المشتقات في التمويل الإسلامي.. الجدل مازل مستمرا
هناك اهتمام كبير بموضوع المشتقات المالية على صعيد المالية الإسلامية هذا الاهتمام والنقاش مازال محل جدل وخلاف كبير حول شروطه وضوابطه والمخاوف منه لما لذلك من ارتباط بالأزمة المالية العالمية التي نجمت عن المشتقات المالية، ويطرح هذا التقرير العديد من الآليات التي يمكن الاستفادة منها في التمويل الإسلامي . ويناقش هذا التقرير مفهوم المشتقات المالية، حيث يتم تعريف المشتق المالي بأنه «أداة استثمار تعتمد قيمتها على قيمة متغيرات أكثر أهمية». ومن أمثلة المشتقات البيع المقدم، والعقود المستقبلية، والخيارات، والمقايضات ويمكن كذلك مزج كل ذلك معاً، أو مع الأوراق المالية التقليدية، والقروض، بما في ذلك السندات، لتوليد أدوات مالية مهجنة.
يزداد انتشار المشتقات المالية، ويزيد معدل نموها على معدلات نمو أي نوع آخر من الأوراق المالية، والأصول في الاقتصاد العالمي. ويمكن أن يعزى مثل هذا الانتشار، على صعيد المشتقات المالية، إلى مرونتها، أو سهولة استخدامها، حيث إنها أسهل فيما يتعلق بالبيع والشراء من السلع، والأصول المالية الرئيسية، مثل السلع الزراعية، والمعادن، والطاقة، والعملات، ومؤشرات الأسهم: وتعد المشتقات المالية بدائل مفيدة للاحتفاظ بالسلع الرئيسية، أو الأصول المالية. كما أن مقداراً قليلاً نسبياً من رأس المال يكفي للتعامل في المشتقات المالية بالمقارنة بمقادير المال اللازمة لشراء السلع الفعلية، أو الأصول المالية. وهنالك منافع أخرى لهذه المشتقات، مثل التوزيع الأفضل للمخاطر، وقلة تنافر المعلومات.
إن الهدف السامي الذي وجدت من أجله المشتقات المالية هو أنها تعمل على تحسين القدرة على إدارة المخاطر، وزيادة فرص التحول، إلا أن المفارقة هي أنها تعد، في الوقت ذاته، أهم أدوات المضاربات المالية، وهي النقيض التام للهدف الرئيسي لها. فما مدى قوة نشاطات المضاربة في أسواق المشتقات المالية؟
وفقاً لمعلومات مكتب مراقب العملة، فإن خمسة بنوك تجارية فقط في الولايات المتحدة الأمريكية لديها 96 في المائة من معاملات المشتقات المالية في النظام المصرفي التجاري. ولا يستخدم المستخدمون النهائيون سوى 2.7 في المئة من المشتقات المالية. ويستخدم النسبة الباقية البالغة 97.3 في المئة المتداولون. وهكذا، فإن المستخدمين النهائيين، والجهات التي تلجأ إلى التحوط، ما هي إلا أقليات في أسواق المشتقات المالية، حيث إن المضاربين هم الذين يسيطرون على هذه السوق.
#2#
الواقع أنه تم توجيه اللوم إلى المشتقات المالية في التسبب في الأزمة المالية الأخيرة. وانطلاقاً من ذلك، فقد عارضها كثيرون من العلماء المسلمين، والمختصين بالتمويل الإسلامي.
وتستهدف هذه الدراسة، على نحو خاص، دراسة استخدام، ووضع المشتقات المالية في عالم التمويل الإسلامي. ويتم فعل ذلك أولاً بشرح العقود الرئيسية لهذه المشتقات بخصوص البيع المقدم، والعقود المستقبلية، والخيارات، والمقايضات. ولذلك فإن المناقشة تتحول إلى استخدام المشتقات المالية في إصدار الصكوك. ويبحث هذا التقرير بعد ذلك في النقاش الدائر بين العلماء المسلمين فيما يتعلق بالسماح بالتعامل في البيع المقدم، والعقود المستقبلية، والخيارات في التمويل الإسلامي. وتنتقل بعد ذلك كله إلى تفحص العقود في إطار التمويل الإسلامي ذات الخصائص التي تشبه المشتقات المالية، التي يمكن استخدامها لأهداف التحوط ذاتها مثل البيع المقدم، والعقود المستقبلية، والخيارات، والمقايضات.
كان عقد البيع المقدم هو أول ما تم تسجيله كأول أداة يتم استخدامها تحت اسم المشتقات المالية، كما أنه يمثل أبسط أشكال تلك الأدوات. ويتفق طرفان وفقاً لعقد البيع المقدم على إتمام عملية بتاريخ مستقبلي يتم الاتفاق على السعر الخاص بها في الوقت الراهن. وأقرب مثال على ذلك هو مزارع يتوقع نضج محصوله من الذرة في وقت قريب، ومستهلك يتوقع حاجته إلى ذلك المحصول في ذلك الوقت. ويواجه الطرفان مخاطر أن تتعرض أسعار الذرة إلى الارتفاع، أو إلى التراجع. ولذلك فإنهما يتحوطان من خلال توقيع عقد يحدد سعر الذرة الذي يتوقع أن يدفع في المستقبل. وليس هنالك تبادل للمال، أو السلع في هذه المرحلة. ومن مشكلات هذا العقد ضرورة أن يجد من يرغب في البيع جهة راغبة في الشراء. ويضاف إلى ذلك أن تحديد السعر من خلال المفاوضات يعطي ميزة لمن هو أقدر عليها. وهنالك، إضافة إلى ذلك مخاطر الطرف المقابل، أي احتمال أن يعجز أحد الطرفين على الوفاء بما تعهد به. وهكذا نشأت الحاجة إلى العقود المستقبلية التي يمكن أن تحل مثل هذه المشكلات.
إن العقد المستقبلي، في أساسه، عقد مقدم يتعلق بحجم العقد، وقدرة الاستحقاق، وجودة المنتج، ومكان التسليم، وأمور أخرى. ويتم تداول العقود المستقبلية في البورصات التي تتداول في العمليات بين المشترين، والبائعين. ونظراً لكون معظم هؤلاء يتعاملون من خلال البورصات، فإن مشكلة المصادفة متعددة الأطراف يمكن أن تحل. كما يمكن أن تعد الأسعار المستقبلية أكثر عدالة لأنه يتم التوصل إليها من خلال التفاعل بين عدد كبير من المشترين والبائعين، وبالتالي يمكن تجنب فرض جهة ما السعر الذي ترغب فيه على جهة أخرى. ويتم حل مشكلة الطرف المقابل من جانب البورصة نفسها نظراً لكونها الجهة الضامنة لكل الصفقات من خلال كونها مشترية لكل بائع، وبائعة لكل مشترٍ.
أما عن الخيار، فهو يمنح حامله الحق، دون الالتزام، بشراء (أو بيع) الأصل الأساسي بسعر مقرر مسبق في أي وقت يسبق موعد الاستحقاق.
وأما بالنسبة إلى المقايضات المالية، فهي عبارة عن اتفاقية تعاقدية يتفق بموجبها طرفان على تبادل الدفعات خلال فترة زمنية، قائمة على مقدار الأصل الأصلي. وأما معدل الفائدة الذي يتم بموجبه تبادل الدفعات، فيجب اتخاذ القرار بشأنه مقدماً، سواء كان ذلك مبلغاً معيناً، أو مبلغاً قائماً على مقياس مرجعي.
#3#
يتم في الغالب مزج السندات، والمشتقات المالية، في التمويل التقليدي لتوليد أدوات مالية تعرف بمشتقات السندات، ومن أمثلة ذلك السندات المستقبلية، وخيارات السندات. وإن السند المستقبلي عبارة عن التزام تعاقدي لحامل العقد لشراء أو بيع سند بتاريخ محدد، وبسعر مقرر مسبقاً. ويمكن التداول بمثل هذا السند في سوق بورصة مستقبلية، ويتم تحديد الأسعار، والتواريخ في الوقت الذي يشترى فيه السند. والسندات المستقبلية الحكومية هي عبارة عن عقود لشراء سندات مقدمة صادرة عن الحكومات. ومن أمثلة ذلك أن موقع يورونكست. كوم، على الشبكة يزود العقود المستقبلية لسندات الحكومة اليابانية على أساس أنها مشتقات سندات مالية.
أما على صعيد التمويل الإسلامي، فإن من أوائل الجهود المعروفة لربط الصكوك بالمشتقات المالية ما جاء في صورة صكوك المشاركة مع حقوق مرتبطة بها، وضمانات في الربع الأول من عام 2008، وذلك في إطار نشاطات WCT للهندسة.
إن الضمانة هي أداة مشتق مالي تمنح حاملها الحق، دون الالتزام، بشراء أوراق مالية في شركة بأسعار مقررة سلفاً ضمن إطار زمني محدد. ويحمل الصك المصحوب بالضمانة ميزة تمكين جهة الإصدار من دخول أسواق رأس المال، بتمويلات أدنى، كما أنه يسمح بتنويع المحفظة الاستثمارية للمستثمرين من خلال خاصية الضمانة.
لقد دخلت WCT الهندسية، وحاملو الصكوك في مشروع مشترك وفقاً لاتفاقية مشاركة. وكان موضوع المشروع المشترك هو المساهمة المباشرة في النشاطات العملية العامة لـ WCT الهندسية. وساهم المساهم الرئيسي، بصفته حامل الصكوك الأساسي، بمبلغ 300 مليون رينجنت ماليزي. وتم إثبات مساءلة جهة الإصدار أمام حاملي الصكوك بإصدار صكوك المشاركة التي تمثل ملكية منفعة غير مقسمة لحاملي الصكوك في المشروع المشترك.
ويتم توزيع الأرباح الناجمة عن هذا المشروع المشترك بين جهة الإصدار، وحاملي الصكوك وفقاً لنسبة توزيع أرباح متفق عليها مسبقاً، بينما يتم تقسيم الربح الموزع على حاملي الصكوك وفقاً للقيمة الاسمية للصكوك التي يحملها كل منهم. وأما فيما يتعلق بالخسائر، فإنها سوف يتم تقاسمها من جانب كل من شركاء المشاركة وفقاً لمساهمتهم الرأسمالية في المشروع المشترك.
ويجب على WCT للهندسة، نيابة عن حملة الأسهم، الالتزام بشراء كل الصكوك القائمة.
ونظراً لكون هذه المشاركة مع صكوك الضمانات واحدة من الهياكل الأولى لمزج الصك مع مشتق مالي، فإنها تظهر أن هنالك مجالاً واسعاً في التمويل، وبالذات لعقود المشتقات المالية، وغير ذلك من هياكل المشتقات المهجنة التي توجد في التمويل التقليدي، والتي لم يطرق أبوابها التمويل الإسلامي.
هنالك جدل واسع للغاية فيما يتعلق بالمشتقات المالية في إطار مبادئ تطبيق الشريعة الإسلامية، ومسألة قانونيتها، أو عدم ذلك. وقد بدأ ذلك الجدل للمرة الأولى انطلاقاً من أوائل سنوات ثمانينيات القرن الماضي، وهي تلك الفترة التي شهدت بداية الانطلاق الحقيقي، والنمو، للتمويل الإسلامي نفسه. وقد اعترض عدد من علماء الشريعة الإسلامية على استخدام المشتقات المالية من عدة منطلقات أبرزها:
إن ذلك يمكن أن يكون شكلاً من أشكال بيع الدين مقابل دين آخر (بيع الكيل بالكيل) وهو من الأمور المحرمة.
إن القيمتين المتقابلتين في المبيعات المستقبلية غير موجودتين في وقت توقيع العقد. وبالتالي، فإن ذلك لا يمثل بيعاً أصلياً، بل إنه مجرد تبادل للوعود. ويصبح البيع صالحاً، وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية، إذا تم تأجيل الثمن، أو التسليم، ولكن ليس الاثنين معاً.
إن مبيعات الخيارات هي مجرد حقوق للشراء، أو البيع، وبالتالي فإن الحصول على رسوم أتعاب مقابل ذلك غير مسموح به من الجانب الشرعي.
حتى تكون عملية البيع صالحة، لا بد أن يكون هنالك تحويل لملكية المادة المباعة. وإذا كان البائع لا يملك تلك المادة، فلن يكون بمقدوره نقل ملكيتها. وإن المنطق الحاكم لمتطلب الحصول على ملكية المادة المراد بيعها هو منع الغرر. ويتم في بعض الأحيان فصل هذه القضية عن الاعتراض القانوني الآخر ضد المشتقات المالية. ويخفق البيع المستقبلي في تحقيق متطلبات القبض، أو الحصول على حيازة المادة قبل القيام بعملية البيع.
#4#
أخيراً، فإن التداول بالخيارات يتضمن المضاربة، كما أنه قريب من الميسر، والغرر.
لقد وجد عدد كبير من العلماء المسلمين أن بيع الدين بالدين، أو الكيل بالكيل، ممنوع في الشريعة الإسلامية. وقرر الإمام أحمد بن حنبل، إمام المذهب الحنبلي، أن إجماع الناس حرّم بيع الديون استناداً إلى الحديث النبوي الذي مفاده أن الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ حرّم بيع الكيل بالكيل.
لقد تم تطبيق هذا المنع على العقود المستقبلية لأن بإمكان الطرفين تعويض العمليات من خلال بيع “الديون” التي يتحملونها لأطراف أخرى قبل موعد تسليم الأصل الفعلي. وهنالك قناعة عامة بأن هذه الخاصية ترقى إلى بيع الدين، وبالتالي فإن ذلك من المحرمات.
ويرى العالم الإسلامي الكمالي في كتابه “القانون التجاري الإسلامي: تحليل للعقود المستقبلية”، أن هنالك خلافاً في المدارس الإسلامية حول وجود إجماع على تحريم تبادل الدين، كما أنه يرى أن الحديث الذي يستند إليه ذلك لم يرد إلا في بعض المصادر، إضافة إلى أن كثيراً من العلماء المسلمين يعتبرونه غير موثوق المصدر. ويضيف الكمالي أن عدداً من فقهاء الإسلام يجيزون بيع الدين، وبالتالي فإن مبدأ هذا البيع يجب أن يظل قائماً، طالما كان بعيداً عن الربا، والغرر.
وأما بالنسبة إلى العقود المستقبلية، فيرى أنها عقود شراء وبيع بين المشتري (أو البائع)، وبيت المقاصة فقط، وبالتالي فإنه لا يوجد طرف ثالث في هذه العملية. وهذا يعني أنه لا توجد عوامل عدم يقين حول المقاصة، والتسليم. ويبدو رأي الكمالي قريباً من الحقيقة فيما يتعلق بالعقود المستقبلية نظراً للطبيعة الخاصة لمثل هذه العقود. والحقيقة هي أن بيت المقاصة يعمل كبائع لكل مشتر، وكمشتر لكل بائع، كما هي الحال في جميع عمليات البيع المستقبلي. وهنالك ضمان لكل عملية. وليس هنالك تفاعل بين متداول وآخر. وبالتالي ليس هنالك بيع للدين بالدين.
لا تسمح الشريعة الإسلامية إلا بشكل واحد من عقود القيم المتقابلة الذي يطلق عليه (بيع السلم). وهنالك عدد كبير من الأحاديث التي تحرم بيع البضائع غير الموجودة، حيث أورد جابر عن الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قوله إنه يحرّم بيع الفواكه قبل أن تنضج. وورد كذلك عن ابن عباس ـــ رضى الله عنهما ـــ أن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ حرّم بيع التمور قبل نضجها، وكونها صالحة للأكل، والوزن. والمقصود بالوزن إمكانية تقدير وزنها. وورد كذلك عن ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ أن الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ حرم بيع الفاكهة حتى تعرف جودتها، وكذلك بيع الصوف وهو على ظهر الأغنام، وبيع الحليب وهو لا يزال داخل الضرع. وإن احتمال وجود الغرر في كل ذلك، إضافة إلى وجود عنصر الجهالة، هو ما جعل الأمر محرماً، حسب هذه الروايات.
أما بالنسبة إلى ابن القيم، وأستاذه الشيخ ابن تيمية، فقد أجازا بيع الأشياء غير الموجودة؛ طالما جرت العادة على الاتفاق على وجودها فيما بعد. وقد استندا في ذلك إلى أنه لا يوجد تحريم واضح لهذا الأمر في النص القرآني، أو السنة الشريفة، كما أن الأحاديث التي تحرم بيع البضائع غير الموجودة تصف حالات المخاطرة، وعدم التأكد المتطرفة التي يمكن ألا تكون البضاعة في ظلها متوافرة للتسليم في الوقت المتفق عليه. ووجدا أن بيع البضاعة غير الموجودة محرّم إذا كان هنالك جهل بوجودها في المستقبل. وبالتالي، فإن التحريم مستند إلى وجود الغرر، وليس على عدم وجود البضاعة نفسها.
يرى فقهاء إسلاميون آخرون أن تنفيذ النشاطات العملية يتطلب تخطيطاً مسبقاً، وأن على جميع الأطراف التعاقد على منتجاتها، ومدخلاتها بصورة مسبقة، بغض النظر عن فكرة التمويل، حيث يرون أن السلم هو مجرد عقد تمويلي. وإن أبسط صورة لهذه المعاملات هي خطاب الائتمان، حيث يتضمن، على نحو دائم بيعاً مؤجلاً من حيث وقت التسليم، والثمن، وهما من الأمور التي تتأثر بتطورات المستقبل في الوقت ذاته. ويعتقد هؤلاء الفقهاء أن السند الوارد في السنة النبوية الشريفة حول تأجيل هذين الأمرين ضعيف للغاية، وبالتالي فإنه ليس هنالك أي إجماع للفقهاء حول هذا الأمر الذي يعد إحدى ضروريات الحياة، إلى درجة لا يمكن لشريعتنا الإسلامية السمحة أن تضعه ضمن الأبواب غير القانونية من التعاملات المالية. ولا يعني ذلك أن العقود المستقبلية مسموح بها على إطلاقها، لأنه لا بد من وجود شروط معينة في الصفقات التجارية تسمح بتأجيل كل من السعر، وتسليم البضاعة ذات العلاقة. ولا يسمح أبداً بأي من الممارسات التي تغلب عليها المضاربة على السعر وحده، وهو الأمر الذي يحدث في العادة في العقود المستقبلية لتجارة السلع.
انطلاقاً من ذلك، فإن هذه الفئة من الفقهاء ترى أنه ينبغي السماح بتأجيل القيمتين المتناظرتين لأسباب تتعلق بضرورات تيسير أمور الحياة العملية. وأما جانب المضاربة في كل ذلك، فهو محرم على الإطلاق.
يرى الكمالي أن عدم وجود القيمتين المتناظرتين في العقود المستقبلية، أو في عقود الخيارات لا يرقى إلى مرتبة الغرر نظراً لوجود وظيفة الضمان الخاصة ببيت المقاصة التي وجدت لغرض منع وجود عامل عدم اليقين، والغرر بخصوص الوفاء بشروط العقد. وهذا مقياس غير مسبوق لمنع الغرر في تاريخ التجارة من منطلق أن وظيفة الضمان المتوافرة في هذا الشأن لا تترك أي أمرٍ للمصادفة، من حيث عوامل الطقس، والأمور السياسية، والأسواق.
وتنظر هذه المدرسة الفقهية إلى الخيارات على أساس أنها مجرد حقوق للشراء والبيع، وبالتالي فإنها لا تجيز تقاضي رسوم أتعاب مقابل إنجازها.
ويرى الفقيه الإسلامي، عثماني، أن الخيار هو وعد، وأن هذا الوعد بحد ذاته مسموح به شرعاً، حيث إنه يقيد صاحبه. غير أن تقاضي رسوم أتعاب على مثل هذه الوعود يجعلها غير جائزة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية. ويرى هذا العالم الإسلامي أن هذا الأمر ينطبق على كل أنواع الخيارات.
وتقوم وجهة النظر الفقهية هذه على حقيقة أن الخيارات هي مجرد حقوق، وليست، بأي حال من الأحوال، أصولاً ملموسة، ولذلك لا يمكن أن تكون مسألة خاصة بالبيع والشراء كما تقول أكاديمية الفقه الإسلامي التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، حيث جاء في ذلك “إن عقود الخيارات كما هي مطبقة في الوقت الراهن في عالم الأسواق المالية هي نوع جديد من العقود الذي لا ينضوي تحت أي من العقود التي تراعي تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية. ونظراً لأن موضوع العقد ليس مبلغاً من المال، أو منفعة، أو حقاً مالياً، فإن مثل هذا العقد لا تسمح به مبادئ الشريعة الإسلامية”. وقد أكد على قرار أكاديمية الفقه هذا، المجلس الأوروبي للفتوى، والأبحاث.
ويعترف القانون الإسلامي بالتجارة في الأشياء غير الملموسة، مثل خدمة المنفعة التي هي حق يعطى بموجب الخيار. وإن الحقوق بموجب الخيار ليست لديها صفة كونها ملموسة، أو حقيقية، بل إنها شبيهة بحق استباقي تحوطي، مثل حقوق الرعاية التي يسمح بها في الشريعة، دون السماح ببيعها من أجل التعويض النقدي.
لقد حاولت هذه الدراسة أن تقدم تصوراً شاملاً لوضع المشتقات المالية في التمويل الإسلامي. وقد تبين أن السماح بالتعامل بالمشتقات المالية التقليدية، مثل العقود المقدمة، والعقود المستقبلية، والخيارات، لا يزال موضع نقاش فقهي، حيث إن غالبية الفقهاء تميل إلى الابتعاد عن التعامل بها. وإن السبب الرئيسي في اتخاذ مثل هذا الموقف منها هو مسألة تتعلق بالتخوف من حدوث الغرر الذي يتضمن الميسر، أو القمار. وبالتالي، فما زالت هنالك حاجة ماسة إلى مزيد من البحث في هذه العناصر ضمن المشتقات المالية التقليدية، بما يسمح بإجازتها من الجانب الشرعي. وهنالك قضايا كثيرة متعلقة بهذا الشأن بالغ الدقة، كما أن هنالك عدداً من الأسئلة المهمة حول الموضوع مثل: إذا خلت هذه العقود من عناصر الغرر، والميسر، والقمار، فهل يسمح بالتعامل بها بصورة مطلقة؟ إن كل هذه الأمور لا تزال بحاجة إلى كثير من البحث المعمق. وهنالك تعاملات إسلامية قد يكون في بعضها عنصر من عناصر تخفيف أثر عوامل معينة في مثل هذه العقود. وهي السلم، والاستضاع، والعربون، والاستئجار، وخيار الشرط، والوعد.