نظرة إلى الساحة الهندية وتجربة هاربال سينج في الرعاية الصحية
ربما تكون الصين ساخنة بشكل محموم، ويبدو أن اليابان بدأت تبرد. ولكن حرارة الهند أخذت تبدو ''مناسبة تماما''. فالهند بسكانها الذين يزيدون على المليار نسمة، والتي فيها سوق داخلية ضخمة، ومعدل ادخار مرتفع، و25 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة حتى الآن هذا العام، وطلب محلي مزدهر، هي أكبر ديمقراطية في العالم. فأسواقها، وأنظمتها القانونية والسياسية مألوفة لدى الغرب الصناعي. كما أن ''جوهرة التاج البريطاني'' السابقة تتحول بسرعة إلى منارة توجه نحو الطريق للخروج من أحلك الأوقات الاقتصادية التي شهدها العالم منذ أكثر من 80 عاماً. وقال رجل الأعمال الهندي البارز هاربال سينج، مخاطبا قمة الرعاية الصحية الثانية لخريجي إنسياد في باريس في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي : ''إذا نظرت إلى القرن العشرين في الهند، تجد أنه في النصف الأول من القرن كانت الهند لا تزال تحت الحكم الاستعماري، وكان معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي في تلك السنوات واحداً في المائة سنويا''.
''أصبحت الهند مستقلة، وعلى مدى السنوات الـ 15 التالية أو نحو ذلك، زدنا معدل النمو من 1 في المائة إلى 3 في المائة، أي زيادة بنسبة 300 في المائة عما كان لدينا. ولكن في ذلك الوقت كان الناس يسخرون منا- وكانوا يسمون ذلك ''معدل النمو الهندوسي'' لأن بقية العالم كان ينمو بوتيرة أسرع بكثير. ولكن لم يقل أحد إننا كنا ننمو أسرع بنسبة 50 في المائة عن السنوات الخمسين الأولى من وجودنا''.
ويرغب سين أن يرسم صورة لبيئة الأعمال الجديدة في وطنه الهند. فمن عمره البالغ 60 عاماً، أمضى الرئيس الفخري لثاني أهم شركة في الهند للرعاية الصحية، فورتيس هيلثكير، ورئيس إحدى أغنى العائلات الصناعية في الدولة، أكثر من ثلاثة عقود في القطاع الخاص في الهند: مناصب عليا في مجموعات تاتا المختلفة مثل هندوستان موتورز؛ وفي قطاع الرعاية الصحية مع شركة الأدوية رانباكسي، أول شركة في القطاع الخاص في الهند تحقق أرباحاً بمليار دولار. ولعب دوراً مباشراً في تنمية الاقتصاد الهندي، وشرح وجهة نظره لانسياد نولدج.
''أود أن أقول إن نقطة التغيير الحقيقية كانت عام 1991 حين شرع رئيس وزرائنا الحالي، مانموهان سينغ- الذي كان حينها وزيرا للمالية- في سلسلة من الإصلاحات التي فتحت البلاد على العالم، وأعطت القطاع الخاص حرية أكبر. وهذا لا يعني أن الحكومة لم تكن تسمح بنشاط القطاع الخاص. فقد كان موجودا، ولكن طوال فترة وجوده قبل عام 1991، التي دامت 30 عاماً، كان القطاع الخاص الهندي يعاني من قيود كبيرة''.
ووفقا لسينغ، سمح قانون عام 1991 بإطلاق العنان للمواهب الفطرية في الهند- سمات البقاء التي أعطيت اليوم أسماء تنظيمية محترمة: التنوع، المرونة، الابتكار.
وهو يقول: ''لا يمكنك العمل في بيئة أكثر تعقيدا من الهند. والهنود معتادون بطبيعتهم على العمل في التنوع. وهناك شيء خاطئ يستمر في الحدوث: إذا لم يكن الطقس، فهو مصيبة ما، ولكننا نجد الحلول دائما- نحن بارعون في إيجاد الحلول- وننفذها. فإذا انقطعت الكهرباء في العديد من أجزاء العالم الغربي، ينهار الجميع تقريبا؛ وفي الهند، نتعامل مع هذه المشكلة بهدوء''.
ويقول سينغ أيضاً إن الهنود سريعون في اغتنام الفرص. فهو يوضح: ''أتذكر حين طُلب من شركة آي بي إم مغادرة الهند (عام 1978)، فقد كان هناك كمبيوتر مركزي كبير يسمى 1401. وحين عادت آي بي إم إلى الهند بعد سنوات، لم تكن قادرة على تصور الاستخدامات التي استفاد منها الهنود من جهاز 1401.وقالوا إن هذا لم يكن أبدا جزءا من التصميم.. لذا نحن الهنود بارعون جدا في استخلاص القيمة''.
وبعد حصوله على شهادة الاقتصاد من كلية سانت ستيفان في دلهي، تم منح سينغ درجة الماجستير في الشؤون العامة من جامعة ولاية كاليفورنيا- استخلاص القيمة من الخارج، مثل العديد من أبناء وطنه الناجحين. ''لأن الهند لم تكن قادرة على توفير الفرص، سافر العديد من الأشخاص المؤهلين إلى الخارج، واستقروا في جميع أنحاء العالم- لذا حصلوا على تعليم جيد، وتمكنوا من الاستفادة من هذا التعليم في بعض أفضل الأنظمة في العالم، واكتسبوا المزيد من الكفاءات''.
ويضيف قائلا: ''إن احترام التعليم أمر متأصل في الهند، حتى في القرى النائية''. وسينغ نفسه نشط في العديد من مجالس إدارة المدارس، وهو عضو في مجلس البنجاب للتعليم. ''في الآونة الأخيرة، مرّرنا قانون ''حق التعليم''- التعليم الابتدائي لجميع الأطفال''.
ويعترف سينغ بأن على الهند العمل على أمور مثل الامتثال قبل أن تتمكن من المساهمة بشكل كامل ومتساوٍ في الأسواق الحرة العالمية. وتعطي نظرة سريعة على الإحصاءات الاقتصادية الحالية وجهة نظر تحذيرية: في الأشهر الستة الأخيرة تضاعفت الأسعار في الهند لمواد مثل الطعام ومواد أخرى؛ وزادت مطالب الأجور، ونتيجة لذلك، ارتفع التضخم إلى أرقام بخانتين عشريتين، في حين ارتفعت الروبية 5 في المائة مقابل الدولار الأمريكي حتى الآن هذا العام.
لكن تحت بذلة الأعمال الداكنة الأنيقة التي يرتديها سينغ، يكمن إيمان عميق بمستقبل الهند. ''أعتقد شخصيا أن إحدى أقوى نقاط قوتنا هي الديمقراطية. فقد طبقناها على جميع المستويات، وصولاً إلى القرى... وسننتج نمواً أكثر استدامة بكثير، ونتائج إيجابية في الأجلين المتوسط والطويل... لذا نعتقد أن هذا النوع من النمو (يتوقع أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي 8.5 في المائة هذا العام) سيكون مستداما على الأقل في العقدين المقبلين. وبعد ذلك، من غير المعروف ما سيحدث''.