التمويل الإسلامي وتنمية العقارات السكنية والمشاريع الصغيرة للفقراء

بدأت العودة إلى تمويل العقارات السكنية وتنمية المشاريع الصغيرة للفقراء من قبل المصارف الإسلامية إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي، ذلك لأنها تعتمد على الأحكام الشرعية وتركز على الأخلاق والقيم، كما أنها أيضا تقدم برنامجا مميزا للارتقاء بالفرد والمجتمع، وتسهم بدور كبير في تقليل نسب الفقر والبطالة، ففي بنغلاديش على سبيل المثال يعتبر بنك “جرامين” تجربة رائدة في مجال الإقراض متناهي الصغر، حيث يحقق التنمية المستدامة ويحسن المستوى المعيشي للفقراء هناك.

إن المصارف الإسلامية نجحت في تمويل كثير من المشروعات الكبيرة عن طريق المشاركة المنتهية بالتمليك أو عن طريق المضاربة أو بيع المرابحة أو عقد بيع السلم أو عقد البيع الآجل أو عقد الإجارة أو عقد الاستصناع أو القرض الحسن، إلا أنها لم تُثبت وجودها بعد في قطاع تمويل العقارات السكنية وتنمية مشاريع الفقراء والمشاريع الصغيرة.

لذا يجب على المصارف الإسلامية دعم التمويل الإسلامي لإسكان الأفراد والمشاريع الصغيرة لتشمل أصحاب المهن الحرة والحرف وصغار التجار وحديثي التخرج في الجامعات وخاصة الفقراء، وبذلك تساعدهم جميعا على تنمية طاقاتهم وتذليل الصعوبات المالية أمامهم وتوفير مساكن وحياة كريمة لهم، وتحويلهم إلى أفراد منتجين يمتلكون مشروعات منتجة ويسهمون في العملية التنموية ويرتقون بمستوى معيشتهم واقتصاد بلدانهم.
ولعل الأعوام الماضية شهدت تضاعفا في حجم عمل المصارف الإسلامية، بما يسمح لها بلعب دور أساسي في تمويل المشروعات الصغيرة في الدول العربية والإسلامية، حيث تبرز أهمية التمويل الإسلامي ودوره في التصدي لمشكلتي الفقر والبطالة، لأن التمويل الإسلامي يضمن العدالة بين جميع الأطرف بحيث يحصل كل طرف على حقه، لذا يجب الإسراع في إنشاء مصارف للفقراء ومشاريع التمويل السكني والمشاريع الصغيرة، خاصة أن هذه المشاريع الصغيرة باتت تمثل إحدى أهم آليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في جميع البلاد الإسلامية.

كما ينبغي على المصارف الإسلامية الإسراع بالسعي إلى عمل نظام للتمويل الصغير ومناقشة كيفية تمويله، ودراسة كيفية تقديم القروض للفقراء في المناطق الريفية من أجل التخفيف من حدة الفقر في أنحاء العالم الإسلامي، والسعي إلى توفير التسهيلات للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع تصميم برامج للمنتجات المالية المناسبة للفقراء للإسهام في زيادة دخولهم وتحسين أوضاعهم الاجتماعية عن طريق مبادرة تمويل المشاريع الصغيرة.

إن المصارف الإسلامية تستطيع تطوير العقار السكني وخصوصا في المدن السكنية الحديثة، حيث إن الشركات العقارية والمصارف الإسلامية ستلعب دورا أكبر في تطوير المدن السكنية إذا ما لقيت التشجيع من الحكومات الإسلامية. كثير من فقراء المسلمين سوف يستفيدون من الحصول على التمويل الإسلامي للمشاريع الصغيرة، باعتباره إحدى الوسائل التي تمكنهم من التغلب على الفقر، وهو ما يجب على المصارف الإسلامية القيام به وتطويره ودعمه بمنتجات إسلامية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتتلاءم مع احتياجات عملاء القروض والمشاريع الصغيرة، حيث إن القروض الصغيرة ليست مجرد مبالغ متواضعة تستعمل لتمويل مشاريع صغيرة، بل هي دعم لأفكار كبيرة ووسيلة للخروج من دائرتي الفقر والبطالة ـــ كما يحصل في كلٍ من إندونيسيا وبنجلاديش.

كانت التجارة في السابق وفي العصور الإسلامية تلعب دورا مكملا لانتشار الإسلام، لذا فإن الإسلام يتطلع نحو الاستثمار والنماء للمجتمع، وأنه من الضروري تطوير منتجات إسلامية متوافقة مع أحكام الشريعة وتلبي احتياجات الفقراء ومحدودي الدخل وتمكنهم من خلق فرص عمل لهم وتحسين مستوى معيشتهم، والحد من الفقر والبطالة، خاصة للشباب، ومساعدتهم على الاعتماد الذاتي من خلال الأنشطة المصرفية، وتقديم القروض والتسهيلات والخدمات المالية للطبقة الفقيرة في المجتمع بغرض إنشاء مشروعات صغيرة تدر عليهم دخلا لإعالة أنفسهم وأسرهم.

إن المصرفية الإسلامية أمامها كثير من التحديات نظرا لأنها لا تزال عبارة عن صناعة حديثة يتعين عليها كثير من العمل من أجل ترسيخ مصداقيتها.

إن الصناعة المصرفية الإسلامية هي واحدة من أسرع الصناعات في جميع أنحاء العالم في تقديم المنتجات المصرفية الإسلامية على أساس اجتماعي، فمن أهم مقاصدها الإسهام في تحقيق التنمية الاجتماعية، ومنها على سبيل المثال القرض الحسن وصرف جزء من الزكاة إلى الأسر الفقيرة وطلاب العلم، وتختص بمكافحة الفقر والبطالة، من خلال تقديم القروض لتعينهم على خفض الفقر واستقرار المجتمع وتوازن نموه ودعم شريحة الفقراء والحد من الفقر من خلال دعم أصحاب المشاريع الصغيرة.

لذا يجب على المصارف الإسلامية الإسراع بإنشاء مصارف للإقراض متناهي الصغر، بهدف تفعيل الآليات اللازمة لهذا النوع من الإقراض في الدول العربية والإسلامية للوصول إلى جميع فئات الفقراء في المجتمع، ودعم إنشاء المشاريع الصغيرة المنتجة وتطوير المشاريع القائمة وتنشيط هذه الصناعة لتكون جزءا لا يتجزأ من القطاعات المالية القائمة، كإحدى دعائم الاقتصاد الإسلامي، كما أن المصارف الإسلامية مطالبة بإيجاد أدوات ومنتجات استثمارية عالمية ترافقها أدوات وخدمات إسلامية مقبولة لدى الجميع، وذلك بفتح فروع لها في جميع المناطق بحيث تصل إلى كافة الفقراء وخاصة المناطق الريفية للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الفئات المستهدفة.

كما يجب على المصارف الإسلامية، بالتعاون مع الجمعيات والمؤسسات الخيرية، أن تغير مسارها في مساعدة المجتمع بابتكار وسائل أخرى لسد حاجة الفقراء، وذلك بمساعدتهم بمهن أو حرف تجعلهم يعملون بأيديهم، ونشر الثقافة والتوعية بأهمية المشاريع الصغيرة للتطبيق في الأسواق المالية الإسلامية والعالمية، والسعي إلى الابتكار وإجراء البحوث والدراسات التي يتم بموجبها الحصول على أدوات ومنتجات وخدمات إسلامية حقيقية متوافقة مع الشريعة الإسلامية لتنمية المشاريع الصغيرة ودعم الإسكان لتحقيق الأمن الاقتصادي في جميع بلاد المسلمين

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي