البقمي: السماح للبنوك بممارسة الأعمال التجارية يقلل انتشار الدَّين في المجتمع
أوضح الدكتور ناصح البقمي، أستاذ السياسة الشرعية المشارك، المشرف على إدارة البرامج التطويرية في معهد الدراسات الدبلوماسية، أن تعديل نظام البنوك بما يسمح لها بممارسة الأعمال التجارية سيقلل من نسبة الديون في المجتمع، وأشار البقمي إلى أهمية توعية المجتمع بخطورة الاستدانة من أجل الاستهلاك المظهري والكمالي، وأن الاستدانة يجب أن تكون في حدود الحاجة الملحة.
جاء ذلك في حوار لـ «الاقتصادية» بمناسبة قرب عقد الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل ملتقى مشروع معالجة الديون.
ما الأحكام الشرعية المتعلقة بالديون الجائز منها والمحرم؟
الدين هو ما ينشأ من التزام في ذمة الشخص بسبب بيع مؤجل أو قرض أو صداق أو قيمة متلف أو نحو ذلك. ويمكن تقسيم ذلك إلى ثلاثة أقسام، قسم جائز وقسم محرم وقسم مختلف فيه، فالأول وأعني القسم الجائز وهو الدين الناشئ عن بيع مؤجل أو بيع سلم. والفرق بينهما أن البيع المؤجل تكون السلعة فيه حاضرة والثمن مؤجل. أما السلم فهو عكسه: الثمن حاضر مدفوع بمجلس العقد والسلعة مؤجلة؛ ودليل ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيح ''أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة والناس يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم''، أما القسم الثاني فهو القسم المحرم وهو الدين الناشئ عن بيع العينة، وهي أن يشتري السلعة من البائع بثمن مؤجل (120 ريالا مثلا)، ثم يبيعها على البائع نفسه نقدا بثمن أقل (100 ريال مثلا). ودليل تحريمها حديث ''إذا تابيعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا يرفعه حتى تراجعوا أو ترجعوا إلى دينكم''. ومنه أيضا بيع الدَّين بالدَّين مثل أن يبيع إلى شخص سلعة مؤجلة بثمن مؤجل أيضا لحديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ. وقد اتفق العلماء على معناه فلا يضر الخلاف في صحته وأما الثالث وهو ما نسميه بالقسم المختلف فيه كبيع التورق وبيع المرابحة للآمر بالشراء. فالتورق هو أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ويبيعها نقدا على شخص غير البائع من أجل الحصول على الورق أي الفضة وما قام مقامها الآن من النقود.
وفيه خلاف قديم وحديث حسم بقرار جماعي صادر من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة بجوازه، ثم أسيء تطبيقه باسم التورق المصرفي المنظم، حيث تشترط البنوك على المشتري توكيل البنك في بيع السلعة ووضع الثمن في حسابه؛ مما أثار حوله شبهة بيع العينة المحرم فأصدر المجمع السابق قرارا بتحريم التورق المصرفي المنظم والتفريق بينه وبين التورق الجائز. وأما بيع المرابحة للآمر بالشراء فهو أن يأتي شخص إلى شخص آخر أو بنك أو شركة فيقول اشتر لي هذه السلعة وأنا أربحك فيها، فبشتريها ويبيعها عليه بثمن أكثر. وهذه الصورة فيها خلاف أيضا، وقد حسم الخلاف مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة فأجاز هذه المعاملة بشروط، منها أن يقبض البائع السلعة ويحوزها إلى مستودعاته، ثم يبيعها على العمل ولا يلزمه بشرائها إذا تراجع العميل عنها قبل إتمام العقد. وللأسف فإن معظم المصارف والشركات التي طبقت هذا العقد لم تلتزم أيضا بالشروط السابقة.
في نظركم.. ما أهم أسباب وقوع الأفراد في الديون؟
أسباب الوقوع في الديون في المملكة كثيرة، من أهمها في نظري تحول المجتمع السعودي إلى مجتمع استهلاكي بعد أن كان مجتمعا إنتاجيا. وهذا يعود في معظمه إلى ما تبثه وسائل الإعلام والدعاية من أساليب تغري الناس بالاستهلاك والمزيد من الشراء والمبالغة في وصف السلعة والمنفعة المترتبة على استهلاكها، إضافة إلى التسهيلات البنكية فيما يتعلق بإصدار بطاقات الائتمان والقروض الشخصية والتسابق المحموم بين البنوك في تقديمها دون ضوابط تذكر، كما أن ارتفاع مستوى عنصر التقليد والمحاكاة في المجتمع السعودي يعد أحد أهم أسباب انتشار الديون فنجد أن كثيرا من الناس وخاصة - الشباب والنساء - يسعى إلى المزيد من الاستهلاك المظهري من أجل تقليد الآخرين ولو كانوا في مستوى معيشي واجتماعي أعلى منه، ثم إن فوضى سوق الأسهم سابقا التي شجعت كثيرا من الناس على الاقتراض من أجل الثراء وتحقيق الأرباح السريعة بجهد قليل قد لا يحتاج أحيانا سوى ضغطة زر.
ما أهم آليات معالجة المشكلات المترتبة على الديون؟
في نظري من أهم الآليات حث البنوك بإتباع طريقة صندوق التنمية العقارية بوضع حسومات على الدفع (20 في المائة إذا كان الدفع في وقت القسط و30 في المائة إذا كان الدفع قبل حلول القسط)، بخاصة أن البنوك كانت متسببة في تزايد هذه الديون ومن الآليات المهمة توعية المجتمع بخطورة الاستدانة من أجل الاستهلاك المظهري والكمالي إنما يجب أن يكون ذلك بقدر الضرورة أو الحاجة. فالضرورة أن تكون الاستدانة من أجل إنقاذ النفس من الهلاك، والحاجة أن تكون الاستدانة من أجل رفع الحرج والمشقة عن الشخص مثل بناء مسكن أو شراء سيارة بشرط أن يراعى في ذلك العرف، فحاجة الفقير ليست كحاجة الغني، وإنفاق الفقير ليس كإنفاق الغني، وقد قال الله تعالى (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)، كما يجب مراقبة معاملات البنوك والشركات والتأكد من التزامها بفتاوى العلماء الصادرة بخصوص معاملاتها المتعلقة بالأفراد، وقد يعهد بذلك إلى هيئة جديدة تعنى بالفتاوى الاقتصادية والمالية ومراقبة تنفيذها وتقديم الاستشارات الفنية لهيئة كبار العلماء قبل صدور الفتوى، وأقترح أن تكون تابعة لمؤسسة النقد.
ما أهم الضوابط الشرعية والنظامية للاقتراض؟
من أهم الضوابط الشرعية والقانونية في نظري تعديل نظام مراقبة البنوك الصادر عام 1385هـ، حيث يتضمن السماح للبنوك - خاصة الإسلامية منها - بممارسة الأعمال التجارية وإلغاء المواد المانعة من ذلك. وخاصة إذا علمنا أن الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية خاضعة للربح والخسارة وأصحابها يعلمون ذلك، فلو تعرض البنك لخسارة بسبب ذلك، فالمودعون موافقون على مبدأ الربح والخسارة، أما الودائع الادخارية فهي مضمونة من قبل البنوك الإسلامي بوصفها قروضا، وفي حال خوف البنك عليها فيمكن أن يجعلها ودائع بالمعنى الفقهي ويأخذ أجرا مقابل حفظها وهو البديل الشرعي لإقراضها بفوائد، وينبغي أن يكون هذا ملزما لجميع البنوك إضافة إلى الاستعجال بإصدار نظام الرهن العقاري والأنظمة المرافقة له لضمان حقوق الدائنين والمدينين وضبط السوق، وفي الوقت نفسه حساب نسبة المرابحة على المبلغ المتبقي من التمويل بعد دفع كل قسط - وليس ضرب نسبة المرابحة في المدة ثم في مبلغ التمويل كله؛ مما يخف من نسبة الربح لدى الدائنين التي ربما تصل في بعض الحالات إلى 100 في المائة، وأيضا مراقبة وسائل الإعلام فيما تبثه من إعلانات ودعايات والاقتصار على الإعلان دون الدعاية بوصف الأخيرة فيها تغرير للمشتري وخداع ودفعه للشراء بأية وسيلة.