دعوة إلى ضرورة إنهاء الجدل الشرعي والمحاسبي حول الشركات ذات الغرض الخاص
على الرغم من أن العديد من فقهاء الشريعة يرونها حيلة على الربا، إلا أن عددا من أعضاء هيئات الفتوى في المصارف الإسلامية يرون فيها مخرجا شرعيا مقبولا يمكن العمل به، الشركة ذات الغرض الخاص أو ما يمسى بـ SPV تعد محل جدل لم يفصل بين الشرعيين والقانونيين، بل وحتى المحاسبين، ويلجأ لها في عمليات الصكوك الإسلامية لتفادي بعض المخالفات الشرعية، خاصة عند رغبة بعض المصارف الإسلامية الدخول في عمليات تمويل مختلطة إسلامية وتقليدية.
وفي نظر الكثير من المتخصصين، فإن الشركة ذات الغرض الخاص سلاح ذو حدين، فقد تكون أداة حيلة وقد تكون أداة منفعة، فيمكن مثلا تكوين الشركة للابتعاد عن خطر الإفلاس، ومن ثم مطالبات الدائنين للشركة الأم صاحبة المشروع، وهذا ما يسمى بمبدأ insolvency remoteness، وفي المقابل يمكن الاستفادة من سهولة إجراءات إنشاء الشركة في عدد من السلطات التشريعية مع عدم وجود قيود على رأس المال والأنشطة التشغيلية، وكذا لاستغلال عدد من الحوافز الضريبية.
يرى الدكتور نضال السيد، أن الشركة ذات الغرض الخاص يمكن تعريفها بأنها كيان قانوني يتم إنشاؤه لتحقيق عدد من الأغراض منها وظيفة خاصة غير مُعلنة بالضرورة أو تسهيل إجراء تمويلي لمشروع ما أو تكوين وتصميم أداة تمويلية جديدة وبهيكلة مُعدلة عن صورتها الطبيعية، وقد يتطلب التمويل والهيكلة المطلوبة لمشروع استثماري ما أكثر من ''شركة ذات غرض خاص''، وأحيانا أكثر من شركتين، وأشار السيد إلى أنه اِشتُهر استعمال الشركات ذات الغرض الخاص في هيكلة وبناء الصكوك المعاصرة أكثر من أدوات التمويل الإسلامي الأخرى كالعقود المركبة والمشتقات المالية والمرابحات السلعية وغيرها.
وحول سؤالنا هل يمكن بناء الهيكل التمويلي لمشروع ما دون وجود شركة ذات غرض خاص؟ أجاب السيد: نعم، ذلك ممكن، وأشار إلى بعض أسباب وجود شركة ذات غرض خاص في هيكلة الصكوك أو غيرها من الأدوات التمويلية الإسلامية وغير الإسلامية، ومنها عملية تصكيك الديون: لفصل مستحقات حاملي الصكوك قانونيا عن مديونيات المُصدِّر للصكوك واحتمالات تعثره، مما يعزز ثقة المستثمر في الشركة التي تبحث عن التمويل، إضافة إلى فصل المشروعات ذات المخاطرة العالية عن باقي نشاطات الشركة: أي أنَّ تكوين هذه الشركة ذات الغرض الخاص يَعزِل المشروع المراد تمويله عن باقي مشاريع الشركة لتحقيق رغبة المستثمرين وعدم اختلاط أموالهم بالعمليات الأخرى للشركة، ومنها ترتيب مستويات للتمويل: للفصل بين مستوى الضمان والعوائد والمخاطرة للأصناف المختلفة من المستثمرين.
ومن ضمن الأسباب أغراض تنافسية وأيضا لابتكار هندسة تمويلية وهياكل جديدة لأغراض تمويلية خاصة (إسلامية وغير إسلامية)، كما أن هناك أسبابا رقابية وقانونية تتعلق بالدولة والأنظمة الحكومية التي يتم تمويل المشروع فيها، وأسبابا تعود للضرائب في الدولة المراد تمويل المشروع فيها، وأسبابا محاسبية: وذلك لعزل بعض المشروعات عن الميزانية العمومية للشركة (وخاصة الخاسرة وعالية المخاطرة منها). ويرى السيد أنه يمكن القول إن هناك أسبابا تحايلية: وذلك للتحايل على الشريعة الإسلامية أو المستثمرين من خلال إيهام المستثمرين وأعضاء الهيئات الشرعية بوجود رأسمال مخصص للمشروع، وأنه بِمعزِل عن رؤوس الأموال الأخرى، بينما الحقيقة هي غير ذلك.. فالقوانين الوضعية التي على أساسها يتم تكوين هذه الشركة ذات الغرض الخاص، هي في الغالب قوانين بريطانية ولا تعترف بالدين الإسلامي كتشريع للعقد المراد تمويله.
وقال السيد: إن ذكر هذه الشركة غامض في معظم الأحوال في كتابات كثير من الاقتصاديين المسلمين وبحوثهم ولعل السبب عدم إدراك حقيقة غرضها ومفهومها في معظم الأحيان وإخفاء غرضها الحقيقي عند بعضهم وعزل القوانين البريطانية وإشكالات الإخفاقات وعواقبها المعقدة عند بعضهم، إضافة إلى ضعف اللغة الإنجليزية عند البعض وتجنب التعقيد والإطالة عند البعض الآخر.
من ناحيتها، أشارت خولة النوباني، المتخصصة في التمويل الإسلامي، إلى أن الشركة ذات الغرض الخاص عادة ما تسجل للقيام بتملك أصول قابلة للتصكيك، وعادة ما يتم تسجيلها في مناطق ذات إعفاء ضريبي ولها شخصية اعتبارية مستقلة وتهدف إلى جمع الأموال لقاء بيع الصكوك، وذلك لتحقيق الربح بالضوابط المنصوص عليها في نشرة الإصدار، وأهمها أن يكون الاستثمار وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وفي المفهوم التقليدي الذي نشأت منه هذه الفكرة أساسا من الممكن تعريف الشركة ذات الغرض بأنها الشركة التي يتم من خلالها تحويل الموجودات المالية من المقرض الأصلي إلى الآخرين، وبذلك فهي التي تُمكن المقرض من تحويل الديون إلى مقرضين آخرين عن طريق تحويل هذه الديون إلى أوراق مالية يتمتع حاملوها بالتدفقات النقدية الناتجة عن سدادها مع فوائدها.
وأشارت النوباني إلى أنه من المهم معرفة أصل تكوين هذه الشركة بالمفهوم التقليدي، وقالت: في رأيي الشخصي الذي أتمنى أن أسمع رأي المتخصصين فيه أن المشابهة أو التقليد في التمويل الإسلامي تنطبق بامتياز على موضوع الشركة ذات الغرض الخاص، حيث أخذنا الاسم دون تغيير (وهنا أنوه بأن السودان لديها شركة تعمل عمل الشركة ذات الغرض الخاص، لكن تحت اسم شركة الخدمات المالية السودانية)، وكذلك لم نتعب أنفسنا بالتفكير في مدى احتياجنا من وجهة نظر إسلامية بحتة إلى هذه الشركة وتسجيلها؛ إذ إن مبررات إيجادها من أهمها هو عملية الفصل المحاسبية، وأستبعد أن تكون هذه الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذه الغاية راجية من المحاسبين المتخصصين الإجابة عن هذا التساؤل للمساهمة في التنوير، إضافة إلى أن أمين الإصدار من مهماته المحافظة على حقوق المساهمين وغيرهم.
من الناحية المحاسبية، أشار حمد البشير إلى أن مثل تلك الشركات يتم إنشاؤها بغرض إيجاد التمويل بالنسبة للشركة القابضة أو (الأم)، حيث إن الشركة للغرض الخاص تكون لها شخصية اعتبارية وقانونية منفصلة من الشركة القابضة، ولكن الخطورة المحاسبية تتمثل في عدم توحيد حسابات الشركة للغرض الخاص مع الشركة القابضة؛ مما يؤدي إلى عكس القوائم المالية بصورة غير حقيقية، ويعد تمويلا خارج الميزانية وهو غير مسموح به حسب معايير المحاسبة الدولية، وأضاف: ''أحد الأسباب الرئيسة في انهيار بعض شركات الغاز في أمريكا وجود عدد من الشركات للأغراض الخاصة، ولم تظهر في الميزانية، على الرغم من أن كل الالتزامات الخاصة بالشركات للأغراض الخاصة هي في الأصل تمويل للشركة، ولكن التمويل لم يظهر في القوائم المالية للشركة؛ مما أدى إلى زيادة التزامات الشركة بدرجة عالية من المخاطر لم تتمكن الشركة من الإيفاء بتلك الالتزامات وأدى إلى الانهيار''.