المبادرون .. ضرورة استراتيجية وليس فرصا وظيفية

الحديث عن المبادرة وروح المبادرة والمغامرة التجارية والأفكار التجارية المميزة وجميع المصطلحات التي تندرج تحت مفهوم أفكار استثمارية مبتكرة أو جديدة يقودها مبادرون لا يملكون القدرة المالية أو الإدارية لتطوير تلك الأفكار إلى مشاريع حقيقية على أرض الواقع, هو حديث طويل بطول خطط التنمية الخمسية المتلاحقة, وإن كان يشمل ـــ من وجهة نظري ـــ نمو تلك المشاريع, فذلك باب آخر لما يطلق عليه مجازا المنشآت الصغيرة والمتوسطة, بل إنه اللبنة الأولى لبناء المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
ذلك الحديث الذي بدأ منذ سنوات طويلة في المملكة, كان ولا يزال ''حديثا'' أو ''نقاشات'' أو ''توصيات'' وما إلى ذلك من المفردات البيروقراطية المحبطة التي لم تصل بنا إلى وجود برنامج وطني واضح المعالم محدد الأهداف محدود المدة, يترجم الاهتمام والجهود والمبادرات إلى نتائج حقيقية استراتيجية وطنية واقتصادية واجتماعية. لذلك فإن استمرار تلك الجهود إلى ألف سنة أخرى فإن نتائجه لن تتعدى ما وصلنا إليه اليوم من نتائج. ولعل الأسباب كثيرة ومتشعبة قد نغطي بعضها تحت العنوان الرئيسة التالية:
• غياب رؤية استراتيجية وطنية للمبادرين, ونعني هنا أن هناك جهودا مبعثرة هنا وهناك, ولعلي استطعت خلال بحث بسيط أن أجد أكثر من 15 مبادرة أو منظمة أو مشروعا ''فاعلة'' تهتم وتركز على وتتبنى موضوع المبادرة ودعم المبادرين. وهي جهود مشكورة, لكنها تفتقر إلى الترابط والتناغم والتنسيق. والسبب الرئيس هو غياب استراتيجية وطنية حقيقية توحد تلك الجهود أو تدعم تكاملها وتحدد أولوياتها من ناحية الصناعات أو القطاعات أو المناطق أو الجنس أو.....
• الغياب الكامل لتشريعات حقيقية تدعم المبادرين، وقد تكون جزءا من الفقرة السابقة أو تكون مطلبا للاستراتيجية المذكورة. وهنا نعني أنه لا وجود لأنظمة تشريعية واضحة لا تقبل الاجتهاد هدفها الرئيس أن تجعل المبادرة التجارية/ الاستثمارية هدفا سهل التحقيق تشريعيا, ومن وجهة نظري, أن ذلك يشمل متابعة لجميع المبادرات ذات العلاقة بالمبادرة والمبادرين من حيث الكفاءة والإنجاز والشفافية. حتى لا يكون الإنجاز في كلمات كـ ''دشن'' و''أطلق'' و''رعى'' وغيرها من عبارات البدايات الرنانة الجميلة والنهايات الحزينة.
• غياب جزئي أو كلي لثقافة المبادرة في الفكر العام سواء للمشرعين أو الداعمين أو الممولين أو حتى المبادرين أنفسهم. فأصبحت البطالة الهاجس الأكبر للجميع وأن حلولها أو حلها الرئيس في دعم الشباب لتوظيفهم حتى المناهج التعليمية خصوصا العليا منها. فتجد أن أفضل طرح تعليمي (إن وجد) يركز بشكل كبير على كيفية الحصول على وظيفة. كذلك الخلط بين ثقافة الدعم التجاري وثقافة العمل الخيري وما إلى ذلك من أسر منتجة وأفراد منتجين.
• غياب طرق التمويل الحقيقية سواء من البنوك التجارية أو من صناديق الدول هاو من الصناديق الأهلية أو المشتركة التي تمثلها بعض منشآت المبادرة المختلفة. وهو ما يجعل أي طرق تمويلية تعتمد على معطيات معينة ومصالح معينة وضغوط معينة. ويمتد ذلك إلى غياب القطاع الخاص الصناعي أو التجاري في المساهمة في دعم تلك التوجهات الاستراتيجية.
• عدم وجود منشأة مستقلة تعطي توصية أو تزكية أو تصديق ائتماني معين يساعد المقرضين على تسهيل إجراءات التمويل سواء كان التمويل تجاريا أو على شكل قروض حسنة أو أي نوع من أنواع الدعم المالي أو التقني أو الإداري. فتجد أن لكل منشأة آلية معينة وشروطا مشددة لقبول طلبات المبادرين يحكم تلك الآليات ما يحكمها من مصالح مختلفة مشروعة وغير مشروعة.
أعلم أن هذا الطرح لا يمثل التشخيص التفصيلي للتحديات التي تواجه قضية المبادرة والمبادرين, لكن آمل أن يكون بداية مفتوحة للجميع للمشاركة في إثراء الطرح.
في مقال قادم, سأحاول أن أطرح بعض الأفكار للمساهمة في الرد على التحديات التي ذكرناها أعلاه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي