تنمية الموارد البشرية .. صندوق التنمية الصناعية نموذجاً
تم إنشاء صندوق التنمية الصناعية السعودي عام 1394هـ، كجهاز ذي شخصية اعتبارية مستقلة وفق نظامه الأساسي الصادر بمرسوم ملكي كريم تحت إشراف مجلس إدارة منحت له صلاحية إصدار لوائحه وأنظمته وسياساته التنفيذية والتشغيلية والمالية إلى جانب استقلالية ميزانيته عن الميزانية العامة للدولة، حيث يعتمد الصندوق على موارده الذاتية لتغطية كامل تكاليف ميزانيته التشغيلية دون إضافة أية أعباء مادية على الدولة.
يعتمد نجاح المؤسسات على النهج الذي يتم اتباعه في إنشائها ومن ثمّ بناء هياكلها التنظيمية والإدارية والمالية والفنية وما يتصل بذلك من معايير وأنظمة لاستقطاب واختيار وتأهيل وتدريب القوى البشرية المتخصصة المناسبة لطبيعة مهام ومسؤوليات هذه المؤسسة، وبالتالي إقرار شخصيتها الاعتبارية التي تؤهلها لتحقيق أهدافها ومهامها بالوسائل والأساليب الحديثة التي تنسجم مع طبيعة تلك الأهداف والمهام.
ويمثل اتباع الصندوق لأساليب الإدارة البنكية الحديثة أحد الخصائص التي تميز بها منذ إنشائه، حيث تم الاستعانة بخبرات بنك تشيزمانهاتن لإدارة الصندوق في بدايات نشاطه وبناء القواعد الإقراضية والإدارية والمالية والفنية فيه، ومن ثمّ تولت قيادته عام 1400هـ كوادر سعودية مؤهلة من ذوي المؤهلات العلمية المهنية المقتدرة ممن تم تأهيلهم تأهيلاً مهنياً عالياً مما مكنهم من إرسـاء مقومات العـمل المهـني بالصـندوق وفق أسـس علـمية مـدروسة، ونظراً إلى أن فترة استعانة الصندوق بخبرات بنك تشيزمانهاتن خلال السنوات الأربع الأولى من إنشائه كانت بمثابة اللبنة الأولى لقيام الصندوق وفق رؤية بنكية حديثة تحت إشراف كوادر تم توظيفها من قبل بنك تشيزمانهاتن بنيويورك، لذا فإن الكادر السعودي القيادي الذي تم تأهيله لتولي المسؤولية الوطنية في إدارة دفة العمل بالصندوق بديلاً للكادر الأجنبي كان مواجهاً بتحديات كبيرة في بناء الهيكل التنظيمي للصندوق بما يتناسب مع مقتضيات الخبرة المكتسبة وحاجة العمل الآنية والرؤية المستقبلية، حيث بدأ البناء الهيكلي لإدارات وأقسام الصندوق في السنوات الأولى من إنشائه بما يتناسب مع متطلبات العمل آنذاك ومن ثمّ تبلورت رؤية الإدارة العامة تدريجياً لكي تواكب مقتضيات العمل حتى أضحى الصندوق كياناً كبيراً متنوع الإدارات والأقسام والوحدات المهنية المتخصصة وتبع ذلك تزايد أعداد العاملين فيه مع التركيز على عمليات توطين الوظائف التي شهدت طفرة نوعية متنامية خلال السنوات العديدة الماضـية، بفضـل الخطـط والبرامج المدروسة التي تبنتـها الإدارة العـامة بالصـندوق، إلى جـانب إجـازة اللـوائح والأنـظـمة الإدارية والمالية والفنية من مجلس إدارة الصـندوق بما ينسـجم ويتمـشى مـع نظام الصندوق الأساسي واقتناعاً من الإدارة العامة بالصندوق إن نجاح الصندوق في تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها يتوقف على قدرات وكفاءات كوادره البشرية، لذا فقد حرصت الإدارة على وضع الأسس والمعايير المدروسة التي تتحكم وتحكم عمليات اختيار وتأهيل الكفاءات المناسبة للعمل بالصندوق.
ونظراً لأهمية العنصر البشري في إنجاح المؤسسات المرموقة لتحقيق أهدافها فقد حرصت إدارة الصندوق منذ إنشائه على إخضاع الكفاءات الوطنية لبرامج تدريبية متخصصة تمشياً مع القواعد المعتمدة لتأهيل الكفاءات والتدرج الوظيفي لمختلف فئات وظائف الصندوق على مستوى التخصصات التي تغطي مجالات العمل في الصندوق كافة.
وتتنوع الدورات التدريبية التي يتيحها الصندوق لموظفيه بتنوع خصائص فئات الوظائف ومراكزها وتتفاوت في مددها حسب متطلبات كل دورة، إذ تتراوح ما بين دورات قصيرة مهنية مركزة ودورات طويلة متخصصة تهدف إلى صقل معارف الموظف عملياً ونظرياً إلى جانب إتاحة الفرصة للحصول على شهادة الماجستير المتخصصة والشهادات الدولية المتنوعة الأخرى إلى جانب اهتمام إدارة الصندوق بتأهيل موظفيه الجامعيين من خلال التدريب على رأس العمل بعد استكمالهم بنجاح البرامج التدريبية الأساسية الطويلة، حيث يخضع الموظف للتدريب العملي لفترة تتراوح من ستة أشهر إلى سنة يحصل خلالها على الخبرة المهنية في نطاق مهام ومسؤوليات وظيفته المنوطة به تحت إشراف ومتابعة رئيسه المباشر وتقوم سياسة الصندوق في التطوير الوظيفي على عنصرين مهمين من عناصر الإدارة الحديثة هما: التأهيل والتدريب المهني المتطور والتدرج الوظيفي المدروس لإشغال مختلف الوظائف بالصندوق بما يتلاءم مع قدرات الموظف وكفاءته ومتطلبات حاجة العمل.
لقد تمكن الصندوق خلال ما يربو على 37 عاماً من تنفيذ 7222 دورة تدريبية مهنية متخصصة لتأهيل موظفيه داخل المملكة وخارجها، لذا فإن هذا الكم الهائل من البرامج التدريبية التي أنجزها الصندوق يعكس بجلاء دور الصندوق المتميز في تأهيل الكفاءات الوطنية التي أسهمت بفعالية في الارتقاء بأداء الصندوق بشكل خاص والإسهام في التنمية البشرية في المملكة بشكل عام.
إن اختيار وتنمية ومتابعة تطوير الكفاءات الوطنية عملية طويلة وصعبة ومعقدة إلى جانب أن مهمة إرشاد وتوجيه الموظف من قبل المسؤولين بالصندوق يمثل عنصراً شاقاً ومهما من عناصر بناء الموظف الناجح القادر على خدمة وطنه وعمله ومهنته، آخذين في الاعتبار أن هذا الهدف يصبح أكثر إلحاحاً ومشقة نظراً إلى إن الموظف السعودي المؤهل لا يستقر بعمل الصندوق أكثر من ثلاث أو أربع سنوات بعد تأهيله وتدريبه مما يعرض الصندوق للسعي مرة أخرى لسد النقص الذي ينتج عن ذلك من خلال البحث عن توظيف وتدريب جديد. لقد انعكس دور الصندوق المشهود في اختيار الكفاءات الوطنية وتأهيلها إيجاباً على القطاعين المالي والصناعي من خلال الإنجازات الضخمة التي حققها في دعم الصناعة والاقتصاد في المملكة اعتماداً على تلك الكوادر المهنية المتخصصة التي انتقل العديد منها إلى المؤسسات المالية والصناعية في القطاعين العام والخاص، وتقلدت مناصب قيادية مرموقة أسهمت في نجاح تلك المؤسسات في تحقيق أهدافها بجداره واقتدار، مما انعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني بصورة عامة لذا فإنه يحق لإدارة الصندوق ـــ رغم ما يعانيه من تسرب كفاءاته الوطنية المؤهلة ـــ أن تفخر بهذا الإسهام المشهود في تنمية الموارد البشرية باعتباره أحد أبرز الإنجازات الحيوية التي حققها إلى جانب إسهاماته المرموقة في دعم وتنمية الصناعة في بلادنا الغالية مما أكسبه سمعة مهنية مشهودة نظراً لما حققه من إنجازات مهمة على المستويين المحلي والإقليمي.
مساعد المدير العام