السيف: الحكم الشرعي على الاكتتابات يرتبط بطبيعة نشاط الشركة
أوضح حسان السيف، المستشار الشرعي والقانوني، الباحث في المعاملات المالية، أن الاكتتاب في الشركات المساهمة مباح من حيث الأصل، وأشار السيف إلى أن العديد من الأحكام التي قد تطرأ على الاكتتاب الأمر الذي يخرجه من دائرة الحلال. جاء ذلك خلال حديثه لـ ''الاقتصادية'' حول أحكام الاكتتاب في الشركات المساهمة وما يتعلق بها من مسائل، وأشار السيف إلى أن من المهم على الفقهاء دراسة مثل هذه المسائل؛ لبيان الحكم الشرعي فيها، خاصة أن كثيرا من الشركات والمشاريع التجارية تعتمد على الاكتتاب إما في بدايتها، أو عند حاجتها إلى زيادة رأس المال، كما أننا نرى إقبال كثير من الناس على الاكتتاب في تلك الشركات؛ وذلك بسبب ما يتوقع من النجاح الكبير.
كيف يمكن تكييف عمليات الاكتتاب فقهيا، وما الحكم الشرعي المترتب على ذلك؟
عملية الاكتتاب تمر نظاما بثلاث مراحل، الأولى: طرح أسهم الشركة للاكتتاب، وهو ما يسميه النظام بدعوة الجمهور، والثانية: تعبئة المكتتب لطلب الاكتتاب، والثالثة: تخصيص الشركة لكل مكتتب عدد الأسهم التي طلبها، وهذه المراحل هي المراحل الأساسية في نظام الاكتتاب وتكييف النظام للاكتتاب التأسيسي للشركة المساهمة أنه عقد بين المكتتب والمؤسسين، وعلى هذا، فإن التكييف الفقهي الصحيح للاكتتاب التأسيسي للشركة أنه عقد مشاركة بين المؤسسين وبين المكتتبين بواسطة مدير الاكتتاب، فالمرحلة الأولى: هي في الواقع مجرد عرض وبيان لأغراض الشركة ونظامها، وبيان لعدد الأسهم المطروحة وصفتها وقيمتها كما يعرض التجار سلعهم في المتاجر ونحوها، وأما المرحلتان الثانية والثالثة من مراحل الاكتتاب التأسيسي فتكييفهما الفقهي أنهما إيجاب وقبول بين المكتتبين والمؤسسين، وذلك بواسطة الكتابة، أما حكم الاكتتاب فالأصل في العقود والبيوع الحل والإباحة، كما قال الله تعالى، وأحل الله البيع، ما لم يكن المبيع أو الثمن محرما، أو يتم التعاقد بصورة محرمة شرعا، فإذا كان المبيع والثمن مباحين وتم التعاقد بصورة خالية من المحذورات الشرعية فالعقد جائز ومعتبر شرعا، وعلى هذا فإن الأصل في الاكتتاب الإباحة، وقد تطرأ عليه الأحكام الخمسة وفق ما يكون عليه نشاط الشركة المساهمة.
#2#
في حال النظر إلى نشاط الشركة ماذا يمكن أن نقول؟
سيكون الحكم على كل شركة مساهمة بعينها يتطلب من الباحث النظر في نشاط الشركة على وجه التفصيل مما نصت عليه في نظامها إن كانت شركة جديدة، أو مما نصت عليه في نظامها وما تمارسه من أعمال في الواقع إن كانت شركة قائمة، والشركات المساهمة تنقسم من حيث موافقة نظامها وأنشطتها للشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام، الأول: شركات نصت في نظامها على أنها لا تمارس إلا الأعمال المباحة شرعا، ولا تتعامل بالربا إقراضا أو اقتراضا، والتزمت بذلك في الواقع إن كانت شركة قائمة، فالاكتتاب في هذه الشركات مباح شرعا بناءً على أن الأصل في البيع الإباحة ولم تتضمن هذه الشركات محذورا شرعيا، فكان حكمها هو حكم الاكتتاب في الأصل، أما القسم الثاني: فهي شركات نصت في نظامها على ممارستها للأعمال المحرمة شرعا، أو كانت أغلب أنشطتها في الواقع محرمة، مثل البنوك الربوية، ومثل الشركات التي تتاجر في السلع المحرمة كالخمور والملاهي والقمار، فهذه الشركات لا يجوز الاكتتاب فيها مطلقا؛ لأن الله - عز وجل - إذا حرم شيئا حرم ثمنه، ولأن الاكتتاب في هذه الشركات من التعاون على الإثم والعدوان. القسم الثالث: شركات نصت في نظامها على أنها تمارس أعمالا مباحة شرعا ولم تنص على ممارسة أعمال محرمة شرعا، لكنها في الواقع تمارس بعض الأعمال المحرمة شرعا، كأن تقترض بالربا أو تودع بالربا أو تستثمر في استثمارات محرمة لم تنص عليها في نظامها. وقد اختلف أهل العلم في حكم الاكتتاب في هذه الشركات مع اتفاقهم على حرمة الكسب المحرم من الشركات المساهمة ولو كان يسيرا، ووجوب إخراجه من نصيب كل سهم والتخلص منه وعلى حرمة مباشرة إجراء العقود المحرمة بالشركة وإثم الموظفين المباشرين لها من أعضاء مجلس الإدارة وغيرهم، وأما خلافهم فهو في حكم الاكتتاب والتداول في الشركات المساهمة التي أنشئت لأغراض مباحة ولكنها تقترض قروضا محرمة أو تستثمر في أنشطة محرمة.
ما رأيكم حيال الشركة المختلطة والمساهمة؟
لا شك أن هذه المسألة من أكثر المسائل التي دار حولها الجدل والخلاف بين الفقهاء؛ لما فيها من الإشكالات المتعددة والمتأمل لهذا الخلاف يجد أن الحكم بحرمة تلك الاستثمارات للشركة المختلطة متفق عليه بين الفريقين، بيد أن الخلاف واقع في حكم الاشتراك في الشركة لمن لا يرضى هذه الممارسات المحرمة فيها ويتخلص من الربح المحرم فيها، وكلا القولين له حظ كبير من النظر والاستدلال المعتبر، لكني أختار قولا وسطا يجمع شتات المسألة، وهو القول بأن الاكتتاب في الشركات المختلطة يجوز للحاجة إذا كانت نسبة الاستثمارات المحرمة في الشركة قليلة جدا ومغمورة بالنسبة للاستثمارات المباحة فيها، مع وجوب بذل الوسع في التخلص من النسبة المحرمة من الربح، وعدم الرضى بتلك الممارسات، والسعي الحثيث لإيقافها.
الكثير من الناس يكتتب باسم شخص آخر.. ما رأي الفقه حول هذا الموضوع؟
الاكتتاب باسم شخص آخر يختلف بحسب المكتتب والمكتتب باسمه، فحق الاكتتاب من الحقوق التي استجدت في عصرنا الحاضر والأصل في حق الانتفاع أنه يكون الانتفاع به لمن أبيح له، لكن إذا علم أن المملك لهذا الحق يبيح لمن ملكه إياه بذله لغيره بعوض أو بغير عوض جاز للمنتفع به ذلك.
هل يجوز استعمال اسم الغير للاكتتاب بعوض؟
هذه المعاملة محرمة شرعا حسب فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية وعدد من العلماء المعاصرين، حيث إن المشتري يأخذ بالاسم أكثر مما يستحقه من الأسهم ويضيق بذلك على المساهمين الآخرين، وفي ذلك مخالفة للأنظمة التي وضعت لتحقيق العدالة وتوزيع الأسهم على أكبر عدد ممكن من عامة الناس، وهذا يوافق مقصدا من مقاصد الشريعة التي تحث على جعل المال دُولة بين الناس، وتنهى عن جعل المال دُولة بين الأغنياء.
وماذا عن الاكتتاب باسم الزوجة؟
الاكتتاب حق انتفاع، والزوجة تملك هذا الحق ولا سلطان للزوج عليها فيه إلا برضاها قياسا على حرمة أخذ الزوج شيئا من مال الزوجة إلا برضاها؛ وعلى هذا فإن الزوج يحرم عليه الاكتتاب باسم زوجته إلا برضاها سواء كان ذلك بغير عوض أو بالمشاركة؛ لأن حق الزوجة في الاكتتاب هو في حكم الأجنبي بالنسبة للزوج، كما أن مما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام أنه لا يجوز الاكتفاء بسكوت الزوجة في ذلك، بل لا بد أن يكون بذلها هذا الحق لزوجها عن طيب نفس منها.
أما الاكتتاب باسم الأولاد فنقول إن الوالد له أن يكتتب بأسماء أولاده إذا كان الابن مستغنيا عن الربح المتوقع من الاكتتاب، على ألا يبذل الأب ذلك لابن آخر، وألا يكون في مرض أحدهما المخوف.
أولياء القصر إذا اكتتبوا بأسماء من تحت ولايتهم ماذا يكون الحكم؟
الولي على الأيتام القصر كلفه الله برعاية أموالهم وتصريفها فيما يعود عليهم بالمصلحة فهذا يدل على أن الولي لا يجوز له التصرف في مال اليتيم إلا بالأحظ لماله، فالواجب التصرف بأسماء القصر بالأحظ لهم، فإن كان الأحظ لهم أن يكتتب بأسمائهم مشاركة معهم؛ وذلك لعدم قدرتهم على دفع المبلغ المحدد للاكتتاب جاز له ذلك، أما إن كان الأحظ لهم أن يكتتبوا بأسمائهم بلا مشاركة مع غيرهم وكانوا يملكون المال الكافي لذلك، فلا يجوز للولي مشاركتهم ولا بيع أسمائهم، والله أعلم.