الدروس المستفادة من البيئة في بلاد الشمس المشرقة

الدروس المستفادة من البيئة في بلاد الشمس المشرقة

بعد رماد الحرب العالمية الثانية، أعادت الشركات اليابانية بشكل كبير بناء وتغيير نفسها، أولا في الوطن ثم على الساحة العالمية من خلال الصادرات. وبحلول التسعينيات حين كانت تشتري أيقونات مثل روكفيلر سنتر ومنتجع بيبل بيتش غولف ريزورت، كان يبدو أنها متجهة للهيمنة على العالم.
ويقول ستيوارت بلاك، وهو أستاذ في انسياد: ''كانت تلك الشركات الأكثر أهمية والرائدة، ومن حيث الإيرادات، احتلت المواقع الثلاثة الأولى في فورتشن جلوبال 500، ومن حيث الحصة السوقية، كانت اليابان الرائدة بحصة بلغت نحو 36 في المائة. وكانت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بحصة بلغت نحو 30 في المائة''.
إلا أن أداء الشركات اليابانية اليوم ليس جيداً جداً، فقد انخفضت حصة اليابان في فورتشن جلوبال 500 إلى نحو 12 في المائة، وكما يقول بلاك، فإن هذا ''انخفاض حاد''.
والاقتصاد الياباني راكد منذ عقدين من الزمن، إلا أن بلاك يعزو هذا التراجع في حظ الشركات متعددة الجنسيات إلى فشلها في التكيف والعولمة.
''أخذوا أنظمتهم التي نجحت في اليابان، التي كانت ناجحة للغاية، أعني، حين تفكر في الأمر، فإنه في عام 1940.. كانت اليابان سابع اقتصاد فقط في العالم. وارتفعت بعدئذ إلى المرتبة الثانية''.
''وصلت اليابان إلى قمة النجاح هذه أساساً من خلال النجاح المحلي والصادرات، التي هي مهمة، إلا أن هذا لن يحقق لك الكثير قبل أن تضطر حرفياً إلى التوسع للخارج وإقامة مصانع وما إلى ذلك. وهذه هي المرحلة التي تعثروا بها، لأنهم أرسلوا فقط العمالة الوافدة اليابانية عموماً''.
''والآن هم في المرتبة الثالثة، وأتوقع أن يتراجعوا أكثر، لأن ما أدى إلى النجاح المحلي العظيم ونجاح الصادرات أي توحيد المعايير لا يساعد كثيرا حين تتوسع إلى الأسواق الأجنبية والمختلفة. وهنا تعثروا ولا يزالون يتعثرون''.
''هناك شيئان ضد اليابانيين؛ الأول هو عدم قدرتهم على التكيف والتأقلم مع الأسواق خارج اليابان؛ والثاني هو أن السوق الداخلية آخذة في التقلص وجزء كبير منها مجرد تركيبة سكانية''. وتشير التقديرات إلى أن عدد سكان اليابان بلغ ذروته عام 2004، كما يقول بلاك، ومن المتوقع أن يستمر في الانخفاض إلى نحو 90 مليون نسمة عام 2050.
''إذن هذا انخفاض كبير في عدد السكان؛ ومن الصعب أن ينمو الاقتصاد حين يتقلص عدد السكان وهم لا يعوضون هذا النقص بالهجرة أو أي شيء آخر، لذا فإن التوقعات للاقتصاد الياباني المحلي لا تبدو جيدة''.
وقد توسعت الشركات اليابانية في الخارج، حيث أقامت مصانع في الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن وفقاً لتحليل بلاك، فشلت في تنويع هياكل إدارتها، وفي أن تصبح عالمية بحق.
''حين تنظر إلى كبار المسؤولين التنفيذيين في اليابان، تجد أن نحو 99 في المائة منهم يابانيون. وحين تنظر إلى الشركات الأوروبية، تجد أن نحو 78 في المائة منهم هم من مواطني البلد الأم، وحين تنظر إلى الشركات الأمريكية، تجد النسبة نحو 82 في المائة. لذا فإن كل شركة متعددة الجنسيات يهيمن عليها عادة مواطنو الدولة التي يقع فيها مقر الشركة، ولكن مقارنة، ليس هناك في الشركات متعددة الجنسيات اليابانية أجانب تقريباً في مناصب المسؤولين التنفيذيين. لذلك ليس هناك فرصة لعرض وجهات نظر مختلفة، وخبرات مختلفة، وما إلى ذلك، وأخذ كل هذا بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات الرئيسية، خاصة ما يتعلق بالاستراتيجية العالمية، وهذا يضر بهم.
''وهم ليسوا بارعين في تحديد وتطوير القادة المحليين، لذلك فإنه في معظم الشركات التابعة اليابانية، لا يكون فقط المدير الإداري مغترباً يابانياً، ولكن أيضاً جميع موظفيه الذين يرفعون تقاريرهم إليه تقريباً يابانيون أيضاً، وهذا أمر مذهل حين تفكر في طول المدة التي عملوا بها في بعض تلك الدول''.
ويقول بلاك مستشهداً بمثال سنغافورة إن عدداً من الشركات اليابانية متعددة الجنسيات يعمل في الجزيرة منذ 20 إلى 30 عاماً. ''إلا أن المديرين الإداريين فيها، وكذلك موظفوهم الذين يرفعون تقاريرهم إليهم يابانيون كلهم''.
''من الصعب جداً الجدل أنه ليس هناك سنغافوريون مؤهلون وأكفاء لتولي هذه المناصب، وحين تنظر إلى الشركات الأوروبية والأمريكية في سنغافورة، تجد أن نسبة أكبر بكثير من المديرين المحليين هم من السنغافوريين المحليين''.
وحتى لو قررت الشركات اليابانية توظيف أبناء البلد، ''سيستغرق الأمر 20 عاماً أخرى لكي يرتقي هؤلاء المحليون إلى المناصب المحلية، ثم المناصب الإقليمية والمناصب العالمية''، كما يقول بلاك، مضيفاً: ''لست واثقاً أن الشركات اليابانية قادرة على الانتظار 30 عاماً أخرى''.
''ومن الأفضل لها البحث عن مديرين تنفيذيين موهوبين- غير يابانيين- واجتذابهم، حتى الآن لم تفعل ذلك، والحالتان الجديرتان بالذكر فقط هما نيسان (كارلوس غصن هو الرئيس التنفيذي لشركة نيسان) وسوني (السير هاورد سترينجر هو رئيس مجلس إدارة سوني ورئيسها التنفيذي)، وفي كلتا الحالتين تم فرض هذا الأمر عليهما بسبب الأزمة المالية للشركة''.
''لا يمكن الحصول على أفكار جديدة دون وجود أشخاص جدد ومختلفين- الأشخاص الذين نشأوا في نفس النظام التعليمي والثقافة واللغة، وما إلى ذلك لديهم أفكار متشابهة. ولا يمكن الحصول على أفكار جديدة إلا بوجود أشخاص نشأوا خارج هذا النظام. وهذا لا يعني أن النظام الياباني سيئ والنظام الألماني جيد، بل يعني فقط أن النظام هو فقط ذلك- نظام''.
ويقول بلاك إن هناك عديدا من الدروس التي يمكن استخلاصها من التجربة اليابانية، إلا أن الدرس الرئيسي- ليس فقط بالنسبة للشركات اليابانية، بل أيضا للشركات متعددة الجنسيات من الأسواق الناشئة- هو أن تضمن الشركات التنوع في قيادتها. ''ما يساعد على النمو محليا وعلى النمو في مجال الصادرات ليس تلك الأشياء التي تساعد على النمو عند التوسع إلى الخارج ثم الاندماج كشركة عالمية، لأن ما يساعد على التوسع في الوطن والتوسع في مجال الصادرات هو توحيد المعايير وهو ما يبقي التكاليف منخفضة. وإذا كانت التكاليف منخفضة، فإن هذا يسمح باستخدام الأسعار للوصول إلى الأسواق الخارجية، إلا أن توحيد المعايير لا يساعد حقا عند النمو دولياً، لأن الناس لا تريد الأشياء نفسها في جميع أنحاء العالم وعليك أن تعدّل منتجاتك وفقا لذلك''.
''إضافة إلى ذلك، فإن ما يساعد على النمو في الوطن، من حيث كيفية إدارة الناس، ليس هو ما سيساعدك في الخارج، لأن الناس في دول أخرى لا يعملون بنفس الطريقة. وليس لديهم أساليب الإدارة نفسها، ولا يستجيبون لنفس الدوافع، لذا عليك تغيير أسلوب الإدارة أيضاً''.
''هذان شيئان مهمان على الشركات متعددة الجنسيات من الأسواق الناشئة وضعهما بعين الاعتبار. والشيء الثالث هو أن عليها أن تكون واعية جداً بشأن الحرص على تحديد وتطوير القادة الذين هم خارج أوطانهم. وقد أجرينا كثيرا من البحوث، ووجدنا أن هذا أحد الأمور التي يتقدمون فيها ببطء''.
''إذا نظرنا إلى بعض أكبر الشركات متعددة الجنسيات من الأسواق الناشئة في البرازيل، وفي الهند، وفي الصين، وفي روسيا، نجد أن المناصب القيادية المهمة فيها لا تزال مقتصرة على ما أسميه مواطني الدولة الأم ولديهم عدد قليل جداً من الأجانب في المناصب العليا''.
''ولعل ذلك أهم شيء عليها أن تحذر منه وتعمل بجد لضمان ألا تسمح لهذا التحيز لمواطني الدولة الأم بالاستمرار فترة أطول''.

أستاذ منتسب للسلوك التنظيمي في انسياد. وقد شارك في تأليف كتاب جديد مع أستاذ الإدارة المنتسب إلى انسياد، ألن ج. موريسون، بعنوان الغروب في أرض الشمس المشرقة: لماذا ستعاني الشركات اليابانية متعددة الجنسيات صعوبات في المستقبل العالمي.

الأكثر قراءة