الرعاية الصحية مجال استثماري يدر المليارات

الرعاية الصحية مجال استثماري يدر المليارات

مع ارتفاع نسبة المسنين في عدد السكان، أصبحت الرعاية الصحية- سواء مقدمي الرعاية مثل المستشفيات أو شركات الأدوية- مجال أعمال عالميا يساوي مليارات الدولارات، ويتوقع أن تحقق نموا أكبر. وعلى الرغم من تنوع ثقافات العالم، إلا أن هناك بعض الأمراض المشتركة بينها: فقد انتشر السكري مثلا، الذي كان في السابق السمة المميزة للدول الصناعية بسبب الأطعمة المعالجة وعدم ممارسة النشاط البدني، إلى الدول الناشئة مثل الهند، التي تعتبر حاليا عاصمة السكري في العالم. كيف يمكن وكيف يجب على شركات الرعاية الصحية العالمية معالجة هذه القضايا؟ وما هي الأدوات والموارد المتاحة؟
يقول الدكتور روش دوليفو، الرئيس التنفيذي لشركة بيوفارما يو سي بي والمتحدث الرئيسي في قمة الرعاية الصحية الثانية لخريجي انسياد التي عقدت في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) في باريس: ''لم يسبق أن كان مستقبل الرعاية الصحية أكثر إشراقا مما هو عليه الآن''.
مع ارتفاع نسبة المسنين في عدد السكان في الغرب واليابان والصين ومع ارتفع نسبة استهداف الأدوية ألف ضعف منذ وضع خريطة الجينوم البشري قبل أقل من 10 سنوات، فإن قلة من الصناعات يمكنها أن تحقق مثل هذا النمو المتوقع في الرعاية الصحية. ولكن من أجل النجاح، يعتقد دوليفو أنه من الضروري أن يكون لدى الشركات حس واضح بالأهداف.
''نحن هنا لمساعدة الناس على التعايش مع الأمراض، ينبغي أن يكون هذا واضحا، ولكني لست متأكدا أنه واضح إلى هذه الدرجة. انظر إلى الصفحة الأولى للمواقع الإلكترونية لبعض الشركات في الصناعة. كم منها يضع تركيزه الرئيسي على المساهمين؟ وكم منها لديه مرضى؟''
ويؤكد دوليفو: ''إذا وضعنا دائما بعين الاعتبار مصلحة المريض في كل قرار نتخذه، سيتم تحسين الأداء وزيادة الأرباح. وهذا ليس جديدا، فقد قال جورج ميرك هذا بالتحديد عام 1954''.
وكانت هذه الرؤية التي تركز على المرضى محور جلسة للقمة عن الأمراض المزمنة. فمع وجود 220 مليون شخص مصابين بالسكري من النوع 2 اليوم (ويتوقع أن يصل العدد إلى 366 مليون شخص بحلول عام 2030)، يواجه العالم ما يصفه متحدث آخر، هو الدكتور غونتر هوهلِه من جانسين-سيلاغ، بأنه ''وباء عالمي مدمّر''. وتشكل رعاية مرضى السكري اليوم حوالي 5 في المائة من مجموع ميزانيات الرعاية الصحية القومية في أوروبا الغربية وقد تزيد النسبة إلى 15 في المائة أخرى في السنوات المقبلة.
ويقول هوهلِه: ''ليس هذا ''مرض الأجداد'' كما كان يُنظر إليه في الماضي، بل مرض يصيب الشباب على نحو متزايد''. وغالبا ما يكون السكري ''رحلة طويلة'' يمكن تجنبها في الكثير من الحالات من قبل أولئك المعرضين لخطر الإصابة به عن طريق ''السيطرة على أوزانهم وعاداتهم''، ولكن لتحقيق ذلك، يجب على شركات الأدوية تغيير محور تركيزها، كما يضيف. ''الصناعة لا تركز على الوقاية... فشركات الأدوية تكسب المال من المرض، وليس من الصحة... وإذا نظرنا إلى مثال مرض السكري، نبدأ بالأشخاص وننتج مرضى- ويمكننا منع ذلك''.
إن تثقيف المرضى وتقديم المشورة لهم حول نمط الحياة أمر أساسي أيضا بالنسبة لداغ أندرسون، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة ديافروم، إحدى أكبر الشركات الخاصة في العالم التي تقدم خدمات أمراض الكلى. ولكنه يؤكد أيضا أن حل التكلفة المتزايدة للرعاية الصحية هو زيادة المشاركة من القطاع الخاص. ''كل حكومة في العالم اليوم تعرف أنها لا تستطيع تقديم 100 في المائة من احتياجات الرعاية الصحية للسكان. لذا أنا أؤمن بشدة بالشراكات بين القطاعين العام والخاص''. ويقول عن مشاركة القطاع الخاص في الرعاية الصحية المدعومة من قبل الحكومة: ''إنه نموذج مقبول في السويد. وأعرف أن الأمر ليس نفسه في جميع الدول الأوروبية ولكني أعتقد أننا سنرى في المستقبل مشاركة أكبر من القطاع الخاص في جميع أنحاء أوروبا في خدمات الرعاية الصحية''.
وسيكون هناك أيضا المزيد من التكنولوجيا المواتية للمرضى، وفقا لاستنتاجات ورشة عمل ''الشبكات الاجتماعية والمجتمعات المحلية في الرعاية الصحية''. ويمكن اعتماد الشبكات الاجتماعية، التي تتميز عموما بالانفتاح والمحتوى المقدم من قبل المستخدمين، كشكل من أشكال الوصول إلى المرضى من قبل شركات الأدوية عالية التنظيم ومن قبل صناعة الرعاية الصحية. ويعتقد مدير ورشة العمل، مارك ميشال، مدير وكالة ''أكبر من أوروبا واحدة''، وهي وكالة خدمات تسويق رقمية، أن وسائل الإعلام الاجتماعية تغير وجه الرعاية الصحية بطريقتين أساسيتين: الأولى، عن طريق تمكين المرضى، حيث تسعى شركات الرعاية الصحية جاهدة لتلبية الاحتياجات التي لم تتم تلبيتها؛ والثانية، عن طريق الربط بين المتخصصين في الصناعة ومنظمات الأطباء أو الجرّاحين لتطوير منتجات جديدة وتبادل الأفكار.
وهو يقول: ''تزيد الخاصية الرقمية أهمية بالنسبة لخدمات الرعاية الصحية. وأحد التحديات هو أن الكثير من الناس يريدون البدء في فعل الأشياء لأنهم يقولون إن وسائل الإعلام الاجتماعية مهمة لذا يجب البدء باستخدام مواقع مثل تويتر أو فتح مدونة على الإنترنت، ولكنها ليست مرتبطة بالمقاييس أو أهداف العمل''.
ويصر ميشال على القول إن الأجهزة المحمولة باليد مثل آي باد ستغير قواعد اللعبة. ''نرى الآن أن قطاع العيادات والمستشفيات أصبح أكثر ترابطا الآن، لذا فإن الأجهزة مثل آي باد ستساعد على الاستمرار في هذا الاتجاه''. وستكون الرعاية الصحية في الأسواق الناشئة أيضا أحد العوامل التي تغير قواعد اللعبة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أنه بين الوقت الحاضر وعام 2013، سيأتي نصف النمو في الرعاية الصحية مما يسمّى ''E7''، حيث يتوقع أن تصبح الصين ثالث أكبر سوق أدوية في العالم العام المقبل.
ويحذّر هاربال سينج، الرئيس السابق لمختبرات رانبكسي- أول شركة هندية تحقق أرباحاً بمليار دولار- والمدير غير التنفيذي لشركة فورتيس هيلثكير، يحذر الشركات المتلهفة للاستثمار في هذه الأسواق الجديدة. ''إذا أردت أن تأتي إلى العالم الناشئ وجلبت ما يسمّى ''أنموذجاً ناجحاً'' سبق تحديده سلفا، لم أسمع بأي شركة متعددة الجنسيات – ولا واحدة- لم تغير أنموذج عملها عند الدخول إلى السوق الهندية.'' ويتابع قائلا: ''ليس هناك أفضل ممارسة من شأنها تحقيق النتيجة التي تريدها في الحجم والنطاق والخصائص التي نريد تطبيقها في الهند. لذا فإن الهند ستكون مجالا للممارسة التالية، وليس فقط الحصول على أفضل ممارسة''.
ولكن بالنسبة للشركات الراغبة في الاستفادة من إمكانات النمو هذه، من المهم عدم الإغفال عن ''الحس بالهدف''، كما يخلص دوليفو إلى القول. ''في الوقت الذين نتطلع فيه إلى تلك الأسواق الناشئة من أجل النمو، هل يمكننا تجاهل الـ 800 مليون شخص في الصين الذين ليسوا جزءاً من هذه (السوق)؟ لو كان لدينا حس بالهدف، و (وضع) المرضى أولا، ولكي نستمر في العالم الناشئ علينا تغيير أنموذجنا وعلينا تحمل مسؤولية الأشخاص الذين ليس لديهم المال لشراء أي من منتجاتنا أو خدماتنا اليوم''.

الأكثر قراءة