الاقتصادات الناشئة في مجال الرعاية الصحية: هل تلحق بالركب أم تأخذ زمام القيادة؟
قبل نحو اثني عشر شهراً، كان الأطباء والشركات على حد سواء يناقشون في قمة الرعاية الصحية التي عقدتها انسياد كيف يمكنهم تقديم أدوية ورعاية صحية منخفضة التكلفة لما يدعى بالأسواق الناشئة مع إبقاء حملة الأسهم سعداء في الوقت نفسه.
لقد تغيرت الصورة، بأكملها أخيراً في القمة الثانية – فقد أصبح بعض المرضى الجدد الذين يبلغ عددهم 5.7 مليار شخص في الأسواق الناشئة مصدراً قوياً للإيرادات، ما جعل مندوبي شركات في الهند، والبرازيل والصين يوضحون بجلاء أنهم لا يخططون لترك هذه الاقتصادات الناشئة للشركات الصناعية العملاقة في الغرب.
وقد أوضح هاربال سنغ، الرئيس الفخري لمجلس إدارة شركة فورتيس للرعاية الصحية ورئيس مجلس إدارة شركة امباكت سينيور ليفينغ استيتس (والذي ينتمي لعائلة من النخبة الثرية في الهند) لمجلة إنسياد نوليدج الإمكانات الواعدة للسوق الهندية، إذ يقول:'' يقدر الحجم الإجمالي لسوق الرعاية الصحية الهندية، بنحو 38 مليار دولار حالياً. ومن المفترض أن تنمو ليصبح حجم هذه السوق 300 مليار دولار في عام 2020.
بالفعل، فبعدد سكان يقدر بنحو 1.2 مليار نسمة ومعدل ادخار للأسر يزيد على 30 في المائة، تمثل الهند فرصة سوقية هائلة – وحسب الإحصاءات الحكومية، تعتبر الرعاية الصحية أكبر قطاع صرف منفرد في الاقتصاد الهندي وأكبر صاحب عمل في البلد. عندما طلب إليه أن يعلق على الاستطلاع الميداني الذي أجرته المجلة على المشاركين في المؤتمر، قال سنغ إنه لم يتفاجأ لأن الأكثرية الساحقة اختارت الهند كمصدر لموجة الابتكار الكبرى التالية. وفي ضوء النجاح الذي حققه أخيراً، فإن لديه الأسباب التي تدعوه للتفاؤل.
فقد نمّا سنغ شركة فورتيس للرعاية الصحية من فريق يضم خمسة أشخاص لتصبح ثاني أكبر شركة في الهند في تقديم الرعاية الصحية خلال عشر سنوات ونيف فقط. فبعد أن تأسست فورتيس في عام 1996، فتحت أول مستشفى لها في عام 2001، ولديها الآن 48 مستشفى كاملاً تقدم الخدمات الصحية الشاملة، بما فيها الإجراءات الجراحية المتقدمة كزراعة القلب.
وعلى سبيل المقارنة، قال سنغ لمجلة إنسياد نوليدج إن عملية القلب التي تجري في أحد مستشفياته في الهند تكلف خمسة آلاف دولار فقط بالمقارنة مع 100 ألف دولار في الولايات المتحدة. وهو يرجع هذا الفارق الكبير إلى تدني تكاليف الموظفين، وسرعة تطوير المشاريع وللمكاسب الكبيرة التي تتحقق عن طريق الإنتاجية. لكن لا يمكن تفسير كل شيء بانخفاض التكاليف. بل يتحدث سنغ أيضاً عن التحديات الخطيرة التي تواجهها الولايات المتحدة بشأن المسؤولية المترتبة على العمليات والأخطاء الطبية هناك والتي تدفع الأسعار إلى فوق طاقة الكثير من الناس، أو فوق قدرة شركات التأمين الصحي واستعدادها لدفعه. وهو يتساءل'' كم ينبغي على أحد الأنظمة أن يدفع مما يترتب دفعه في النهاية من قبل المريض؟ ينبغي عليك أن توجد توازناً ممتازاً بين ما هو جيد للمريض وما هو جيد بشكل عام''.
وبالفعل، فإن رخص التكاليف الطبية في بلدان كالهند أوجد صناعة سياحية طبية حيث يقوم الناس من البلدان الصناعية بالسفر إلى الهند وغيرها لإجراء جراحة لا يغطيها التأمين الصحي – كالجراحة التجميلية على سبيل المثال – والتمتع بمشاهدة معالم البلد على هامش الرحلة العلاجية – ويعتقد سنغ أن الخطوة التالية ستكون السفر لأجل القيمة الطبية ويقول إن الهند يمكن أن تصبح عما قريب وجهة رئيسية لهذا الغرض.
إذا كنت تعاني ألما في الصدر، أو ألما لا ينتهي في الركبة، فلا تستطيع أن تعطي قدراً كبيراً من الاهتمام لمشاهدة تاج محل، إن ما أنت بحاجة إليه هو علاج ركبتك. وهكذا فإنك تريد القيام بتلك الرحلة لأنك تعتقد أنك ستحصل على خدمة صحية عالية الجودة والقيمة، من هنا يأتي السفر من أجل القيمة الطبية''. وهو يعتقد أن الهند ربما كانت فريدة في قدرتها على تأمين عمليات متميزة بأسعار منافسة بسبب النوعية العالية والخبرة العالمية المتوافرة لدى الكثير من الأطباء الهنود إلى جانب تدني تكاليف العمليات.
ولكن حتى مع انخفاض الأسعار، لا يستطيع كل واحد أن يحصل على الرعاية الصحية: فالحقيقة الصارخة أن مئات الملايين من الناس في الهند والصين ما زالوا محرومين من الرعاية الصحية الأساسية، وهذا التفاوت ينتشر في الأسواق الناشئة وحدها. فحسب متحدث آخر في قمة الرعاية الصحية، وهو الدكتور روش دوليفو (الحاصل على ماجستير إدارة الأعمال في عام 1981) الذي يعمل رئيساً تنفيذياً لشركة UCB التي يوجد مقرها في بلجيكا وتعمل في الأدوية الحيوية وتتخصص في علاج التشوهات الحادة في الشبكة العصبية المركزية كالصرع '' فإن مسألة الحصول على الدواء موجودة في الأسواق المتقدمة وفيما يدعى الأسواق الناشئة. إنني أستخدم تعبيرا يدعى لأننا لا نستطيع أن نتحدث عن الصين التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم كسوق ناشئة. وبإمكاني القول إنها تجاوزت هذه المرحلة فعلاً. والمهم في الأمر أن كل شخص يندفع إلى هذه السوق التي تدعى السوق الناشئة لأنها من المتوقع أن تشهد نمواً عالياً, ومن المؤكد أنه سيكون هناك نمو في الرعاية الصحية.
''وأستطيع القول إن الحال ما زال في الولايات المتحدة – حتى مع إصلاح نظام الرعاية الصحية – أنه ليس كل واحد يحصل على الدواء- وفي أوروبا ليس كل واحد يستطيع الحصول على مبتكرات الرعاية الصحية أو خدماتها الأفضل. لكن من الواضح بسبب نظام الحجم، - أنك تتحدث عن مئات ملايين الناس الذين لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية أبداً''.
إن الاندفاع إلى ما يدعى السوق الناشئة بسبب النمو يمكن أن يدوم فقط إذا قمنا جميعاً بفعل شيء بشأن الشخص الذي يستطيع الحصول على الرعاية الصحية حالياً. ولا تستطيع حتى أكبر شركة أن تجد الإجابة بمفردها، ولذلك فإن هذه إجابة سنجدها بصورة جماعية مع الناس الذين يعرفون كل بلد تمام المعرفة ويعيشون في كل بلد كما تطور موضوع تمويل المشاريع الصغيرة في البلدان الناشئة لأجل البلدان الناشئة.