعات الثانوية لا يعني التوقف عن الاستثمار في الصناعات الأساسية وإنما هو دور مكمل ومتجانس وينبغي التوسع باستمرار في الاستثمار في الصناعات الأساسية والإبقاء على سياسة الميزة التنافسية في توفير اللقيم وبأسعار تزيد على سعر التكلفة، حيث تصبح المملكة دولة رائدة في صناعة البتروكيماويات وغيرها من السياسات التي تؤدي إلى تطور صناعة البتروكيماويات في المملكة. ودون استمرار هذه السياسة ستضمحل صناعة البتروكيماويات في المملكة وستواجه منافسة شرسة من الدول الأخرى مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية كبيرة على هذه الصناعة.
ولا يجب أن ننسى أن الأهداف الاستراتيجية التي قامت على أساسها هذه الصناعة هي توفير فرص العمل للمواطنين وتنويع مصادر الدخل ونقل التكنولوجيا، حيث إن خلق فرصة عمل واحدة في الصناعة تؤدي إلى خلق ما لا يقل عن ست فرص أخرى للعمل في السوق مثل خدمات المساندة والنقل والدعم اللوجستي والصناعات المساندة وغيرها مما سيؤدي إلى توفير فرص عمل لعدد هائل من المواطنين السعوديين.
كما أود الإشارة هنا إلى أن الرواتب والأجور التي يحصل عليها المواطن لقاء عمله في الصناعات البتروكيماوية هي رواتب وأجور عالية إذا ما قورنت بالأنواع الأخرى من المهن وهذا أيضاً له مردود اقتصادي كبير.
ودون الاستمرار في سياسة تشجيع الصناعات البتروكيماوية، وكذلك توفير البنية التحتية والتمويل نعتقد أن ذلك سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من بطالة وتجفيف مصادر الدخل وعدم نقل التكنولوجيا وكثير من الانعكاسات الخطيرة على الاقتصاد الوطني.
مع ازدياد المنافسة العالمية استطاعت صناعة البتروكيماويات في المملكة أن تلعب دوراً حيوياً في تشكيل مستقبل واعد لصناعة البتروكيماويات؟ كيف تقرأ ذلك؟
مرة أخرى إن السياسة التي انتهجتها الدولة في منتصف السبعينيات هي التركيز على الميزة التنافسية للقيم وللمواد النفطية مما أدى بجانب الحوافز الأخرى إلى خلق قاعدة قوية للصناعات البتروكيماوية في المملكة، وإن حجم العمالة في هذا القطاع ومعظمها عمالة سعودية له مردود ضخم وأكرر مردود ضخم على الاقتصاد الوطني ولا بُد من الاستمرار وتطوير هذه السياسات للحفاظ ليس فقط على المكاسب التي حققتها المملكة في هذه الصناعة بل وتطوير هذه المكاسب.
كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الأحوال العالمية تتغير دائماً ولا تظل ثابتة، فقد تم اكتشاف الغاز الصخري في الولايات المتحدة بكميات هائلة. وتشير الدراسات إلى منافسة هذا النوع من الغاز للغاز الذي تنتجه المملكة مما سيؤثر تأثيراً شديدا السلبية في اقتصاديات المشاريع البتروكيماوية في المملكة، كما أن هناك توجها مؤكدا لدول مثل روسيا وإيران والصـين بإنشاء مشاريع عملاقة في مجال البتروكيماويات, وإذا لم تتم المحافظة بل وتطوير تسعيرة اللقيم الحالية فستفقد المملكة ميزتها التنافسـية مما سيؤدي إلى فشل الأهداف التي وضعتها المملكة، كما يؤدي ذلك قطعاً إلى قيام المستثمرين بإنشاء هذه المصانع في الدول الأخرى وعلى رأسها الدول التي أشرنا إليها سابقاً وستُحرم المملكة من هذه الفرصة النادرة وتتوقف الصناعات البتروكيماوية في مكانها مما يؤدي إلى اضمحلالها في المستقبل ـــ لا قدر الله.
ومن الجدير التنويه به أن خالد الفالح – الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية صرح أخيرا بأن شركة أرامكو حققت اكتشافات كبيرة من الغاز في شمال المملكة, وتقوم الشركة في الوقت ذاته بالتنقيب عن الغاز وبشكل موسع في مياه البحر الأحمر، وأن شركة أرامكو السعودية ترغب في رفع حجم إمدادات الغاز لقطاع البتروكيماويات والتعدين، وهذا بالضبط ما نُنادي به لتشجيع وتوسع صناعة البتروكيماويات والصناعات التي تعتمد على الطاقة.
في وجهة نظرك ما ركائز النجاح للصناعات البتروكيماوية في المملكة؟
أولا: توفير اللقيم بسعر يزيد على التكلفة وبسعر مُحفز، ثانياً: لا بد من إعادة النظر في تسعير غازي البروبان والبيوتان، فقد تم تسعيرهما من زمن بعيد على أساس سعر النافثا، وسعر النافثا مرتبط بسعر النفط. وفي ذلك الوقت ربما كان ذلك مقبولاً فقد كان سعر النفط أقل بكثير مما هو عليه الآن، أما الآن وقد وصلت أسعار النفط إلى ما هي عليه، فإن سعر غاز البروبان وغاز البيوتان أصبح غير اقتصادي للمشاريع البتروكيماوية، ولذلك نحن ندعو إلى فصـل سعر البروبان والبيوتان عن سعر النافثا وربطه بسعر غاز النفط المسال، ثالثا: الاستمرار في تمويل الصناديق الحكومية لهذه المشاريع والتوسع فيها، رابعا: العمل على تطوير الموانئ، خامسا: إيجاد الأرضية الملائمة لقيام صناعات مساندة لصيانة الآلات والمعدات التي تستخدم في المشاريع البتروكيماوية، سادسا: التوسع في مشاريع البنية التحتية وإقامة مشاريع الماء والكهرباء والتوسع في مدينتي الجبيل وينبع وهذا يتم الآن ولله الحمد، كما نرى أن يتم إنشاء مدن جديدة صناعية شبيهة بالجبيل وينبع في مناطق أخرى، سابعا: توفير الدعم الفعال لهذه الصناعة عندما تواجه سياسات حمائية غير عادلة من بعض الدول كما نرى الآن.
كيف تنظر إلى الدعم والحوافز المالية والدعم الحكومي من خلال صندوق التنمية الصناعية لصناعة البتروكيماويات في المملكة؟
قامت الحكومة السعودية ـــ أيدها الله ـــ بتوفير التمويل لجميع المشاريع الصناعية وبعد توفيق الله, ولولا هذا الدعم لما قامت أي صناعة تذكر في هذه البلاد العزيزة. وبالنسبة للصناعات البتروكيماوية قام صندوق التنمية الصناعية بزيادة التمويل من 400 إلى 600 مليون ريال سعودي بشروط ميسرة. وأود الإشارة هنا إلى أن دور الصندوق لا يتوقف عند التمويل فقط ولكنه دور استشاري مهم حيث يقوم الصندوق بتوفير المشورة الفنية والمالية والتسويقية, ونحن نجد من الصندوق كل دعم ومساندة وهذا أمر لا مجاملة فيه ولكنه الواقع يحكي عن نفسه.
وأود الإشارة إلى أن الدولة أيضاً في سعيها لدعم الصناعات البتروكيماوية ونظراً إلى نظرتها الشمولية لأهمية هذا القطاع قامت بتوجيه صندوق الاستثمارات العامة بتمويل المشاريع الكبرى ومن ضمنها المشاريع البتروكيماوية بجانب تمويل صندوق التنمية الصناعية. وهذا قرار تاريخي ويحسب لهذه الدولة، فالمشاريع البتروكيماوية تصل تكلفتها إلى مليارات الريالات وتمويل صندوق التنمية الصناعية لا يكفي، وبالتالي يلعب صندوق الاستثمارات العامة دوراً حيوياً في تنمية صناعة البتروكيماويات في المملكة.
ما أبرز التحديات التي تواجهها صناعة البتروكيماويات وأنت متخصص وتعمل في شركة رائدة في هذا المجال؟
بجانب ما ذكرناه سابقاً بالنسبة لوضع الصناعات البتروكيماوية في المملكة ورأينا في هذا الخصوص فإن أبرز التحديات هي ما نراه حالياً من سياسات قصيرة النظر في بعض الدول بتطبيق إجراءات حمائية غير عادلة ضد المنتجات السعودية على وجه الخصوص. وهذه سياسات غير عادلة وغير منطقية ولا تستند إلى أي أساس تجاري، كما أن المملكة ملتزمة بقوانين منظمة التجارة العالمية ولم تحد عنها.
والتحدي الثاني كما نرى هو ''انقضاض'' الدول الأخرى على الفرص الحالية لتوسعة وبناء المشاريع البتروكيماوية في أماكن أخرى وإن لم تفطن المملكة إلى هذا الوضع يكون الوقت قد مضى وضاعت الفرصة المتاحة.
أما ثالث التحديات فهو الحصول على العمالة الماهرة المدربة, ويوجد الآن نقص كبير ومتزايد في مهن مثل الهندسة والإمداد والتسويق والدعم اللوجيستي وغيرها من المهن.
كما أننا سمعنا أن هناك من يعتقد أن إنشاء وإدارة وتشغيل المشاريع البتروكيماوية أمر سهل، وليس ذلك صحيحاً، ذلك أن المشاريع البتروكيماوية أكثر صعوبةً وتعقيداً من إنشاء مشروع لتكرير النفط مثلاً.
ما العناصر الأساسية لزيادة الاستثمارات في هذا القطاع؟
عدم الحياد عن الأسس الاستراتيجية التي انتهجتها الدولة لتشجيع الصناعات البتروكيماوية، إعادة النظر في أسعار غاز البروبان وغاز البيوتان كما أسلفنا، التوسع في البنية التحتية، والاستمرار في لعب دور محوري لتمويل هذه المشاريع، العمل على تدريب الشباب السعودي على تشغيل وصيانة هذه المشاريع عبر برامج مركزة وغيرها من العناصر المهمة.
ونود أن نشير إلى الدراسات التي قام بها معهد ستانفورد للأبحاث في الولايات المتحدة في التسعينيات من القرن الماضي والتي تصل إلى نتيجة مفادها أن قيمة برميل النفط الذي لم يتم استخراجه بعد 100 عام تقريباً ستكون قيمته الفعلية صـفرا باحتساب القيمة الحالية للبرميل، ذلك أن استخراج نفط أكثر الآن سيؤدي إلى التأثير السلبي في سعر النفط وهو أمر غير مقبول، وبالتالي فإنه من الأجدى اقتصاديا واستراتيجياً أن يتم استخراج هذا البرميل الآن واستخدامه في الصناعة البتروكيماوية ومشاريع الطاقة والتعدين, على أن يُسعر بأكثر من تكلفة إنتاجه وبسعر محفز. وسيؤدي ذلك إلى توسع ضخم في الصناعات البتروكيماوية والصناعات التي تعتمد على الطاقة وفي صناعات التعدين وجعل المملكة بحق مركز المشاريع البتروكيماوية ومشاريع الطاقة والتعدين في العالم, وهذه بالضبط هي الاستفادة المُثلى للميزة التنافسية للنفط وفي ذلك مردود اقتصادي هائل على الاقتصاد الوطني.
كيف تقيم مستوى الموارد البشــرية العاملة في صناعة البتروكيماويات في المملكة لمواكبة التطورات العالمية؟
إن الشركات البتروكيماوية تقوم بالاستثمار في العنصر البشري وتدريبه بشكل مركز وبعد توفيق الله، فإن هذا الاستثمار والتدريب يؤتي أكله، وشركة ناتبت هي واحدة من كثير من الشركات التي قامت بالاستثمار في هذا الجانب والمردود هو ما نراه، حيث وصلت العمالة الوطنية إلى أكثر من 51 في المائة في شركتنا، ونحن والتزاما من المساهمين في هذا الأمر نوظف حالياً ليس فقط العدد المطلوب لتشغيل وصيانة المشروع بل لدينا 60 شاباً سعودياً فوق العدد المطلوب نقوم بتدريبهم على رأس العمل لزيادة نسبة السعوديين في الشركة في المستقبل وكذلك لمقابلة متطلبات التوسع ـــ إن شاء الله ــــ على الرغم من ازدياد التكلفة علينا إلا أننا نشعر بأن هذا هو واجبنا الوطني تجاه أبنائنا وتجاه بلادنا.
هل ارتفاع تكلفة العمالة ومحدودية الأسواق والحصول على التقنية اللازمة لتنمية هذه الصناعة تقف أمام مستقبل الصناعة البتروكيماوية في المملكة؟ وهل من حل ترونه بوجهة نظركم؟
إن أبرز التحديات هو الحصول على التقنية اللازمة للمشاريع البتروكيماوية وكذلك تطوير هذه التقنية وتطوير المنتجات وهذا تحدٍ كبير يواجه الصناعة البتروكيماوية في المملكة وفي المنطقة بصفة خاصة. ونحن نرى جهودا كبيرة تُبذل لبناء مؤسسات بحثية في الجامعات السعودية وفي بعض الشركات الكبرى، ونتمنى من الله العلي القدير النجاح لهذه الجهود.
وإشارتك إلى محدودية الأسواق هي في محلها تماماً، فإن السوق المحلية والخليجية والعربية لا تستطيع امتصاص الإنتاج، ولكن هذه هي طبيعة هذه الصناعة فهي تقوم على التصدير, والتصدير أمر مهم جداً لأي دولة من الناحية الاقتصادية والشركات الناجحة هي التي تعرف كيف تُسوق منتجاتها بأفضل السُبل وبأقل التكاليف.
هل ترى أن صياغة التحالفات مع الشركات الغربية وإنشاء منتجات متخصصة في صالح الشركات السعودية العاملة في هذا المجال؟
لا شك في ذلك، ذلك أن العالم أصبح قرية صغيرة والدول تقوم على تبادل المنافع ولا تستطيع دولة واحدة أن تقوم بتوفير جميع المتطلبات من عمالة ومواد خام وأسواق وتكنولوجيا وخدمات لوجستية .. إلخ، وبالتالي فإن التحالف مع الشركات الأجنبية, غربية أم غير ذلك يتم بأن يقوم البعض بإكمال النقص عند الآخر, وهذا أمر طبيعي ولا يمكن تغييره بأي حال من الأحوال. وبالطبع فإن هذه التحالفات هي في صالح الشركات السعودية والأجنبية على حدٍ سواء.
كيف هو مستوى التنسيق بين الشركات الخليجية في تطوير هذه الصناعة؟
لا يوجد هناك تنسيق ذي معنى في الوقت الحالي إلا أنه تم قبل سنوات قليلة تأسيس الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات، ونحن نرى أن هذا الاتحاد يتحرك تحركاً إيجابياً وسريعاً لتلبية طموحات الصناعة الخليجية، إلا أننا لم نصل بعد إلى مرحلة التنسيق الكامل وهذا ما نأمله ـــ إن شاء الله ـــ ولكل شيء بداية.
كيف تقرأ مستقبل الصناعة بشكل عام في السوق السعودية؟
المستقبل ليس سهلاً نظراً إلى السياسات الحمائية التي نراها بين حين وآخر وكذلك اكتشاف الغاز الصخري في الولايات المتحدة وانعكاس ذلك على منافسة المشاريع البتروكيماوية السعودية، وكذلك قيام عدة دول بالاستثمار بشكل كبير وضخم في مجال البتروكيماويات، كما أننا نرى أن موضوع توافر اللقيم أصبح أصعب من ذي قبل وغيرها من المسائل، وبالتالي فنحن نتمنى أن تتكاتف الجهود من الجميع في المملكة لفهم المتغيرات العالمية وعدم السماح بتأثر المشاريع البتروكيماوية الحالية وكذلك دعم المشاريع الجديدة ودعم التوسع فيها.