معهد التجزئة.. شمعة وسط الظلام

وسط ظلام التستر في قطاعي الخدمات والتجزئة، يقف المعهد السعودي للبيع بالتجزئة كتجربة جديدة رسم الطريق للشباب وسط ظروف صعبة. المعهد، وهو نتاج شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص من خلال المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وشركة صافولا، يحاول تدريب الشباب من خلال تسليحهم بعدد من المهارات المهمة لتجهيزهم للعمل سواء كموظفين في قطاع البيع بالتجزئة الكبيرة أو العمل الخاص من خلال مشاريعهم الخاصة.

كما أسلفنا في حلقاتنا السابقة عن (مخزن الوظائف المعطلة)، فإن هذا المنجم يعمل فيه نحو 1.5 مليون شخص لا تتجاوز نسبة السعودة فيه 15.6 في المائة فقط، وهو ما يعادل 200 ألف شخص، بعبارة أخرى هناك نحو 1.3 مليون وظيفة يمكن شغلها بسعوديين مؤهلين. انطلق المعهد السعودي للبيع بالتجزئة الذي تأسس في 2008 وبدأ تدريب الشباب فعليا في 2009، وجنى أولى ثماره في بداية كانون الثاني (يناير) 2011 بتخريج 1022 شابا سعوديا وظفوا جميعا.

يقدم المعهد كذلك برامج إدارية احترافية تمكّن الشاب بعد التخرج من القدرة على إدارة عمله الخاص في مجال التجزئة في حال رغب في تأسيس مشروعه المستقل، ويساعد المعهد الشاب الراغب في الاستقلال من خلال ربطه وتسهيل اتصاله ببنك التسليف والجهات التمويلية الأخرى، لكن على الرغم من ذلك فلا تزال التجربة في بدايتها.. فماذا يقول مسؤولوها وطلابها؟

هنا التفاصيل:

فكرة المعهد

#4#

يقول الدكتور عبد العزيز إسماعيل، مدير المعهد السعودي للبيع بالتجزئة: ''إن فكرة إنشاء المعهد أن يخرّج عاملين جاهزين للعمل في جميع محال التجزئة في المملكة، وليس في شركة صافولا فقط.

وتابع: ''لا بد من استغلال منجم الذهب هذا لتوفير فرص وظيفية للشباب؛ لذلك وضعت استراتيجية كبيرة ستناقش مع جميع أصحاب محال التجزئة في السعودية بعد نجاح المعهد في تدريب الشباب، وحاليا التوجه لإمداد كل محال التجزئة بالشباب السعودي وفتح أبواب المعهد لجميع شركات التجزئة؛ للاستفادة من الخبرة الموجودة، المرحلة التجريبية أو التأسيسية كانت مع ''صافولا'' التي كانت تمثل الشريك الرئيس وأخذت على عاتقها التأسيس، حاليا يعمل في المعهد 300 شخص، 40 أستاذا ما بين إداريين ومدربين و260 مشرفا على رأس العمل في شركات بندة، وبالتالي المعهد ينتظر أن يلعب دورا رئيسا واستراتيجيا خلال المرحلة المقبلة، وأن يصبح مركزا لتوليد الطاقات السعودية المؤهلة للعمل في قطاع التجزئة''.

#6#

ويشير إسماعيل إلى أن الشاب يتم إعداده منذ اليوم الأول ليصبح قادرا على إدارة سوق أو محل تجزئة وأن يتسنم وظيفة قيادية بعد خمس سنوات من الخدمة، وأردف ''العمل يسير وفق سلم وظيفي واضح ودورات تعتمد عليها ترقياته وعلاوته السنوية، وبنيت المناهج بناءً على احتياج سوق العمل في مجال الهايبرماركت والسوبرماركت، معلوم أن مبيعات التجزئة العام الماضي بلغت 96 مليار ريال، والسؤال هو: كم نصيب الشاب السعودي من هذا المبلغ؟! هذا ما نسعى إلى معرفته خلال الفترة المقبلة''.

إمداد شركات التجزئة

يشير مدير المعهد السعودي للبيع بالتجزئة إلى أن استراتيجية المعهد تقضي بعدم ضخ الشباب السعودي لشركات التجزئة في المملكة ما لم تلتزم بقوانين المعهد، التي يأتي في مقدمتها ألا يوظف أي شاب إلا وفق سلم وظيفي واضح، وراتب لا يقل عن ثلاثة آلاف ريال كبداية، ثم تكون له علاوت سنوية بناءً على أدائه الوظيفي، وقال العبد العزيز: ''المعهد يوفر لشركات التجزئة التدريب على عمليات التقييم والإشراف على الشباب، هناك منظومة متكاملة تضمن للشاب مستقبلا وظيفيا ثابتا، وكذلك تضمن للشركات حقوقها، وعملية تدريب الشباب مدعومة من صندوق الموارد البشرية ولمدة 24 شهرا بعد التوظيف''.

آلاف الطلبات

بيَّن الدكتور عبد العزيز، أن المعهد تلقى عددا كبيرا من الطلبات لتوظيف الشباب المنخرطين في المعهد؛ نظرا للتأهيل العالي الذي يتمتعون به، وقال: ''بندة وقّعت مع المعهد حاجتها إلى عشرة آلاف شاب خلال السنوات المقبلة، وفي 2011 تحتاج إلى ألفي شاب، العام المقبل سيكون أربعة آلاف شاب، وكل عام لدينا قدرة على مضاعفة العدد، كما تلقينا طلبات من عدد كبير من شركات التجزئة لتوظيف خريجي المعهد، لكن لا بد من الالتزام بالشروط والاطلاع على نظام الشركة في الموارد البشرية. أطلعنا جميع أصحاب محال التجزئة في المملكة على تجربتنا، وكانت مشكلتهم أن الشاب يقعد أسبوعا أو اثنين ويترك العمل، بعد دراسة الأمر وجدنا أن أعمار الشباب العملية لا تتجاوز الأسبوعين، هذا يعني أن الشاب دخل مجال التجزئة، وهو لا يعرف ماذا يعمل أو كيف يتصرف، وبالتالي وضعنا معايير الاختيار التي تمكننا من معرفة الجادين، وأوضح هنا أن تخريج ألف شاب الذي تم أخيرا تم اختيارهم من عشرة آلاف شاب تقدموا''.

جواز الانتقال بين محال التجزئة

وقال: ''إن إصدار جواز موحد بين شركات التجزئة لضمان انتقال الشباب بينها وفق آلية محددة وواضحة يمكن من خلالها معرفة السجل الكامل لأي شاب عمل في قطاع التجزئة جاهز للتنفيذ وفي انتظار اعتماد وزارة العمل''، وأضاف: ''نحن في المعهد أنهينا كل الآليات بهذا لخصوص وعرضنا ذلك على وزير العمل في حفل تخريج الشباب أخيرا، وأعجب به وننتظر خلال الأشهر المقبلة تعاونا كبيرا مع الوزارة، وكل ما يتعلق من تنظيم التنقلات بين شركات التجزئة جاهز لدينا، نسعى ألا ينتقل الشاب من شركة إلى أخرى حتى يكون لديه ختم الشركة الأولى على الجواز؛ لأن بعض الشباب ربما تكون لديه قضايا مالية أو أخلاقية، يجب أن ننبه الشركات الأخرى، واقترحنا ألا يصدر الجواز إلا برقم البطاقة الهوية الوطنية، ويمكن لاحقا ربطه بمركز المعلومات الوطني لمعرفة سجل الشاب السابق.

الفرنشايز غير مجد

رغم أن البقالات الصغيرة تمثل 70 في المائة من قطاع التجزئة، فيما الكبار يمثلون 30 في المائة فقط، وفقا للدكتور عبد العزيز، إلا أن التوجه نحو إعطاء حق الفرنشايز للشباب من بندة تبدو فكرة مستبعدة في الوقت الحالي، ويبرر العبد العزيز ذلك بقوله: ''ينبغي الأخذ في الاعتبار أن مجال العمل في قطاع التجزئة يعتمد على هامش ربحي بسيط جدا لا يتجاوز 1.5 في المائة؛ ولذلك لا نرى إمكانية لنجاح الفكرة حاليا، لكننا بدأنا مشروعا مختلفا قليلا عبر إطلاق سلسلة شركة (ميزة)، وهي عبارة عن سوبرماركت مصغر يديره من ثلاثة إلى أربعة شباب من خريجينا، كما أن لدينا برنامجا لكيفية إدارة العمل الخاص وإذا كانت هناك رغبة لدى الشاب في فتح عمله المستقل نساعده ونوصله إلى بنك التسليف والجهات التمويلية الأخرى''.

بعض الشباب اتكاليون

بصفته مؤسس نظام المنشآت الصغيرة في 2006 يوضح الدكتور عبد العزيز، أن هناك 500 منشأة صغيرة أكملت اليوم ثلاث سنوات بنجاح، مبينا أن الشاب إذا لم يهيئ نفسه للمنافسة، فالدولة لا تستطيع حماية من كل شيء، وأضاف: ''مع الأسف بعض شبابنا أصبحوا اتكاليين ويتكئون على أعذار واهية، لا يريدون بذل الجهد والعمل مثل الأجانب ويريد مكاسب أكثر وفورية، بنك التسليف رأسماله اليوم 16 مليار ريال، وهناك صناديق أخرى للدعم، الشاب الجاد - وعلى مسؤوليتي - يجد نفسه، ويفتح محله الخاص، كما يستطيع الحصول على وظيفة وحقوقه محفوظة كاملة، لكنه يحتاج إلى العزيمة، الدور اليوم على الشباب للإقدام ورسم الخطط المستقبلية والاستفادة من الطفرة التي تعيشها الدولة اليوم''.

التنقيب عن الشباب

#3#

يؤكد ماجد السلمي، المسؤول عن المعهد السعودي للبيع بالتجزئة في كل من جدة والرياض، أنهم ينقبون عن الشباب في كل مناطق المملكة وبكل الوسائل المتاحة للتعريف بالخدمات والدورات التي يقدمها المعهد للشباب، التي تغيب عن الكثيرين منهم، يردف: ''صافولا تتولى التدريب والتوظيف، فيما تتولى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني توفير الحقائب التدريبية والتجهيزات، بدأنا بثلاثة فروع في جدة، الرياض، والأحساء، ثم وجدنا طلبات كبيرة من مناطق أخرى، وعلى أثرها افتتحنا فروعا في الدمام، عسير، والمدينة، لدينا حاليا ستة فروع خرجنا منها ألف شاب في 2010''.

7 مهارات أساسية

يبين السلمي أن المعهد يشمل سبع مهارات يكتسبها الشاب كي يتمكن من العمل في قطاع التجزئة، وضعت هذه المهارات بعد دراسة الحاجة السوقية، ومن أهمها الإلكترونيات، صندوق الدفع (الكاشير)، المخبز، اللحوم والأسماك، الخضراوات، تصفيف البضائع، وتابع ''المناهج والحقائب بنيت على احتياج القطاع، كل قسم يأخذ أسبوعين، فترة الدراسة أربعة أشهر كاملة يتخرج بعدها المتدرب جاهزا للعمل في وظيفة موظف خدمة شاملة، أي يجيد كل المهارات السبع، كما نقدم برنامج إدارة الفريق للمتدربين يؤهلهم لإدارة العمل في بقالة خاصة بهم في حال فكروا الاستقلال بعمل تجاري حر''.

#2#

شباب طموح تجاوز الصعوبات

عبد الله الزبيدي (24 عاما) أكمل الثانوية العامة ثم توجه إلى المعهد السعودي للبيع بالتجزئة بعد أن عجز عن الحصول على مقعد في الجامعة، يقول عن تجربته: ''علمت عن المعهد عبر الإنترنت وقدمت ثم أجريت لي مقابلة شخصية وتجاوزتها بنجاح، بعدها التحقت بالتدريب، أكثر ما جذبني أن وظيفتي مضمونة، وهناك مميزات أحصل عليها أثناء التدريب وبعد التوظيف والرواتب جيدة وهناك سلم وظيفي واضح، الشهادة التي أحصل عليه تؤهلني للعمل في سبعة أقسام مختلفة، مع أنني أفضّل العمل في قسم الأسماك، وطموحي أن أصبح مدير سوق''.

#5#

من جهته، يقول صالح بخضر (19 عاما): كذلك أنهيت الثانوية العامة ولم أجد قبولا في الجامعة ''قدمت للانتساب في الجامعة، لكن الحاجة إلى العمل جذبتني للتقدم عن طريق الموقع الإلكتروني ورسائل الجوال، بعد أن مكثت عاما عاطلا، وعملت المقابلة فأعجبت بالفكرة والتحقت بالمعهد، ولدي رغبة في الاستمرار، بعض الزبائن يقولون السعودي لا يعرف كيف يعمل، فيما آخرون وهم الغالبية نجد منهم الدعم والتشجيع''.

إلى ذلك، يشير طارق القرني (32 سنة) حاصل على ثانوية عامة، إلى أنه عمل في مجال كبائن الاتصالات ست سنوات براتب 1500 ريال ولثماني ساعات في اليوم، وأضاف: ''ضعف الراتب جعلني أبحث عن الأفضل فعلمت من خلال طريق أصدقائي عن المعهد وأجريت المقابلة، وبحمد الله اجتزتها وتعديت دورة لأربعة أشهر ثم توظفت مباشرة، أعمل الآن في مجال الأجبان، وأنا مرتاح في عملي''.