افتراءات لعينة وإحصائيات توضيح لأرقام من وسائل الإعلام والسياسيين والنشطاء
يقدم الكتاب دليلا لدراسة الإحصاءات وفهمها، ولتعلم التفكير الناقد فيما يتعلق بالأرقام والإحصاءات، وربما يصلح أساسا للمثقفين والمتابعين للأخبار السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما هو مفيد أيضا للباحثين المشتغلين بالمعلومات والإحصاءات، ولفهم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وذلك لتجنب الوقوع في نتائج خاطئة، ربما تكون بعيدة جدا عن المدلولات المفترضة للأرقام.
ويبني المؤلف جول بست، وهو أستاذ علم الاجتماع والعدالة الجنائية في جامعة ديلاور مناقشته على أساس مجموعة منوعة وواسعة من قضايا الخداع المعاصرة ـــ كما يسميها ـــ التي استحوذت على كثير من اهتمام وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، مثل الإجهاض والمواد الإباحية على الإنترنت، والتلوث، والتشرد والانتحار. ويكشف النقاب عن كثير من الأمثلة لاستخدام المعلومات الإحصائية لأغراض معينة أو إساءة استخدامها والتلاعب بها، ويبين كيف ولماذا تنشأ الإحصاءات السيئة، ثم تنشر وتشكل المجادلات المتعلقة بالسياسات، وأخيرا ينصح بطرق معينة لنقد الإحصاءات بعامة، وكشف الأخطاء المتضمنة فيها، ويبين كيف نفكر نقديا في "حرب الإحصاءات".
في تتبعه تاريخ الإحصاءات ونشوئها يجد المؤلف أن الإحصاءات أصبحت في القرن التاسع عشر طريقة موثوقة لوصف المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وجلب خبرة العلوم للنقاش حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وحظيت الإحصاءات بقبول واسع كأفضل طريقة لقياس المشكلات والظواهر.
لكن الإحصاءات منذ نشوئها في القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا ولها هدفان، أحدهما معلن، والآخر خفي، المعلن هو تقديم وصف دقيق وحقيقي للمجتمع، لكن يجري استخدام هذه الأرقام لدعم وجهة نظر معينة في النزاعات السياسية.
الحقائق الواهنة أو الإحصاءات "السيئة"
يميل أكثر الناس إلى قبول الإحصاءات الاجتماعية دون انتقاد لأنهم يعانون مشكلة في تقدير الفروق بين الأرقام الكبيرة ودلالاتها، وهو ما يسميه المؤلف "أمية الأرقام" وغالبا ما تنشأ مشكلات الإحصاءات الاجتماعية بسبب ناشطين أو إعلاميين هم أنفسهم يعانون أمية الأرقام، ولا يدركون المعاني الضمنية الكاملة لما يقولونه.
وفي كل حالة يستخدم المبالغون في أهمية المشكلات الاجتماعية الإحصاءات كسلاح، فهم يختارون أرقاما تلفت الانتباه إلى مشكلة أو تصرفه بعيدا عنها، وتثير القلق الشعبي، أو تعمل على تهدئته، ويستخدم الناس الإحصاءات لدعم وجهات نظرهم، ولإقناع الآخرين بقبول طريقتهم في التفكير. ومن أسباب قبول الإحصاءات دون انتقاد، افتراض أنها تأتي من خبراء يعرفون ما يفعلون أو أنها إحصاءات مستمدة من مكاتب متخصصة ورسمية، مثل البيانات عن معدلات الجريمة والبطالة والفقر، وحتى التعداد السكاني. لكن يجب النظر إلى هذه البيانات على أنها نتائج نشاط اقتصادي اجتماعي، وليست حقائق لا يمكن إنكارها، إنها أرقام تعكس أفضل جهد لتقويم المشكلات بدقة وموضوعية، لكنا في حاجة إلى فرز الإحصاءات وتقييمها، ومن ذلك طرح أسئلة أساسية مثل: من أعد الإحصاءات؟ فأرقام ينشئها ناشطون اجتماعيون في قضية معينة ليست مثل إحصاءات رسمية مستمدة من مكاتب وتقارير رسمية ومتخصصة، ولماذا أنشئت هذه الإحصاءات؟ وكيف جرى جمعها وإنشاؤها؟ فهويات منشئي الإحصائيات تدل على أهدافهم وتحيزهم أو حيادهم، كما أن أساليب جمع الإحصاءات أمر أساسي في الفهم، فالإحصاءات المكملة التي تأتي على هامش بيانات أخرى مثل المعلومات الإضافية والتكميلية حول الجرائم على سبيل المثال (العمر والإثنية والعمل..)، ليست بالدقة والجدية الإحصائية التي يمكن الحصول عليها من إحصاءات متخصصصة أو تستهدف هذه البيانات بشكل رئيس.
إن المعرفة تكون واقعية عندما تدعمها الأدلة، لكن يمكن التشكيك دائما في الحقائق، وهي تستمد قيمتها وأهميتها من صمودها تحت الاستجواب، كيف حصل الأشخاص على هذه المعلومات؟ وكيف فسروها؟ وهل هناك تفسيرات أخرى ممكنة؟
وهناك دائما أكثر من جهة تتعامل مع القضية الواحدة والإحصاءات المتعلقة بها، فالجرائم والاعتداءات على سبيل المثال تتعامل معها الشرطة، وتعد حولها سجلات وإحصاءات، وفي الوقت نفسه فإن الجمعيات والناشطين في العمل الاجتماعي لديهم تقديرات بأن كثيرا من الجرائم والاعتداءات لا يتم الإبلاغ عنها، وتميل وسائل الإعلام إلى نشر أرقام وملاحظات الناشطين، وهناك دائما معلومات مخفية وأخرى غير مكتملة أو لم يتم الحصول عليها، أو لا يمكن معرفتها، ولذلك تظل الأفكار والقضايا المطروحة في الإحصاءات موضع جدل وشك. ويؤثر "التعريف" أو المفاهيم في الإحصاءات، فالعنف أو الإباحية على سبيل المثال قد يعني كل منهما سلسلة من المواقف والأعمال الممكن إدراجها في المفهوم أو استبعادها، وكذلك مفاهيم مثل الأمية والتشرد والجريمة والفقر، فالإحصاءات المتعلقة بمشكلة اجتماعية تعتمد أساسا على كيفية تعريف المشكلة، فكلما كان التعريف أوسع كانت الأرقام أكبر، ولأن الناشطين في المشكلات الاجتماعية يفضلون أن تبدو المشكلة أكثر أهمية فإنهم يفضلون أرقاما أكبر.
ويدخل أيضا في تحديد الأرقام والإحصاءات أدوات القياس والإحصاء، مثل استطلاعات الرأي، ويتدخل في ذلك اختيار العينة، وصياغة الأسئلة، فمن المعلوم أنها عناصر تؤثر في نتائج الاستطلاعات، والأرقام والإحصاءات الناشئة عنها، فيقوم المؤيدون لفكرة بصياغة أسئلة تشجع المجيبين على الاستجابة بطريقة مرغوبة (بحث تأييدي)، وفي احتساب الفقر فإن قياس الفقر نفسه مسألة خلافية متعلقة بالدخل والغذاء والفرص، وستختلف بطبيعة الحال نسب الفقر, ومن يعد فقيرا ومن لا يعد حسب معايير القياس، وهذا الخلاف يؤدي إلى تغير في السياسات الاجتماعية. ويعد اختيار عينة تمثيلية تحديا رئيسا في علم الاجتماع، فإلى أي مدى يمكن تعميم الإحصاءات والنتائج المستمدة من العينة؟
ولكن ما الإحصاءات الجيدة؟
إذا كانت الإحصائيات تتحول إلى سيئة بسبب التخمين والتعريفات الإشكالية والمقياس المشكوك فيه والعينات غير المناسبة، فما الإحصاءات الجيدة؟ يتساءل المؤلف، ويجيب مقترحا معايير تمنح الإحصاءات صدقية، ومن ذلك مراجعة كيفية الحصول على الأرقام، وصياغة تعريفات واضحة ومحددة ومعقولة للمشكلة (القضية التي يجري بحثها) وإعداد مقاييس واضحة ومعقولة، وأن تكون الإحصاءات مستمدة من عينة منطقية، ويحذر من العينات الصغيرة وغير العشوائية، صحيح أنها أسهل وأقل تكلفة، لكنها تشكل أساسا ضعيفا لتعميمات شاملة.
إحصائيات محورة .. أساليب لتحريف الأرقام
تعود جذور الإحصاءات المحورة إلى الأمية العددية (صعوبات في استيعاب معاني الأرقام والحسابات) وهي أمية واسعة الانتشار، ويبحث المؤلف هنا في أربع طرق شائعة لإيجاد أرقام محورة، ويجيب بذلك عن السؤال الأساسي هنا: كيف ولماذا يحدث التغيير؟ وهو التعميم الخاطئ، والتعريفات الملتبسة أو المشكوك فيها، والعينات غير الملائمة، والقياسات غير الصحيحة أو غير الكافية، وتوالي الأخطاء والنتائج وتداعياتها المتسلسلة.
لكن هناك شكل آخر من الإحصاءات المحورة، تتضمن تحويلا لمعنى الرقم، على سبيل المثال فإن إحصائية مثل 150 ألف شخص يعانون فقدان الشهية العصبي، يجري تحويلها إلى 150 ألف حالة وفاة بسبب فقدان الشهية العصبي، أو تحوير تقدير عن العلاقات الجنسية إلى إحصاءات عن الاغتصاب، ففي حين يتحدث تقرير عن كل أشكال العلاقات والاتصال، فإنه يعاد تقديم الأرقام على أنها متعلقة بنوع واحد من العلاقات، فتبدو أرقاما كبيرة وصادمة.
وتستخدم المعلومات التكميلية التي تعدها الشرطة حول الجرائم لبناء استنتاجات وأحكام حول القتلة والضحايا والأبعاد العنصرية والدينية للجريمة، رغم أنها أحكام لا يمكن الجزم بمعظمها في التحقيق والمحاكم، ولكن يكتفي الإعلاميون والناشطون بالمعلومات المتعلقة بهوية أطراف الجريمة.
وهناك إحصاءات ومؤشرات إحصائية معقدة تحتاج إلى معرفة رياضية وإحصائية متقدمة، لكن لتقديمها إلى الجمهور في وسائل الإعلام يجري تحريفها أو تبسيطها، فتؤدي إلى نتائج وأحكام مختلفة. في تقرير عن المرضى المحولين لإجراءات قسطرة القلب والمعلومات المتعلقة بالمحولين قدم مراسلون صحافيون قراءة مفادها أن احتمالات حصول السود والنساء على فحص للقلب هي 60 في المائة من فرص البيض والرجال، لكنها في الحقيقة نسبة يجري استنتاجها بطريقة معقدة من المتغيرات وليس وفق الأعداد الظاهرة، فهي في الحقيقة 93 في المائة، وهذا الفرق أيضا ليس بالضرورة أن يكون تفسيره عنصريا. وتزداد الإحصاءات السيئة سوءا من خلال إساءة الاستخدام أو إساءة الفهم، ويصبح الرقم محرفا أكثر، ثم تصبح هذه الإحصاءات (السيئة) أساسا لحساب مزيد من الإحصاءات.
إن الإحصاءات المحورة ليست بالضرورة دليلا على عدم النزاهة، لكن المشكلة تبدأ من عدم فهم الأرقام فهما صحيحا، ومن ثم محاولة توضيحها، وتبسيطها، فتنشأ سلسلة من الأخطاء، لكن هناك أيضا تلاعبا متعمدا، ومحاولات واعية لتحويل معلومات إحصائية، ويمكن أن تقدم البيانات بطرق تنقل انطباعات مختلفة، ومن المألوف أن يختار الناشطون بانتقائية الأرقام التي ينشرونها على النحو الذي يؤدي إلى الإقناع وإلى دعم مواقف المؤيدين، وعادة ما يفضلون إحصاءات دراماتيكية، وأرقاما تجعل المشكلة تبدو خطيرة.
مقارنات غير ملائمة
تعاملت وسائل الإعلام والجمعيات الناشطة في المشكلات الاجتماعية مع قضايا اجتماعية مثل المخدرات والإيدز بتقديرات مبالغ فيها، فالتنبؤات المحيطة تشكل تقارير إخبارية قوية لوسائل الإعلام، وعدم وجود معلومات موثوقة عن مشكلة اجتماعية، والخوف من أن تكون الأرقام كبيرة، وإحساس النشطاء بالحاجة الملحة يجعل من السهل تعزيز التنبؤات المزعجة.
ويجري عادة مقارنة الإحصاءات والأرقام بأقطار أخرى لتقييم البرامج والسياسات ومقارنتها، أو لقياس التقدم والفجوة، لكن المقارنات الجغرافية لا تصلح إلا إذا تشابهت ظروف الأماكن التي تجري المقارنة بينها، وبغير ذلك فإن المشكلة تفهم فهما مضللا، فبين الدول والأماكن اختلافات لغوية وثقافية واجتماعية تجعل المقارنات معقدة، حتى عندما تبدو واضحة المعالم، فمقارنة نتائج الطلاب في الامتحانات الأكاديمية على سبيل المثال يمكن أن تكون تعبر عن اختلاف في الأنظمة التعليمية أكثر من مقارنة درجات الطلاب، ويمكن أيضا مقارنة مجموعات مختلفة من الأشخاص والفئات والطبقات والإثنيات والأديان، ولكن يجب ملاحظة الاختلافات الأخرى في هذه الجماعات، مثل عددها، أو تعريف المجموعات بدقة ووضوح، فتجري عادة مقارنات بين السود والبيض في الولايات المتحدة، وتظهر النتائج عادة تفاوتا كبيرا، ولكن إجراء مقارنات بين الطبقات الغنية والوسطى والفقيرة في البيض والسود أظهر نتائج متقاربة، وهذا هو المنطقي في المقارنة، فالمقارنة بين المجموعات يمكن أن تكون خادعة، ويجب التساؤل هل المقارنة ممكنة، وهل هي مختلفة أو متشابهة في حجمها النسبي على نحو يؤثر في الإحصاءات المستخدمة، وهل يوجد متغير آخر وغير مذكور يؤثر في نتائج الإحصاءات (مثل الطبقة)
وفي المقارنة بين المشكلات الاجتماعية المختلفة تجري ضغوط من أنواع مختلفة من أنصار ومؤيدي القضايا المختلفة لجعلها في مركز الاهتمام إو لإبعادها عن اهتمام وسائل الإعلام، وهذا يؤدي إلى تدخلات متحيزة في الإحصاءات. فمن المعلوم أن عدد ضحايا حوادث المرور يفوق بأضعاف مضاعفة عدد ضحايا جرائم القتل، وفي الحالتين فإن الخسارة واحدة، ولكن حوادث المرور لا تجد الاهتمام نفسه، ولا تثير أرقامها وإحصاءاتها لدى الناشطين ما تثيره إحصاءات اجتماعية متعلقة باهتمامهم ونشاطاتهم.
حرب الإحصاءات: صراعات حول الإحصاءات الاجتماعية
يتحدث المؤلف في هذا الفصل عن موجة ظهرت في ثمانينيات القرن العشرين، هي الحديث عن الأطفال المفقودين، وعرض الناشطون والإعلاميون في هذا المجال صورا للأطفال المخطوفين، وتحدثوا عن إحصاءات تقدر عدد الأطفال المفقودين في الولايات المتحدة بـ 50 ألف طفل، لكن تقريرا صحافيا صدر في عام 1985 حاز جائزة بوليترز, أوضح أن عدد حالات الاختطاف التي يتم التحقيق فيها سنويا لا تتجاوز 70 حالة.
وبالطبع فإنه من المتوقع أن يبالغ الناس في أهمية الإحصاءات التي تدعم مصالحهم، ومعظم الناس يعتقدون أن مصالحهم مشروعة، وأن قضيتهم عادلة، ويتشبثون بأي موقف يدعم موقفهم، ويشيرون إليه بفخر واقتناع، وغالبا ما يكون الدليل إحصائيا، وفي الرد على المواقف ووجهات النظر تستخدم أيضا الأرقام والإحصاءات، فيتحول السجال إلى حرب إحصائية. وفي نقاش ـــ كمثال ـــ حول تقديرات عدد المشاركين في مسيرة المليون التي دعا إليها لويس فرقان، زعيم أمة الإسلام في الولايات المتحدة في منتصف التسعينيات، يقول المؤلف: لقد جرت ثلاثة تقديرات لعدد المشاركين، أولها للمنظمين، وقدروها بمليون شخص، وشرطة المتنزهات التي افترضت أن كل 1.8 قدم مربع يمكن أن تستوعب شخصا واحدا، ومن ملاحظة الصور الجوية وتقدير مساحة المكان قدرت أن عدد المشاركين يساوي نحو 800 ألف شخص، لكن جامعة بوسطن، تقدر بأن الشخص الواحد لا يمكن أن يشغل في مثل هذه التجمعات أقل من 3.6 قدم مربع، وبذلك يكون عدد المشاركين 400 ألف، لكن التغطية الإعلامية للمسيرة لم تناقش قط وسائل وتقنيات تقدير عدد المشاركين، واكتفت وسائل الإعلام بعرض الأرقام استنادا إلى مصادرها المختلفة.
وربما يكون مثال مسيرة المليون جزءا بسيطا بالنسبة لعملية التعداد العام للسكان في الولايات المتحدة التي دأبت منذ عام 1790 على إجراء إحصاء عام لجميع السكان كل عشر سنوات، ورغم الجهد الهائل الذي يبذل والتكاليف المالية الكبيرة التي تخصص فإن نتائج الإحصاء تكون موضعا للجدل، ومن المعلوم أنها إحصاءات تؤثر في توزيع المقاعد النيابية، ووجهة الموازنة والإنفاق والسياسات الاجتماعية والاقتصادية. ويتواصل الجدل السياسي والاجتماعي حول الإحصاءات، ففي حين يدافع المسؤولون الحكوميون عن تواصل ارتفاع مستوى الدخل يرد المعارضون والمنتقدون والمنافسون بأنه ارتفاع في الدخل مصحوب بظاهرة "الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا" ويركزون على عدم المساواة، وتقلص الطبقة الوسطى، والحقيقة أن الخلاف السياسي والاقتصادي والاجتماعي لن تحله الإحصاءات، وسيكون بمقدور الفرقاء جميعا استخدام الإحصاءات نفسها، ومحاولة تفسيرها كل حسب وجهة نظره، أو التشكيك فيها.
التفكير في الإحصاءات والتعامل معها
إن التعامل مع رقم على أنه حقيقة دائمة ليس عملية صائبة دائما، فمحاولة تتبع المؤشرات الإحصائية، وبخاصة في المجال الاجتماعي تشتمل دائما على صعوبات أساسية في تعريف وقياس الظروف الاجتماعية، وربما يكون الأمر أكثر دقة ووضوحا ووفرة في المجالات الاقتصادية، كالميزان التجاري، وأسعار المستهلك، والبطالة، وبناء المساكن، لكن مؤشرات لقياس الفقر والجريمة على سبيل المثال تكون غالبا غامضة وقليلة، كما أنها تثير مشكلات كثيرة في فهمها وتفسيرها، والواقع أنه لا توجد إحصاءات مثالية، لكن الإحصاءات سواء كانت جيدة أم سيئة فإنها تعكس خيارات منشئها.
ويحتاج تفسير الإحصاءات إلى نهج عام وتوجه ذهني وتفكير منطقي متعمق لمقاربة الإحصاءات وتحليلها، لكن كثيرا من الناس يتعاملون مع الإحصاءات كما لو أنها تمائم وسحر. وبعامة فإن التوجهات الذهنية في التعامل مع الإحصاءات تراوح بين ثلاثة اتجاهات: السذاجة والشك والانتقاد، فيفترض الساذجون في الإحصاءات أنها صحيحة، وأنها تعني ما تبدو أنها تعنيه، والساذجون ليسوا دائما مستهلكي معلومات إحصائية، لكنهم يكونون أحيانا منتجين، وينتجونها أيضا بسذاجة، وغالبا ما يقعون في تحوير الأرقام والإحصاءات، وبخاصة عندما لا يفهمون الأرقام التي يتعاملون معها، إن الغالبية العظمى من جمهور الإحصاءات ساذجون. ويمثل المتشككون أقلية في جمهور الإحصاءات وهم بعامة ينظرون إلى الإحصاءات على أنها "افتراءات لعينة" ولا يثقون بالأرقام، وعندما يعمل مثل هؤلاء في إنتاج الإحصاءات كأداة أو مصالح لترويج أفكارهم ومصالحهم يقولون "يمكنك إثبات أي شيء باستخدام الإحصاءات" ويتجاهلون الأرقام نهائيا عندما تتعارض مع أفكارهم، وهؤلاء في الحقيقة لا يختلفون عن الساذجين.
وهناك اتجاه هو أفضل من الساذجين والمتشككين، وهم الانتقاديون، فالانتقاد بمعنى ألا يكون عدائيا، يساعد في مقاربة الإحصاءات بتفكير عميق، ويمكن بذلك تجنب الموقفين المتطرفين، القبول التام أو التشكيك المطلق.
إن الإحصاءات هي أحد الأنواع المعيارية في الأدلة، ولا يمكن تجاهلها ببساطة، والتظاهر بأنها غير موجودة، فمن غير الإحصاءات لا يمكننا التفكير بعمق أو تشكيل حكم وتقدير صحيح. وعلى نحو عام فإن الإحصاءات ليست سحرا غامضا، وليست دائما صحيحة أو خاطئة، لكن التعامل معها بمنهج نقدي إيجابي يجعلها مصدرا مهما للمعرفة والتخطيط السليم.
تأليف: جول بست
ترجمة لميس اليحيى
مراجعة: محمود الزواوي
الأهلية للنشر والتوزيع ــ عمان ـــ 2010
235 صفحة