الأزمة المالية العالمية لن تنتهي إلا بانتهاء الربا ومراجعة آلية الدين
لم ينته الحديث بعد عن الأزمة المالية العالمية من حيث الأسباب والانعكاسات والمستقبل، ولكن الأهم من ذلك إلى أين وصل خبراء المصرفية الإسلامية لإثبات مدى جدوى تغليب خيار النظام المالي الإسلامي على خيار النظام المالي التقليدي.
كثيرون يعتقدون أن الأزمة المالية جاءت بردا وسلاما على سوق المصرفية الإسلامية وسنحت فرصة كبيرة للعالم للتعرف على هذا النظام الذي استطاع أن يرسو بالمؤسسات والبنوك الإسلامية إلى بر الأمان.
وما بين ميزات المصرفية الإسلامية وتحدياتها تقع مسؤولية تصحيح وضعها لتكون هي الخيار الغالب للنظام المالي عالميا، كما أن بين أسباب الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها خرج كثير من التساؤلات لتقييم تجربة المصرفية الإسلامية وتطوير منتجاتها
طرح عدد من خبراء المصرفية الإسلامية من السودان كثيرا من التقييمات والأفكار مع مسح خفيف لتجربة السودان في هذا الصدد. يعتقد الخبير المصرفي السوداني الدكتور أحمد الصديق جبريل أن الأزمة المالية ستظل ماثلة لسنوات مهما تعددت أسباب معالجتها طالما هناك معاملات ربوية تغلغلت في مفاصل العمل المالي والمصرفي والاقتصادي في تلك البلاد التي ما زالت تنظر إلى أن الربا عنصر مالي لا بد منه.
وأكد جبريل أن الربا هو أس المشكلة، حيث إن الدين انحصر فقط في ما يمكن تبادله من أصول مادية مقابل الدين (التجارة بكل أشكالها!) لأن الدين العادي هو آلية معقولة لانتقال الأصول عبر الزمان والمكان فهو لازم ـــ أحياناً ـــ للتجارة وهو في هذا يدخل في باب البيع الحلال، ولهذا قفل باب الربا الذي يخلق هذا الدين الربوي وفتح الباب للدين العادي الذي يخلق النماء عن طريق التبادل مع الأصول (أي التجارة).
وأوضح جبريل أن الجشع هو الدافع في علم الجريمة ولكن كيف تتم الجريمة؟ تتم بالاستدانة المتعاظمة والاسترسال في الاستدانة لتحقيق ربح لا يمكن تحقيقه بالتعامل الاقتصادي أو المالي العادي لأن ذلك لا يشبع رغبة الجشعين والساعين لتحقيق أرباح سريعة وهائلة لا يمكن الحصول عليها بتمويل مشاريع حقيقية وانتظار نتائجها، ولهذا بدأ الانفصال عن الواقع الحقيقي لإيجاد عالم مالي له زخم داخلي خاص به.
و لذلك ـــ والحديث لجبريل ـــ هناك ضرورة لإعادة النظر في مراجعة آلية الدين نفسها، وما يقود إليها هو وجود سعر الفائدة، حتى لو كان هناك إجماع على أن الأزمة أو الانهيار وقع عندما توقفت البنوك عن إقراض بعضها تماماً، وأن مظهر ذلك كان ارتفاع سعر الفائدة في سوق ما بين البنوك أو سعر الفائدة الليلية للمدد القصيرة قد ارتفع بصورة جنونية ـــ لعدم وجود العرض ـــ لم يخطر لهم العلاقة الأساسية بين الدين وسعر الفائدة ولم تظهر لهم القاعدة: إذا اختفى سعر الفائدة اختفى الدين (الربوي) ولم يبق للبنوك من ملجأ إلا أن تلجأ لتسييل أصولها (من أسهم، عقارات، أو تطلب رؤوس أموال جديدة، أو تطلب «قروضاً») من الحكومات أو البنوك المركزية (كما حدث فى كل الحالات التي سمعنا عنها..) أي أن تلجأ أو تهبط إلى العالم أو الاقتصاد الحقيقي طالبة منه يد العون!!وهو ما يظهر في شكل تدخل الدولة.
وعليه فإن اتجاهات الحلول التي جرى ويجري اتخاذها لمعالجة الأزمة هي أولاً إجرائية، وثانيا غير مرتبطة بأس المشكلة، فمشكلة الجشع التي أنتجت الدين الهائل الذي أطاح بالأسواق المالية احيلت إلى عدة بنوك أو قادة بعض هذه البنوك أو تقاعس بعض السياسيين أو المنظمين Regulators عن كبح جماح الأسواق. وعاد جبريل فقال إن هذه الأزمة سببها الأنظمة الاقتصادية الوضعية، حيث شهد القرن الماضي انهيار النظام الاشتراكي، واليوم يشاهد العالم أعنف الأزمات المالية التي سببها النظام الرأسمالي، بالرغم من كل الإجراءات المحكمة التي تقوم بها الهيئات الدولية لإحكام التعامل المصرفي؛ مثل مقررات “بازل II“ والأسس والقواعد التي تدار بها المصارف ونظام إدارة المخاطر، وكذلك بالرغم من وجود هيئات التصنيف الدولية ووفق أسس دقيقة، انهار النظام الرأسمالي، وبدأ العالم يبحث عن الحلول ولجأ إلى الضخ السيولي، إلا أن الأزمة ما زالت قائمة، والعالم في حيرة.
#2#
وأكد جبريل أن نظرية الاشتراكية التحكمية التي كان سائدة في السابق انهارت بالرغم من أنها كانت القطب الأوحد في العالم، وازدهر النظام الرأسمالي من بعدها، وجمعت الأموال في صعيد واحد تأتلف فيها الدول والمؤسسات حتى تحكم خبطة المال والتصرف فيه في العالم أجمع، واستخدمت في ذلك أدوات مختلفة منها التجارة العالمية ومن بعد ذلك اسماء أخرى، ومن لا يكون في هذا النظام يكون مخالفاً. وظنت هذه النظرية أنها حكمت كل الفكر الإنساني وأحكمت كل التقنية المستخدمة في ذلك ودانت لها من وسائل الاتصال ما يمكن للإنسان أن يربح ويخسر على ساعات من الزمان. و لم يقتصر هذا الانهيار على دولة بعينها بل شمل كل العالم وذلك لارتباط العالم ببعضه البعض، حيث إن النظريات قائمة على غير حقائق حلّت بموجبها خسائر جسيمة ويمكن تفسير تأثر العالم بهذه الأزمة لظهور ظاهرة الاتصال والتمازج Integration التي سميت أخيراً بالعولمة، حتى إذا ظهرت المشكلة في اقتصاد معين، انتقلت بسرعة إلى أماكن أخرى كما وجدت في جنوب شرق آسيا في نهاية التسعينيات، وكما يحدث الآن في العالم كله بالتدريج. وبالتالي ـــ والحديث لجبريل ـــ فإن السبب في كل هذه الأزمات واحد، هو الدين Debt المبالغ فيه والذي لا يبرره النشاط الحقيقي وإنما يسنده نشاط مرتبط ومساعد على نمو الدين نفسه، كما أن التدخل لإصلاح الأوضاع من قبل حكومات أو حكومة العالم كان دائماً هو رد الفعل الأساسي عن طريق إعطاء جرعات مالية إضافية أو جرعات تنظيمية Regulatory عن طريق صندوق النقد الدولي أو شبكات المانحين لتبرير التدخل السياسي ـــ كما حدث في فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان؛ وذلك عندما برزت إلى السطح الاشتراطات السياسية Political Conditionalties في معالجة الاختلالات المالية، ولعل أبرزها هو معالجة دين العالم الثالث عن طريق آلية الـ Hipic (الدول الأكثر مديونية) وهو تدخل انتقائي سلبي ليس باعطاء موارد ولكن بإعفاء ديون.
أما بما يتعلق بانطلاق شرارة الأزمة المالية العالمية من أمريكا تحديدا، فإنه ـــ بحسب جبريل ـــ يعود أولا للمبالغة في تقديم القروض، وهو ما يعني أن البنوك العالمية الكبرى تمادت في إعطاء القروض وخاصة في السنوات الأخيرة. من دون التأكد من الملاءة المالية. ومما فاقم الوضع سوءاً هو الاستمرار في ايجاد الأدوات المالية من صناديق التحوط إلى التسنيد وغير ذلك من الأدوات، التي باختصار، تعيد إعطاء القروض بناء على القروض المقدمة مسبقا،ً فيصبح المال المقترض قائماعلى أصول لا تتجاوز قيمتها 10 في المئة من القروض في النهاية ـــ إن لم تكن النسبة أقل من ذلك، ووفقاً للإحصاءات المالية فإن نسبة القروض المحلية إلى الناتج القومي في أمريكا ارتفعت من 21 في المئة إلى 165 في المئة خلال عامين، مما يدل على التوسع غير العقلاني في الإقراض؛ الذي أدى إلى ارتفاع نسبة الديون المعدومة وتداعي الجهاز المصرفي هناك.
ثانيا المبالغة في تقييم الأصول الرأسمالية والهوامش المالية عليها، فقد لوحظ ـــ وفق جبريل ـــ أخيراً عند حدوث الصفقات المالية وخاصة من قبل البنوك والمؤسسات المالية اللجوء إلى تقييم الأصول بشكل أكثر بكثير من قيمتها الحقيقية، إضافة إلى وضع هامش ربحي عال يأخذه البنك على المستثمرين مقابل بيعهم هذه الأصول أو الرساميل الخاصة من خلال صناديق مالية متخصصة. ثم يعاد تداول هذه الأصول بين المستثمرين أو في السوق المالية أيضا،ً وكل مرة تتم إعادة تداولها ثم إعادة تقييمها مرة أخرى بقيمة أكبر وهكذا .. مما ينجم عنه حدوث فقاعة مالية كبيرة كان لا بد من تصحيحها.
الأزمة المالية العالمية فضحت عواقب النظام الربوي
وعن أهمية الاستفادة من هذا الواقع الذي أفرزته الأزمة المالية العالمية وفضحت فيه عواقب النظام الربوي، قال المحلل المالي السوداني عبد الرحمن بخيت العطا، هناك التفات دولي إلى تجربة المصارف الإسلامية، ولكن ما زال أمام المصارف الإسلامية تحديات لتصل إلى مرحلة النضج. والحديث عن اقتصاد إسلامي مجسد في الحياة اليومية للناس، بحيث تكون بديلا للبنوك التقليدية. ولفت العطا النظر إلى أن الأزمة المالية الراهنة وجهت الأنظار بشكل قوي نحو المصرفية الإسلامية لتكون الحل الأمثل إذا طُبقت معاييرها الحقيقية للخروج من الأزمة والنهوض مرة أخرى باقتصاديات العالم. وعلى سبيل المثال فقد أعلنت أمريكا أنها تريد أن تبحث بعمق أكثر في المصرفية الاسلامية إيمانا منها بأنها قد تكون الحل للخروج من الأزمة، كما أعلنت بريطانيا أنها تريد أن تكون مركزا للمصرفية الإسلامية في العالم. فهذا يدل على أن هناك عمقا حقيقيا للمصرفية الإسلامية وحلولا لكل ما يدور حول الأزمة المالية العالمية، ولكن الأجدر بنا نحن كدول إسلامية أن ننطلق بهذه المبادرات ونوجد حلولا مصرفية فاعلة، وأن نتفق على هذه الحلول ولا يكون لكل منا طريقته الخاصة في المصرفية الإسلامية.
والأهم من هذا أن تنبع من مصرفية الشركات وليس مصرفية الأفراد التي كانت محور الاقتصاد الإسلامي في الأعوام السابقة، إذاً الأجدر بنا أن ننطلق بهذه المبادرات والأجدر بنا أيضاً أن نكون مصرفية شركات ونشجع الاستثمار، لأن المصرفية الإسلامية تتميز بأنها مدعومة بالأصول الحقيقية؛ فليس هناك ما يدعو للانهيار المالي، وانما في الخارج كان هناك المتاجرة بصروح من الورق, فالمصرفية الإسلامية فيها كثير من العمق المالي، وحتى طريقة العقود المصرفية والمعاملات بين البنك والأفراد تحكمها نظم غاية في الدقة؛ مما يجعل من هذه المصرفية المستقبل للسوق المالية في العالم.
#3#
أما من ناحية مقارنة النظام المالي الإسلامي بالتقليدي فإن العطا يرى أن النظام المالي الإسلامي بلا شك هو النظام الفاعل اقتصادياً؛ وما يبرهن على ذلك الانهيار المالي العالمي الآن، الناجم عن تبادل صروح من الورق دون أن تدعمها أصول حقيقية كالتي ينادي بها الإسلام. وسبق ذلك انهيار النظام الاقتصادي الشيوعي المعاكس للنظام الرأسمالي الحالي. حيث تتوجه الأنظار العالمية حالياً إلى النظام المالي الإسلامي، فقد صرح كثير من الدول أخيراً ـــ ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية ـــ بنيتهم التوجه بقوة نحو دراسة وتحليل النظام التمويلي المطابق للشريعة الإسلامية لاعتقادهم أنه الحل الأمثل للخروج من الأزمة المالية الحالية.
ويتلمس العطا تجربة المصارف الإسلامية من خلال معرفة حجم الصناعة المالية الإسلامية مقارنة بحجم الصناعة المالية العالمية، حيث إنها ناشئة وحجمها قليل، إلا أنها أثبتت وجودها من خلال المدة التي برزت فيها. وأضاف العطا: كذلك يمكن تلمس الآثار من خلال بعض التعاملات المرفوضة من الناحية الشرعية، التي ربما تكون أحد أسباب هذه الأزمة المالية، فهي لا تتعامل معها المؤسسات المالية الإسلامية كالمسائل المتعلقة بتبادل الديون والتعامل بالمشتقات المالية. ولكن ربما تكون هناك خطورة في الأزمة المالية على الصناعة المالية الإسلامية في بعض منتجات إدارة السيولة أو بعض منتجات بدائل الودائع (المرابحة العكسية)، إذا كانت مع بنوك خارجية تعرضت إلى مثل تلك الأزمة. وقد تكون هناك خطورة في خسائر استثمارات تكون خارج الميزانية وليس داخلها بأموال المستثمرين خاصة في سوق الأسهم، وهناك صناديق كثيرة في البنوك الإسلامية تتعامل مع أسواق الأسهم العالمية. ومن خلال هذه المعطيات، فإن العطا يؤكد أن الصناعة المالية الإسلامية تتأثر بالأزمة المالية، ما يعني أهمية أن تتبنى الأجهزة الحكومية قرارا سياسيا يتبنى الصناعة المالية الإسلامية باعتبارها فرصة للعالم الإسلامي لتسويق مثل هذه الصناعة، مع الاستعانة بمراكز متخصصة في الصناعة المالية الإسلامية، حتى يكون للعالم الإسلامي دور ريادي لمجابهة مثل هذه الأزمات. وبحسب العطا، فإن الصعوبات التي تواجهها المصارف الإسلامية في الانتشار سواء في العالم الإسلامي أو الغرب تختلف باختلاف الأنظمة والأهداف، مستدركا أن أداء المصارف الإسلامية في أغلبية البلدان تنقصه التشريعات المصرفية اللازمة للنهوض بأداء هذه المصارف في البلدان العربية والإسلامية المختلفة. وقال: لو وجدت هذه البنوك البيئة الصالحة للنمو والتقدم لتقدمت بشكل أكبر، وعموماً يواجه العمل المصرفي الإسلامي بعدة صعوبات ومعوقات.
وأجمل العطا تحديات المصرفية الإسلامية في الآتي:
(1) من أهم العقبات التي تعترض مسيرة تقدم المصارف الإسلامية وتحد من توسعها عدم وجود التشريعات والقوانين الملائمة لطبيعتها من قبل الحكومات في بعض الدول الإسلامية، حيث إن القوانين التي تحكم أنشطة المصارف الإسلامية وخاصة التي تنظم علاقتها بالبنك المركزي مثل معدل الاحتياطيات والسيولة النقدية وقيود التمويل ... إلخ وضعت على نمط القوانين التقليدية التي لا تلائم طبيعة الاستثمار الإسلامي، وإن إلزامها بهذه القوانين يعرقل من دورها الاستثماري والتنموي.
(2) المنافسة الشرسة من قبل المصارف العالمية التي تمتاز بارتفاع مستوى خدماتها، وخاصة عقب افتتاحها أقساما خاصة بالمعاملات الإسلامية، لذلك ينبغي على المصارف الإسلامية أن تتجه إلى تحقيق مستوى الجودة الشاملة في خدماتها المصرفية من خلال تطبيق أحدث أساليب التقنية والاتصال .
(3) رغم ابتكار المصارف الإسلامية عديدا من الصيغ والآليات المصرفية الإسلامية في هذه المرحلة إلا أنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من هذه الأدوات. والتحدي الذي يواجه المصارف الإسلامية هو حاجتها لآليات تستطيع التوفيق بين رسالتها في التنمية وإعمار الأرض، التي تتطلب توظيف المدخرات في مشروعات طويلة الأجل وذات مخاطر مرتفعة، وبين رغبات المودعين في سهولة تسييل الودائع مع قلة المخاطر.
(4) ضعف رؤوس أموال المصارف الإسلامية، حيث تعد رؤوس أموال البنوك الإسلامية العاملة حاليا ضئيلا جدا مقارنة بالمصارف التقليدية، حيث أظهرت الدراسات أن قرابة 75 في المئة من البنوك الإسلامية يبلغ رأس مال كل منها أقل من 25 مليون دولار أمريكي فقط، مما يحول دون تحقيقها الأهداف التي أسست من أجلها. وللتغلب على هذه المشكلة ينبغي على المصارف الإسلامية تطبيق سياسة رفع رأس المال وتوسيع قاعدة المساهمين، ولا سيما الاستفادة من الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده المنطقة حاليا باندماج المصارف الإسلامية فيما بينها لتكوين كيانات كبرى تستطيع الصمود في ظل العولمة أمام المصـارف التقليدية المنافسة.
#4#
(5) يتطلب العمل المصرفي الإسلامي تأهيلا خاصا وكفاءات إدارية مدربة تكون على إلمام بطبيعتها المصرفية؛ على اعتبار أنها تختلف عن المصارف التقليدية، ويتم التغلب على هذه المشكلة بربط التخصصات المصرفية بفقه المعاملات الإسلامي وأصول الفقه الإسلامي وتنظيم الدورات المتخصصة وورش العمل.
(6) ضعف التنسيق والتحالفات فيما بين المصارف الإسلامية لاستغلال الفرص والاستخدام الأمثل للموارد.
(7) تواجه المصارف الإسلامية تحدياً كبيراً يتمثل في ضعف التنسيق فيما بين الهيئات الشرعية؛ ما ينتج عنه من تضارب الفتاوى الفقهية في معاملاتها، فمثلا بعض المصارف يجيز أعمال التورق والبعض الآخر لا يجيز العمل به، لذا على المصارف الإسلامية إيجاد قاعدة علمية مشتركة للاجتهاد الجماعي من خلال الندوات وورش العمل التي تضم متخصصين مصرفيين وشرعيين، والتنسيق فيما بينها وتوحيد الفتاوى حتى لا تضعف وجودها وبروزها في العمل المصرفي العالمي في أوساط الصناعة المصرفية التي بدأت تأخذ وتيرة سريعة وعالية في السنوات الأخيرة.
أما الخبير الاقتصادي الدكتور سيد البشير فيلفت النظر إلى أنه ما زال كثير من الناس يطرحون تساؤلات حول مدى مطابقة المصارف الإسلامية لمبادئ الشريعة في ظل قوانين أغلبية البنوك المركزية التي لا تعترف بخصوصية هذه المصارف.
وفي هذا الإطار قال البشير من الأوجب أن تكون المصرفية الإسلامية قائمة على الأسس والمبادئ المصرفية الإسلامية الصحيحة التي تهدف إلى الاستثمار والإنتاجية عبر المساهمة في رؤوس الأموال والمشاركة في الربح والمخاطرة، وليس تكرارا لما هو موجود في السوق المصرفية الحالية، حيث إن معظم أنشطة المصرفية الإسلامية القائمة حالياً هي أنشطة تهتم بالإقراض الذي يتركز جله في القروض الشخصية الاستهلاكية غير المنتجة، وحتى هوامش الفائدة على هذه القروض عالية وفي كثير من الأحيان أعلى من الفوائد على القروض التقليدية. وهذا بدوره لا يتواءم ـــ من وجهة نظري ـــ مع أهداف الشريعة الإسلامية من تطوير وتنمية اقتصاديات الدول.
وأضاف البشير: كما جرت عليه العادة فإنه في كثير من البنوك المحلية والعالمية يعمل البنك على الحصول على هامش ربحي عال منذ البداية من المستثمر فقط لإدخاله في الصندوق مما يرهق المستثمر ويقلل اهتمام البنك بادارة الصندوق بشكل ربحي جيد لأن البنك تسلم هامشه الربحي مسبقاً وقبل تشغيل الصندوق. وقال (لدينا نظرة نأمل تحقيقها في مجال الإقراض حيث إن نظام الإقراض أو عقود الإقراض في الشريعة الإسلامية تتضمن رؤوس الأموال بينما يشارك البنك بنسبة في الربحية للمشروع إذا ربح ولكن إذا خسر يرجع له رأسماله، مما يحقق ربحية أكبر للبنك ويعيد التوازن الاقتصادي).
تجربة السودان في مجال المصرفية الإسلامية
وعن تجربة السودان في مجال المصرفية الإسلامية، قال البشير، بدأت فكرة نشأة بنوك إسلامية في السودان في منتصف السبعينيات حيث كانت البداية بإنشاء البنك الإسلامي للتنمية في جدة وهو بنك حكومات، وتبع ذلك جهد شعبي وخاص نحو إنشاء بنوك إسلامية كان لسمو الأمير محمد الفيصل آل سعود فيها الريادة بدعوته لإنشاء بنوك إسلامية.
وأضاف البشير: لم يكن السودان بعيدا عن تلك الجهود، بل إن فكرة إنشاء بنك إسلامي في السودان برزت لأول مرة من جامعة أم درمان الإسلامية عام 1966م، إلا أن الفكرة لم تجد طريقها للتنفيذ. وفى فبراير 1976م أفلحت جهود الأمير محمد الفيصل آل سعود ونفر كريم من السودانيين في الحصول على موافقة السلطة الحاكمة آنذاك على قيام بنك إسلامي في السودان، وقد تم بالفعل إنشاء بنك فيصل الإسلامي السوداني بموجب الأمر المؤقت رقم 9 لسنة 1977م بتاريخ 4/4/1977م الذي تمت إجازته من السلطة التشريعية. ولذلك ـــ والحديث للبشير ـــ كل البنوك السودانية التي تعمل في شمال السودان بنوك إسلامية، وكانت لعهد بعيد البنوك السودانية في جنوب السودان أيضا تعمل بالصيرفة الإسلامية، غير أنه بعد اتفاقية نيفاشا للسلام بين الشمال والجنوب تم سحب كل البنوك الإسلامية من الجنوب وفقا لهذه الاتفاقية التي أعطت الجنوب حق تقرير المصير ومن بين ذلك اعتماد البنوك الربوية فقط. وبحسب البشير فإن التجربة السودانية هي الرائدة والأولى على مستوى العالم. وفى مايو 1977م اجتمع ستة وثمانون من المؤسسين السودانيين والسعوديين وبعض مواطني الدول الإسلامية الأخرى ووافقوا على فكرة التأسيس واكتتبوا فيما بينهم بنصف رأس المال المصرح به آنذاك البالغ ستة ملايين جنيه سوداني.
وفي 18 أغسطس 1977م تم تسجيل بنك فيصل الإسلامي السوداني كشركة مساهمة عامة محدودة وفق قانون الشركات لعام 1925م.
هذا وقد باشر البنك أعماله فعلياً اعتبارا من مايو 1978م لتحقيق عديد من الأهداف والأغراض أهمها القيام بجميع الأعمال المصرفية والتجارية والمالية وأعمال الاستثمارات والمساهمة في مشروعات التصنيع والتنمية الاقتصادية والعمرانية والزراعية والتجارية والاجتماعية، بجانب قبول الودائع بمختلف أنواعها، إضافة إلى تحصيل ودفع الأوامر وأذونات الصرف وغيرها من الأوراق ذات القيمة، والتعامل في النقد الأجنبي بكل صوره، كذلك سحب واستخراج وقبول وتظهير وتنفيذ وإصدار الكمبيالات والشيكات سواء أكانت تدفع في جمهورية السودان أو في الخارج، وبوالص الشحن وأي أوراق قابلة للتحويل أو النقل أو التحصيل أو التعامل بأي طريقة في هذه الأوراق، شريطة خلوها من أي محظور شرعي، مع إعطاء القروض الحسنة وفقاً للقواعد التي يقررها البنك، والاتجار بالمعادن النفيسة وتوفيرها وتوفير خزائن لحفظ الممتلكات الثمينة، والعمل كمنفذ أمين للوصايا الخاصة بالعملاء وغيرهم، وتعهد الأمانات بكل أنواعها والعمل على تنفيذها والدخول كوكيل لأي حكومة أو سلطة أخرى أو لأي هيئة عامة أو خاصة.