المصلحة الذاتية «الضيقة» المحرك الأساسي للسياسة الخارجية للصين
على الرغم من أنه من المتوقع أن تتفوق الصين على اليابان باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلا أن سياستها الخارجية ليست مدفوعة بإحساسها بدورها بوصفها لاعبة عالمية رئيسة بقدر ما هي مدفوعة بمجموعة من المصالح الوطنية ''الضيقة''، كما يقول الأستاذ كينيث ليبرثال، مدير مركز جون.ل ثورنتون الصين وزميل بارز في السياسة الخارجية والاقتصاد العالمي والتنمية في مؤسسة بروكينجز.
وفي زيارة قام بها أخيرا ليبرثال إلى سنغافورة، أخبر مجلة إنسياد نوليج أنه مما لا شك فيه أن الصين قادرة على ''إحداث فرق كبير'' فيما يتعلق بالقضايا العالمية الرئيسة مثل التغير المناخي، والانتشار النووي، والأزمة الاقتصادية العالمية، إذا أرادت.
وقال ليبرثال: ''أعتقد أن (الصين) لا تزال في المراحل الأولى من معرفة كيف تكون لاعبة عالمية. فهي لا تزال غير واثقة من الكيفية التي يجب أن يكون عليها التوازن بين أتباع مصالح الصين الوطنية الضيقة، مقابل الإسهام في المصالح العالمية المشتركة، والاستقرار العالمي، ووضع القواعد العالمية والمؤسسات العالمية الحيوية.''
''لا شك أنها تقوم ببعض من كل هذا ولكن ليس كثيرا. وأعتقد أنه سيمر بعض الوقت قبل أن يطمئن الصينيون للفكرة القائلة إنهم لا يجب أن يفعلوا كل شيء لأنفسهم فقط''.
''في الوقت الراهن، يعتقد(الصينيون) أن مستقبلهم يعتمد على تطورهم الاقتصادي، وبالتالي يتأثر كل شيء يقومون به بقوة بفكرتهم عما هو ضروري للاستمرار في النمو الاقتصادي السريع''.
وتهدف سياستهم الخارجية في الأغلب إلى الحصول على الموارد المعدنية والطاقة، وإبقاء الأسواق مفتوحة لصادراتهم، ثم توفير أضيق نوع من الأمن القومي.
إن ما يشكل السياسة الخارجية الصينية هو ''ما يعتبرونه احتياجاتهم الاقتصادية المحلية'' ومن المرجح أن يستمر هذا، كما يقول، مضيفا أنه ''من الصعب جدا إقناعهم بالتفكير إلى أبعد من ذلك لأن تصنيفهم (من حيث) الناتج المحلي الإجمالي الفردي، متدن جداً في العالم''.
ومع ذلك، يعترف ليبرثال بأن تركيز القيادة الصينية على توليد النمو الاقتصادي مدفوع بالخوف من حدوث قلاقل اجتماعية واسعة النطاق إذا تعثر النمو الاقتصادي. ويعيش نحو450 مليون شخص في الصين حياة عصرية نسبياً، ولكنه يقول إن الحياة أصعب بالنسبة إلى أكثر من 800 مليون شخص. ''لا ينسى قادتهم أبدا واقع هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم 800 مليون وآثار ذلك في الدولة''.
وفي الواقع، بما أن النمو الاقتصادي هو جوهر الحزب الشيوعي المعاصر، فإن الاسم الأكثر ملاءمة للحزب قد يكون ''الحزب الرأسمالي البيروقراطي الصيني''، كما يقول ليبرثال، مضيفاً أن الحزب ليس شيوعياً ولا رأسمالياً مؤيداً لحرية السوق من الناحية العملية.
ويوضح ليبرثال: ''إنه حزب يتدخل بشكل كبير في الاقتصاد الصيني على مستوى الاقتصاد الجزئي، وعلى مستوى المؤسسات، وليس فقط في السياسة النقدية والمالية، والقانون والتنظيم والسياسة القطاعية، إنه بمثابة التعامل مع مشروع تلو الآخر على عدة مستويات من النظام السياسي الصيني''.
''إذا نظرت إلى هيكل المكافآت وهيكل الترقية داخل الحزب الشيوعي الصيني، تجد أنه يكافئ في الغالب أعضاء الحزب الأكثر فعالية في تنمية الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة الخاضعة لسلطاتهم. وهكذا تحصل على بعض أفضل رجال الأعمال في الصين الذين يعتبرون الأشخاص الرئيسين في ما لا يزال يسمّى الحزب الشيوعي الصيني''.
وحين سئل كيف يتوقع أن تتطور الصين سياسياً، أجاب ليبرثال أن الصين ستحتاج إلى إرادة سياسية قوية من قيادتها لسن إصلاحات اقتصادية هيكلية ضرورية للغاية لمواجهة الفساد المتفشي بين المسؤولين على المستوى المحلي. ويضيف قائلاً إن الفشل في التخطيط لهذه الإصلاحات قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة عدم الاستقرار الاجتماعي.
ويعتقد ليبرثال أيضاً أنه من المهم جدا أن تتوقف الحكومة الصينية عن التدخل في الاقتصاد على المستوى الجزئي، وكذلك إنهاء الممارسة واسعة النطاق المتمثلة في تعاون المسؤولين المحليين مع الشركات المحلية لضمان نجاحهم المشترك. ويشير إلى أن هذه الممارسة تعزز مثل هذه العلاقات الوثيقة بين المسؤولين والشركات بحيث أصبح من الصعب جدا معالجة الفساد وتطبيق القوانين البيئية وحماية الملكية الفكرية.
ولأن هناك عدة مستويات للتدابير الحمائية في الأسواق المحلية المختلفة، لا تتمكن سوى قلة من شركات التصنيع في الصين من تحقيق اقتصادات الحجم الكبير، كما يقول ليبرثال.
''وبالتالي هناك الكثير من التكاليف للطريقة تطور بها هذا الأمر. فقد عززت بشكل سريع جدا النمو الشامل ولكن بتكاليف عالية، وأعتقد أن هذه التكاليف أصبحت مرتفعة بما فيه الكفاية بحيث إن الحفاظ على النمو يتطلب تغيير هذه الديناميكية الأساسية في النظام السياسي''.