التطبيقات التجارية للمصرفية الإسلامية لم تتجاوز الأدوات المالية الغربية
قال الدكتور لحول عبد القادر الخبير في العلوم الاقتصادية وأستاذ الاقتصاد في جامعة سعيدة في الجزائر، أن اضطرابات الاقتصاد الدولي بعد الأزمة المالية العالمية أحدثت حالة من عدم التأكد في مستقبل الاقتصاد العالمي، بل والنظام الحالي، وانهارت الثقة بالأسواق المالية، وأصبح الذعر هو العامل المشترك بين المستثمرين على مستوى العالم، وإن اختلفت حدته من منطقة إلى أخرى.
وأوضح عبد القادر في ورقة عمل معدة (للملتقى الدولي الأول حول الاقتصاد الإسلامي الواقع ورهانات المستقبل) الذي سيعقد في 23 شباط (فبراير) الجاري وبعنوان (دور الصيرفة الإسلامية والسوق المالية الإسلامية في الحد من أثر تدويل الخطر المالي على الأنظمة المالية).
إن الأزمة المالية العالمية أكدت سلامة المبادئ التي تقوم عليها الصناعة المالية الإسلامية وخاصة الصيرفة الإسلامية كونها تمتلك عديدا من المقومات التي تحقق لها الأمن والأمان، وتقليل المخاطر مثل الأمانة، والمصداقية، والشفافية، والتيسير، والتعاون، والتكامل، والتضامن، فلا اقتصاد إسلامي دون أخلاق ومثل. وتعد هذه المنظومة من الضمانات التي تحقق الأمن والأمان والاستقرار لجميع المتعاملين، وفي الوقت نفسه تحرّم الشريعة الإسلامية المعاملات المالية والاقتصادية التي تقوم على الكذب، والمقامرة، والتدليس، والجهالة، والاحتكار، والاستغلال، والجشع، والظلم.
وقال عبد القادر بأنه رغم التحسن في عدة جوانب، فلا يزال الاستقرار المالي هشا في كثير من البلدان المتقدمة، وبعض بلدان الأسواق الصاعدة المتضررة بشدة. وتعلق أولوية قصوى على تحسين صحة هذه النظم المصرفية لضمان عودة قناة الائتمان إلى وضعها الطبيعي. كذلك فإن تحويل المخاطر المالية إلى الميزانيات العمومية وارتفاع مستويات الدين العام تضيف إلى المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي، وتجعل عملية الخروج من مرحلة التنشيط الراهنة مهمة معقدة. وقد يحتاج صانعو السياسات في هذه البلدان إلى الخروج في وقت مبكر من مرحلة السياسات الداعمة بغية احتواء المخاطر على الاستقرار المالي.
وبحسب عبد القادر فقد تفاقمت الأزمة المالية العالمية الراهنة، وانتشرت مخلفاتها وظهرت أعراضها على معظم الاقتصادات المتقدمة منها والناشئة (الصاعدة) في انتظار حلقة الدول النامية، يعود إلى مشكل تدويل الخطر أو كما يعرف في بدايته بخطـر النظـام الذي يؤدي إلى نقل الخطر المالي من النظام المصرفي المحلي ليشمل جميع الأنظمة المالية التي تعتبر على احتكاك مباشر مع تلك الأنظمة التي كانت السبب في ظهور الأزمة. وقد ينتج الخطر المالي هنا سواء من خطر الاختيار الذي قد يقع فيه البنك (أو المؤسسة المالية بصفة عامة) في الاختيار بين عدة مستثمرين مقترضين، أو الخطر الأخلاقي النابع عن شكوك أو تغيرات في شخصية المقترض. وقد تتعدد الأسباب التي ينشأ منها الخطر المالي على مستوى النظام المصرفي.
وبين عبد القادر أن السبب الأساسي والمباشر لأزمة الرهن العقاري ومن ثم للأزمة المالية، هو الإفراط في الدين وما ترتب عنه من عسر المدين وتوقفه عن السداد، وما انجر عن ذلك من انعكاسات شملت النظام المالي والاقتصادي برمته. ومن وجهة النظر الإسلامية أن من مقاصد الشريعة الإسلامية في المعاملات المالية، كراهية المديونية، وشغل الذمة أصلا، فالدين تقييد لحرية الإنسان في تصرفاته، هذا على الرغم من أن هذه الديون نشأت مقابل منافع حقيقية، فما بالك بالدين الذي نشأ دون مقابل لمنافع حقيقية بل وهمية، كما هو الحال في الأزمة الراهنة التي نشأت عن الإعسار بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
وقال إن أصول المصرفية الإسلامية في العالم تنمو بمعدلات مذهلة تصل إلى 30 في المائة سنويا حتى أخذ حجمها يتجه نحو تريليون دولار مدعوما بتنامي الوعي المصرفي في العالم النامي، وتزايد وتيرة رغبة جماهير المسلمين في اتباع الأصول القيمية في المعاملات، مع استمرار انخفاض الثقة بالمؤسسات المالية الغربية التي تفاقمت بظهور الأزمة المالية العالمية عام 2008. وقد أعطت هذه الأزمة فرصة كبرى لاختبار نجاح وجدوى البنوك الإسلامية من ناحية الثقة بمتانتها ومقدرتها على تقديم بدائل ائتمانية ونقدية وتنموية. وهذا الاختبار يحتاج إلى تجويد المعاملات المصرفية الإسلامية وضبط جودتها، وأيضا بيان قدرتها النوعية على التعاطي مع عالم المنافسة المالية العالمية الشديدة الذي بات يفرض نفسه.
وأشار في ورقته إلى أنه وعلى الرغم من أن التطبيقات التجارية للمصرف الإسلامي في معظمها لم تتخط في جوهرها الأدوات المالية الغربية، أي أنها بقيت أسيرة لبعض هياكل العمل المصرفي الغربي والقيام بأسلمة هذه المنتجات، أو بإنتاج الجديد منها ولو بالشراكة مع مؤسسات مصرفية إسلامية غربية. حيث إن ما وصلت إليه المصرفية الإسلامية خلال الـ 30 عاما التي كان نصفها نقاشات فكرية وتأصيلات شرعية، والبقية الباقية عمل تنفيذي وبناء مؤسسات بدأت صغيرة وأصبحت اليوم كبيرة ومنافسة. وبسبب هذا الحضور وهذه المنافسة لا يجد البعض إلا النيل من منتجاتها بالقول إنها هزيلة في جوهرها، وهو ما استطاعت السوق المصرفية الإسلامية أن تعمله وتنجزه بعيدا عن أي رقابة أو تنظيم حكومي.
وقال لحول أن المصرفية الإسلامية نجحت في أعوام قليلة، وبكثير من العقوق، والتمنيات بالفشل، نجحت لأنها في مقاصدها العامة تهدف إلى خير المجتمع، ولأن القائمين عليها ليسوا تجارا كما يرى البعض وليس لأنها تستعمل الإسلام استعمالا لخدمة مصالحها، فهذه الرؤى عقيمة وقاصرة ومسطحة لا يمكن الركون إليها. وكل ما ترغب فيه المصرفية الإسلامية وما ننشده لمستقبلها أن تأخذ هذه المصارف والمجتمع ممثلا بمؤسساته العامة قدرا أكثر من الجدية والمبادرة نحو رعايتها وبما لها من مكانة وأصالة وخدمة المقاصد العليا للمجتمع الإسلامي للعمل على تطويره وتنميته، فثمة تجارب ماثلة للعيان على جودة الأداء المصرفي الإسلامي ومقاصده الشرعية.
وقال إن الأزمة المالية العالمية أسهمت في تعزيز الثقة بقوة في النموذج المالي الإسلامي وقدرته على الاستدامة، حيث أظهرت تلك الأزمة قدرة هذا القطاع على البقاء بعيدا عن أزمات الأسواق العالمية، وتجنب مشكلات الديون المتعثرة التي عانتها الأسواق المصرفية التقليدية، ومن هنا تقع على عاتقنا مسؤولية مهمة جدا وهي ضرورة توعية الجميع بمعنى العمل المصرفي وفق الشريعة الإسلامية، والتوجه أكثر فأكثر نحو دعم مبادرات التمويل الإسلامي الداعية إلى المزيد من العدالة الاجتماعية واحترام المثل الأخلاقية بعيدا عن الطمع والجشع اللامتناهي.
وطالب عبد القادر بترشيد مسيرة البنوك الإسلامية والأسواق المالية الإسلامية، من خلال تدريب وتكوين إطارات في مجال أعمال البنوك الإسلامية يستطيعون فهم وتطبيق الصيغ الإسلامية في المعاملات المالية سواء على مستوى البنوك أو الأسواق المالية، وهذه هي الإشكالية الكبيرة التي تواجه صانعو القرار في الدول الإسلامية.
يشار إلى أن أهداف الملتقى تتمثل في التعريف بالاقتصاد الإسلامي ومرتكزاته الأساسية، وتوضيح نظرية الإسلام في الاقتصاد والمال، وإلقاء الضوء على أداء الصناعة المصرفية الإسلامية، وتحديد عوامل النجاح في السوق العالمية، ومناقشة وبحث كيفية تهيئة البيئة المواتية للمزيد من التوسع والنمو للعمل المصرفي الإسلامي، والتحديات التي تواجه البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية. ويوفر المؤتمر فرصة ثمينة لتبادل الأفكار مع المتخصصين في الصناعة المصرفية الإسلامية، والاستماع إلى وجهات النظر المتعددة بشأن أهم قضايا التمويل الإسلامي في الوقت الحاضر.
ومحاور الملتقى تتمثل في مفهوم ومنهج الاقتصاد الإسلامي، الأسس والقواعد النظرية المالية الإسلامية، والضوابط والقواعد الشرعية للمعاملات المالية الإسلامية، والسياسات الاقتصادية من منظور إسلامي، والموازنة بين الاقتصاد الإسلامي وغيره من النظريات الاقتصادية الوضعية، وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي في الإسلام، والوسائل الاستثمارية في البنوك الإسلامية واستراتيجيات تطويرها، تقييم تجربة المصارف الإسلامية في ظل الأزمة المالية العالمية، واستراتيجيات تطوير المنتجات المالية الإسلامية، والتحديات التي تواجه الصناعة المالية الإسلامية، والهندسة المالية الإسلامية، والسوق المالية الإسلامية، ودور الاقتصاد الإسلامي في علاج مشكلة الفقر والفساد، والتجارب الاقتصادية الناجحة في العالم الإسلامي والدروس المستفادة منها.