منظمة التعاون الاقتصادي.. تجمُّع اقتصادي إسلامي في ظل التكتلات الاقتصادية العالمية

منظمة التعاون الاقتصادي.. تجمُّع اقتصادي إسلامي في ظل التكتلات الاقتصادية العالمية
منظمة التعاون الاقتصادي.. تجمُّع اقتصادي إسلامي في ظل التكتلات الاقتصادية العالمية

انعقدت في إسطنبول العاصمة التاريخية للدولة العثمانية، عاصمة الخلافة، في الرابع والعشرين من ديسمبر 2010 القمة الحادية عشرة لمنظمة التعاون الاقتصادية “إكو” ECO، وهي منظمة اقتصادية تضم عشر دول إسلامية، وقال الرئيس التركي عبد الله غول في افتتاح القمة إن تركيا تولي أهمية كبرى للسلام والأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، وتتولى تركيا رئاسة المنظمة للفترة المقبلة، وقد حضر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد القمة، حيث إن بلاده كانت ترأس المنظمة، وسلم رئاسة هذا التكتل الاقتصادي إلى الرئيس التركي. ونقلت وكالة أنباء الأناضول التركية عن غول قوله إن تركيا التي تقع في وسط أوراسيا و«نحن نعمل على بناء حوار إقليمي وتعاون وآليات للتعاون وتطوير مشاريع التعاون الاقتصادي الإقليمي في هذا السياق»

أنشئت منظمة التعاون الاقتصادي، كمنظمة إقليمية عام 1985 من قبل تركيا وإيران وباكستان من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي والتقني والثقافي بين الدول الأعضاء، وجرى توسيعها عام 1992 لتضم 7 دول جديدة وهي قيرغيزستان وأوزبكستان وأذربيجان وكازاخستان وأفغانستان وطاجيكستان وتركمانستان، ويبلغ عدد سكان هذه الدول 416 مليون نسمة، ومجمل الناتج القومي الإجمالي لها 2697037 مليون دولار ومعدل دخل الفرد السنوي فيها 6483 دولارا ومساحتها 6937197 كيلومترا مربعا واللغة الرسمية المستعملة هي اللغة الإنجليزية، وتشهد هذه الدول تطورا اقتصاديا وعلاقات تجارية، إضافة إلى التعاون في مشاريع الطاقة وأنابيب نقل الغاز منها.

تركياوتعزيز مكانتهاالإقليمية

تحاول تركيا أن تثبت أنها قوة إقليمية لها مكانتها بما تتمتع به من نمو اقتصادي وعلاقات جيدة مع جيرانها وحلقة وصل بين الشرق والغرب، وتسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي رغم أنها تعتقد أن ذلك قد يكون مطلبا بعيد التحقيق، فتعزز مكانتها كقوة إقليمية في عالم تنتمي إليه حضاريا وجغرافيا، علما بأن تركيا التي تستضيف القمة تعد مثالا نادرا على ديمقراطية مستقرة سياسيا تتمتع باقتصاد سريع النمو في منطقة تهزها الصراعات الداخلية والإقليمية. وأكد الرئيس التركي على الدور الذي يمكن أن تلعبه بلاده ودول المنظمة بقوله «يجب أن تعود منطقتنا التي كانت مركزا للتجارة بين ثلاث قارات لآلاف السنين إلى أيام مجدها ثانية». وترتبط تركيا مع معظم الدول الست التي كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق بعلاقات تاريخية، حيث يتحدث سكان هذه الجمهوريات اللغة التركية إذا استثنينا جمهورية أذربيجان، وقد عملت تركيا على ربط علاقاتها مع الجمهوريات التركية في منظمة للتكتل برابطة الدول التي تنتمي إلى العرق التركي، وكانت الولايات المتحدة والغرب عموما تراهن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي على نقل النموذج العلماني التركي إلى الجمهوريات التركية الجديدة خوفا من امتداد النمط الجمهوري الإيراني لهذه الدول، حيث يخشى الغرب نمو تيارات الإسلام السياسي لهذه الجمهوريات في منطقة ذات أهمية جيواسترتيجية لمصادر الطاقة الحيوية للعالم الصناعي وقريبة من منطقة الخليج العربي الغني بالطاقة، المطلة أيضا على المحيط الهندي ممر التجارة العالمية لمنطقة آسيا التي انتقل إليها الثقل الاقتصادي العالمي.

العراق ومنظمةالتعاون الاقتصادي

أثناء حضوره قمة المنظمة، أكد العراق أهمية منظمة «إكو» وعمل على تفعيل 40 بروتوكولا وقعت بين الجانب العراق والتركي.

وقال الرئيس العراقي الذي يشارك مراقبا في القمة بعد تشكيل الحكومة العراقية «لقد ازداد نفوذ منظمة التعاون الاقتصادي وبدأت في توسيع نطاق التعاون بين بلدانها عاما بعد عام. وقد تم لتركيا ـــ إحدى الدول المؤسسة للمنظمة ـــ دور محوري في تعزيز وتطوير عمل منظمة التعاون الاقتصادي وذلك لضمان التنمية والرخاء لشعوب الدول الأعضاء، وخدمة قضية السلام والاستقرار في المنطقة والعالم». وأشار طالباني إلى أن «العراق مرتبط بعلاقات ودية مع دول المنظمة، وتعتزم توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري والتراث الثقافي معها، وآمل أن يكون اجتماعنا هذا، الضوء تمهيدا لأوسع الصلات بين العراق والبلدان منظمة التعاون الاقتصادي».

ويظهر أن الرئيس العراقي يلمح إلى إمكانية انضمام العراق إلى منظمة التعاون الاقتصادي التي تحقق نجاحا كبيرا. ولكن المهم في خطاب طالباني هو تأكيده للحكومة التركية موقف بلاده من حزب العمال الكردستاني الذي هو في مواجهة عسكرية مع الحكومة التركية، حيث قال طالباني لنظيره التركي «لقد انتهى عصر الأسلحة، وإن حزب العمال الكردستاني (انفصالي) لديه الرؤية والاتجاه نفسيهما، لذلك أدعو الموجودين في الجبال (مثل حزب العمال الكردستاني) لإلقاء أسلحتهم». وأعرب عن موقفه تجاه إعلان حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار على جانب واحد قائلا: «لقد أحسنت .. يمكنك ترك البندقية والتفكير في النضال السياسي». إن تصريح طالباني يعد انتصارا للحكومة التركية التي استضافت القمة.
#2#
«إكو» شبكة بين عدة أقاليم اقتصادية

إن تركيا العضو الرئيس في منظمة التعاون الاقتصادي، ولتعزيز دورها في أوروبا كانت وراء إنشاء منظمة البحر الأسود للتعاون الاقتصادي التي تأسست أيضا لأهداف اقتصادية وتضم حاليا 41 دولة، ويصفها بعض المراقبين بأنها محاولة من تركيا للالتفاف على الاتحاد الأوروبي الرافض لها، علما بأن بعض دول الاتحاد الأوروبي عضو في منظمة البحر الأسود للتعاون الاقتصادي مثل اليونان.

إن التحرك الديناميكي لتركيا يكسبها مكانة في الأسواق الاقتصادية، كما أن باكستان عضو في منظمة جنوب آسيا التي تضم الهند وبنجلادش وسريلانكا وأفغانستان، وبعض الجمهوريات الآسيوية عضو في منظمة شنغهاي للتعاون، إضافة إلى رابطة الدول المستقلة لدول الاتحاد السوفييتي السابق، مما يجعل دول منظمة التعاون في شبكة من العلاقات الاقتصادية من شرق آسيا إلى غربها مستفيدة من موقعها المتوسط بين شرق آسيا وغربها.

إيران ومنظمةإكو

وتستغل إيران عضويتها في منظمة إكو وبصفتها مؤسسا، في اختراق العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها من قبل مجلس الأمن الدولي، خاصة أن لها علاقات اقتصادية قوية مع تركيا وتتوسط حاليا الأخيرة بين إيران ومجموعة الدول الست بشأن المفاعل النووي الإيراني، كما أن المنظمة تفسح المجال لإيران لأن تقوي علاقاتها السياسية والاقتصادية كمنفذ لها للدول الأخرى مما يقلل من تأثير العقوبات عليها.

الدول العربية ومنظمة التعاون الاقتصادي

إن العالم في ظل العولمة يشهد التكتلات الاقتصادية، وهذه دول إسلامية تتعاون في المجال الاقتصادي، وحيث إن التجارة البينية في الدول العربية لا تتجاوز 10 في المئة، كما أن التجارة البينية بين الدول الإسلامية، دول منظمة المؤتمر الإسلامي حسب تصريح كمال الدين أوغلو الأمين العام للمنظمة 16,6 في المئة، وتوقع الأمين العام أن تصل النسبة إلى 20 في المئة مع عام 2015، فإن التعاون الاقتصادي يجعل هذه الدول تلعب دورا مهما على الساحة العالمية كقوة مؤثرة في النظام الاقتصادي العالمي الذي يتعرض لأزمات مالية حادة وتراجع مصداقية النظام الليبرالي الحر، مما يفسح المجال للنظام الاقتصادي الإسلامي أن يتقدم كبديل اقتصادي عالمي في حالة التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، وقد تكون منظمة التعاون الاقتصادية «إكو» في حالة ازدياد عدد الدول الأعضاء فيها أن تكون أكثر تأثيرا لما
للعالم الإسلامي من امتداد جغرافي في القارات الثلاث وفي موقع استراتيجي مهم.

وإذا أخذنا منتدى المحيط الهادي وآسيا APEC نموذجا، حيث إن الدول الأعضاء فيه تختلف سياسيا وعقائديا فيما بينها، فهناك دول رأسمالية وأخرى اشتراكية ولكن ذلك لا يمنعها من التعاون رغم الخلافات السياسية، فالصين عضو في منتدى آيباك كما هو حال الولايات المتحدة، ولكن الدول الإسلامية لها عقيدة واحدة وتاريخ وقيم مشتركة، ولديها نظام المصرفية الإسلامية الذي يلقى رواجا عالميا، وبذلك يمكن أن تكون كتلة عالمية مؤثرة اقتصاديا وبالتالي سياسيا، إذا توافرت الإرادة السياسية بما فيها المنفعة العامة لجميع هذه الدول، وأن تبتعد عن التبعية الاقتصادية والاستثمار الذي تحيط به المخاطر في الدول الصناعية الرأسمالية.

إن عدد المسلمين في العالم وصل تقريبا إلى 3ر1 مليار نسمة يشكلون ما نسبته 22 في المئة من سكان العالم في حين تمتلك الدول الاسلامية نحو 60 في المئة من احتياطي النفط وصادراته. وإن الدول الإسلامية تسهم في ما يزيد على 40 في المئة من صادرات العالم من المواد الخام في حين لا يتجاوز الناتج الإجمالي المحلي لها 5 في المئة من الإجمالي العالمي، وأن التجارة البينية الإسلامية تصل بالكاد إلى 6 في المئة من حجم التجارة العالمية. فهل يستطيع العالم الإسلامي تحقيق التكامل ويقدم للعالم نموذجا فريدا للنظام المالي الإسلامي؟

الأكثر قراءة