«الجنادرية» .. منبر حضاري إنساني لرؤية متفتحة تؤمن بالحوار

«الجنادرية» .. منبر حضاري إنساني لرؤية متفتحة تؤمن بالحوار

ينقل المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية 26" الصورة الحقيقية عن الحضارة السعودية، تلك الصورة الإبداعية في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والتجارية، التي تعكس الاكتفاء الذاتي الذي عاشه المواطن رغم قلة الموارد وشظف العيش.
وتحول المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية" في رأي الكثير من المفكرين العرب إلى منبر حضاري إنساني يحمل رؤية متفتحة تؤمن بالحوار كقيمة حضارية لا غنى عنها للتفاهم والتلاقي مع الآخر، والمحاور التي طرحت للنقاش في دورات المهرجان عكست ذلك وكانت شاملة وملبية لآمال الكثير من المثقفين والمفكرين العرب.
وقد أدرك خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - أهمية الجنادرية كرسالة حقيقية عن المملكة انطلاقا من أهدافٍ رسمها منذ أن كانت الجنادرية فكرة قبل واقع، هذه الأهداف التي تؤكد القيم الدينية والاجتماعية التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ لتصور البطولات الإسلامية لاسترجاع العادات والتقاليد الحميدة التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف، وتوجد صيغة للتلاحم بين الموروث الشعبي بجميع جوانبه، وبين الإنجازات الحضارية التي تعيشها المملكة العربية السعودية، إلى جانب العمل على إزالة الحواجز الوهمية بين الإبداع الأدبي والفني وبين الموروث الشعبي، وتشجيع اكتشاف التراث الشعبي وبلورته بالصياغة والتوظيف في أعمال أدبية وفنية ناجحة، والحث على الاهتمام بالتراث الشعبي ورعايته وصقله والتعهد بحفظه من الضياع وحمايته من الإهمال. ومن أهم أهداف الجنادرية، العمل على صقل قيم الموروث الشعبي ليدفع برموزه إلى واجهة المخيلة الإبداعية؛ ليكون في متناول المبدعين خيارات من موروثاتهم الفنية بألوان الفن والأدب، إضافة إلى تشجيع دراسة التراث للاستفادة من كنوز الإيجابيات، والعمل على التعريف بالموروث الشعبي بواسطة تمثيل الأدوار والاعتماد على المحسوس؛ حتى تكون الصورة أوضح وأعمق، وإعطاء صورة حية عن الماضي بكل معانيه الثقافية والفنية.
وبنظرة سريعة إلى الخلفية التاريخية للمهرجان الذي انطلقت فعالياته الأولى غرة رجب من عام 1405هـ واستمر قرابة عشرة أيام، وزاره ما يتجاوز نصف مليون زائر، تتبين العزيمة والإصرار في التأكيد على الاهتمام بالتراث السعودي وتذكير الأجيال به وتوسيع دائرة الاهتمام بالفكر والثقافة، بجانب الحفاظ على معالم البيئة المحلية بما تحمله من دروس وتجارب. وهي ذات التجربة في العام التالي بمزيد من الإعمار داخل القرية، وزيادة بعض الفعاليات، وتزايد الترحيب الشعبي بإحياء موروثه. وفي العام الثالث من عمر المهرجان كانت بداية الاهتمام بالجانب الثقافي والفكري في المهرجان، حيث تقرر أن تنظم فيه وعلى مدى السنوات اللاحقة ندوة ثقافية كبرى يشارك فيها عدد من كبار المثقفين والمفكرين العرب، وتهتم بالتراث الشعبي العربي وجميع تفرعاته وعلاقته بالفنون الأخرى. ولتعزيز الدور الثقافي الحيوي للجنادرية محليا وخليجيا، جاء الاهتمام، ولكن هذه المرة بشكل أوسع لاستقطاب الدول التي لها تجارب ناجحة في مسيرة التنمية العالمية، إضافة إلى دورها الحضاري والثقافي، لعرضها أمام جمهور الزوار ليرى بشكل واقعي تجارب تلك الدول وموروثاتها المختلفة في ركن خاص هيئته الجنادرية كل عام، ويتغير وفقا لاختلاف الدول المستضافة، حيث تبرز السمات الظاهرية والداخلية أهم إيحائيات الجناح الضيف، وهي فرصة حقيقية للتعرف على ثقافة الآخر من خلال ما يعرضه.
وعند التطرق للقرية التراثية القلب النابض في الجنادرية التي استوحت نماذج من البيئة القديمة للمجتمع السعودي، يبرز في الواجهة منظومة عريضة للمعارض التراثية والمقتنيات، إلى جانب الملتقيات والحوارات الفكرية والثقافية التي تتناول جانبا معينا من هموم وشجون المثقف العربي وسط نخبة من المفكرين والعلماء والمثقفين والمبدعين. والشعر ميدان العرب له تمثيله الخاص في الجنادرية، فأفردت له أماكن خاصة بنوعيه الفصيح والعامي، وجعل لهما منابرهما، يتسابق فيه الشعراء من كل مكان في أرض المهرجان، فكان لهواة هذا الفن مبتغى، ولمحبيه مكانا ملائما. ولم يغب المسرح عن المهرجان، بل كان عماد الفعاليات الأدبية وعنوان تألقها عبر الحضور المسرحي السعودي الذي أثبت قدرته على التعبير عن قضايا المجتمع وتراثه.
أما العروض الشعبية فهي ركاز مشاركة المناطق، وميدان التنافس لمن يجذب الزوار أكثر، فكان الحماس منقطع النظير بين مناطق المملكة المترامية التي تتمايز بشكل واضح في الفلكلور وطريقة العزف واللباس وغيرها، فكانت هذه المشاهد وجبة دسمة للزوار، وتعريفا بطريقة فنية للمناطق وما تمتلكه من كنوز تراثية أظهرها المهرجان للعيان.
ويمتاز البرنامج النسائي هذا العام بمشاركة أكثر من 20 شاعرة، إضافة إلى عروض فلكلورية من جميع مناطق المملكة تقدم من خلال لوحات استعراضية تمثل تراث الوطن وتنقله بصورة حية للأجيال، كما يشهد البرنامج النسائي عددا من العروض التراثية كالحرف التي ما زالت تمثل صورة مشرفة للمرأة المعطاء، كما يقدم المهرجان أنشطة للطفل من خلال ركن الطفل والألعاب الشعبية التي يقف من خلالها على تاريخ آبائه وأجداده ونماذج لبعض الألعاب قديما، إلى جانب عددٍ من الأركان التي تحتفل بتراث المملكة وتقدم نبذة عن الحياة قديما من خلال الحرف وطرق المعيشة والأزياء والأكلات الشعبية الأصيلة، وتشارك عدد من المناطق في هذه العروض، منها: مكة، المدينة، القصيم، عسير، الشرقية، الجوف، والباحة.

الأكثر قراءة