خريطة طريق جديدة لصناعة التأمين الإسلامي
تشهد دبي خلال الأيام المقبلة انعقاد مؤتمر التكافل العالمي السنوي في دورته السادسة. ويناقش المؤتمر آليات تطوير صناعة التكافل بحيث تتمكن من الثبات في المنافسة في أسواق التأمين. ويهتم الحضور بتقويم تجربة التكافل طبقاً للمعطيات الراهنة، وذلك للوقوف بشكل قاطع على أهم التحديات والمشكلات التي تواجه هذا القطاع المهم. ومن أبرز المحاور المنتظر مناقشتها مدى شرعية عمل شركات التكافل، والمعايير الواجب وضعها بصرامة حتى لا يكون التكافل مجرد صورة من التأمين التقليدي.
وتعد السعودية من الأسواق الرائدة في التكافل، حيث إنها السوق الأكبر حجما إلا أنها الأقل نمواً في الوقت نفسه، مما يطرح مفارقة، يسعى المحللون لدراسة الأسباب ووضع آليات الخروج من هذه الإشكالية.
في إطار الاهتمام بمستقبل صناعة التكافل العالمية يتطرق "مؤتمر التكافل العالمي السنوي السادس" خلال الشهر الجاري في دبي إلى عديد من القضايا التي تمس جوهر تلك الصناعة.
ويرى المراقبون أن المؤتمر سوف يمهد الطريق مجدداً لأكثر من 350 من زعماء هذه الصناعة للاجتماع واستعراض أحدث الابتكارات. كما ستكون فرصة للتباحث حول العوامل المساعدة الأساسية لتعزيز النمو في سوق التكافل الدولية.
ويشير ديفيد ماكلين ـــ العضو المنتدب للمؤتمر ـــ إلى أن الموضوع الرئيس لمؤتمر التكافل العالمي هذا العام يركز على إدارة المخاطر وابتكار المنتجات ودفع عجلة النمو في صناعة التكافل العالمية. وأعرب عن تفاؤل متزايد يعم الخبراء والعاملين في تلك الصناعة. وقال إن هذه العناصر سوف تقرر أيا من الأطراف العاملة في التكافل سيكون الأفضل حالاً بحيث يلبي احتياجات الطلب المتزايد بقوة على هذا المنتج. ويكون ذلك استناداً إلى المؤشرات السكانية، وارتفاع مستويات الدخل ومدى الإقبال على منتجات التأمين التعاوني. إلا أن تحقيق الأهداف المرجوة في هذا الصدد يستلزم أن يقوم اللاعبون في تلك السوق بعمل مراجعة متأنية للاستراتيجيات التي يعملون من خلالها. ومن أهم النقاط التي تستلزم المراجعة ما يخص نسبة المخاطرة إلى العائد وتنويع الأعمال وتحقيق الانضباط الاستثماري.
من جانبه يرى برفيز صديق ـــ الرئيس التنفيذي لشركة نور للتكافل ـــ أن صناعة التكافل تعد أقل تطوراً بشكل ملحوظ مقارنة بصناعة التمويل الإسلامي. ولهذا فإن الاستفادة من الفرص المستجدة على نطاق عالمي لا تتأتى إلا باستكمال آلية حوكمة للشركات تكون مطابقة للشريعة الإسلامية وشاملة للصناعة. كما يجب أن تكون تلك الآلية قادرة على أن تكسب ثقة الأشخاص. كما يجب اتخاذ القرار في الوقت الحالي للانتقال إلى المستوى القادم وسرعة الاستفادة من الفرص استناداً إلى عديد من العوامل التي تتعلق بالعملاء بصورة أساسية.
وأضاف أن مؤتمر التكافل العالمي الذي يبنى على 6 سنوات من الاجتماعات الناجحة لهذه الصناعة، يوفر منبرا استراتيجيا يجمع بين الخبراء والعاملين في هذا المجال لمناقشة الحلول المناسبة للثغرات في هذه الصناعة. واعتبر أن هذا اللقاء يحفز التفكير، ويعد إيجابياً للغاية بالنسبة للأطراف الرائدة في هذه الصناعة على المستوى العالمي، حيث يناقشون عديدا من القضايا التي تتعلق بالتكافل في مرحلة ما بعد الأزمة العالمية.
#2#
ويتفق معه في هذا الرأي مروان أحمد لطفي ـــ نائب الرئيس التنفيذي ورئيس تطوير الأعمال في سلطة مركز دبي المالي العالمي ـــ حيث يقول إن مؤتمر التكافل العالمي يعد فرصة مميزة لجميع الأطراف المعنية في قطاع التكافل لاستكشاف سبل تعزيز إمكانات نمو هذه الصناعة على المستوى الدولي، ولا سيما أن صناعة التأمين التكافلي تحقق معدلات نمو كبيرة مقارنة بالتأمين التقليدي. ويضيف أن صناعة التكافل أحد قطاعات الأعمال الرئيسة في مركز دبي المالي العالمي. لذا فإن المركز يوفر منصة مثالية وبيئة تنظيمية مستقلة تتيح لمزودي خدمات التكافل تأدية جميع متطلبات أعمالهم منها.
تقرير "إرنست آند يونج"
من المنتظر أن يشهد المؤتمر إطلاق تقرير التكافل العالمي 2011، الذي تصدره مؤسسة إرنست آند يونج. ويعد هذا التقرير بمثابة مرشد لصناعة التكافل العالمية، ومرجع لا غنى عنه لصناع القرار الأساسيين في صناعة التأمين الدولية. وفي هذا الإطار صرح عشار ناظم ـــ المدير التنفيذي ورئيس الخدمات المالية الإسلامية لمنطقة الشرق الأوسط في «إرنست آند يونج» ـــ بأن "التكافل يصنف في مرتبة قريبة جداً من القمة فيما يتعلق بالبحث النشط عن قطاعات النمو طويلة الأجل في العالم اليوم. يذكر أن كبريات شركات التأمين العالمية أطلقت عروضاً محددة في سوق التكافل هذا العام، مما يدل على أن فترة المخاض التي مرت بها هذه الصناعة على مدار السنوات القليلة الماضية قد انتهت الآن. وبهذا أصبحت صناعة التكافل متأهبة للانطلاق، وهناك ثقة كبيرة بأن المشاركين والمستثمرين في هذه الصناعة بمقدورهم التطلع قدما لعقد من النمو المستقر والغني بالأرباح والقيم الأخلاقية؛ بحكم كون تلك التعاملات تتم في إطار الشريعة".
تجدر الإشارة إلى أنه من المقرر أن يبدأ مؤتمر التكافل العالمي السنوي السادس في اليوم العاشر من أبريل بكلمة افتتاحية للنقاط الأساسية يلقيها مروان أحمد لطفي، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس تطوير الأعمال في سلطة مركز دبي المالي العالمي.
نظرة مستقبلية
أعرب الدكتور موسى القضاة ـــ الباحث والمتخصص في شؤون التأمين ـــ عن تفاؤله، حيث يرى أن الأرقام تبشر بمستقبل زاهر للتأمين التكافلي، خاصة مع توافر عدد من عوامل نمو التكافل. ومن أهم تلك العومل توافق التأمين التكافلي مع أحكام الشريعة الإسلامية المستند إلى قرارات المجامع الفقهية الدولية، كما أن عدد المسلمين يشكل ما نسبته نحو 20 في المئة من سكان العالم وتتنامى لديهم الرغبة في الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية. كما أن النمو المذهل في القطاع المالي الإسلامي يجعل التوقعات المستقبلية للتكافل إيجابية إلى حد كبير.
وفي هذا الصدد يقول تشارلز بولوه ـــ رئيس شركة AIG كبرى شركات التأمين في العالم ـــ "إننا لا نقوم بهذا العمل لمجرد التقرب من السوق الإسلامية فحسب؛ بل لأننا نرى إمكانات نمو هائلة في سوق التكافل ليس من الحكمة إضاعتها".
وأشار أيضا إلى تدني حجم الإنفاق على التأمين بالنسبة لمعدل دخل الفرد في دول العالم الإسلامي حيث تراوح بين 1 و1.7 في المئة مقارنة بـ 7.5 ـــ 8 في المئة في دول الغرب. هذا ومازال الباب مفتوحا على مصراعيه أمام الحملات الترويجية لصناعة التكافل، لإقناع الجمهور بالتمتع بالطمأنينة من خلال التغطيات التأمينية التكافلية. ويرى القضاة أن تصاعد وتيرة النمو الصناعي والتجاري لدى الدول المهتمة بصناعة التكافل والإصلاحات التشريعية التي تم تبنيها في بعض الدول، المتمثلة في جعل صيغة التأمين التكافلي هي الصيغة التأمينية الوحيدة ـــ كما هو الأمر في المملكة والسودان ـــ من أبرز دوافع نمو التكافل، إضافة إلى تشجيع بعض الدول الاستثمار في مجال التأمين التكافلي ـــ كما هو الحال في ماليزيا، الكويت، وقطر.
وعن رؤيته يقول الدكتور سيد حامد ـــ نائب مدير مجموعة البركة للتكافل في الخرطوم ـــ إن مستقبل التكافل واعد جدا، والدلائل على ذلك كثيرة، خاصة في الخليج الغني بالثروات. وتؤدي تلك الثروات ـــ مثل النفط ـــ إلى نهضة صناعية وازدهار الخدمات المالية، ثم يتبعه ظهور مجال التأمين الذي يعمل على حفظ الثروات وحماية الناتج القومي. كما أن صيغ التأمين المختلفة نجحت في جذب العملاء إليها وتنامي تلك الصناعة في الدول الإسلامية؛ فتوافر الصيغ الشرعية جاذب للمستثمرين، إضافة إلى العوائد المالية. كما تسبب تفرد تلك الصيغ في دخول لاعبين جدد من غير الدول الإسلامية مثل بريطانيا، وأستراليا، ولكسمبورغ، وترينداد، وسريلانكا، مما يسهم في سرعة انتشار شركات التكافل. وتعمل زيادة الطلب على التكافل على زيادة العوائد للمؤسسين والدولة، وهو ما يسهم في السياسة النقدية للدولة. علاوة على ذلك فإن نمو صناعة التأمين يعالج مشكلات أخرى كالبطالة وينعش عديدا من القطاعات.
أما الدكتور عمر زهير حافظ ـــ الخبير في مجال التأمين ـــ فيرى أن المستقبل مرهون بتطبيق ما صدر من جهات ذات مصداقية كبيرة عند المسلمين. وفي حال وجود متشككين تحسم الدولة هذه القضايا الخلافية بتشريع. ويطالب بأن تعاد صياغة اللوائح التنفيذية لتتفق مع النظام المتوافق مع الشريعة بالفعل كما هو الحال في السعودية. ويشيرغسان ماروش ـــ المدير العام لـ "تكافل الإمارات" ـــ إلى أن التوقعات التي تفيد بأن أقساط التكافل العالمية تحقق نموا إلى 7 مليارات دولار أمريكي بحلول عام 2015. ومن ثم تظهر الحاجة الملحة للانخراط في حوار هادف حول تطوير صناعة التكافل الآخذة في التوسع. ولهذا فإن مؤتمر التكافل العالمي 2011 يوفر فرصة فريدة لمناقشة مسائل التنظيم واتجاهات الثراء المتغيرة والنقص في الموارد البشرية في قطاع التمويل الإسلامي. ومن شأن تلك المناقشات أن تضمن وضع أساس متين لاستمرار النمو في هذه الصناعة.