أمل ودمار وخيبة أمل .. وهكذا التغير المناخي

أمل ودمار وخيبة أمل .. وهكذا التغير المناخي

من الصعب العثور على قضية أشد تعقيداً وديناميكية من التغير المناخي الذي يمكن القول إنه التحدي الأشد في مواجهة النشاطات العملية، والمجتمعات. غير أنه بالنسبة إلى عدد من الشركات، والدول، فإن كلمة ''أخضر هي الترنيمة الجديدة''، كما أن التحول إلى اقتصاد تتدنى فيه انبعاثات الكربون يمثل فرصة هائلة، حيث تتحرك هذه الجهات بوتائر سريعة للبناء عليها.
إنها تأمل من خلال تصميم منتجات وخدمات جديدة أن تلبي الطلب المتزايد على المنتجات، والخدمات في عالم يتم استنزاف موارده. وتشير التحركات بالنسبة إلى أصحاب الآمال هؤلاء إلى توفير أسواق جديدة فيها ما يكفي من احتمالات توليد الثروات. وتعتبر كوريا الجنوبية من أكثر دول العالم التزاماً بهذا التوجه التي ترى أن تراجع الانبعاثات الكربونية الناتجة عن نشاطاتها الاقتصادية وسيلة لإعادة اكتشاف، وتعظيم النمو في اقتصاد كان بالغ النشاط، ولكنه يواجه في الوقت الراهن التحدي المتمثل بركود مرحلة النضج. ويرى النشطاء العاملون في هذا الاتجاه أن الاقتصاد متدني الانبعاث الكربونية ليس ضرورياً فقط لاستقرار النشاط العملي في المستقبل، ولكنه يمثل في الوقت ذاته طريقاً نحو إنجاز الأعمال، وحافزاً للابتكار، واكتشاف موارد جديدة ذات ميزات مقارنة.
لماذا يظل التغير المناخي، والقضايا الضاغطة حول تركيب جو الأرض موضوعاً بهذه الدرجة من الصعوبة، طالما ندرك أننا من خلال تخفيض انبعاث الكربون، يمكننا أن نقطف كل هذه المزايا الكبيرة فيما يتعلق بالبيئة؟ من الواضح أن الفرص تحمل معها مخاطر، كما أن التغير المناخي يظل مصدراً لكثير من المخاطر، إضافة إلى أنه تهديد مستمر للنشاط العملي، وقضية تسبب ألماً فعلياً لدى المسؤولين عن العمليات الإنتاجية في الوقت الراهن، هذه العمليات التي تظل عرضة لكثير من قيود السيطرة الهادفة إلى المحافظة على سلامة البيئة، وما يتبع ذلك من تكاليف. ولعل الكابوس الأسوأ يبرز حين تحاول هذه الجهات التخطيط من أجل استثماراتها في المستقبل.
إن الشيطان القائم في هذا الخصوص يتمثل في حالة عدم اليقين، كما أن الاستثمارات الضرورية في الابتكار، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة، وتطوير البنية التحتية، مكلفة للغاية. ولا يمكن إنجازها بثقة إلا إذا أمكن العمل الدقيق على إعداد الخطط اللازمة لها، ومحاولة تصورات المنافع المنتظر أن تنجم عنها. وإن من شأن نقص الثقة، وتراجع رأس المال إلحاق أكبر الأذى بالآمال المستقبلية. وطالما تتذبذب أسعار الكربون مع كل جولة مفاوضات، كما يستمر تغيير جهات التنظيم، وهياكل الأسواق، على نحو متكرر للغاية، مع محدودية النطاق الجغرافي للعمل، فإن النشاطات العملية، والاقتصادات، ستستمر في معاناة المشكلات في ظل ضعف قدرتها على اتخاذ قرارات استثمارية ذات كفاءة عالية. ولذلك يعتبر التوصل إلى اتفاقية فعالة، وعلى نطاق جغرافي واسع، حول الحد من الانبعاث الكربوني، من الأمور بالغة الحيوية، كما أن تحقيق درجة عالية من النجاح يعتمد، بصورة أساسية على النجاح في الاجتماع السنوي للأطراف التي تبحث شؤون بروتوكول كيوتو.
كانت عبارة ''الأمل مع كوبنهاجن'' تتويجاً للحملة السابقة الخاصة بالإعداد لقمة كوبنهاجن حول التغير المناخي عام 2009، حيث كتب هذا الشعار بحروف كبيرة، وعلى ارتفاع عشرة أقدام في أنحاء متعددة من العاصمة الدنماركية. وتم تركيز انتباه الحكومات، والنشاطات العملية، والمجتمعات المدنية، بمستوى لم يسبق له مثيل، على تلك المفاوضات. ولم تلق محادثات كانكون مثل هذا الاهتمام. حتى أن صحيفة لوموند الفرنسية أوردت مقالاً بعنوان ''هل تستحق كانكون عناء الذهاب إليها؟''. وإذا كانت نتائج كوبنهاجن عبارة عن خيبة أمل للكثيرين، فإن هنالك آخرون ممن لديهم آمال كبرى، حتى بعد كانكون. ولكن هل هم على حق في ذلك؟ فما الذي حال دون تحقيق تقدم ملموس في قمة كوبنهاجن، ولماذا لم ترق النتائج إلى مستوى التوقعات الكبرى؟ وما الفرق الذي شكله لقاء كانكون؟ وماذا يعنيه ذلك بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي والبيئة؟
إذا نحينا جانباً ضعف الجهد التنظيمي من جانب الدولة المضيفة لقمة كوبنهاجن، فإن القمة في حد ذاتها بدأت وهي مثقلة بأعباء كبرى من الآمال والتوقعات. وفي ظل اقتراب موعد نهاية مفعول بروتوكول كيوتو في عام 2012، كان هنالك سعي حثيث لجعل البلدان الأعلى تسبباً في الانبعاث الكربوني، مثل الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والهند، توقع على اتفاقية ملزمة لها من الناحية القانونية بهدف تقليص الانبعاثات الغازية، وتحديث إطار العمل بخصوص كل ذلك فيما يتعلق بالعقود المقبلة. غير أن ذلك لم يحدث، إذ تعطلت المحادثات حول كل قضية تقريباً، وذلك لأن الدول الأكثر تسبباً في الانبعاثات الكربونية رفضت الالتزام بما يمكن أن تمليه عليها اتفاقيات شاملة وملزمة قانونياً، ولا سيما حين تعلق الأمر بكل من الصين، والولايات المتحدة.
كان الوضع في كانكون مختلفاً تماماً، حيث كانت التوقعات متدنية. وتلاشت آمال إمكانية التوصل إلى اتفاقيات شاملة، وجرى التركيز، بدلاً من ذلك، على ما يمكن إنجازه من الناحية الفعلية، وكذلك على المناقشات التي يجب الابتعاد عنها للتمكن من تحقيق النجاح. وبدلاً من الانشغال بمحاولة التوصل إلى اتفاقيات شاملة، ركز المجتمعون على جدول أعمال اللقاء المقبل في مدينة ديربان، في جنوب إفريقيا، حيث ستكون هنالك ضغوط لحل المشكلات الكبرى الناجمة عن انتهاء مفعول بروتوكول كيوتو. وكان تجنب الخداع هو الهدف الرئيسي لمحادثات كانكون.
لقد تحقق بعض التقدم في كانكون، إذ تم إنشاء ''صندوق المناخ الأخضر'' لتقديم المساعدات إلى الدول التي يقع معظمها في إفريقيا، والتي لا يمكنها الاستفادة من ''آلية التنمية النظيفة'' بسبب عدم وجود برامج لتقليص الانبعاثات الكربونية فيها. وكانت هذه الآلية قد أنشئت لتنظيم تداول، وبيع أذونات الكربون، واستخدام الدخل الناتج عن ذلك في مساعدة المنظمات المعنية في الدول المتقدمة على تحقيق أهدافها المتعلقة بتقليص الانبعاثات الكربونية.
لقد تم توقيع اتفاقيات خاصة بهذه الآلية، وبالذات على صعيد حماية الغابات الإستوائية من خلال تقليص الانبعاثات الناجمة عن عمليات القضاء على الغابات. وتم ذلك على الرغم من مخاوف تتعلق بتعقيد تلك القضايا، وكذلك فيما يخص الأمور المرتبطة بما يسمى ''تسليع الغابات''. وكانت هنالك وعود لدعم نقل التقنية النظيفة عن طريق إنشاء ''مركز وشبكة للتقنية'' في مرحلة زمنية لاحقة. وأمكن كذلك تجاوز بعض العقبات الخاصة بالتحقق الرسمي من تطبيق بنود الاتفاقيات. وقبلت الصين، على سبيل المثال، بالحاجة إلى الشفافية، بفضل تشجيع بسيط من جانب الهند، كما أقرت الصين بأهمية المراقبة، والتحقق من تطبيق ما يتم الاتفاق عليه، على الرغم من استخدامها لأساليب محلية في سبيل تحقيق ذلك.
فما أوجه التقدم الكبير التي تحققت على أرض الواقع؟ لم تتغير كميات الوعود الخاصة بتقليص الانبعاثات الكربونية. ولن تكون كل تلك الوعود كافية لتحقيق هدف عدم تجاوز ارتفاع حرارة جو الأرض حد درجتين مئويتين، ولم يتم تجديد بروتوكول طوكيو. وليست هنالك جهود لتخفيض درجة تذبذب أسعار الكربون من خلال تحديد حدود أدنى، والعمل على مساعدة المستثمرين في هذا الخصوص. وبينما كانت هناك وعود بتخصيص أموال جديدة، فإن الجهود الرئيسة تم توجيها نحو القضايا الأساسية. ومع كل ذلك، فهنالك بصيص أمل بعد لقاء كانكون بأن يحل الحوار البناء محل الاتهامات المتبادلة التي بدا أنها كانت تهيمن على المشهد قبل، وبعد قمة كوبنهاجن البيئية.

زميل بحث بارز في مركز إنسياد للابتكار الاجتماعي

الأكثر قراءة