الامتياز التجاري في قرارات المليك
أمام رائد الأعمال ثلاثة خيارات استراتيجية رئيسة لكي يبدأ مشروعه الحر هي: شراء مشروع قائم، أو إنشاء مشروع جديد، أو الامتياز التجاري أو ما يسمى ''بالفرنشايز''. والفرنشايز هي كلمة فرنسية الأصل وتعني ''حرية التعامل''. ونظامياً هو حق يمنح بمقتضاه مانح الامتياز لممنوح الامتياز حقوق الملكية الفكرية والمعرفة الفنية لإنتاج أو بيع أو توزيع أو تقديم السلع أو الخدمات. ومن الطريف أن ماكينات ''سنجر'' للخياطة التي أحدثت قبل عامين ضجة محلية كبرى بين البسطاء هي أول من ابتدع هذا النظام عام 1851م.
وتعتبر بعض الدول الامتياز التجاري مصدراً مهما لدعم الاقتصاد. فأمريكا لديها أكثر من 1200 علامة تجارية تعمل بنظام الامتياز محلياً وعالمياً. ويقدر حجم مبيعاتها عام 2005م بما يزيد على تريليون دولار. وفي أوروبا بلغ عدد العلامات العاملة بهذا النظام 11731 علامة عام 2009م. ففي فرنسا هناك أكثر من 1369 علامة وفي بريطانيا 840 علامة وفي تركيا هناك 1640 علامة وفي ماليزيا وصل عدد العلامات فيها إلى 500 علامة. واستطاع نظام الامتياز خلق أكثر من عشرة ملايين فرصة عمل في أنحاء العالم. ففي فرنسا يعمل نحو 700 ألف عامل في شركات الامتياز عام 2009، وفي ألمانيا بلغ العدد نحو 450 ألفا وفي بريطانيا العدد نفسه وفي تركيا أكثر من 250 ألف وظيفة. وبحسب الإحصاءات أيضاً فإن واحداً من كل 12 مشروعا جديدا ينشأ في أمريكا هو مشروع امتياز تجاري. في حين أن عدد الشركات العاملة في السعودية لا يتجاوز 25 وفي العالم العربي كله لا يتجاوز 70 علامة ولا يعرف بالطبع، كما استطاع هذا النظام توظيف العمالة.
وقد شملت قرارات الخير الأولى التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين ـــ أيده الله ـــ إقامة مشروعين في الصندوق الخيري الوطني وخصص لهما مبلغا وقدره 100 مليون ريال سنوياً. وسيحدث هذا القرار نقلة حقيقية في إتاحة الفرص الوظيفية للشباب السعودي من الرجال والنساء. وكما أثبتت الدراسات فإن الامتياز التجاري يساعد على زيادة نسبة نجاح الأعمال بما يصل إلى 80 في المائة. فللممنوح الاستفادة من خبرة مانح الامتياز، وشراء المنتجات والمعدات والخدمات المستخدمة بصورة مباشرة من مانح الامتياز بأسعار مخفضة، والاستثمار في نشاط تم تجربته وأثبت نجاحه مسبقا دون تحمل مخاطرة كبيرة. ومن فوائده أيضاً الاستفادة من إجراءات التشغيل وبرامج التسويق المـعيارية المختبرة مـسبقا، ونقل المعرفة الصناعية والتجارية والتكنولوجيا.
ولكي يتحقق الهدف المطلوب من هذه القرارات فلا بد من التخطيط السليم لنجاحها ووضع السبل الصحيحة لتطبيقها. ولعلي أشير في هذا المقال إلى عدة مقترحات في هذا الصدد. أولاً: وضع خطة تكاملية مع الجهات المختصة كالغرف التجارية والجمعيات السعودية لدعم توجه الشركات السعودية نحو منح الامتياز التجاري. وذلك بتقديم البرامج التوعوية والتثقيفية والتدريبية والتعليمية لتطبيقات الامتياز. فهناك أكثر من شركة سعودية ناجحة وقادرة على منح الامتياز المحلي لكنها لا تزال لم تخض هذه التجربة. وعندما يقوم الصندوق بذلك يكون قد أسهم في خدمة الممنوحين للامتياز وفي الوقت ذاته قد حفز المانحين لدخول هذا المجال. وبهذا يكون له دور بارز في نمو الامتياز المحلي الأقدر على المتابعة وتفهم مقاصد الصندوق الخيري وأهدافه الفيتنموية العامة.
ثانياً: أنه بحسب تجارب الصناديق الحكومية الداعمة لرواد الأعمال فإن أهم العوائق التي تعاني منها تلك التجارب وربما أدت إلى فشل المساهمة الفاعلة المتوقعة هو ضعف الأداء وتدني القدرات. فنرى غياباً واضحاً للآليات الموضوعية الشاملة، وغموضاً في الإجراءات العملية، وبطئاً في العمليات ثم فوق ذلك كله ندرة في الكفاءات المؤهلة القادرة على التنفيذ والتطوير والتعلم السريع من الأخطاء.
ثالثاً: أعتقد أن صرف ما لا يقل عن 50 مليون ريال سنوياً لدعم مشاريع الامتياز التجاري التي ربما تجاوزت 50 مشروعاً سنوياً على الأقل بمتوسط قدره مليون ريال لكل مشروع هو في غاية الصعوبة لجهات لا تملك المعرفة ولا تملك الآلية ولم تكتسب التجربة. وما لم تتحرك هذه الجهات عاجلاً لوضع خطة استثنائية عاجلة ومحكمة وقابلة للتنفيذ مبنية على منحنيات الخبرة والتأسيس المستديم فإنها ستكون في صفوف تلك الجهات المعيقة لإرادة القيادة وتوجيهها، وعقبة أمام بلوغ المقاصد المخلصة.
رابعاً: لا بد من ربط مشاريع الامتياز بقدرتها على خلق الوظائف الوطنية المحلية. فالممارسات السابقة لممنوحي الامتياز تقوم على العمالة الوافدة ولا تسهم في التنمية البشرية للمواطنين. كما تتركز جلها في نشاط واحد هو نشاط المطاعم، إذا تصل نسبته إلى نحو 75 في المائة من مجموع أنشطة الامتياز في السعودية.
خامساً: لا يزال نظام الامتياز التجاري في السعودية في مهده ومراحله الأولى. هذا إذا أذعنا أن هناك نظاماً محدداً للامتياز. وهذا العائق النظامي القانوني سوف يخلق مشكلة لا بد من الاستعداد لها كي تنجح التجربة. فلا بد من تقنين المنازعات التجارية الخاصة بحق الامتياز. وتوفير النماذج القانونية والتعاقدية الموحدة عند التعامل مع المانحين الخارجيين، ومراعاة تطبيقات حفظ حقوق الملكية الفكرية، ودعم الأجهزة الرقابية في هذا المجال. فالصندوق لا يمكن العمل وحده ولن يحقق مهمته ما لم تسانده الأنظمة والتشريعات والجهات القائمة عليها. وبدون تلك المساندة والتسهيلات الحقيقية فسنعود مرة أخرى إلى خيبة الأمل الشعبية.