جيمس زغبي يتحدّى «خرافات» النظرة الأمريكية تجاه العرب .. ويضعها أمام الحقيقة

جيمس زغبي يتحدّى «خرافات» النظرة الأمريكية تجاه العرب .. ويضعها أمام الحقيقة
جيمس زغبي يتحدّى «خرافات» النظرة الأمريكية تجاه العرب .. ويضعها أمام الحقيقة
جيمس زغبي يتحدّى «خرافات» النظرة الأمريكية تجاه العرب .. ويضعها أمام الحقيقة

لا يمكن لمتابع لمسار العلاقات العربية ـــ الأمريكية ألا يعرف الدكتور جيمس زغبي، مؤسس ورئيس المعهد العربي ـــ الأمريكي، الكاتب والأكاديمي الذي يلعب دورا كبيرا منذ سنوات في سبيل إيجاد لغة الفهم الحضاري الصحيح بين الطرفين مستخدما في ذلك أساليب مؤسسية تنوعت بين إنشاء المراكز والمنظمات والقيام بجهود البحث العلمي والدراسات والبرامج الإعلامية والثقافية التي تتناول موضوع التعاون والشراكة.
الناشط الأمريكي ذو الأصول العربية قدم إسهاما نوعيا في هذا السياق من خلال كتابه الجديد '' أصوات عربية'': ماذا يقولون لنا ولماذا يعتبر ذلك مهماً لنا '' والذي يقول إنه يتحدى من خلاله ما وصفه بـ''الخرافات'' فيما يتصل بصورة المجتمع العربي في الذهنية الأمريكية، مطالبا في الوقت ذاته بالاستماع الجيد من الطرفين لبعضهما، وبالتعلم كقيمة مهمة ومؤثرة على صعيد تجاوز المفاهيم الخاطئة والأحكام النمطية المغلوطة والعمل على خلق بيئة أفضل من التعامل والاحترام المتبادل.
الكتاب الجديد تم توزيعه في الولايات المتحدة وحقق نسبة إقبال جيدة خلال فترة وجيزة كما تحول إلى محور لعدد من النقاشات الإعلامية في صحف أمريكية مثل ''نيويورك تايمز''، إضافة إلى أن عددا من وسائل الإعلام العربية والمواقع الإلكترونية تناولته على نطاق واسع، وينتظر أن تكون الخطوة المقبلة هي إصدار نسخة مترجمة إلى اللغة العربية يتم توزيعها في العالم العربي لتكون إضافة مهمة لكل الباحثين والمهتمين بمجال الحوار العالمي والتقارب بين الثقافات.

واقع المنطقة..ضرورة مراجعة السياسات

زغبي طرح رؤية شاملة في مقدمة الكتاب للواقع السياسي الذي فرضته مستجدات الأحداث على العلاقة بين العرب والولايات المتحدة، مستعرضا عددا من المراحل في هذا الشأن من ضمنها قصة تولي المسؤولة التنفيذية شارلوت بيرز قيادة جهود وزارة الخارجية الأمريكية لتحسين العلاقات مع الوطن العربي.. وهي التجربة التي قرأها زغبي من منظور نقدي يتناول أسلوبها في أداء مهمتها مع الوقوف عند بعض الإشكاليات التي واجهتها تلك التجربة، ويقول '' لقد حاولت بيرز إنجاح مهمتها من خلال أشرطة فيديو قصيرة تعرض على محطات التلفزيون، وتظهر فيها أسر مسلمة في أمريكا وهي تتحدث عن الراحة التي تجدها في أسلوب الحياة لأمريكية.وعلى الرغم من تأثري ببعض المضامين الإنسانية الداعية إلى المساواة والعدل في إعلاناتها إلا أنني كنت أدرك أن هذا الأسلوب من التعاطي ليس أمامه فرص واسعة للنجاح في الوطن العربي. ويمكن القول إنه إذا كانت بيرز ناجحة في نشاطها الإعلاني مع الشركات، فإن إدارتها للشؤون العامة لم تكن ناجحة، وبالتالي فقد بدأ البيت الأبيض في التفكير بوسائل أخرى لتحسين علاقات أمريكا مع العالم العربي، ومنطقة الشرق الأوسط ككل. حتى استقالت بيرز من منصبها مع بداية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
يضيف زغبي في قراءة سريعة لواقع المنطقة وطبيعة علاقتها بأمريكا ''الشرق الأوسط منطقة حيوية للولايات المتحدة، وللعالم ككل من حيث الأمور ذات العلاقة بالأمن والاستقرار. ولم تستثمر الولايات المتحدة في أي منطقة من العالم بأكثر مما فعلته في الشرق الأوسط منذ نهاية حرب فيتنام في أوائل السبعينيات.وهنالك أكثر من 150 ألف أمريكي، ونحو 50 ألف بريطاني يخوضون حروباً الآن في أجزاء من منطقة الشرق الأوسط، أو على تخومها. وهنالك كذلك مئات الآلاف من الأمريكيين المعنيين بالشرق الأوسط ضمن علاقات خاصة بالنشاطات العملية، والشراكات ذات الأهمية الحيوية'' ، وقال إن العداء بين هذه المنطقة والولايات المتحدة يمكن أن ينشر ليشمل العداء إزاء كل شيء ينتمي إلى الغرب، مؤكدا أن الثقل العسكري، والسياسي، والاقتصادي الكبير للولايات المتحدة في الشرق الأوسط يجعلها بحاجة ماسة إلى معرفة فرضياتها الخاطئة في هذه المنطقة من العالم''.

جسر التفاهم يبدأ بالاستماع الجيد

في جانب آخر، وبعد أن استعرض زغبي جانبا من علاقته بالعالم العربي منذ فترة ولادته ونشأته، تحدث عن تجربته في إنشاء عدد من منظمات التعاون الأمريكية ـــ العربية، وكتابة عمود أسبوعي يظهر في 12 صحيفة عربية، وإدارة مقابلات تلفزيونية كثيرة حول علاقات الولايات المتحدة بالعالم العربي والإشراف على دراسات خاصة بكل هذه القضايا.
وعرض المؤلف جانبا من تجاربه في هذا المجال مع شخصيات عربية اتفقت معه على أن اللجوء إلى الاستماع الجيد يمكن أن يساهم في إقامة جسر من التفاهم بين الأمريكيين والعالم العربي، حيث يقول '' من بين الذين قابلتهم في هذه المنطقة ممن يفهمون ذلك الشيخ عبد الله بن زايد الذي أصبح الآن وزيراً للشؤون الخارجية في الإمارات العربية المتحدة، حيث يتمتع الرجل بكثير من الهدوء، وعمق التفكير. ولدى هذا الرجل مهارة الاستماع الجيد. وكثيراً ما يجلس وهو يركز نظره ويلف ساعديه، ويستوعب ما يدور حوله. وحين يتحدث يلجأ إلى الكلام اللين حتى يتمكن الآخرون من الاستماع إليه. ويعرفه عدد من سفراء الولايات المتحدة الذين عملوا في الإمارات، حيث يقولون إنه بقدر احترامه للعلاقات مع الولايات المتحدة، فإنه يمكن أن يكون في بعض الأحيان ناقداً شديداً للسياسة الأمريكية''.
ويضيف زغبي ''سنحت لي فرصة المشاركة في اجتماع دعا إليه حين كان وزيراً للإعلام عام 2002، وشارك فيه عدد من الوزراء في المنطقة، وذلك لمناقشة تحسين صورة العرب والمسلمين في الغرب. وكان الشيخ عبد الله مستمعاً جيداً خلال المناقشات. ورأى أن العرب لا يفهمون الأمريكيين، وأن الأمريكيين لا يفهمون العرب. ولذلك فإن جهود الجانبين في سبيل التقارب كثيراً ما تفشل رغم حسن النيات. وقد ركز في ذلك الاجتماع على ضرورة فهم الجانبين بعضهما بعضا كوسيلة لتجسير الفجوة القائمة بينهما''.

#2#

وقد أكد المؤلف في معرض حديثه عن الحوارات التي أدارها وشارك فيها أن أمور المنطقة لا تناقش فقط بين كبار السياسيين، بل إنها تتم كذلك في المحادثات مع الناس العاديين.ويروي قصة واقعية حدثت له فيقول ''صادف أن التقيت شابة سعودية كانت متخرجة للتو في جامعة جورج تاون، وذلك أثناء رحلة من واشنطن إلى جدة، حيث تحدثت معها حول شؤون المرأة في المملكة، ووجدت أنها لا تعترض على ارتداء النساء الحجاب، حيث قالت إنه لا يحد من حريتهن. ولا يتسع المجال في الولايات المتحدة لفهم أن فتاة متعلمة، ومتفتحة، وذكية لا تعارض ارتداء النقاب، أو الحجاب.لا يمكنك تقدير إعجاب العرب ببعض جوانب الثقافة الأمريكية ما لم تمض أوقاتاً في الرياض مع شباب يرتدون ملابس تشبه ملابس الشباب في نيويورك، أو لوس أنجلوس. ولا يمكنك فهم المشاعر المعقدة للأمريكيين من أصول عربية ما لم تجتهد في معرفة ما يفكرون فيه بالفعل. ولا بد لكل من يحاول فهم العقلية العربية من أن يعايشها كما هي''.
جيمس زغبي لم يكن يتحدث فقط من وجهة نظر منطقية لكنه أيضا وضع الذهنية الأمريكية في مواجهة نقد ذاتي ضروري فيما لو أرادت تحقيق ما تريده، فقال '' لا بد لنا في الغرب من تغيير أنماطنا التفكيرية حول هذه المنطقة من العالم، حيث إن كثيراً من تلك الأنماط عمل على التضحية بحلفائنا، وألحق الأذى بمصالحنا الشاملة في منطقة الشرق الأوسط''.

أصوات عربية: التحدي بالحقيقة

يتحدث مؤسس ورئيس المعهد العربي الأمريكي عن قصة ودوافع تأليف كتابه الذي يعد من أهم الإصدارات الحديثة في مجال الحوار الحضاري فيقول :''بعد عقود من محاولات تفسير العالم العربي للأمريكيين الآخرين بصورة أفضل، كنت غالباً ما أجد نفسي في مواجهة الخرافات وأنصاف الحقائق نفسها التي ظلت، سنة بعد سنة وبصورة عنيدة مثيرة للقلق الشديد، وتمتلك القدرة على فرض أفكار معينة بخصوص المنطقة.
من الأسباب التي دفعتني لتأليف كتابي المعنون ''أصوات عربية'': ماذا يقولون لنا ولماذا يعتبر ذلك مهماً لنا'' هو تحدي هذه الخرافات وجهاً لوجه''.ويمضي في إيضاح فكرة الكتاب وما يحفل به من جديد على مستوى تناول هذه القضية تحديدا، فيقول '' على خلاف العدد الكبير من الكتب أو المقالات التي كتبت حول المنطقة فإن كتابي ليس سرداً مكرراً لحوادث التاريخ (أو تفسيراً لها)، ولا هو مجموعة من الحكايات الشخصية. يمكن أن تكون هذه المناهج مفيدة، وهناك أمثلة ممتازة قدمت إسهامات حقيقية لتحسين فهمنا للأمور. لكنها يمكن كذلك أن تكون عرضة للتحيز أو عرضة لما أدعوه ''العلم الرديء''، كما هو الحال في كتابات الكتاب الذين يغلب عليهم أن يأخذوا ملاحظة أو محادثة معينة ويرفعوها إلى مقام النتيجة العامة.
''تحدي الخرافات '' الذي تحدث عنه زغبي يعني بالضرورة الرغبة في تلمس الواقع وإقصاء الفرضيات غير الدقيقة، ولهذا اعتبر أن نقطة البداية عنده هي البيانات المتينة الحقيقية، التي حصل عليها بعد أكثر من عقد من استطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسة زغبي إنترناشونال عبر بلدان الشرق الأوسط ، موضحا أن سرده لحكايات شخصية جاء بهدف إعطاء مزيد من التفاصيل وتعميق معنى الأرقام في سبيل رواية حكايات العرب، الذين يجب أن يفهم الأمريكيون واقعهم بمختلف جوانبه.
وأضاف زغبي '' أحب إجراء استطلاعات الرأي. ذلك أنها تفتح نافذة وتجعلنا نسمع أصواتا نادرا ما نسمعها. حين نطلب من أربعة آلاف عربي من المغرب إلى الإمارات العربية المتحدة أن يخبرونا بآرائهم وأفكارهم حول الولايات المتحدة، وأن يذكروا لنا أهم الأمور السياسية التي تشغل بالهم وأفكارهم بخصوص عمل المرأة، أو عن البرامج التي يفضلون مشاهدتها في التلفزيون، وحين ننظم ونرتب أجوبتهم بحسب البلد، ثم بحسب العمر أو النوع أو الطبقة الاجتماعية، ومن ثم ننصت لما يقولون، فإننا نتمكن بفضل ذلك من اختراق الخرافات ونستطيع الاستفادة والتعلم''.
الأكاديمي الأمريكي العربي شدد على أهمية التعلم في تصحيح المفاهيم الأمريكية حول منطقة الشرق الأوسط وشعوبها، وهي المفاهيم التي يرى أنها بقيت فترة طويلة ضمن ما وصفه بغشاوة الخرافات والأنماط الجامدة المسبقة.وعلق قائلا '' هذه الخرافات والأنماط سيطرت على تفكيرنا، وأدت في بعض الحالات إلى تشكيل سياساتنا. وأنا أبحث كل خرافة من هذه الخرافات في كتابي ''أصوات عربية''، ثم أقارن الافتراضات والمفاهيم المشوهة التي تقف وراءها بالبيانات التي استخلصناها من استطلاعات الرأي، وهي بيانات تكشف بصورة حقيقية ما يفكر به العرب فعلاً''.

#3#

الخرافات الـ 5
هذا البحث التحليلي الذي يمنهجه جيمس زغبي ضمن أسئلة منطقية يتماس بصورة عملية مع عدد من المعتقدات التي تفتقر إلى الدقة، فيضعها جميعا على محك النتائج التطبيقية القائمة مباشرة على آراء مواطني العالم العربي الذين شملتهم الدراسات، وهو إلى جانب ذلك يشتغل على معطيات إعلامية وثقافية موجودة في الرأي العام الأمريكي تعمل غالبا على توجيهه نحو مسارات قد لا تكون حقيقية بالضرورة ولكنها مرتبطة بمصالح أو أخرى.
وقد استعرض جيمس زغبي المحاور التي سماها ''الخرافات'' ، التي ناقشها كتابه نظريا وتطبيقيا ليعيد تشكيل وعي القارئ حولها ، وهي على النحو الآتي:
1. هل العرب كلهم سواء، وهل من الممكن بالتالي أن نحيلهم إلى مجرد ''نمط'' (كما في قولنا ''كل العرب على هذا النحو أو ذاك'')؟
يجيب زغبي عن هذا السؤال بقوله ''حين نقرأ التعميمات الواسعة والتصوير الكاريكاتيري الفج للعرب في كتب مثل كتاب العقل العربي (من تأليف رافائيل باتاي، الإسرائيلي الذي هاجر إلى الولايات المتحدة)، الذي يستخدمه الجيش الأمريكي في العراق، أو كتاب توماس فريدمان (وهو أمريكي يهودي في ''نيويورك تايمز'') بعنوان'' قواعد شرق أوسطية للحياة''، فإن المرء قد يظن أن الأمر كذلك. لكن استطلاعاتنا تشير إلى وجهة نظر مختلفة تماماً، فالأمور التي نتوصل إليها حين نستكشف الرأي العام العربي هي ساحة ثرية ومتنوعة عبر العالم العربي تعتبر عصية على أي تصنيف نمطي مسبق جامد فهناك ثقافات فرعية وتواريخ فريدة تعطي نسيجاً بارزاً للحياة وتصنع الاختلاف من دولة عربية لأخرى. ليس هذا فحسب، وإنما توجد هناك اختلافات بين الأجيال. نجد أن الشباب العربي (الذي يشكل 60 في المائة من عدد السكان في تلك المنطقة) عالق بين العولمة والتغير. ولديهم اهتمامات مختلفة ويطمحون إلى تحقيق أهداف تختلف عما كان لوالديهم. وهم أكثر انفتاحاً على المساواة بين الجنسين وأقل تعصبا للتقاليد''.

2. هل يبلغ التنوع بين العرب حداً يجعلهم لا يشكلون عالماً واحداً على الإطلاق؟
يعلق المؤلف على هذا المحور قائلا '' هذا ما تريد منا مجلة ''إيكونومست'' أن نصدقه. في عدد خاص نشرته المجلة في عام 2009، وصف المحررون والكتاب العالم العربي بأنه ''شيء كبير هلامي لا شكل له، وربما لا يكون شيئاً على الإطلاق.'' مرة أخرى تكشف استطلاعاتنا عن العكس تماماً. عبر العالم العربي يتصف العرب بالفعل بأنهم ''عرب''، وهم يصفون أنفسهم بأنهم مرتبطون بعضهم بعضا من خلال اللغة المشتركة (وما يتضمنه ذلك من تاريخ مشترك)، ويتشاطرون في الهموم السياسية، حيث نجد أن الأغلبيات التي تمتد عبر جميع الأجيال وفي جميع البلدان تُظهِر ارتباطاً قوياً بمشكلة فلسطين ومصير الشعب العراقي''.

3. هل جميع العرب غاضبون على الولايات المتحدة وكارهون لها، وكارهون ''للقيم الأمريكية وطريقة الحياة الأمريكية''؟
هنا يستشهد زغبي باستطلاع أجري في الفترة الأخيرة، ويقول '' وجدنا أن كثيراً من الأمريكيين يعتقدون بصحة هذه النظرة. لكن عملنا في العالم العربي يشير إلى أن العكس تماماً هو الصحيح، فالعرب يحبون الشعب الأمريكي، وهم لا يحترمون فقط نظامنا التعليمي والإنجازات التي حققناها في مجال العلوم والتكنولوجيا، وإنما يحبون كذلك القيم الأمريكية بخصوص ''الحرية والديمقراطية''. لكن الأمر الذي يشعرون نحوه بالكره هو سياساتنا نحو العالم العربي، التي تدفعهم إلى الاعتقاد بأن الأمريكيين لا يحبونهم. وكما قال لي أحد رجال الأعمال العرب، ''نحن نشعر وكأننا عشاق نخدع ونهجر بعضنا بعضاً''.

4. هل العرب مدفوعون بالتعصب الديني؟
يجيب زغبي عن السؤال السابق فيعتبر أن العرب، شأنهم في ذلك شأن كثير من الناس في الغرب، هم ''أهل دين وإيمان''، تشكلت قيمهم من خلال تقاليدهم الدينية. لكن هذا لا يعني أنهم متعصبون أو متطرفون وإنما هم أشخاص يعيشون حياتهم الطبيعية ذات الاهتمامات المعتادة، ويضيف ''حين نسأل العرب عن برامجهم المفضلة في التلفزيون، فإن القائمة متنوعة مثل قائمة البرامج التي يفضلها الأمريكيون ففي مصر والمغرب والسعودية (وهي أكبر البلدان العربية التي تغطيها استفتاءاتنا)، فإن أفضل البرامج التي يفضل الناس مشاهدتها هي التمثيليات اليومية والأفلام.. وحين نطلب من العرب أن يعددوا لنا أهم الأمور التي تشغل بالهم، فليس من المستغرب أن أكثر أمرين يشغلان بال العرب هما مستوى العمل ومستوى العائلة''.
ويستنتج المؤلف قائلا '' بالتالي، وعلى خلاف الخرافة التي تقول إن ''العرب يذهبون إلى فراشهم ليلاً وهم يكرهون أمريكا، ويستيقظون كل صباح وهم يكرهون إسرائيل، ويمضون أيامهم وهم يشاهدون برامج الأخبار أو يستمعون إلى الخطب التي تشعل غضبهم''، فإن الواقع هو أن ''العرب يذهبون إلى فراشهم ليلاً وهم يفكرون في أعمالهم، ويستيقظون كل صباح وهم يفكرون في أطفالهم، ويمضون كل يوم وهم يفكرون في كيفية تحسين مستوى حياتهم.''

5. أخيراً ،العرب يرفضون الإصلاحات وغير قابلين للتغير، ما لم يدفعهم الغرب إلى ذلك.
يرى زغبي أن هذه ''الخرافة'' تعتبر من المقولات الأساسية للمحافظين الجدد. وهي مشتقة من كتابات برنارد لويس (كاتب أمريكي صهيوني)، وأنها أحد الأسباب التي استخدمت لتبرير حرب العراق، أي الفكرة القائلة إننا سنقضي على ''النظام القديم'' في سبيل ولادة ''الشرق الأوسط الجديد''.
ويعلق عليها قائلا'' ما تشير إليه استطلاعاتنا هو أن العرب يريدون التغيير بالفعل، لكن الإصلاحات التي يريدونها هي إصلاحاتهم هم أنفسهم وليس إصلاحاتنا. ذلك أن ما يقع على رأس أولوياتهم المحلية هو ما يلي: الحصول على وظائف أفضل، وتحسين الرعاية الصحية، وتوسيع الفرص التعليمية. كذلك تبين استطلاعاتنا أن معظم العرب لا يريدون من الأمريكيين العبث بشؤونهم الداخلية، وإنما يرحبون بالمساعدات الأمريكية التي تفيد في تحسين مجتمعاتهم على بناء القدرة على تقديم الخدمات وتحسين مستوى الحياة''.
وفي رؤية شاملة وعميقة تضمنها كتابه القيم يلفت الأكاديمي والناشط جيمس زغبي النظر الأمريكي إلى المساحة العقلانية في تحليل الواقع العربي وحقيقة مواقف الشعوب العربية من الولايات المتحدة، فيقول ''حين ننظر إلى العالم العربي نظرة أقرب، وننصت إلى العرب بصورة أفضل من ذي قبل، فإننا سنعلم أن هذه المنطقة وشعبها ليسوا كما كانت تصورهم ''هوليوود'' أو تصورهم الأيديولوجيات السياسية التي لها أغراض ومنافع خاصة من هذا الأمر. لا يمكن أن يصبح العرب مجرد أنماط مسبقة جامدة خرافية، على النحو الذي تم تصويرهم به والذي انغرس في أذهاننا عميقاً وساهم في تشويه سياساتنا. حين ندرك هذا الأمر بصورته الحقيقية فإننا سنمتلك القدرة على الانخراط بصورة منتجة ومفيدة مع أهل هذه المنطقة، التي أصبحت تحتل مكانة غاية في الأهمية بالنسبة لمصالحنا القومية''.

الأكثر قراءة