الصناديق العقارية الإسلامية: وسيلة أكثر فعالية للاستثمار

الصناديق العقارية الإسلامية: وسيلة أكثر فعالية للاستثمار
الصناديق العقارية الإسلامية: وسيلة أكثر فعالية للاستثمار

شهدنا خلال السنوات الأخيرة الاستثمارات العقارية في منطقة الخليج العربية وهي تصبح عالية المضاربة، كما أن أسعارها تشهد تزايداً. ويعود معظم ذلك إلى استمرار شراء وإعادة بيع الممتلكات العقارية التي لم يتم اكتمال بنائها. وقد عمل ذلك على نشوء فقاعة مضاربات، ولا سيما في الإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي حوّل القيمة الفعلية إلى أمر مضخم، وغير مستدام في الوقت ذاته.

إن استثمارات مثل هذه تتصف بأنها عالية الخطورة، وغير سائلة إذا كنت أنت المشتري الأخير في نهاية الخط. فما الذي يمكن أن يحدث إذا لم يكتمل البناء، أو إذا تأخر إكماله عدة سنوات كما حدث مع مشروعات “هايدرا العقارية” في أبو ظبي؟ من حسن الحظ أن فقاعات المضاربة لم يتم تبنيها في المملكة العربية السعودية على نطاق واسع، وذلك لأن معظم العقارات يتم بناؤها لغرض محدد، أو أنه يتم شراؤها للإقامة فيها.

إن شراء مستثمر، أو مجموعة استثمارية، عمارات مكاتب، أو سكن، يعتبر مشروعاً كبيراً. ولا يتعلق الأمر بمجرد توفير رأس المال المطلوب لتحقيق هذا الغرض، ولكن كذلك بتكاليف العمليات المتعددة، والصيانة. وعلى المرء كذلك أن يفكر فيما إذا كان سوف يبيع الوحدات المبنية، أم أنه سوف يؤجرها. وهنالك مشكلة واضحة في البيع من حيث إنه يمثل مبلغاً يتم تقاضيه مرة واحدة، ولا يعكس التغيرات الاقتصادية، أو تطورات الطلب في المستقبل. ويعود ذلك إلى أنه ما إن تصبح صفقة البيع نهايته، فإنه لا يمكن الحصول على مزيد من الربح من المشتري. وصحيح أن هنالك بعض النفقات التي سوف يتم تقاضيها لتغطية صيانة المباني، إلا أنها ليست كافية لتعزيز أرباح جهات التطوير والبناء.

قد يؤدي هذا السيناريو إلى لجوء المالك، أو المجموعة ذات العلاقة، إلى تأجير المباني. وهذا بالطبع أسلوب أكثر استقراراً لاستعادة الاستثمار في المباني من خلال دفعات إيجارات مستمرة، على الرغم من وجود مخاطر انعدام السيولة إذا كان صاحب المبنى بحاجة إلى رأس المال. وكون المرء صاحب عمارة يتضمن عديدا من التكاليف التي لا بد من تغطيتها من خلال دفعات الإيجار. ويتضمن ذلك تكاليف الإعلان، وتأجير المساحات المتوافرة، والصيانة، وتنظيف بقايا مواد البناء، إضافة إلى التأمين. وحين نضيف كل هذه التكاليف، فما الذي يتبقى من دخل للمالكين؟ والأهم من ذلك هو: هل سوف يستمر ذلك الدخل، أم أنه سوف يتذبذب من شهر إلى آخر؟

إن هذه الفكرة الخاصة بالمساحات المؤجرة لها آثارها ليس فقط على المستأجرين، أو المالكين، ولكن كذلك على الاقتصاد، والنظام المالي ككل. ويعود ذلك إلى أن المساحة المعدة للتأجير تعتبر من الموجودات المنتجة للريع، حيث يمكن توريق التدفقات المالية لعدد كبير من المستثمرين. وقد تم استخدام صناديق الاستثمارات العقارية في العالم كوسيلة للتعامل مع تكاليف ملكية العقارات. ويمكن استخدام هذه الصناديق لتمويل تكاليف المباني التجارية، والصناعية، ومبيعات التجزئة، والسكنية، بل حتى المباني المخصصة للعيادات، والمستشفيات.

تظل مبادئ النشاط العملي على حالها، سواء تعلق الأمر بوجود عدد كبير من المستثمرين في بناية مكاتب، أو حين يتم التعامل في نطاق آلاف الوحدات العقارية المنتشرة على مدى مئات من العقارات. وتخصص هذه الصناديق التمويلية العقارية 90 في المائة من دخلها للمستثمرين من خلال توزيعات ربحية سنوية. ويضاف إلى ذلك أن هذا الهيكل الاستثماري مصمم وفقاً لسندات قابلة للتداول، شأنها في ذلك شأن الأسهم. وهنالك كذلك إمكانية إنشاء صناديق استثمار عقارية تعمل بطريقة الصناديق المتبادلة من خلال الاستثمار في الصناديق التي تكون متخصصة في العقارات، أو عاملة على نطاق البلد ككل للحصول على عائد أقوى لمواجهة المخاطر، من قاعدة أوسع بكثير.

إن منتجات هذه الصناديق سهلة التداول في الأسواق لها آثار على نطاق واسع للغاية، وذلك نظراً لأن الحصول على التمويل اللازم لمعظم الاستثمارات العقارية يظل على الدوام مصدر قلق لا بد للمستثمر من التعامل معه. وينطبق ذلك بصفة خاصة حين يفكر المرء بمليارات الريالات التي جرى استثمارها في شركات الأسهم الخاصة خلال السنوات الأخيرة لأغراض التطوير العقاري، ولا سيما أن عروض البيع هذه سوف تستغرق عدة سنوات حتى يتمكن المستثمرون من بيع أسهمهم. ويعمل ذلك على تسليط الضوء على أهمية العقارات ذاتها لدى القيام بالاستثمار العقاري. وصحيح أن الاستثمار في التطوير العقاري مهم، ولكن قد يستغرق الأمر عدة سنوات حتى تحقق تلك العقارات أرباحاً. غير أنه حين يتم التعامل مع صناديق الاستثمار العقاري، فإن ذلك يقوم على الاستثمار في العقارات الجاهزة بالفعل، والمسكونة.

إن الأمر أكثر ما يكون شبهاً بالصكوك، حين تأتي دفعات الأرباح من التدفقات النقدية، ولكن مع ذلك، يظل مستثمر الصناديق العقارية مالكاً كذلك للعقار. وهذه نقطة حيوية للغاية فيما يتعلق بالاستثمار الإسلامي. وليس لدينا سوى عدد قليل من المنتجات التي يمكنها أن تزودنا بدفعات دخل منتظمة دون أن تتصف بالربا. وبالتالي، فقد كانت الصكوك هي الأداة الطبيعية للتعامل مع ذلك، باعتبارها وسيلة متقيدة بالمبادئ والأحكام الشرعية لتوسيع ملكية الموجودات، وتلقي رسم عن استخدام آخر لها. وعلى الرغم من أهمية هذا المنتج، إلا أنه ليس أداة كفؤة لمستثمري التجزئة. ويعود ذلك إلى أن تكاليف امتلاك الصكوك أصبحت مرتفعة للغاية، بينما يمكن أن تبلغ قيمة السهم الواحد 375 ألف ريال. غير أن ذلك لم يكن هو الوضع القائم على الدوام، حيث إن سعر بيع الصك في الصكوك العالمية القطرية عام 2003 كان 10 في المائة من المعدل القائم حالياً.
#2#
حتى ينتعش مثل هذا النوع من شبه الدخل الثابت بالشروط الإسلامية، فإنه لا بد من إيجاد وسيلة يستطيع من خلالها مستثمر التجزئة تحمل التكاليف كي يكون جزءا من مثل هذه الاستثمارات. ويعود السبب الرئيسي في ارتفاع تكاليف الصكوك إلى أمور تتعلق بالتعقيد، والوقت، وعدد المشاركين في إتمام عملية البيع. غير أن تكاليف الصناديق الاستثمارية العقارية تترك كي تحددها الأسواق، نظراً لكونها، من حيث الجوهر، أسهماً مدرجة، بحيث يستطيع المرء أن يتداول بأي عدد من الأسهم يرغب فيه، حين يريد القيام بذلك. غير أنه لا توجد في بورصة تداول في الوقت الراهن أسهم صناديق استثمار عقاري، سواء كانت إسلامية، أو تقليدية. ومع ذلك، فإنه لا أساس لمنع امتلاك أسهم صناديق الاستثمار العقاري الأجنبية. وهنالك عدد من أسهم صناديق الاستثمار العقاري التي يتم تداولها في ماليزيا، وسنغافورة، ويلاحظ وجودها بصفة خاصة لدى ARA Management في سنغافورة التي أطلقت استثماراً إسلامياً في إطار هذه الصناديق العقارية يستخدم عقارات سكنية، وتجارية في قطر كقاعدة لموجوداته.

يمكن لهذه الأداة الاستثمارية (الصناديق الاستثمارية العقارية) أن تصبح بالغة الأهمية في مجال الاستثمار الإسلامي، كما سوف يتضح فيما بعد. وأما الأسباب الرئيسية لذلك، فهي أن الأرباح السنوية يمكن تلقيها كدفعة نقدية، أو أن تتم إعادة استثمارها، وهو الأمر الذي يزيد من نسبة ملكية الأفراد بمرور السنوات. وهذا أمر مهم للغاية لأنه حين يقرر أحد المستثمرين أن يتلقى حصة الربح الموزع في صورة دفعة دخل، فإن ذلك سوف يكون مرتبطاً بالاقتصاد، وليس مجرد دفعة مقررة يتم الحصول عليها من الاستثمار في الصكوك.

إن الصكوك في العادة تعمل في إطار الأجل القصير الذي يراوح بين 5 و10 سنوات. وحين يحل أجلها، فإن على المستثمر أن يبحث عن مكان جديد كي يستثمر فيه. فما الذي يمكن أن يحدث إذا لم تتوافر في ذلك الحين صكوك تفي بهذا المعيار؟ غير أنه فيما يتعلق بصناديق الاستثمار العقاري، فإن ذلك مصدر دخل دائم لأنه طالما كان هنالك مستأجرون، فسوف يكون هنالك مالكون. ويعود ذلك إلى أن دفعات الأرباح الموزعة قائمة على دخل صناديق الاستثمار العقاري، والربحية، ومعدل التضخم. وهنالك عدة أسباب لذلك، من حيث إن الدخل مشتق من المستأجرين. وكلما قلت المساحات الفارغة في العقار، يزداد الدخل الذي يولده. كذلك فإنه كلما زادت عناية صناديق الاستثمار العقاري بممتلكاتها، من حيث الصيانة المنتظمة، وإعادة الإصلاح، زادت فرص بقاء إشغالها بنسب أعلى، وزادت احتمالات ارتفاع إيجاراتها بمرور الوقت.

يضاف إلى كل ذلك أن الاقتصاد، والتضخم عاملان رئيسيان كذلك، لأنه بينما يتوسع الاقتصاد، فإن دخول الناس تزداد، وهو ما يعني أن تكاليف المعيشة سوف تزداد بالوتيرة ذاتها. وعلى الرغم من أن بإمكان صناديق الاستثمار العقاري تحقيق النمو كذلك من الآثار السلبية للنظام المالي، إلا أنه حين يتراجع الاقتصاد، فإن الناس يفقدون بيوتهم كما شاهدناه في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي إنجلترا خلال السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي زاد من الضغوط على المنازل المعدة للإيجار. وبالتالي، فقد ازدادت معدلات الإشغال، وكذلك دخل صناديق الاستثمار العقاري. وإن كل هذه العوامل تعتبر أسباباً للتفكير بسبب كون هذا المنتج المتقيد بأحكام الشريعة، وسهل التطوير مصنفاً في فئة الموجودات التي تشتريها كي تحتفظ بها.

هنالك دليل واضح من الولايات المتحدة التي كانت لديها صناديق استثمارات عقارية منذ ستينيات القرن الماضي. وحين يتم احتساب معدلات العائد وفقاً لاستراتيجية الشراء، والاستبقاء، تظهر في صناديق الاستثمار العقاري ميزة على أدوات الدخل الثابت الأخرى. وقد وجدت دراسة لمجلة التمويل العقاري والاقتصاد، أن معدل العوائد السنوية في الفترة من 1990 إلى 1999 كان 4.9 في المئة لسندات الخزانة الأمريكية، و11.2 في المئة لشركات مؤشر ستاندرد آند بورز، و14 في المئة لصناديق الاستثمار العقاري. غير أن الأهمية تزداد إذا وسعنا الإطار الزمني لذلك. وقد وجد الاتحاد الوطني لصناديق الاستثمار العقاري في واشنطن أن الأرباح السنوية الموزعة خلال الفترة من 1972 إلى 2008 كانت 8.3 في المئة. ويمكن على سبيل المثال أن نجد أن استثمار 50 ألف ريال كان يمكن أن يعطي دخلاً يبلغ 4150 ريالا سنوياً. وعلى الرغم من ذلك، فإن من المفضل إعادة استثمار العائد في السنوات الأولى من أجل زيادة حجم الأسهم. وقد وجد ذلك الاتحاد كذلك أن معدل العوائد السنوية الإجمالية خلال تلك الفترة كان 11.2 في المئة (أرباح سنوية موزعة، إضافة إلى مكاسب على رأس المال). وإذا فكرنا بصورة منطقية فيما يتعلق بالمستقبل، حيث يتوقع أن يعيش الناس فترات أطول، فإن فترة تقاعدهم يمكن أن تمتد حتى 30 عاماً، وسوف يحتاجون، دون شك إلى دخل يعوض أثر التضخم، وهو دخل يمكن لصناديق الاستثمار العقاري أن تولده.

غير أنه حين نعيد التركيز ثانية على المملكة العربية السعودية، فإن علينا إدخال السكان في الاعتبار، وذلك كعامل مهم للغاية في نمو صناديق الاستثمار العقاري الإسلامية. ولا يعود الأمر فقط إلى حاجة الناس للاستثمار، بل نجد من الجانب العملي لصناديق الاستثمار العقاري أن هنالك حاجة واضحة لدى المستأجرين لإكمال هذا النظام. وصحيح أن المغتربين يمثلون قاعدة يعتمد عليها إشغال الوحدات السكنية المؤجرة، إلا أن نسبة عالية من السعوديين سوف تكون بحاجة إلى وحدات سكنية للاستئجار كذلك. وإن أغلبية السكان هم دون الثلاثين من العمر، كما أن سعر منازل الأسر ارتفع بصورة ملحوظة، إضافة إلى أن المدن لا يمكنها التوسع إلى ما لا نهاية.

أما فيما يتعلق ببلدان أخرى، وبعدد من دول مجلس التعاون الخليجي التي تشهد نمواً سريعاً، فقد تم استبدال الفلل المستقلة بعمارات تضم عدداً من الأسر، حيث أصبح ذلك اتجاهاً عاماً في مجال الإنشاءات. ويعود الأمر في ذلك ليس فقط إلى التكاليف الأقل، وإنما لأسباب عملية كذلك. ومعروف أن بناء 100 فيلا يستغرق وقتاً، ومساحات أكبر بكثير من بناء برج مرتفع. ويضاف إلى ذلك أنه حين يتم بناء ذلك البرج المرتفع، فإن القنوات الطبيعية للملكية في عدد كبير من دول العالم لا تكون من خلال مستثمر واحد، ولكن عبر صناديق استثمارية عقارية يقف وراءها مستثمرون يفكرون بالطريقة ذاتها.

إن التقيد بمبادئ وأحكام الشريعة هو العامل الرئيسي الذي ينبغي تناوله في هذه المناقشة الخاصة بدور هذه الصناديق العقارية. فهل يمكن أن تطبق قواعد الصناديق الاستثمارية العقارية المعمول بها في ماليزيا في المملكة العربية السعودية؟ يقول صندوق استثماري عقاري ماليزي إن 30 في المئة فقط من المساحات المؤجرة، والدخل يمكن أن تتعلق بالنشاطات المحرمة. وعلى سبيل المثال، فإن سوبر ماركت بمساحة 1000 متر مربع يتم تأجيره يمكن أن يستغل 200 متر منه لبيع المشروبات الكحولية، أو لحم الخنزير.

أما وإن هذه المنتجات لا تباع في المملكة العربية السعودية، فما العوامل المؤثرة في عمليات التأجير المشابهة؟ إذا كانت قاعدة الموجودات هي بناية مكاتب، فهل يمكن لشركة مالية تقليدية أن تستأجر ما يصل إلى 20 في المائة من المساحة، وأن تدفع 20 في المائة من الأجر، أم أن هذه المساحة يمكن أن تكون 5 في المئة فقط؟ إن نسبة 5 في المئة من المساحة والدخل الإيجاري هي الحد الأقصى المسموح لشركة تتاجر بأنشطة محرمة، وذلك في ظل متطلبات التقيد بمبادئ الشريعة الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي. فهل تختلف العقارات من هذا المنطلق عن الأسهم؟ كذلك فإنها إذا كانت في صورة صندوق للاستثمار العقاري يستثمر فيه عدد من المستثمرين، فهل يتحقق التقيد بأحكام الشريعة بتمرير عدد من الشاشات النوعية، والكمية، كما هي الحال في تأسيس صندوق إسلامي متبادل؟ ما زال الأمر غير واضح، ولكن هذه أسئلة فعلية لا بد من الإجابة عنها قبل أن تنتشر صناعة صناديق استثمار عقارية سعودية، أو على نطاق دول مجلس التعاون الخليجي. وبما أنه من المحتمل، على نطاق واسع، أن تكون هنالك حاجة لعدد كبير من الوحدات السكنية في المستقبل، فإن فئة الموجودات هذه يمكن أن تكون بالغة الأهمية لإيجاد وسيلة أكثر صدقية، وفاعلية لدى المستثمرين ذوي الميول الإسلامية كي يحققوا أرباحاً من القطاع العقاري.

الأكثر قراءة