«نافتا»: أكبر تكتل اقتصادي في العالم الجديد..هل يجذب المصرفية الإسلامية

«نافتا»: أكبر تكتل اقتصادي في العالم الجديد..هل يجذب المصرفية الإسلامية
«نافتا»: أكبر تكتل اقتصادي في العالم الجديد..هل يجذب المصرفية الإسلامية
«نافتا»: أكبر تكتل اقتصادي في العالم الجديد..هل يجذب المصرفية الإسلامية

إن العالم اليوم كما يقال يعيش في قرية كونية في ظل العولمة، ولكن رغم ذلك ظهرت التكتلات الاقتصادية الإقليمية، وهي محاولة للدول الكبرى لإيجاد أسواق استثمار جديدة لها، فمع انهيار الاتحاد السوفيتي، وتكتل الاتحاد الأوروبي الناجح، أخذت الولايات المتحدة تعمل لإيجاد تكتل اقتصادي يضم دول الأمريكتين، فبدأت بثلاث دول وهي الولايات المتحدة وكندا (وهما دولتا أمريكا الشمالية) وانضمت المكسيك في أمريكا الوسطى لهذا التكتل، الذي يصل عدد سكانه تقريبا إلى 470 مليون نسمة، عدد سكان المكسيك منهم 112 مليون نسمة، وعدد سكان كندا 34 مليون نسمة والبقية هم سكان الولايات المتحدة، مما يجعل هذا التكتل أكبر تجمع اقتصادي عالمي، ينتج من البضائع والخدمات 17 تريليون دولار، تجارة الولايات المتحدة وحدها مع دول الـ «نافتا» قدرت عام 2008 بـ 1,1 تريليون دولار، مما حقق ما كانت الولايات المتحدة تهدف إليه لتوفير سوق لمنتجاتها واستثماراتها وأيدٍ عاملة رخيصة لصناعاتها. صدّرت الولايات المتحدة ما قيمته 482 مليار دولار واستوردت بـ 596 مليار دولار من شركائها في «نافتا». كان رقم الصادرات والواردات للولايات المتحدة من هاتين الدولتين 735 مليار دولار عام 2009. ووصل العجز التجاري الأمريكي مع دول «نافتا» 114 مليار دولار عام 2008.

مبدأ مونرو الاقتصادي

تعد خطوة تأسيس اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية NAFTA منطقة نفوذ اقتصادي للولايات، أي «مونرو» الاقتصادي وليس السياسي، حيث أعلن الرئيس الأمريكي مونرو عام 1823 أن الأمريكتين منطقة نفوذ للولايات المتحدة، فتحول المبدأ اليوم من النفوذ السياسي إلى الاقتصادي. فقد تمت مصادقة الكونجرس الأمريكي في السابع عشر من نوفمبر 1993 على اتفاقية منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية وبدأ سريان الاتفاقية في الأول من يناير 1994.
#2#
وتضم «نافتا» كلا من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وهذا الاتحاد كما يفهم من الاتفاقية المنشئة له مفتوح أمام باقي الدول الأمريكية بما في ذلك بعض دول أمريكا اللاتينية التي قد تنضم إليه في المستقبل. وإذا تفحصنا أهداف هذا الاتحاد نجدها لا تختلف كثيراً عن أهداف الاتحاد الأوروبي، فهي بعد تحقيق اقتصاد قوي للدول الأعضاء تعطي كل أولوياتها للقدرة على منافسة التكتلات الاقتصادية الأخرى الصاعدة على المستوى العالمي وبالخصوص الاتحاد الأوروبي، محاولة حجز مكان اقتصادي يناسب المكان المعتبر لهذه الكتلة وبالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت أصبحت فيه التكتلات الاقتصادية إحدى ظواهر عصر العولمة.

وتحاول واشنطن أن تجعل من «نافتا» تكتلا على غرار الاتحاد الأوروبي ، ولكن الاتحاد أخذ بعدا سياسيا، إضافة إلى الجوانب الاقتصادية، فهناك البرلمان الأوروبي والعملة الأوروبية الموحدة «اليورو»، وتم عقد اتفاقية أمريكا الشمالية للتعاون الاقتصادي NAAEC واتفاقية التعاون العمالي NAALC، وتهدف لتعزيز جوانب الاتفاقيات في مجالات متعددة تسعى واشنطن لضم دول أخرى إليه.

غضب عمالي يضغط على الكونجرس يدفعه للانسحاب من «نافتا»

هناك من يوجه انتقادا حادا للشركات الأمريكية التي استغلت اتفاقية «نافتا» في نقل مصانعها إلى المكسيك بسبب رخص اليد العاملة فيها، وحسب التقرير الاقتصادي الأمريكي الصادر في 22 سبتمبر 2010، أن «نافتا» دمرت القاعدة الصناعية في الولايات المتحدة، لأن فرص العمل قلت بالنسبة لليد العاملة الأمريكية وأصبح الإنتاج خارج الولايات المتحدة، فقد أصبحت المصانع الأمريكية تنتقل إلى داخل المكسيك على بعد كيلومترات من الحدود الأمريكية حيث الأيدي العاملة المكسيكية الرخيصة، وتجني الشركات الأرباح العالية بسبب ما توفره من رخص العمالة ـــ كما يقول التقرير ـــ على حساب العامل الأمريكي الذي يبحث عن عمل.

وقد قدم العضو الديمقراطي في الكونجرس الأمريكي جيني تايلر من ولاية ميسسبي مذكرة للرئيس أوباما في مارس 2010 يطالبه بإعطاء إنذار مدته ستة أشهر إلى كل من المكسيك وكندا للانسحاب من «نافتا»، ويحمل عضو الكونجرس مسؤولية البطالة في الولايات المتحدة إلى «نافتا»، حيث تصل البطالة إلى 10 ـــ 12 في المئة لأن «نافتا» تكلف الولايات المتحدة ملايين فرص العمل، وأن ذلك يهدد الأمن القومي الأمريكي، بسبب انتقال المصانع الكبرى للمكسيك، وقد وقع على مشروع القانون بانسحاب واشنطن من «نافتا» 28 نائبا أمريكيا معظمهم من الولايات التي تعاني من البطالة بسبب تحول الصناعات إلى الخارج إلى كندا والمكسيك.

والملاحظ أن أصحاب الصناعات والشركات الكبرى ورجال الأعمال والغرفة التجارية الأمريكية تدعم «نافتا» وعضوية الولايات المتحدة فيها لأن هؤلاء هم المستفيدون من اتفاقية نافتا ونقل مصانعهم إلى خارج الولايات المتحدة. ويحاول الرئيس أوباما حل مشكلة البطالة بعيدا عن الانسحاب من «نافتا» وذلك ببناء علاقات تجارية قوية مع كل من كوريا الجنوبية وبنما وكولومبيا.
#3#
اتفاقيات تجارة حرة

ويسعى أوباما لعقد اتفاقيات تجارة حرة مع كل من أستراليا ونيوزيلندا وسنغافورة وتشيلي وبيرو وفيتنام وبروناي ومنتدى المحيط الهادئ للتجارة الحرة، ويسعى لأن تقود هذه الاتفاقيات إلى زيادة التجارة الأمريكية مما يوفر فرص عمل للآلاف من الأمريكيين العاطلين عن العمل. الجدير بالذكر أن أوباما انتقد «نافتا» في حملته الانتخابية عام 2008، ولكنه لم يهدد آنذاك بالانسحاب منها.

حجم التجارة بين دول «نافتا»

وصل حجم التجارة بين دول «نافتا» في يناير 2010 إلى 56,7 مليار دولار أمريكي، وهذا ارتفاع قياسي في التجارة التي ارتفعت بنسبة 19,5 في المئة عن العام 2009، ومما يعزز التجارة أن 86,1 في المئة من حجم التجارة بين كندا والولايات يتم عن طريق التجارة البرية، وقد بلغ حجم التجارة البرية بين الولايات المتحدة وكندا في يناير 2010، 34,2 مليار دولار، مرتفعة بنسبة 18 في المئة عن يناير 2009، بينما بلغ حجم التجارة البينية بين المكسيك والولايات المتحدة خلال الفترة نفسها 22,5 مليار دولار بنسبة زيادة على العام الذي سبقه 21,7 في المئة. إن الحدود البرية الطويلة التي تربط بين دول «نافتا» سهلت عملية النقل التجاري، وهذا جعل التجارة رخيصة بين هذه الدول، رغم الانتقادات الموجهة إليها من بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي.

انتقال العمالة

وحسب الإحصائيات التي صدرت من وزارة الأمن الداخلي لعام 2006، فقد استقبلت الولايات المتحدة 73880 من الخبراء المهنيين ـــ وفقا لاتفاقية «نافتا» ـــ عملوا في الولايات المتحدة بشكل مؤقت، منهم 64633 كنديا و9247 مكسيكيا، إضافة إلى عائلات هؤلاء الخبراء الذين قدموا للعمل في المصانع الأمريكية، ولعل ذلك من أسباب انتقاد بعض أعضاء الكونجرس لـ «نافتا» والبطالة في الولايات المتحدة.

أما بالنسبة إلى كندا فقد أكدت السلطات الكندية أنه مع ديسمبر 2006، كان هناك 24830 أمريكيا و15219 مكسيكيا يعملون فيها، ولعل هذا التنقل بين العمالة المهنية تتطلبه العلاقات التجارية والاقتصادية التي هي الهدف الرئيس من تأسيس تكتل «نافتا» الذي يعد التجمع الاقتصادي الأكبر في العالم من حيث حجم التبادل التجاري والاستثمارات البينية.

أين المصرفية الإسلامية والاستثمارات

إن المكسيك التي تتوافر فيها اليد العاملة الرخيصة والدولة البترولية القريبة من الولايات المتحدة، تشكل سوقا مهمة للاستثمارات والمصرفية الإسلامية. إن الفقر المنتشر في البلاد واستغلال البنوك الرأسمالية في منطقة «نافتا»، يجعلان المصرفية الإسلامية أكثر جاذبية، خاصة مع وضع المصرفية الإسلامية قدما لها في الولايات المتحدة، مما يسهل انتقالها إلى كل من كندا والمكسيك، مستفيدة من حرية التجارة والعمالة في هذين البلدين، وحاجة شعوبهما إلى استثمارات تحقق العدالة، ومصرفية تتخذ الجانب الأخلاقي في المعاملات المالية بعيدا عن جشع الرأسمالية الموغلة في التوحش، والسبب الرئيس في الأزمة المالية والاقتصادية التي تجتاح العالم الرأسمالي.

الأكثر قراءة