مسح حكومي: محطات الوقود عشوائية وبلا هوية
جودة محطات الوقود ومراكز الخدمة ترتبط بشكل أساسي بالتنظيم واللوائح المنظمة لهذا النشاط، وهذا ما تفتقر إليه المحطات السعودية - إلا نادرا - وتحويل هذه المنشآت إلى فرص عمل وفرص استثمارية أخرى يرتبط - من دون شك - بالجودة. في حلقتنا الثالثة التي نخصصها لمناقشة قطاع الخدمات نتطرق إلى وضع هذه المحطات أو المراكز من خلال رصد لآراء ملاكها وبعض الجهات الحكومية.
وفي هذا الإطار، كشف رصد ومسح أجرته الهيئة العامة للسياحة والآثار على واقع مراكز الخدمة على الطرق، أن تشغيل مراكز الخدمة (محطات الوقود) يتم بواسطة عمالة غير متخصصة وباجتهادات فردية، كما أن الرصد كشف عن انتشار ظاهرة التأجير من الباطن وعدم وضوح المسؤولية بالنسبة إلى المالك أو المشغل، ويعود تدهور مستوى مراكز الخدمة الحالية إلى ضعف إجراءات التشغيل والمراقبة نتيجة غياب أعمال الصيانة المستمرة وإسناد عملية التشغيل إلى عمالة غير مدربة، مع النقص الشديد في أعداد المراقبين الحكوميين.
وتشير الإحصاءات المتعلقة بإجمالي عدد محطات الوقود في داخل المدن وعلى الطرق السريعة في المملكة، إلى أن عددها يتجاوز تسعة آلاف، وهي مملوكة للأفراد بنسبة 88 في المائة، وتملك الشركات 2 في المائة منها، بينما الـ 10 في المائة الباقية مملوكة لكل من وزارة المالية والشؤون البلدية والقروية، وأن نسبة 80 في المائة من إجمالي هذه المحطات تدار بنظام التستر التجاري... إلى التفاصيل:
المسح البصري لمجموعة من مراكز الخدمة على الطرق المحلية أجرته الهيئة العامة للسياحة والآثار، كشف عن وجود جملة من المشكلات التي جاءت على النحو التالي: ضعف التعبير البصري لعناصر المحطة المعمارية وفقدان الهوية والدلالة، والتردي في مستوى تنفيذ المنشآت ابتداءً وفي مستوى الصيانة لاحقا، والعشوائية في التنفيذ والتوزيع؛ إذ الغالب أن المركز ينشأ باجتهادات شخصية بعيدا عن تطبيق المخططات الهندسية، ويعقب عملية الإنشاء إضافات عشوائية، وتفاوت أساليب التشغيل بين المراكز المختلفة، بل وحتى داخل المركز الواحد، منشأ ذلك ضعف التخصص، وقلة الرقابة، ونهج أسلوب التأجير بالباطن لأجزاء المركز لمستثمرين صغار، كل يدير عمله بتوجهاته الخاصة، وعشوائية التوزيع على الطريق، فتتركز تارة، وتكاد تنعدم تارة أخرى، مع وضوح في المخالفة الصريحة لشروط اللائحة التي حددت مواقع المراكز على الطرق، والضعف الشديد في المداخل والمخارج، وتوزيع الإنارة، وإهمال المصلى ودورات المياه واستراحة المسافرين، وتدني مستوى الخدمة في المطاعم والأسواق التموينية، وندرة وجود ورش صيانة ومحال قطع للغيار، وعشوائية الحركة الداخلية وتداخل حركة السيارات الصغيرة مع الشاحنات، وعدم وجود مواقف انتظار جيدة ومضاءة للمركبات والشاحنات.
#2#
#3#
مشاكل التشغيل
أشارت هيئة السياحة إلى أن المقابلات التي تم إجراؤها مع المسؤولين في القطاعات الحكومية ذات العلاقة، وبالأخص أعضاء اللجنة التوجيهية المشكَّلة لمتابعة أوضاع محطات الوقود، أكدت أن مستوى مراكز الخدمة الحالي غير جيد، ولا يمثل مكانة الدولة وتوجهاتها التنموية، وإجراءات الترخيص لمراكز الخدمة لا توجد فيها مشكلات، إنما المشكلة في التشغيل، حيث تتدهور المنشأة سريعا بسبب غياب الصيانة والتشغيل غير المنظم لمرافقها، كما أن التشغيل يتم أيضا بواسطة عمالة غير متخصصة وباجتهادات فردية، وضعف إمكانات وصلاحيات لجان المتابعة والمراقبة، وتقع المسؤولية الأولى في الترخيص والتنظيم والمراقبة لمراكز الخدمة على الطرق على وزارة الشؤون البلدية والقروية، كما أن تطبيق اللائحة غير مرضٍ؛ وذلك للنقص الشديد في عدد الموظفين والمراقبين، ولعدم وجود مكافآت مجزية لهم، كما أن مصلحة الأفراد المشغلين والملاك لمراكز الخدمة على الطرق مهمة، لكن ليس على حساب المصلحة العامة.
المسح البصري تطرق إلى مرئيات الملاك والمشغلين الحاليين لمستوى مراكز الخدمة على الطرق، حيث قالت الهيئة: ''على الرغم من أن الملاك لمراكز الخدمة على الطرق تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في تحسينها، إلا أنهم لا يمارسون هذا الدور على الوجه المطلوب، ساعدهم على ذلك ضعف الرقابة وتعقد إجراءات الترخيص وطولها، الأمر الذي سمح بحدوث تجاوزات وتجاهل للصلاحيات، وقد نفذت الدراسة مسحا لمجموعة من المحطات الواقعة على طريق الرياض - الخرج، وطريق الرياض - مكة، وطريق الرياض - القصيم، وطريق الرياض - الدمام، ومن مجمل إجابات ملاك ومديري المحطات يمكن القول إن وجهة نظرهم تجاه مراكز الخدمة على الطرق تتمثل في التالي: مسؤولية متابعة مراكز الخدمة على الطرق تقع على عاتق البلديات وأمن الطرق، ووزارة النقل، تشكو الشركات المقدمة للخدمة داخل المدن من عدم عدالة المنافسة وضعف التسهيلات المقدمة لها؛ مما سبب إحجامها عن تقديم الخدمة على الطرق الإقليمية، المطالبة بتوفير الخدمات الأساسية على الطريق من كهرباء وماء ومراكز إسعاف، ويرى بعض ملاك المحطات أن لائحة محطات الوقود معقدة، وإجراءات الترخيص مطولة.
بحث وتحسين
أكدت الهيئة السياحة، أن الجهات الحكومية لم تتوقف منذ شعورها بمشكلة مراكز الخدمة على الطرق عن البحث عن سبل الحل وتحسين الأوضاع، لا أدل على ذلك من عناية المقام السامي به وإصدار مجموعة من الأوامر بتنظيمه، إضافة إلى قرارات مجلس الوزراء، والوزارات ذات الشأن كوزارة الداخلية، والشؤون البلدية والقروية، والنقل، والمالية، والحج، والهيئة العامة للسياحة والآثار، وقد أثبتت الخطابات والتعاميم الصادرة الجهود التي بذلتها العديد من الجهات في هذا المجال، بما في ذلك بعض البلديات في تشكيل لجان للمراقبة وإعداد التقارير حول الوضع القائم.
وأضافت الهيئة: ''إن صدور لائحة محطات الوقود كان في حد ذاته خطوة إيجابية لحل المشكلة، مع ما تلاها من مقترحات ولجان للتطوير والمتابعة، وجميع هذه الجهود أسهمت في حل جزء من المشكلة، إلا أن مستوى مراكز الخدمة الحالي لا يعكس ولو بنسبة بسيطة الجهود التي بذلت لمعالجة هذه المشكلة، فمن المقترحات التي تقدمت بها جهات حكومية للحل: قيام الشركات المنفذة للطرق بمراقبة المحطات، مع المبالغة في الغرامات، الرفع إلى المقام السامي من قِبل وزارة الشؤون البلدية والقروية؛ للنظر في السماح فقط لسبع شركات، إلا أن الأمر أفاد بفتح المجال للمواطنين''.
مخالفات واضحة
لفتت هيئة السياحة إلى أنه ومن مجمل اللقاءات والمقابلات مع الجهات الحكومية والخاصة وملاك المحطات الحالية يستخلص التالي: المخالفة الواضحة للتعليمات الحالية فيما يتعلق بتحديد المواقع أو التشغيل المتكامل نتيجة انتشار ظاهرة التأجير من الباطن وعدم وضوح المسؤولية بالنسبة للمالك أو المشغل، ويعود تدهور مستوى مراكز الخدمة الحالية إلى ضعف إجراءات التشغيل والمراقبة؛ نتيجة غياب أعمال الصيانة المستمرة وإسناد عملية التشغيل إلى عمالة غير مدربة مع النقص الشديد في أعداد المراقبين الحكوميين، ويرى ملاك المحطات أن اللائحة الحالية معقدة وتتطلب فترات طويلة للترخيص.
وأبانت الهيئة، أن الدراسة أكدت من خلال المقابلات والزيارات الميدانية والبحث المكتبي وورش العمل الوضع المتدني لمراكز الخدمة على الطرق الإقليمية، الذي كان محل إجماع من الجميع، بل إن كثيرا ممن تمت مقابلتهم لم يكتفوا بالنقد المجرد، بل كانت لدى أكثرهم رغبة كبيرة في اقتراح حلول لهذه المشكلة؛ لتأثيرها المباشر على خطط التنمية واحتياجات المواطنين والزائرين.
التدهور الحالي
أشارت الهيئة إلى أن التدهور الحالي لمراكز الخدمة في المملكة يعود إلى واحد أو أكثر من العوامل التالية: عدم الفصل بين الجهات المسؤولة عن التشريع والجهات المسؤولة عن تطبيق اللوائح والأنظمة؛ مما ترتب عليه ضعف في عمليات المتابعة والمراقبة، وضعف اللائحة الحالية فيما يتعلق بالاشتراطات الخاصة بالصيانة والتشغيل والمراقبة لمراكز الخدمة الحالية والجديدة، مع ضعف في تطبيق تلك الاشتراطات، وتشتت الصلاحيات وتعدد الجهات المسؤولة عن تحديد المواقع والترخيص بالإنشاء والتشغيل والمراقبة والمتابعة، وممارسة فئات من المستثمرين لهذا النشاط وبخاصة الأفراد من دون تأهيل واضح، ساعدهم في ذلك تشتت الأنظمة وضعف الرقابة، وإحجام الفئات المؤهلة للاستثمار في هذا المجال؛ نتيجة نقص الدعم والحماية الرسمية، واستمرار الحلول الأحادية للموضوع، رغم الحاجة إلى تضافر الجهود.
3 حلول
وأوضحت هيئة السياحة، أن حل المشكلة ينبغي أن تركز على المستويات الثلاثة التالية: الأول: إصدار اللائحة: تمثل لائحة محطات الوقود والتشحيم الغطاء النظامي الذي يضبط وضع محطات الوقود على الطرق الإقليمية، الثاني: التنظيم: وهو الجزء الذي يعنى بوضع مراكز الخدمة على أرض الواقع، من حيث تحديد الجهة المخولة تنفيذ الاشتراطات الواردة في اللائحة الخاصة بمراكز الخدمة على الطرق الإقليمية من خلال المحاور الأربعة التالية: تحديد الموقع، وترخيص الإنشاء، وترخيص التشغيل، والمراقبة والغرامات، الثالث: آليات التنفيذ: مستوى الميدان التطبيقي بشقيه، الواقع الحالي وما فيه من تجاوزات يجب إصلاحها، والمستقبلي بما يحمله من رغبة في تحقيق أقصى درجات المثالية والتكامل؛ لأجل ذلك تم التقسيم إلى مستوى الحلول العاجلة ومستوى الحلول الجذرية.