دراسة تناقش الحساب الجاري وتكييفه الفقهي والأحكام المتعلقة به
مع كثرة البحوث التي تناولت الحساب الجاري في المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والجامعات، إلا أن كثيرا من المتخصصين يرى أن الموضوع ما زال في حاجة إلى نقاش وبحث، نظرا لكثرة التعامل به، ولما يحتويه من خدمات وتسهيلات للأفراد والشركات والمؤسسات المالية.
أعد أخيرا الدكتور عبد الله العمراني عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأستاذ كرسي بن دايل لدراسات الوقف دراسة ناقش فيها الحساب الجاري وتكييفه الفقهي وعديدا من الأحكام الشرعية المتعلقة به.
في بداية الدراسة استعرض العمراني تعريف الحساب الجاري ونقل أقوال عديد من القانونيين والمتخصصين، واستخلص أن الودائع المصرفية تتمتع بأنها تقتصر على النقود المدفوعة للمصارف وأنها حالة تحت الطلب، وقد تكون آجلة إضافة، إلى أن للمصرف الحق في التصرف فيها لأنها ملكه ويلتزم برد مبلغ مماثل إلى المودع.
#2#
وفي الجزء الثاني من الدراسة تحدث بالتفصيل حول التكييف الفقهي للحساب الجاري، واستعرض خمسة أقوال هي محل النقاش والاستدلال، وفصل في الاستدلال لكل قول، ومناقشة تلك الأدلة وما يرد على تلك المناقشات من إجابات. وخلص في النهاية إلى أن الراجح في علاقة الحساب الجاري أنه قرض المودع فيه هو المقرض، والمصرف هو المقترض بدليل أن العبرة في العقود بالمقاصد والمباني لا بالألفاظ والمباني، والمتأمل للعلاقة بين المصرف والمودع يظهر له أن العلاقة بينهما إنما هي قرض لا وديعة، حيث إن المصرف يمتلك الودائع وله حق التصرف فيها ويلتزم برد مبلغ مماثل عند الطلب، كما أن المصرف يكون ضامنا لها إذا تلفت سواء فرط أو لم يفرط، وهذه حقيقة عقد القرض.
وبعد اختيار هذا التخريج الفقهي استعرض عديدا من الآثار المترتبة على هذا التكييف، من أبرزها حكم انتفاع المصرف باستثمار ودائع الحساب الجاري، وفي هذا الموضوع اختار الباحث أن العائد يكون للمصرف وحده دون أن يستحق أصحاب الحسابات الجارية الاشتراك معه، وذلك لأن القرض من العقود الناقلة للملكية، ومن ناحية أخرى فإن منح المصرف أي عائد لأصحاب الحسابات عوضا عن أموالهم سيدخل في نطاق المنافع المحرمة في القرض.
وناقش العمراني مسألة انتفاع المصرف بتوليد الائتمان، ورأى أن توليد الائتمان من حيث الأصل جائز شرعا إذا وجد السبب الشرعي للدائنية وهو الإقراض الذي يتوافر فيه قبض المبلغ، لكن الحكم يختلف حسب نوع الاستثمار الذي يقوم به المصرف وحسب الآثار المترتبة على ذلك.
كما تعرض لحكم تقاضي المصرف أجرا على الخدمات التي يقدمها وتوصل إلى أنه جائز شرعا لأنه يستحق هذا الأجر مقابل الأعمال التي يقوم بها ويقدمها للمودع، ورأى الباحث أنه ليس ثمة مجال للشبهة في اختلاط الأجر بالربا لأن الربا هو الزيادة التي يتقاضاها المقرض من المقترض ولا وجود لذلك هنا.
وذكر مسألة انتفاع صاحب الحساب الجاري بحفظ أمواله في المصرف من السرقة والضياع ونحو ذلك، وقال إن من المقرر أن الإقراض بقصد حفظ المال فقط دون قصد الإرفاق بالمقترض جائز شرعا، لكن لا يثاب المقرض هنا على قرضه، إلا أن هذا لا يخرج القرض من دائرة الجواز.
وأشار إلى مسألة انتفاع صاحب الجاري بدفتر الشيكات وبطاقات الصراف الآلي دون مقابل، وأشار أيضا إلى أن الظاهر جواز هذا الأمر لأن المنفعة الإضافية هنا مشتركة للطرفين، بل إن منفعة المصرف أقوى ومنفعة العميل تابعة وليست أساسية، كما أن هذه المنفعة وسيلة للوفاء.
ومن ضمن المسائل التي ناقشتها الدراسة مسألة انتفاع صاحب الحساب الجاري بالهدايا وبالأسعار المميزة لبعض الخدمات، وبحسب رأي الباحث فإن الأمر إذا كان للعميل دون غيره ولم يكن للمصرف منفعة في بذل هذه الخدمات أو تنازله عن بعض قيمتها سوى القرض، فإنها محرمة لأنها منفعة للمقرض ولا منفعة مقابلها للمقترض سوى القرض، ومثل ذلك الهدايا من المصرف للعميل إذا كان سببها القرض، ولم تكن هدايا عامة للعميل وغيره.
وأشار إلى تحريم أخذ الفوائد على الحسابات الجارية لأنها زيادة مشروطة في بدل القرض للمقرض، وقد تضافرت الأدلة على تحريمها، كما أشار الباحث إلى انتفاع صاحب الحساب الجاري بتنظيم حساباته وضبطها وأنها منفعة جاءت تبعا لمنفعة المصرف من تنظيم حساباته وعدم تفويت حقوقه وحقوق الناس، ولذلك فإن حكمها الجواز، وذكر الباحث أن انتفاع العميل من شهادة المصرف بملاءته جائز وليس من المنفعة المحرمة في القرض. إذ إن المصرف غالبا هو الجهة المعتمدة لإصدار مثل هذه المعلومات.
وفي نهاية الدراسة تعرض لمسألة زكاة الحساب الجاري وقال يترتب على تكييف الحساب الجاري أنه قرض من العميل أن تجري عليه أحكام زكاة الدين إذا كان على ؟؟؟؟؟مليء باذل؟؟؟؟؟، والراجح في تلك المسألة وجوب الزكاة على المقرض كلما حال عليه حول ولو لم يقبضه فتكون زكاة الحساب الجاري على صاحب الحساب أي المودع، ويبقى البحث والنظر في مدى وجوب الزكاة على البنك باعتباره مالكا للمال بناء على الخلاف في مسألة زكاة المقترض.
وختمت الدراسة بمناقشة بعض أحكام القروض الذاتية والقروض المتبادلة.