إطلاق المؤشرات العالمية.. فتح جديد للمصرفية الإسلامية
شهدت الأيام القليلة الماضية انطلاق مؤشرات إسلامية هي الأولى في البلاد. وتأتي تلك المبادرات في إطار السعي لاجتذاب أكبر قدر من الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتوسيع رقعة العمل بمبادئ المصرفية الإسلامية في مختلف الدول. وانطلقت تلك المؤشرات من مصر وتركيا والهند وتايوان، وسط توقعات بأن تتسبب تلك الخطوة في زيادة مصداقية العمل المصرفي في تلك الدول، مما يدفع المستثمرين لتوجيه أموالهم لتلك الدول.
مؤشر إسطنبول يعزز مكانة المارد التركي
في إطار سعيها الدءوب لاحتلال مكان بارز في عالم المصرفية الإسلامية، أعلنت تركيا عن إطلاق مؤشر يتفق ومعايير الشريعة الإسلامية. وكانت بورصة إسطنبول قد أطلقت هذا المؤشر منذ أيام، في إطار الجهود التركية لاجتذاب التمويل الإسلامي للاستثمار في قطاعات عديدة من البلاد. ويضم المؤشر 30 شركة مدرجة، منها سلسلة من متاجر التجزئة، وشركة الاتصالات التركية التي تسيطر على سوق الهاتف الثابت، وشركة إنكا إنسات للمقاولات وعدد من البنوك والشركات المالية الإسلامية.
وتأتي تلك الخطوة المهمة في وقت تفوقت فيه البنوك الإسلامية في تركيا على مثيلاتها التقليدية. ويدل على هذا حجم التعاملات في سوق المصرفية الإسلامية، فعلى سبيل المثال أصدر بنك كورفيت في العام الماضي أول صكوك إسلامية بقيمة 100 مليون دولار لأجل ثلاث سنوات. ويعد المصرف الكويتي ـــ التركي من أكثر المؤسسات المالية الإسلامية نشاطاً في البلاد، إذ إنه نجح خلال فترة وجيزة في توفير منتجات مصرفية عصرية متوافقة مع الشريعة من خلال 130 فرعاً تغطي شتى أنحاء تركيا.
وتتوقع التقارير الاقتصادية أن يضاعف القطاع المصرفي الإسلامي التركي حجمه خلال السنوات العشر المقبلة، وذلك من خلال طرق متعددة منها الاكتتابات العامة وعمليات الاندماج والاستحواذ. ويشير المراقبون إلى أن قيمة أسهم بنوك المشاركة التركية تعد جذابة إلى حد كبير. وتبلغ أصول هذه المصارف 22 مليار دولار، بما يمثل 3.4 في المئة من إجمالي أصول البنوك التركية. وبلغت تمويلاتها 15 مليار دولار بما يعادل 5.2 في المئة من إجمالي القروض البنكية. وبلغت ودائعها 16 مليار دولار أي بنسبة 4.2 في المئة من إجمالي الودائع البنكية.
ويتزايد الإقبال بين الأتراك على اتخاذ البنوك الإسلامية بديلاً للمصرفية التقليدية على الرغم من أن البنوك الإسلامية الأربعة العاملة في البلاد تعمل ضمن قطاع صغير، إلا أنها تلاقي إقبالاً محلياً كبيراً مما يعزز توجهاتها لزيادة الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة، التي تفد إلى تركيا من الدول العربية والإسلامية بشكل عام. ومن ثم يتوقع أن يزداد عدد فروعها بشكل ملحوظ خلال السنوات المقبلة. تجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بالمصرفية الإسلامية في تركيا أصبح أكثر إلحاحاً، بعد أن استضافت إسطنبول أخيرا القمة الحادية عشرة للتعاون الاقتصادي، الذي اعتبر نواة لتكتل اقتصادي إسلامي عالمي.
أول مؤشر إسلامي مصري
شهدت القاهرة منذ أيام تدشين أول مؤشر إسلامي في مصر لقياس أداء الشركات المدرجة في البورصة المصرية بما يتفق مع أحكام الشريعة. وقامت شركة النعيم القابضة بتدشين المؤشر NASE 25 الذي يضم 25 شركة، تم اختيارها من بين 100 شركة، على أن تتم مراجعة المؤشر كل ستة أشهر. وصرح ناصر المهوس رئيس مجلس إدارة الشركة، بأن المؤشر جاء بناء على طلب كثير من المستثمرين، مع تزايد الطلب على المنتجات المالية الإسلامية، ولا سيما بعد الأزمة العالمية.
ويتم حساب المؤشر على أساس رأس المال المرجح والمعدل بنسبة التداول الحر. وتعد تلك الطريقة الأكثر شيوعاً لحساب المؤشرات. ومن المتوقع أن يعمل المؤشر على اجتذاب الاستثمارات الخليجية. وأشارت مي الحجار ـــ نائب مدير إدارة البحوث في الشركة ـــ إلى أن هناك نحو مليار جنيه يتم استثمارها في أوراق مالية إسلامية، يبحث المستثمرون عن مؤشر لتقييم أدائها.
وقد جاء مؤشر النعيم ليكون محدداً لاتجاه وتقييم الشركات التي تتوافق مع أحكام الشريعة. ويرأس اللجنة الشرعية الدكتور على جمعة مفتي الديار المصرية، الذي تثير فتواه حول شرعية التعاملات التقليدية بنسبة 100 في المئة ـــ على حد قوله ـــ جدلاً فقهياً. ويشارك في اللجنة الشرعية الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر.
بورصة مومباي العريقة تصدر أول مؤشر إسلامي هندي
دخلت بورصة مومباي، التي تعد أقدم منصة تداول في آسيا، في شراكة مع شركة التقوى للاستشارات والحلول الاستثمارية الموافقة للشريعة "تأسيس"، وذلك لإنشاء أول مؤشر إسلامي في الهند. ويتكون المؤشر الذي يعرف باسم "BIS شريعة 50". ويتكون من 50 من أكبر الأسهم التي تعمل وفقاً للشريعة داخل مؤشر "بورصة مومباي 500".
ويضم المؤشر الإسلامي الأول في الهند أسهماً ذات صلة بالبنية التحتية والتقنية والاتصالات وقطاع الأدوية. ويضم المؤشر بعضا من الكيانات البارزة داخل السوق الهندية، مثل مجموعة ريلانس إندستريز المحدودة، و"تاتا للخدمات الاستشارية" التي تقدم خدمات في مجال التقنية، وشركة السيارات ماروتي سوزوكي، و"تليكو بهارتي آرتل". ويسمح المؤشر للمستثمرين بالتداول في أسواق الأسهم من دون مخالفة معايير الشريعة الإسلامية المتعلقة بالاستثمار والتمويل.
#2#
كما تم إجراء فحص لجميع الشركات المختارة من أجل ضمان العمل وفق قواعد الشريعة الإسلامية التي لا تسمح للمستثمرين بالاستثمار في شركات تحقق مكاسب من خلال الحصول على فائدة أو بيع سلع محرمة مثل الكحوليات أو التبغ أو الألعاب النارية.
ويأتي إطلاق المؤشر في إطار السعي لاجتذاب رأس المال من الخليج وأوروبا وجنوب شرقي آسيا. كما يوفر المؤشر قاعدة لإطلاق منتجات موافقة للشريعة الإسلامية، ومن بينها صناديق ائتمان وصناديق المؤشرات المتداولة ومنتجات مهيكلة.
ويعد المؤشر الأول داخل الهند الذي يستخدم حد مؤشر الوزن التأسيسي، حيث يتم وقف مؤشرات التأسيس عند نسبة 8 في المئة، عند إعادة التوازن، لزيادة التنوع داخل المؤشر وضمان التزام أكبر بالمعايير الاستثمارية والقواعد الدولية.
ويساعد المؤشر الجديد على تعزيز مشاركة مالية من جانب المسلمين داخل الهند، كما يساعد على جذب تدفقات من صناديق دولية يجب أن تلتزم بالمعايير الإسلامية. ويجرى فحص مدى التزام الأسهم المختارة من خلال شركة "تأسيس"، اعتمادا على نهج محافظ يعمل على وضع معايير التزام من أجل استبعاد الشركات التي تحقق مكاسب كبيرة من أنشطة مشبوهة أو مخالفة للشريعة. وتعد تلك المرة الأولى التي تستخدم فيها آلية جادة وملموسة من أجل تعقب الأسهم المطابقة للشريعة الإسلامية داخل الهند بصورة موضوعية. هذا على الرغم من أن بورصة مومباي يوجد فيها أكبر عدد من الأسهم المطابقة للشريعة الإسلامية في العالم، وتفوق في عددها ما لدى جميع الدول الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط وباكستان مجتمعة.
68 شركة في مؤشر الشريعة التايواني
من جانبها أطلقت بورصة تايوان مؤشر "الشريعة" الإسلامي بهدف جذب رؤوس الأموال من الدول الإسلامية. كما يعد المؤشر بادرة لمساعدة تايوان على دخول الأسواق المالية للدول الإسلامية. وطرحت البورصة المؤشر بالتعاون مع شركة فوتسي جروب التي تعد المزود العالمي لمؤشرات أسواق المال، ومقرها لندن. وهي شركة تابعة لصحيفة "فايننشيال تايمز"، وبورصة لندن. ويضم مؤشر الشريعة، 68 سهماًً لشركات كبيرة ومتوسطة الحجم. ويستثني المؤشر الشركات التي تقدّم منتجات وخدمات تتنافى مع الشريعة الإسلامية، مثل الكحوليات، والمقامرة، ولحم الخنزير، والدعارة.
الحفاظ على الهوية
وقد برزت أهمية المؤشرات الإسلامية بصورة ملحة للحفاظ على هوية المصرفية الإسلامية. ويرى المعلق سامي السويلم أن الارتباط بالمؤشرات غير الإسلامية ـــ مثل مؤشر الفائدة ومؤشرات الأصول المحرمة ـــ يعكس خللاً في فهم حقيقة الاقتصاد الإسلامي وخصائصه التي يمتاز بها عن الاقتصاد الربوي. فالمؤشر هو عنوان ورمز للأسواق والأصول التي يمثلها. فالارتباط بمؤشر تقليدي يعني قبول الارتباط بنقيض الاقتصاد الإسلامي. ومن المفهوم أن يتم اللجوء لبعض هذه المؤشرات حال الضرورة وبصورة مرحلية، أما أن يتم تمييع القضية من الأساس، وتصبح المؤشرات مسألة حسابية لا أكثر، فهو يؤدي بالضرورة إلى ذوبان هوية التمويل الإسلامي واضمحلالها. ويطالب المؤسسات الإسلامية الغيورة على الصناعة الإسلامية بأن تبادر بإنشاء أجهزة مختصة بالمؤشرات الإسلامية، مع التأكيد على رفض كل ما من شأنه أن يجعل الصناعة تفقد شخصيتها ورسالتها التي هي مبرر وجودها ابتداءً.
وفي فتوى أ. د. حسام الدين عفانة، يخلص إلى أنه لا يجوز شرعاً ربط نسبة الربح في بيع المرابحة بمؤشر الليبور في مرحلة العقد، لأنه يؤدي إلى جهالة مفسدة للعقد. إلا أنه يضيف أنه لا بأس في الاستئناس بمؤشر الليبور في مرحلة المواعدة، حتى يوجد بديل لمؤشر إسلامي.
من جانبه يطرح د. رجا بن مناحي المرزوقي ـــ من معهد الدراسات الدبلوماسية ـــ إمكانية إنشاء مؤشرات بديلة عن معدل الفائدة، مشيراً إلى أن الواقع الحالي لعمل البنوك الإسلامية يجعل تبني مؤشر بديل خاص للبنوك الإسلامية سوف ينشأ قانصاً للفرص arbitrage، ويعدد الشروط التي يجب توافرها في حالات ثلاث:
الأولى: البنك المركزي وفيه تتبنى السلطة النقدية مفاهيم الاقتصاد الإسلامي. ويكون سعر الصرف معوماً أو مرتبطاً بسلة عملات، كما يتم تبني سعر خصم يعتمد على النظام الإسلامي. مع إيجاد قيود على حركة الأموال، وتكون أسعار الخصم المستخدمة في الدولة مرجعية للبنوك الإسلامية ومن ثم تصبح مؤشراً بديلاً لسعر الفائدة.
والحالة الثانية: تغير أداء البنوك وتمايزها عن البنوك الربوية. ويجب أن يتأثر المؤشر المستخدم بتأثر العائد في كل قطاع.
أما الحالة الأخيرة: استحواذ البنوك الإسلامية على سوق الإقراض، ويجب أن تصبح البنوك الإسلامية قائدة في الأسواق، ويكون المؤشر مرجعياً للبنوك الإسلامية والتقليدية.
المؤشرات الإسلامية لا تمنح حصانة
ولكن إطلاق مؤشرات إسلامية ليس ضماناً لعدم التأثر بأية أزمات مالية عالمية. وتقول شركة داو جونز ـــ صاحبة أول مؤشر للأسواق الإسلامية ـــ إن المشاركين في السوق الذين يسعون إلى الاستثمار بطريقة متوافقة مع الشريعة ليسوا محصنين بأي شكل من الأشكال من مؤثرات هبوط الأسواق. وقد وجدت جميع مؤشرات داو جونز الإسلامية نفسها ـــ باستثناء مؤشر واحد ـــ في المنطقة الحمراء بقوة أثناء الأزمة. ووحده مؤشر داو جونز سوق الكويت الإسلامي تمكن من البقاء في الوضع الإيجابي ساعتها، مع مكاسب بلغت 5.7 في المئة على أساس سنوي. وقالت "داو جونز" إن هزة الأسواق العالمية طالت المؤشرات الإسلامية بمرارة. وحتى أسواق النمو الجديدة كالبرازيل وروسيا والهند والصين شهدت هبوط "مؤشر داو جونز الأسواق الإسلامية" لهذه الأسواق بنسبة 18.25 في المئة. وكان من أكبر الخاسرين مؤشر داو جونز الاسلامي لتركيا، ومؤشر الصين أوفشور الإسلامي، ومؤشر داو جونز الأسواق الإسلامية لتايوان، والفلبين، وهونغ كونغ، ومؤشر داو جونز الإسلامي أوروبا تايتانز 25 ـــ بحسب تحليل خاص لصحيفة "الشرق الأوسط".
يذكر أن مؤشرات داو جونز للأسواق الإسلامية أطلقت عام 1999 كأول مرجعيات لتمثيل المحافظ الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة الاسلامية. وهي تضم الآن أكثر من 70 مؤشراً وتبقى بمثابة العائلة الأكثر شمولية لمقاييس الأسواق الإسلامية.