الأوامر الملكية تساند «اقتصاد المجتمع» وتعالج تشوهات السوق الحر
في إطار الاهتمام الكبير الذي يوليه معهد الملك عبد الله للبحوث والدراسات الاستشارية في جامعة الملك سعود بالمتغيرات والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية عالميا وإقليميا ومحليا, أصدر المعهد تقريراً اقتصادياً قدّم فيه قراءة تفصيلية للقرارات الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ يحفظه الله ـــ في جمعة الخير.
ويأتي التقرير تأكيدا لدور المعهد وتفاعلا مع ما تشهده المملكة من نهضة تنموية على كافة الأصعدة، التي توجت بالقرارات الملكية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ يحفظه الله ـــ التي تعد توجها واضحا نحو دعم اقتصاد السوق الاجتماعي، متمثلة في سبعة مجالات رئيسة هي: زيادة الرواتب والدخول، وخلق الوظائف ومكافحة وعلاج آثار البطالة، والإسكان، والرعاية الصحية، والحوكمة ومكافحة الفساد، وضبط الأسعار، ودعم المؤسسة الدينية.
وتموج المنطقة العربية بأحداث جسام سيكون لها تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لعقود مقبلة. ولعل من أهم ما كشفت عنه تلك الأحداث هو فشل منظومة اقتصاد ''السوق الحر''، التي بشر بها عديد من المنظرين الأكاديميين كطريق لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء مجتمع الرفاهية، لينتهي الحال باتساع نطاق الفقر وعجز هائل عن تلبية أبسط الاحتياجات المعيشية للمواطنين.
#2#
واقتصاد السوق الاجتماعي هو نظام اقتصادي يقوم على الربط بين نظام السوق القائم على الحرية والتوازن وآليات العرض والطلب والمنافسة واستهداف الربح، وبين احتياجات الرعاية والتنمية المجتمعية. وهو نظام اقتصادي يعالج التشوهات التي تنشأ عن نظام السوق الحر ويحد من جشع وأنانية هذا النظام، بل يحد من تراكم رؤوس الأموال لمصلحة التوسع الاستثماري والتنمية الاقتصادية ويوجهها لمصلحة الاستهلاك والخدمات الاجتماعية والتنمية الاجتماعية للفئات المهمشة والمحرومة، وهو ما يدعم الأمن الوطني الاستراتيجي.
ويوفر نظام اقتصاد السوق الاجتماعي للفئات الاجتماعية محدودة الدخل الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والسكن ومياه الشرب والصرف الصحي والحاجات الاجتماعية الأساسية الأخرى بمستوى يدعم العدالة ويقضي على ''الاستبعاد الاجتماعي'' الذي تتميز به نظم السوق الحر، حيث بدأ نظام اقتصاد السوق الاجتماعي في أكثر النظم الرأسمالية تطوراً، في بريطانياً ثم السويد ثم ألمانيا الاتحادية، النمسا، فرنسا، وإيطاليا، لتنتشر بعد ذلك قيم وأسس العدالة الاقتصادية في معظم الدول التي تطبق نظم اقتصاد السوق الحر.
ولقد فرضت العولمة شروطاً قاسية على اقتصاد السوق الحر لفتح الأسواق وإزالة الحواجز سواء الجمركية أو غير الجمركية، وتحرير التجارة ودعم التنافسية. وأهم هذه الشروط هو خفض التكاليف، فكانت فئات محدودي الدخل هي الحلقة الأضعف التي تحملت خفض التكاليف وزيادة الإنتاجية وثمن التنافسية الباهظ، لتأتي لحظة الانفجار الشعبية التي تنهار معها النظم الاقتصادية، بل تنتهي معها كيانات الدول وينفرط عقدها السياسي.
## حكومة المملكة وتحديات السوق
لقد تنبهت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ منذ توليه مقاليد الحكم في المملكة إلى أهم تحديات اقتصاد السوق الاجتماعي، كتنمية الموارد البشرية والبطالة وإلغاء الاستبعاد الاجتماعي، فجاءت الخطة الخمسية الثامنة (2005 ـــ 2009) والخطة الخمسية التاسعة (2010 ـــ 2014) لتعكس توجهاً واضحاً نحو تنمية الموارد البشرية والارتقاء بنوعية حياة المواطن السعودي وتنمية قدراته الإنتاجية والإبداعية. ويبدو ذلك واضحاً من مخصصات التعليم والصحة وكافة مخصصات الرعاية الاجتماعية. وفي خطة التنمية الثامنة ارتفعت المتطلبات المالية لقطاع تنمية الموارد البشرية لنحو464.1 مليار ريال.
والمتتبع لأولويات مخصصات هيكل الإنفاق العام في المملكة على مدار السنوات من 2005م وحتى الآن، يجد انحيازاً واضحاً نحو قطاعات التعليم وتنمية الموارد البشرية، والصحة والتنمية الاجتماعية، والمياه والصرف الصحي، وصناديق التنمية المتخصصة، والخدمات الأمنية والشؤون البلدية، ففي المتوسط وخلال الفترة من 2005م وحتى الميزانية الحالية خصص للقطاعات السابقة مجتمعة ما نسبته 81.9 في المئة مقارنة بـ 18.1 في المئة فقط لقطاعي النقل والمواصلات والموارد الاقتصادية وهو ما يعكس توجهاً نحو اقتصاد السوق الاجتماعي ودون إهمال للجوانب الاقتصادية الأخرى، ويوضح الشكل التالي التوزيع القطاعي لمخصصات الميزانية في المملكة منذ تولي الملك عبد الله:
#3#
## آثار قرارات الملك الاقتصادية
صدرت القرارات الملكية يوم الجمعة الموافق 13/4/1432هـ، متضمنة توجهاً واضحا نحو دعم اقتصاد السوق الاجتماعي متمثلة في سبعة مجالات رئيسة هي؛ زيادة الرواتب والدخول، وخلق الوظائف ومكافحة وعلاج آثار البطالة، والإسكان والرعاية الصحية، والحوكمة ومكافحة الفساد، وضبط الأسعار، ودعم المؤسسة الدينية.
ويلاحظ على جميع القرارات الملكية التي صدرت تضمنها آليات تنفيذها، بل تضمنها كذلك آليات الرقابة على التنفيذ، وفي بعض الأحيان من أعلى سلطة في المملكة، وهو ما يعكس حرص خادم الحرمين الشريفين على جدية تنفيذ القرارات والتزام السلطات التنفيذية بتعليماته ـــ حفظه الله.
وفيما يلي استعراض للجوانب والآثار الاقتصادية لتلك القرارات:
## زيادة الرواتب والدخول
تضمنت قرارات خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ زيادة الرواتب والدخول من خلال عددٍ من القرارات هي: صرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين، صرف مكافأة شهرين لجميع طلاب وطالبات التعليم العالي، تثبيت بدل غلاء المعيشة ومقداره 15 في المائة ضمن الراتب الأساسي، اعتماد الحد الأدنى لرواتب كافة فئات العاملين في الدولة من السعوديين بثلاثة آلاف ريال شهرياً، ترقية المستحقين من شاغلي رتب الضباط والأفراد إلى الرتب التالية للرتب التي يشغلونها، قيام وزارة المالية بشكل عاجل بمناقشة الجهات العسكرية بشأن أي حقوق أو التزامات مالية لمنسوبيها والتأكد من صرفها.
ويمثل راتب شهرين لجميع موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين نحو 31.96 مليار ريال، ويتضمن ذلك 30.8 مليار ريال لموظفي الدولة في القطاعين العسكري والمدني، إلى جانب المتقاعدين وطلاب وطالبات التعليم العالي داخل المملكة وخارجها، إضافة إلى 1.16 مليار ريال لموظفي الدولة ممن هم على بند الأجور الذين تم تثبيتهم بأمر ملكي أواخر الشهر الماضي، في خطوة تهدف إلى إرساء قواعد للاستقرار الوظيفي عند موظفي الدولة، بتثبيت كافة المواطنين والمواطنات المعينين على كافة البنود ويتقاضون رواتبهم من ميزانية الدولة.
كما أن قراري رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع العام إلى ثلاثة آلاف ريال، بزيادة قدرها 470 ريالاً على الحد الأدنى الحالي 2530 ريالا، وقرار إضافة بدل غلاء المعيشة إلى رواتب الموظفين بواقع 15 في المائة، يمثلان نحو 24.1 مليار ريال، وإضافة إلى العلاوة السنوية المقرة لكل موظف، يرتفع إجمالي ما تدفعه الدولة رواتب لمنسوبيها إلى نحو 185.3 مليار ريال، وهو ما يمثل 34.3 في المائة من إجمالي حجم الإنفاق من ميزانية الدولة.
والزيادات الكبيرة الحالية ليست جديدة على حكومة خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ فقد وضعت حكومة جلالته منذ أن تولت مقاليد الأمور استراتيجية وطنية شاملة لاستئصال الفقر بأشكاله المختلفة، وتخفيف معدلاته إلى أدنى مستوى، ومنع معاودة ظهوره على المدى البعيد، واشتملت تلك الإستراتيجية على خمسة محاور، هي: المحور الاقتصادي الكلي، ومحور التمكين الاقتصادي لمحدودي الدخل، ومحور الخدمات العامة، ومحور شبكة الحماية الاجتماعية، ومحور ممتلكات الأسرة، كما اشتملت الاستراتيجية على آليات عديدة مثل: استحداث ''برنامج الدعم التكميلي'' لسد الفجوة بين الدخل الفعلي للأسر محدودة الدخل وخط الفقر المدقع، دعم الصندوق الخيري الوطني بمبلغ 300 مليون ريال سنوياً.
زيادة المخصصات المقدمة للأيتام ذوي الظروف الخاصة ومن في حكمهم، وتشمل إعانات الأسر الحاضنة، والإعانات المدرسية، ومكافأة نهاية الحضانة، وإعانات الزواج، ومكافآت المقيمين في دور رعاية الأيتام.
وإنشاء برنامج باسم ''المساعدات الطارئة'' للأسر الواقعة تحت خط الفقر المطلق، زيادة مخصصات الجمعيات الخيرية، تخصيص مبلغ عشرة مليارات ريال للإسكان الشعبي في مناطق المملكة، زيادة الإعانات المخصصة للمعوقين، زيادة الحد الأعلى لمخصصات الضمان الاجتماعي للأسرة بأكثر من الضعف، زيادة الإعانات المخصصة لبرامج التنمية الاجتماعية.
## خلق الوظائف وعلاج آثار البطالة
تعد ظاهرة البطالة من أكبر التحديات التي تواجه سوق العمل في المملكة العربية السعودية، حيث إن العمل حق للإنسان باعتباره ضرورياً لضمان عيشه وعيش من يعولهم. إن الآثار السلبية للبطالة لا تعود فقط على الفرد نفسه، بل على المجتمع عامة، إضافة إلى أن المجتمع يتحمل التكاليف غير المباشرة لزيادة العمالة الوافدة، المتمثلة في زيادة طلب هذه العمالة على السلع والخدمات العامة التي تقدمها الدولة مجاناً أو بأسعار منخفضة، وتسرب موارد مالية إلى الخارج، ناهيك عن الآثار السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع بأسرة.
ويبلغ إجمالي عدد العاطلين عن العمل في المملكة نحو 463 ألف فرد، يمثل الذكور ما نسبته 55.8 في المائة، والإناث ما نسبته 44.7 في المائة تقريباً. وهناك عوامل عديدة أسهمت في انخفاض معدلات توظيف القوى العاملة المواطنة في القطاع الخاص، ومن أهمها انخفاض مستويات الرواتب والأجور والحوافز المادية والمعنوية، وكذلك انخفاض إنتاجية العمالة المواطنة مقارنة بالعمالة الوافدة وارتفاع تكلفتها مقارنة بالعمالة الوافدة، مما أسهم في انخفاض معدلات إحلال القوى العاملة المواطنة محل العمالة الوافدة.
وقد أولت حكومة خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ موضوع البطالة عنايتها لموضوع البطالة من خلال عدد من السياسات والبرامج التي تهدف إلى معالجة الخلل في سوق العمل في المملكة، حيث أكدت خطط التنمية أهمية المواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب ومتطلبات القطاع الخاص، وذلك من خلال تطوير برامج التدريب القائمة بهدف الرفع من إنتاجية العمالة المواطنة وجعلها أكثر قدرة على المنافسة مع العمالة الوافدة. كذلك تبنت الدولة عديدا من السياسات التي تهدف إلى إلزام القطاع الخاص بالسعودة، مثل قصر بعض المهن والأنشطة على السعوديين، وكذلك إلزام منشآت القطاع الخاص بزيادة أعداد العمالة المواطنة الموظفة لديها بنسب مئوية من عمالتها سنوياً.
وعلى الرغم من جميع السياسات الهادفة إلى إحلال القوى العاملة المواطنة محل القوى العاملة الوافدة، إلا أن تنفيذ هذه السياسات لم يصل إلى تحقيق الأهداف المنشودة، ويعاني كثيرا من أوجه القصور والعقبات، حيث استمرت معدلات البطالة بين المواطنين مرتفعة وما زالت تراوح حول 10 فى المائة من إجمالي القوة العاملة، بل إنها تجاوزت هذه النسبة في السنوات الأخيرة.
وحول تراخي القطاع الخاص في توظيف العمالة الوطنية، دعا خادم الحرمين إلى إصدار الأمرين الملكيين رقم أ/29 ورقم أ/30 المؤرخين في 20/3/1432هـ، والأمر الملكي رقم أ/61 وتاريخ 13/4/1432هـ، التي تضمنت القرارات التالية: على وزارة العمل الإسراع باستكمال استقبال وتسجيل الطلبات، وتهيئة كافة السُبل للباحثين عن العمل في كافة مناطق المملكة، وعلى وزير التجارة والصناعة ووزير العمل الاجتماع ـــ بشكل عاجل ـــ برجال الأعمال للتأكيد عليهم بعزم الدولة على المسارعة الفاعلة والجادة في سعودة الوظائف، وعلى وزارة العمل رفع تقارير ربع سنوية عما يتحقق من نسب في السعودة، والإجراءات التي اتخذتها الوزارة في إيجاد فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص.
كما تضمنت القرارات الجديدة: استحداث 60 ألف وظيفة عسكرية لوزارة الداخلية، على أن يتم تحديد الرتب، وعدد كل رتبة بالتنسيق بين وزارة الداخلية ووزارة المالية، اعتماد صرف مُخصص مالي قدره ألفا ريال شهريا للباحثين عن العمل في القطاعين العام والخاص، إعداد دراسة متكاملة لتفعيل برنامجي: ''التأمين التعاوني للمواطنين العاطلين عن العمل''، ''ودعم الباحثين عن العمل''، وإن قرار استحداث 60 ألف وظيفة سوف يسهم في تخفيض عدد العاطلين عن العمل من الذكور والإناث بنسبة 13 في المائة، ولو حصرت هذه الوظائف على الذكور فقط فسوف تخفض العاطلين عن العمل من الذكور بنسبة 23 في المائة، مما يعني أن أثر هذا القرار لن يكون أمنياً فقط وإنما له أثره الكبير في المساعدة على معالجة البطالة، ومن ثم زيادة معدلات النمو الاقتصادي.
لقد اعتمدت حكومة المملكة ـــ ولأول مرة ـــ إعانات البطالة، وهي عبارة عن مدفوعات مالية منتظمة من الحكومة أو من يمثلها من المؤسسات ذات العلاقة للأفراد غير العاملين المستحقين لها. ويعتبر برنامج إعانات البطالة برنامجا شائعا في الدول المتقدمة، ونادرا في دول العالم الثالث، وإن كان هناك توجه على وجه العموم في جميع أنحاء العالم نحو إقرار هذا النوع من البرامج لمساعدة العاطلين عن العمل.
## أهداف برنامج إعانات البطالة
ولبرنامج إعانات البطالة أربعة أهداف منها: تعويض الدخل الدائم من خلال إعانة العاملين في الأجل القصير إلى أن يجدوا وظيفة جديدة، منع عدد كبير من العاملين من الانزلاق إلى منطقة الفقر بسبب البطالة، مساعدة الاقتصاد الوطني خلال فترات الأزمات الاقتصادية (الركود الاقتصادي) من خلال المحافظة على الاستهلاك والطلب الكلي المحلي، استخدامه كوسيلة للحد من مقاومة العاملين للتغيرات في السوق نتيجة الأزمات الاقتصادية وما يتبعها من تسريح للعمالة، هذا إضافة إلى البرامج الأخرى القائمة حالياً لمكافحة البطالة، مثل برنامج صندوق تنمية الموارد البشرية في عام 1421هـ، الذي يهدف إلى دعم جهود تأهيل القوى العاملة المواطنة، وتوظيفها في القطاع الخاص، وذلك من خلال المشاركة في تحمل 75 في المائة من تكاليف تدريب العمالة المواطنة، وكذلك تحمل 50 في المائة من راتب من يتم توظيفه بعد تأهيله وتدريبه لفترة تصل إلى عامين، ويحصل الصندوق على موارده المالية من خلال فرض رسم سنوي مقداره 500 ريال عند إصدار أو تجديد إقامات العمالة الوافدة، ورسم سنوي مقداره 100 ريال عند إصدار رخص العمل أو تجديدها للعمالة الوافدة.
## الإسكان والمساكن
وفقاً لتقديرات خطة التنمية التاسعة يتوقع أن يصل إجمالي الطلب على المساكن خلال فترة الخطة إلى 1.25 مليون وحدة سكنية، منها مليون وحدة سكنية تمثل الطلب الجديد، إضافة إلى 250 ألف طلب متراكم بنهاية خطة التنمية الثامنة، إلا أن الخطة وضعت نصب أعينها وقبل القرارات الأخيرة تنفيذ مليون وحدة سكنية فقط.
وقد ارتفعت نسبة متوسط تكلفة إيجار السكن إلى متوسط دخل الأسرة في المملكة العربية السعودية إلى 30 في المائة وارتفعت نسبة ملكية المساكن إلى 60 في المائة مع زيادة فرص التمويل العقاري وزيادة مخصصات قروض الصندوق العقاري في مواجهة الطلب المتزايد من المواطنين خلال السنوات الأخيرة، ومع القرارات الأخيرة يتوقع أن تصل نسبة ملكية الأسر السعودية من المساكن إلى 80 في المائة، وهي معدلات تفوق المعدلات الخليجية، بل المعدلات في الدول المتقدمة، التي تصل إلى نسبة 65 في المائة فقط.
وتمثل المساكن المدعومة ما نسبته 5 في المائة فقط في دول مجلس التعاون، ومن بينها المملكة، كما يوجد عجز في العرض من المساكن خاصة لذوي الدخل المحدود، وذلك بسبب القيود على عرض الأراضي، ورغم بدء العمل بنظام التمويل العقاري تعد المملكة من الدول منخفضة المرونة في شروط الإقراض وفي إعادة جدولة التمويل (بسبب الالتزام بالقروض الموافقة للشريعة)، ونقص كبير في بيانات ومؤشرات أسعار العقارات في المملكة، وكذلك البيانات التفصيلية عن نوعية العقارات، وارتفاع أسعار العقارات في المملكة (وذلك بالمقارنة بالإيجارات) بل دائماً ما يفوقها، وهو ما يكشف عن ضعف المعروض ومستوى المضاربات في هذا القطاع.
## استراتيجية الإسكان في المملكة
تناولت استراتيجية الإسكان في المملكة عدداً من القضايا الرئيسية التي تتطلب حلولاً شاملة ومستدامة. كما حددت عدداً من الأهداف هي: تحقيق ازدياد فرص الوصول إلى سوق الإسكان بالنسبة لفئات ذوي الدخل المنخفض، وذلك على المدى القصير والمتوسط والطويل، إنشاء نظام إسكان مساند، مع التركيز على فئات ذوي الدخل المنخفض وتحديد الفئات المستفيدة حسب المعايير المحددة للاستحقاق، ووفقاً لنوعية وكمية وموقع الوحدات الإسكانية، إنشاء نظام عملي لتمويل الإسكان بمشاركة فعالة وملموسة للقطاع الخاص، إيجاد إطار قانوني شامل للإسكان والتمويل.
إنشاء نظام مراقبة شامل للإسكان، وضع سياسات تخطيط حضرية لتنمية الإسكان.
وفي إطار رغبة خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ في توفير أسباب الحياة الكريمة للمواطنين بما في ذلك السعي لتمكينهم من تأمين السكن المُلائم لهم، أصدر القرارين الملكيين رقمي أ/63 وأ/64 متضمنين ما يلي:
اعتماد بناء 500 ألف وحدة سكنية في كافة مناطق المملكة، وتخصيص مبلغ إجمالي لذلك قدره 250 مليار ريال، دعم رأس مال صندوق التنمية العقارية بمبلغ إضافي قدره 40 ألف مليون ريال، رفع قيمة الحد الأعلى للقرض السكني من صندوق التنمية العقارية من 300 ألف ريال ليصبح 500 ألف ريال اعتباراً من تاريخه، على وزارة المالية تغطية مقدار الدعم المقترح لرأس مال الصندوق بما يضمن عدم تأثير رفع قيمة القرض السكني على عدد الممنوحين من قروض الصندوق.
وضماناً لجدية وسرعة التنفيذ تضمن القراران الآليات التالية: تكون لجنة إشرافية برئاسة سمو وزير الشؤون البلدية والقروية، ووزير المالية، ووزير الاقتصاد والتخطيط (الهيئة العامة للإسكان) لوضع الترتيبات اللازمة لذلك، والإشراف على هذا المشروع والرفع لنا بتقرير شهري.
وأن يعمل أمراء مناطق المملكة بعد الاجتماع مع سمو وزير الشؤون البلدية والقروية، ووزير العدل، ووزير الاقتصاد والتخطيط، ومحافظ الهيئة العامة للإسكان، على إيجاد أراضٍ للهيئة العامة للإسكان، كل في منطقته، وتسهيل مهمة الاستفادة منها لهذا الغرض، واتخاذ الإجراءات العاجلة لإنجاز ذلك، والرفع إلى خادم الحرمين بما يتم في هذا الشأن أولاً بأول، لاتخاذ ما يراه مناسباً، تشكل لجنة من وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة العدل، ووزارة المالية، والهيئة العامة للإسكان، لحصر الأماكن التي لا تتوافر فيها أراضٍ حكومية، وتتطلب الحاجة تنفيذ وحدات سكنية فيها، وعلى وزارة المالية اتخاذ اللازم لتوفيرها بشكل عاجل.
## الرعاية الصحية
صدر القرار رقم أ/66 ليتضمن اعتماد مبلغ 16 مليار ريال لوزارة الصحة، موزعة على عددٍ من المراكز الطبية الرئيسة في المملكة وهي؛ مدينة الملك فهد الطبية في الرياض، ومدينة الملك عبد الله الطبية في مكة المكرمة، ومدينة الملك خالد الطبية في المنطقة الشرقية، ومدينة الملك فيصل الطبية لخدمة مناطق المملكة الجنوبية، ومدينة الأمير محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الطبية لخدمة مناطق المملكة الشمالية، ولإنشاء مراكز للعناية المركزة في المدن الطبية والمستشفيات التخصصية والمرجعية في عدد من مدن المملكة.
ولاستكمال منشآت مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون في الرياض. ويلاحظ على القرار توزيع التمويل الإضافي لبرامج التوسع في مرافق الرعاية الصحية على جميع مناطق المملكة، دون تركيز على تلك المناطق الحضارية الأساسية في الرياض وجدة والدمام، كما يتضمن القرار رفع الحد الأعلى في برنامج تمويل المستشفيات الخاصة في وزارة المالية من 50 مليون ريال إلى 200 مليون ريال، دعماً لجهود القطاع الخاص في دعم الخدمات الطبية في المملكة.
وعلى الرغم من النهضة الصحية الهائلة في المملكة إلا أن القطاع الصحي هو من أكثر القطاعات الخدمية حاجة للدعم والتمويل، ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية بشكل متصاعد، كما يرجع ذلك إلى حاجة القطاع الصحي إلى توفير نحو 132 ألف وظيفة ما بين أطباء وتمريض وتخصصات طبية مساعدة خلال السنوات الخمس المقبلة، لمواجهة الطلب المتوقع على الخدمات الصحية المختلفة وسد العجز الناتج عن ذلك.
## الحوكمة ومكافحة الفساد
أثبتت الأزمات المالية العالمية ـــ سواء الأزمة المالية في جنوب شرق آسيا 1997 أو الأزمة المالية العالمية 2007 ـــ أهميةَ ودور الحوكمة في توطيد دعائم الاقتصاد، وهو ما جعل كثيراً من الدول تعيد النظر في أنظمة وإجراءات الرقابة والحوكمة، ويتضمن ذلك دعم البنية التشريعية من خلال إصدارِ التشريعات واللوائح التنفيذية أو تعديل موادها بغرض رفع مستويات الشفافية والإفصاح، وإنشاء جهاز إشرافي ورقابي للتأكد من الالتزام بالمعاييرِ والضوابط، ومحاسبة المخالفين لتلك الضوابط.
ولعل من أخطر ما تواجهه تلك النظم والأجهزة الرقابية هو الفساد بشتى أشكاله وصوره، الذي يتضمن عمليات ومعاملات يخرج فيها الموظفون الرسميون عن قواعد القانون والنظم المعمول بها بغرض تحقيق مصالح شخصية سواء لهم أو للأقارب أو الأصدقاء في شكل مكاسب مالية، وفي تعريف ''منظمة الشفافية الدولية''؛ هو كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته. وتعدد مظاهر الفساد لتشمل: الرشوة والمحسوبية، والمحاباة والابتزاز والواسطة، وغالباً ما تعود تلك الظواهر جميعها إلى ضعف النظم القانونية والتشريعات، وكذلك ضعف نظم الرقابة بسبب ضعف نوعية المعلومات المتاحة.
واتفقت دراسات التنمية الاقتصادية على أنه لا تنمية بدون مكافحة الفساد، فالفساد يهدر الفائض الاقتصادي الذي يمكن تخصيصه للتنمية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي. وتميز الدراسات بين فساد الفقر الذي يؤدي إلى إعادة توزيع الدخول لكنه يحول دون الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية، وفساد النخبة السياسية الذي يهرّب جزءا كبيرا من الفائض الاقتصادي والثروة القومية إلى الخارج، ويتطلب النوع الأول تحسيناً عاماً وملموساً في الأجور، بينما يتطلب النوعان الأول والثاني خلق جهات رقابية ذات سلطات واسعة لمقاومته. وقد اتخذت حكومة خادم الحرمين ـــ حفظه الله ـــ الإجراءات الكفيلة بزيادة مستويات الدخول لمقاومة النوع الأول، وها هي تعلن عن إجراءات مواجهة النوع الثاني؛ إنشاء ''الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد'' ترتبط بالملك مباشرة، يُعين رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بمعرفة الملك وبمرتبة وزير، على رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس هيئة الخبراء في مجلس الوزراء وضع التنظيم الخاص بها، على أن يصدر من مجلس الوزراء خلال ثلاثة أشهر، تشمل مهام الهيئة كافة القطاعات الحكومية، ولا يستثنى من ذلك كائنٌ من كان، وتسند إليها مهام متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام، ويدخل في اختصاصها متابعة أوجه الفساد الإداري والمالي.
وعلى رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء، ورئيس الديوان الملكي تزويد الهيئة بكافة الأوامر ذات الصلة بمهامها، وعلى جميع الوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية وغيرها الرفع للهيئة بكل المشاريع المعتمدة لديها وعقودها ومدة تنفيذها وصيانتها وتشغيلها دون الإخلال باختصاصات الجهات الرقابية الأخرى تقوم الهيئة بالتنسيق اللازم مع تلك الجهات فيما يخص الشأن العام ومصالح المواطنين، وعلى تلك الجهات تزويد الهيئة بأي ملاحظات مالية أو إدارية تدخل ضمن مهام الهيئة.
## رقابة على الأسواق
تتفق الدراسات الاقتصادية على صحة ما يعرف ''بنقد لوكس ''Lucas critiques، الذي ينتهي إلى أن الفشل في بعض السياسات الاقتصادية يعود في الأخير إلى قرارات قوى السوق، فمن المتوقع مع الزيادات الكبيرة في الدخول أن يزيد الطلب الكلي، وأن يتجاوب العرض بزيادة الطاقة الإنتاجية لزيادة الإنتاج وخلق مزيد من فرص العمل، إلا أن تحسس قوى السوق لزيادة الأجور والطلب الكلي قد تدفعهم لزيادة الأسعار، وهو ما يؤدي إلى استمرار الطلب الحقيقي عند نفس مستواه، وبالتالي لا تحدث زيادة تذكر سواء على الناتج أو التوظف.
وإن إدراك القيادة السياسية لذلك، ورغبة منها في أن يشعر المواطنون بزيادة دخولهم نتيجة الإجراءات والقرارات الجديدة، صدر القرار الملكي رقم أ/78 الذي تضمن استحداث 500 وظيفة لوزارة التجارة والصناعة لدعم جهود الوزارة الرقابية، وأن تقوم الوزارة بإيقاع الجزاء الرادع على المتلاعبين بالأسعار والتشهير بهم دون تردد، كائناً من كان المخالف.
## دعم المؤسسات الدينية
هناك عديد من الآثار الاقتصادية المهمة للقرارات من رقم أ/71 إلى رقم أ/77 من ناحية خلق الوظائف وزيادة الإنفاق العام على البنية الأساسية للمرافق الدينية في المملكة، فلا تقتصر آثار النفقات العامة على الآثار الاقتصادية المباشرة فقط، وإنما تشمل أيضا الآثار الاقتصادية غير المباشرة، التي يمكن أن تنشأ من خلال ما يعرف بدورة الدخل، فتحدث النفقات العامة آثارا غير مباشرة في الاستهلاك القومي، من خلال الاستهلاك المولد، أي من خلال ما يعرف بأثر المضاعف أو الضارب، كما تؤدي النفقات العامة إلى آثار غير مباشرة على الإنتاج القومي، من خلال الاستثمار المولد، أي من خلال ما يعرف بأثر المعجل أو المسارع، أي أن هناك عديدا من الآثار الاقتصادية الموجبة للإنفاق العام، وقد تضمنت القرارات من رقم أ/71 إلى رقم أ/77 ما يلي:
استحداث 300 وظيفة جديدة للرقابة على الالتزام باحترام المؤسسات الدينية، اعتماد مبلغ 200 مليون ريال لفروع الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء في كل منطقة من مناطق المملكة، اعتماد مبلغ 200 مليون ريال، وذلك لتلبية احتياجات فروع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 500 مليون ريال لترميم المساجد والجوامع في كافة أنحاء المملكة، 200 مليون ريال لدعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم.