محطات السفر.. سفر عبر المحطات وغياب وسائل الراحة

محطات السفر.. سفر عبر المحطات وغياب وسائل الراحة

تبدو تجربة السفر برا في بلاد مترامية الأطراف كالمملكة تجربة ثرية تستحق الكتابة، إلا أن محطات الاستراحة والتزود بالوقود بين المدن لا تستحق في أحيان كثيرة سوى الرثاء. أن تشعر بالتعب وأنت تقود مركبتك في طريق طويل أمر منطقي، لكن فكرة التوقف للراحة تبدو غير واردة بفعل الخبرات المتراكمة التي لا تعرف في التوقف في محطات الاستراحة على الطرق سوى المزيد من التعب. وإن كان ذلك الرأي صحيحا إلى حد بعيد، فيما يتعلق بالرجال الذين يشترطون حدا أدنى من النظافة والخدمات في تلك الاستراحات، فالرأي السلبي يتأكد أكثر في حال كان من يطلب الخدمة هو من الأطفال والنساء، إذ تبدو غالبية تلك المحطات، وكأنها تعلق شعارا غير معلن بأنها استراحات مخصصة فقط لذلك النوع من "الرجال المعتادين على ظروف الطريق".
يقول خالد البدراني المدرس في إحدى القرى الواقعة بين جدة والمدينة إنه اعتاد منذ عامين السفر يوميا لمسافة تزيد على 240 كيلو مترا، ولم يذكر أنه خطط مرة للتوقف للراحة أو الإفطار، وتناول وجبة الغداء في إحدى هذه الاستراحات، لكنه اضطر يوما إلى الانتظار في إحدى المحطات التي يمكن أن توصف بالموحش المقفر. في الطريق القديم بين المدينة المنورة والقصيم ثمة محطات وقود واستراحات ذات طابع قديم لم يزدها الوقت إلا تشوها وتكدسا لنفايات الزيت وتسربا للوقود وبقايا الطعام.
حين الدخول إلى المحطة عبر طريق جانبي ينحني يمينا ومبتعدا عن طريق السفر تبدأ الحفر الصغيرة الموزعة في هذا الطريق في تنبيهك أنك بصدد الدخول إلى محطة قديمة معتبرة، في حين تظهر الرؤوس الصغيرة لأحجار الخرسانة كعشب مزروع في هذا الطريق يعطي التذكير بالحاجة أحيانا إلى أحد محال البنشر المتراصة جنبا إلى جنب خلف محطة الوقود. أمام محطة الوقود يقف عدد من العمال بملابس عادية لا تحمل تعريفا بعملهم أو تمييزا للجهة التي يعملون تحت إدارتها، بعض من هؤلاء يعرض أشياء للبيع لزبون المحطة الجديد فيما بقية زملائه ينتظرون على ما يبدو "زبائن آخرين لبضاعة أخرى". بجانب المحطة وعلى مقربة من مضخات الوقود تنتشر ثلاجات "السوبر ماركت" خدمة للمسافرين وسط أسعار لا تختلف كثيرا عما هو موجود داخل المدن وبضاعة تفوقها غالبا جودة وتاريخ إنتاجية. أما إن أردت طعاما أو شرابا ساخنا، فالمطاعم والمقاهي هنا تفي بالغرض، لكن لا تسأل عن توافر شروط النظافة، إذ لا تشير القطط الموجودة بكثافة في محيط المطعم إلى اهتمام أصحابها وعمالها بهذه الشروط، أما المقهى فيبدو رواده ممن لا يجدون غضاضة في تناول الشاي مصحوبا ببعض العوالق، ولا يهمهم كون المكان المعد للراحة لا يوحي بأدنى اهتمام بالنظافة. ورغم ذلك فالجلوس في هذه المقاهي له طعم خاص، بإمكانك أن ترى أطيافا أخرى من البشر كانوا قد مروا يوما في الذاكرة، وأن تعود بك الذاكرة إلى حقبة ربما هي أقرب لما كان عليه الحال في أواسط السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، جدران أسمنتية تقليدية وسقف خشبي وركن بارز للمطبخ تتدلى منه الأواني النحاسية وأباريق الشاي الخزفية تعطي ألوانا زاهية للمقهى وتزين جدرانه المتهالكة. أما رواد المقهى فهم من نوع لا يمكن لك أن تشاهده في "كوفي شوب التحلية" مثلا، هم من ذلك النوع الذي لا يعطي أهمية للشكل طالما أن المراد يتم تحصيله، فهم في الغالب قائدو سيارات ثقيلة أو أجرة أو من أهالي القرى المجاورة الباحثين عن الهدوء في أقل الشروط المتوافرة مع الخدمة التي يتم تقديمها، وتلقى الرضا لديهم.

الأكثر قراءة