الشريعة تنفر من الاستدانة وتحث على الوفاء متى وجدت الأسباب والدواعي

الشريعة تنفر من الاستدانة وتحث على الوفاء متى وجدت الأسباب والدواعي

أكد خبير مصرفي أن الشريعة الإسلامية لا تشجع على الدَين ولا ترغب فيه إجمالاً، وأن أحد مقاصد التشريع في باب المعاملات هو الحد من التوسع في المديونية. جاء ذلك خلال حديث عما يعانيه كثير من المجتمعات من استفحال المديونية العامة والخاصة الاستهلاكية والاستثمارية، وما يترتب على ذلك من اضطراب أدائها الاقتصادي واستقرارها الاجتماعي، وانتشار الديون في المجتمع، وكيفية معالجة الإسلام هذه المشكلة.

وقال الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم إن أهم مصالح الدَين أنه في الغالب نوع من المبادلة عبر الزمن، فالمدين يحصل على منفعة عاجلة، لكنه يقدم العِوض آجلاً. والدائن يقدم الدَين عاجلاً أملاً في ربح آجل. وفي كثير من الحالات يوجد أفراد أو منشآت لها حاجات حاضرة تحتاج إلى إشباعها، لكنها لا تملك العِوض إلا في وقت لاحق. ويوجد كذلك من الناس من لديه مال حاضر، لكن حاجته إليه ليست ملحة، فيقبل أن يدّينه للأول، إما بمعاوضة ائتمانية وإما بقرض حسن، طمعاً في الربح الآجل أو الضمان، وقد تبرز هذه المنفعة أكثر في هذا العصر، حيث أدى التطور في أدوات الاتصال إلى نشوء فرص التبادل بين أطراف متباعدة مكانياً يصعب عليها الدفع نقداً في كل مبادلة، فتلجأ هذه الأطراف إلى المداينة لتسهيل التبادل وتدوير عجلة التجارة، إضافة إلى أن الدَين قد يساعد على تنظيم مدفوعات المدين.

وأضاف السويلم أن مفاسد الدَّين كثيرة؛ على رأسها نمو النزعة إلى تفضيل العاجل على الآجل، إضافة إلى ضعف المسؤولية الذاتية والتوسع غير المبرر في الإنفاق، ومن أبرز آثار هذا السلوك انخفاض مستوى الادخار، وهي نتيجة طبيعية للمديونية وظاهرة ملموسة لدى المجتمعات المفرطة فيها، كما أن انتشار الدَين يؤدي إلى عدم الاستقرار وتفاقم التقلبات الاقتصادية وسوء توزيع الثروة.

وحول نظرة الشريعة إلى الدين قال السويلم إن لـه طرفان: إيجاب واستيفاء، ومنهج التشريع الإسلامي في الدين هو التنفير من الاستدانة ابتداءً، ثم الحث على وفاء الدَين متى وجدت أسبابه ودواعيه، وبالنظر في الأحاديث الواردة في الدَين نرى أن قسما منها يدل على التنفير من الدَين في الجملة والآخر يدل على الحث على وفاء الدَّين إن وقع، وبالاطلاع على النصوص الشرعية يمكن القول إن شروط جواز الاستدانة المتحصلة من النصوص ومن كلام أهل العلم المتقدم ثلاثة شروط: أن يكون المستدين عازماً على الوفاء، وأن يعلم أو يغلب على ظنه قدرته على الوفاء، وأن يكون الدَين في أمر مشروع.

وحول دعوى أن صرف الزكاة للغارمين أحد عوامل توسيع نطاق المداينات، أكد السويلم أنه مجانب لكل النصوص والأحكام الواردة في باب الدَين، ولا يتفق مع نظرة الإسلام لسهم الغارمين وتنظيمه فيه، وأشار إلى كلام للدكتور يوسف القرضاوي أن الغارم الذي عليه دَين والغارم لمصلحة نفسه يستحق الزكاة، بشروط أن يكون في حاجة إلى ما يَقضي به دَينَه، فلو كان غنياً قادراً على سداده لم يُعط من الزكاة، وأن يكون قد استدان في طاعة أو أمر مباح. أما لو استدان في معصية فلا يُعطى، وأن يكون الدَين حالاً. وموقف الإسلام من الغارمين، والمستدينين بصفة عامة أنه أولاً يعلم أبناءه الاعتدال والاقتصاد في حياتهم، حتى لا يلجأوا إلى الاستدانة، فإذا اضطَرت المسلمَ ظروفُ الحياة إلى الاستدانة كان عليه أن يَعقِد العزم على التعجيل بالوفاء والأداء، فيكسب بذلك معونة الله وتأييده فيما نوى، فإذا عَجِز عن أداء الدَين كلِّه أو بعضِه، مع دلائل تصميمه على الوفاء، فإن الدولة تتدخل لإنقاذه من الدَين.

وعلى الجانب التطبيقي للمصارف الإسلامية، يقول الدكتور السويلم إنها أغرقت الناس في الديون، وهو يبين أن اعتماد المصارف الإسلامية في استثماراتها على البيوع الآجلة، وإن كان من حيث المبدأ جائزاً، لكنه ليس هو الوضع المنشود. فالوضع المثالي هو اعتماد المشاركة أساساً، ثم الاستفادة من العقود الأخرى بحسب ترتيبها بالنظر إلى مقاصد التشريع، وأشار إلى أن من مقاصد التشريع في ميدان الاقتصاد أن المال إحدى الضرورات الخمس التي قصد الإسلام الحفاظ عليها، لكن مقصد حفظ المال لا بد لـه من مقاصد مكملة وتابعة، تخدمه وتسهم في تحقيقه. وبالنظر إلى المصالح والمفاسد المترتبة على الدَين، يظهر جلياً أن قصد الحد من المديونية مقصد متمم لحفظ المال. ونستطيع أن نستشف من قصد الحد من المديونية النتيجة المباشرة له، ألا وهي المحافظة على استقرار أداء الاقتصاد. إن الاستقرار يمثل بيئة ملائمة للتخطيط طويل المدى، وللتنمية المتوازنة، والاستثمار المجدي. ومن المعلوم بوضوح أن من أهداف الاقتصاد الإسلامي تحقيق الاستقرار والثبات للاقتصاد، وتجنيبه عوامل الاضطراب والتقلبات. وهذا من خلال ترشيد تفضيل العاجل والحد من التوسع في المديونية وكفاءة توزيع الثروة والاعتماد على التمويل بالمشاركة بصورة أساسية، وكل من هذه العوامل، على حدة، يسهم في ثبات الاقتصاد وتجنيبه مصادر التوتر والتقلب، كما أشرنا سابقاً. والذي يتأمل في الأوضاع الاقتصادية اليوم، يلاحظ اختلال كلٍ من هذه العوامل، ويلاحظ من ثم جنوح الاقتصاد المفرط نحو الاضطراب وعدم الاستقرار. ولا ريب أن من تتبع مقاصد التشريع في باب المعاملات المالية والاقتصاد عموماً؛ يجد أنها على درجة بالغة من الأهمية في بناء علم الاقتصاد الإسلامي على أسس راسخة ومتينة.

الأكثر قراءة