المزارع والعالم والمهندس النووي.. هل بإمكانهم معاً تأسيس مستقبل مستدام؟
هل يمكن أن تكون الزراعة الصناعية، والأغذية المعدلة وراثياً، والطاقة النووية جزءاً من الحل لتأسيس مستقبل مستدام؟
على الرغم مما قد يبدو أن ذلك مفاجئ، فإن هذه المواضيع كانت بين المواضيع التي تمت مناقشتها في طاولة التنفيذيين المستديرة للاستدامة الرابعة والعشرين التي تم عقدها حديثاً هنا في إنسياد – حيث اجتمع ناشطو المنظمات غير الحكومية، والسياسيون، وقباطنة الصناعة معاً حول موضوع ''قطاع العمل والسياسة: شركاء أم معارضون؟''.
خلال يومين من الجدل الحيوي، كانت هناك نقطة واحدة اتفق حولها الجميع، وهي أننا نواجه مشكلة. بوجود ما يقدر بنحو تسعة مليارات شخص ينبغي إطعامهم بحلول عام 2050، فإننا في حاجة جدياً إلى مراجعة نموذج اقتصادنا واستهلاكنا ـ ولكن لو تم تركه لأدواته الخاصة، فهل سيقدم مسؤولو قطاع العمل حلولاً بشكل تلقائي؟
يؤكد بيرت بول فان دو ويجس، المدير العام لمجالات تركيز دور الاتصالات وقطاع العمل في مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة: ''ليس فقط بمقدورهم، ولكن إذا لم يفعلوا فسيخسرون في المستقبل. وإذا فكرت في حقيقة أن العالم سيسكنه تسعة مليارات شخص بحلول عام 2050، وتدرك أننا نصل فعلياً إلى نهاية مواردنا المتاحة للسكان الحاليين، فإن السؤال المطروح هو ليس ما إذا كان بمقدورهم، وإنما بأي سرعة يمكنهم تبنيها، ومدى استعدادهم لاتخاذ القرارات الصحيحة الآن''.
يعتقد فان دو ويجس أن قادة قطاع العمل في المستقبل سيكونون في حاجة إلى اتخاذ وجهة نظر أطول أجلاً. ويقول: ''إن الدورة الربعية تشكل مشكلة حينما تبدأ بالنظر والتفكير بشأن أنواع التغييرات التي نحتاج إليها في أي مجتمع''.
تتمثل وجهة نظره في أننا في حاجة إلى نبدأ بالتركيز على الموارد المحدودة التي لدينا، وتقرير نوع المهارات التي نحتاج إليها لتأسيس عالم بإمكانه المحافظة علينا جميعاً في المستقبل. ويضيف قائلاً: ''بناءً عليه، إذا بدأت بالتفكير في هذا المفهوم، فإنه يصبح أكثر وضوحاً بكثير ـ يجب على قادة قطاع العمل في المستقبل أن يدركوا التحديات التي يواجهها العالم، وأن يفهموا نوع المهارات والكفاءات التي تأتي مع ذلك للتعامل مع هذه التغييرات''.
تشارك المتحدثة الأخرى في ذلك اليوم، الناشطة في مجال المنظمات غير الحكومية، والسياسية، مونيكا جريفان، في وجهة النظر ذاتها بأن أهداف قطاع العمل والسياسة غير متعارضة، ولكنها ترى دوراً أكبر للتشريع.
تقول جريفان: ''لا أعتقد شخصياً أن لدى الجميع أجندة مختلفة، وأعتقد أنهم يريدون جميعاً العيش معاً، وأن يكون هناك مستقبل لأبنائهم... وحينما تدرك ذلك، فإنك ستصل إلى نقاش صريح وجهاً لوجه. وإذا بدأت تتحدث حول المستقبل، فإنك ستتحدث حول كيف يمكننا العمل معاً، وكيف يمكننا أن ننتج، وأن نجعل حياتنا مستدامة بطريقة يمكننا بواسطتها جميعاً أن نعيش معاً، ونحصل على الأرباح، ونشعر أننا بصحة جيدة، وأعتقد شخصياً أن هذا هو الأساس لكي نبدأ بمناقشة كيف يمكن تغيير الإنتاج، وما هو التشريع اللازم، لكي نصل فعلياً إلى إنتاج مستدام في المستقبل''.
يبدو أن لدى البلدان الكثير لكي تكسبه من حيث النمو والتشغيل. وتبين جريفان كيف أن التركيز على سياسة مستدامة لعب دوراً في تعافي ألمانيا من الأزمة الاقتصادية العالمية بواسطة الاستثمار في برامج مثل عزل المنازل، والطاقة المتجددة لخطط الإسكان العامة، وتشجيع المزيد من استخدام السيارات متدنية استهلاك الطاقة، والأهم من ذلك الاستثمار في برامج أبحاث معينة.
وتوضح جريفان: ''تعتبر الطاقة المتجددة سوق تصدير في ألمانيا... واجتازت ألمانيا الأزمة بشكل أفضل من البلدان الأخرى التي لم تكن لديها هذه الأنواع من البرامج، لأنها أبقت الناس في العمل، وقامت بتدريب الأشخاص على وظائف جديدة، وكانت لديها برامج خاصة للشركات صغيرة ومتوسطة الحجم التي لم يكن بالإمكان أخذها بعيداً إلى بلدان أخرى، مثل الإنتاج كبير الحجم''.
الصحيح هو أن أوروبا طالما كانت مبتكرة في مجال مصادر الطاقة المتجددة، ولكن إلى متى ستدوم هذه الميزة؟ وفقاً لعدة متحدثين، فسيبدو أن البلدان الناشئة تقطع شوطاً لا بأس به في أخذ الريادة في هذه الصناعات.
وفقاً لفان دو ويجس، ''فإنك إذا أردت أن تقارن البلدان الناشئة، فربما أنها بدأت في مرحلة متأخرة قليلاً، ولكنها تتحرك سريعاً إلى الأمام، وتصبح القيادة لها، وأحد الأمثلة الواضحة على ذلك هو حقيقة أن الصين هي الآن قائدة العالم فيما يتعلق بالاستثمار في الطاقة النظيفة''. ويقول لنا إنه اعتماداً على دراسة حديثة أجرتها شركة إرنست آند يونج، فإن الصين تفوقت فعلياً على الولايات المتحدة بصفتها البلد الأكثر أهمية في الاستثمار فيها حينما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا الخضراء. ويضيف: ''لذا، فإنها تلحق بالركب سريعاً''.
لكن، مع ذلك، ليس بالسرعة الكافية حسبما يقول رافي فيرناندو، الرئيس التنفيذي لمعهد سريلانكا للتكنولوجيا متناهية الصغر الذي أبدى وجهة نظره في هذا الصدد.
ويقول فيرناندو: ''إن التحديين الكبيرين اللذين تواجههما آسيا، حسبما أعتقد، هو تحدي الاستدامة البيئية بسبب الافتقار إلى الموارد، وخصوصاً المياه، والثاني هو الفقر، وهذا بمثابة استدامة اجتماعية''.
يضيف فيرناندو قائلاً: ''أعتقد شخصياً أن إحدى الطرق بالنسبة للاتحاد الأوروبي والبلدان في الغرب للمشاركة في هذه القضايا، هي التخلي عن معارفهم، وعن التكنولوجيا التي لديهم، لصالح نصف الكرة الجنوبي، لمعالجة قضية إدارة الموارد الطبيعية. وثانياً، دراسة إمكانية إخراج الناس من الفقر ـ ليس بالضرورة بطريقة تجعلهم مستهلكين كبارا ـ وإنما أخراجهم من الفقر نحو الاستهلاك المستدام''.
يقول كذلك: ''يجب أن تكون مسؤولية مشتركة، ولا أعتقد شخصياً على الإطلاق أن الوضع سيصل إلى وضع يقول العالم فيه، ''ها هنا، نحن العالم المتقدم، وسنكون على ما يرام، وسيكون العالم النامي فقط هو الذي سيغوص إلى الحضيض''. والكرة الأرضية برمتها هي التي ستغوص إلى الحضيض، وهذه هي خلاصة الحديث. وإذا لم يكن بإمكان العالم المتقدم، والنامي أن ينظرا إلى ذلك كهدف مشترك، وهدف عام لإدارة الاستدامة، فإنني أعتقد أننا جميعاً سنخسر هذه المعركة''.
يؤكد فيرناندو: ''أمامنا جميعاً فرصة كبيرة للمضي قدماً باتجاه قطاع عمل، واقتصادات خضراء، وهذا أمر منطقي بالنسبة إلى العالم، ولكن ما لم يتم تنفيذ السياسات، فلن يصل قطاع العمل إلى هذه المرحلة.. ونحن في حاجة إلى قادة لديهم ذهنية مستدامة لقيادة قطاع العمل في المستقبل، لأنه إذا لم يكن لديك مديرون وقادة لديهم رؤية لقطاع عمل مستدام، عندئذ ستبقى جميع السياسات محصورة في وثيقة، ولن يستفيد منها قطاع العمل على الإطلاق''.