حرب المواهب

هناك حرب تدور رحاها في عالم الأعمال بين شركات ومؤسسات أدركت قيمة العنصر البشري وتأثيره المباشر في تحقيق التميز في هذا العالم. في هذه الحرب يحتدم الصراع للحفاظ على استقطاب الأكفاء وذوي المهارات والمواهب الخاصة في مجالات عملهم. وفي هذه الحرب يحتدم الصراع أيضاً للحفاظ على الأكفاء وذوي المواهب من هجوم المنافسين. فبعد تغير المعطيات الاقتصادية، وفي ظل التقدم التكنولوجي الرهيب الذي كان من أبرز مخرجاته استخدام الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) في التواصل وفي الترويج للمنتجات والخدمات والوظائف، وما استتبع هذا من قدرة الأفراد والمؤسسات على الوصول إلى الكثير من المعلومات التي تسهم في تغيير المسار، أصبح هناك دائماً فرص متاحة للأفراد كي ينتقلوا بسهولة وسرعة من عمل لآخر، وأصبح متاحاً أمام كل فرد أن يعرف ويقيّم ما يحصل عليه من مؤسسته مقابل ما يحصل عليه أقرانه في مؤسسات أخرى، اتخاذ القرار بتغيير الاتجاه والموقع أصبح سهلاً إلى حد كبير، والدليل على ذلك ارتفاع معدل دوران العمل عما كان عليه في الماضي. الحقيقة أن هذا التطور ازدادت أهميته وخطورته مع الإدراك المتزايد لقيمة المورد البشري باعتباره مصدرا أساسيا للحصول على مزايا تنافسية في عالم الأعمال، مصدرا غير قابل للتقليد أو النسخ، مصدرا متجددا يملك معينا لا ينضب من الأفكار والممارسات المؤثرة بشكل مباشر في جودة الأداء وجودة المخرجات. هنا شعرت الإدارة المحترفة في مؤسسات الأعمال بمزيد من الضغوط، فهي مطالبة من ناحية بالحفاظ على موظفيها الأكفاء وحمايتهم من إغراء المنافسين، ومن ناحية أخرى فهي مطالبة أيضا باستقطاب العناصر المتميزة من سوق العمل. ومن ثم وجدت الإدارة أنها في حاجة ماسة إلى تطبيق منظومة متكاملة تستطيع من خلالها أن تهيئ المناخ الإيجابي والمحفز لاستقطاب أصحاب المواهب والكفاءات وتحفيزهم على الاستقرار في العمل. البداية في الشركات العالمية كانت من نقطة أساسية هي الإجابة على التساؤل التالي: لماذا يبقى الموظفون في وظائفهم؟ ولماذا يتركونها؟ وكعادة هذه الشركات في الاعتماد على البحث العلمي والدراسة المنظمة في تحديد المشكلات والحلول، فقد اهتمت بإجراء عديد من الدراسات في هذا الشأن، من بينها دراسة أجرتها شركة معروفة وهي شركة ماكينزي، الدراسة أثبتت أن هناك ثلاثة عوامل محورية تسهم في اجتذاب الموهوبين وذوي الكفاءات، وهي وجود ثقافة تنظيمية إيجابية تحض على العمل بروح الفريق، وتقدر الإنجازات الفردية جيداً، وظائف تتسم بالمرونة والاستقلالية وتتيح للموظف القدرة على الإبداع وتقديم الجديد، وجود فرص للتطور المهني في العمل، الحصول على المقابل المادي والمكافآت التي تتناسب مع الخبرات والمساهمات في مجال العمل. الحقيقة أننا في هذا المقام نسعى وبقوة إلى إدخال مؤسساتنا هذا السباق المحموم لأنه على ما يبدو أن الكثير من الشركات والمؤسسات في عالمنا العربي لم تدرك حتى الآن أن هناك حربا لها أصولها وقواعدها واستراتيجياتها تدور رحاها في هذا العصر، وهي ''حرب المواهب'' ومن ثم نجد أبواب مؤسساتنا مفتوحة على مصراعيها، من يخرج منها أكثر عدداً ممن يدخل فيها، والجميع يرفع لافتة مكتوب عليها ''الداخل مفقود والخارج مولود''. نحن نريد أن تهب رياح التغيير، وأن ندرك قيمة الكفاءات والمواهب، وأن نسعى بجدية إلى تطبيق استراتيجيات فاعلة في إدارة هذه المواهب: امنحوهم الفرصة للإبداع ولا تضعوا حدوداً لأفكارهم ومساهماتهم، اتبعوا معهم سياسة الباب المفتوح وشجعوهم على إبداء الرأي وتقديم المقترحات والاعتراضات، قدموا لهم برامج التدريب والتطوير، خططوا لهم ومعهم مستقبلهم الوظيفي في المكان، أخلقوا لديهم شعوراً بالاستقرار والأمان الوظيفي، قدموا لهم المكافآت المادية والمعنوية، ساعدوهم على تحقيق التوازن بين حياتهم المهنية وحياتهم الشخصية، ساعدوهم على بناء علاقات طيبة مع زملائهم ومديريهم، اتبعوا معهم سياسة التمكين ووفروا لهم الأنظمة والأدوات التي تمكنهم من أداء مهامهم على أكمل وجه. يجب أن تدرك مؤسساتنا أن تفعيل مثل هذه التوجهات سوف يخلق لها صورة ذهنية مميزة للغاية، وهذا ما سيسهم بشكل مباشر في أن تكون المؤسسة هي قبلة الموهوبين ومبتغاهم، وسيمنح المؤسسة ميزة تنافسية عظيمة الشأن وهي تخوض حرب المواهب. نحن نريدها حرباً من أجل المواهب وليست حرباً ضد المواهب كما هو سائد الآن في معظم مؤسساتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي