ماذا يحدث في الاقتصاد العالمي؟

بغض النظر عما يحدث في العالم من اضطرابات سياسية في منطقة الشرق الأوسط تحديدا، وتفاعل القوى السياسية العالمية مع الأحداث، وبغض النظر عن الكوارث الطبيعية التي تحل بدول متعددة، لعل أهمها اقتصاديا تسونامي اليابان وتبعات إعادة الإعمار على ثالث أكبر اقتصاد في العالم. أقول بغض النظر عما تحمله تلك الأحداث من تأثير مباشر وقوي في مستقبل الاقتصاد العالمي، إلا أن هناك أحداثا أخرى كثيرة ومتلاحقة منذ انطلاق شرارة الأزمة الاقتصادية العالمية أواخر عام 2008 ـــ التي يعلمها الكثير ـــ أثرت وما زالت تؤثر في الاقتصاد العالمي.
إن استمرار الأحداث اقتصاديا سيجعل هناك فرصا أكبر لتوقع شكل الاقتصاد العالمي الجديد، والحديث هنا ذو شجون سنكتفي فيه بالإشارة إلى أهم الأحداث الاقتصادية التي إما أن تكون جديدة، وإما استمرارا لأحداث سابقة وامتدادا للآثار الجانبية لما أسميه ''مسكنات الاقتصاد العالمي'' التي بدأت منذ بداية الأزمة وما زالت مستمرة، لكن تلك المسكنات لم تعالج المرض، إنما ساعدت على تفشيه، والسبب مصالح دول معينة، لم تستوعب إلى الآن أن العلاج الحقيقي يأتي معه ألم كبير.
وآخر المستجدات هو ما أصدرته مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية ستاندارد آند بورز حول تصنيف الديون السيادية للولايات المتحدة وتخفيضها تصنيف الديون الأمريكية من مستقر إلى سلبي بناء على عجز الموازنة الأمريكية الذي وصل إلى أكثر من 10 في المائة، وكذلك ارتفاع الدين العام بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 90 في المائة، ولا شك أن هذا التصنيف الجديد هو نتيجة طبيعية للحلول التي تبنتها إدارة الرئيس أوباما لمعالجة أزمة الائتمان التي عصفت بمراكز القوى الأمريكية ووصلت تأثيراتها إلى عواصم الاقتصاد العالمي. واليوم فإن تبعات تخفيض ذلك التصنيف ستصل إلى أبعاد جديدة، لعل أهمها للدول المرتبطة بالدولار، فالنتيجة المستمرة قصيرة الأجل هي انخفاض قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم في تلك الدول، وتأثيرات انخفاض الدولار مستقبلا ستضع كثيرا من الضغوط التضخمية على تلك الدول، وقد تكون هذه بداية نهاية الدولار كعملة الاحتياطي العالمي، وتمهيدا لخريطة جديدة للعالم اقتصاديا إذا ما تبعت بعوامل أخرى نأتي عليها لاحقا. وإن كنت أرى أن هناك جانبا إيجابيا يكمن في تحول أموال المستثمرين من السندات إلى الأصول، وهو ما قد يساعد بعض أسواق الأسهم على استرداد بعض النفس إذا ما قرر المستثمرون التحول إلى استثمارات أخرى، لكن الجانب السلبي هو الإحجام عن الاستثمار حتى ظهور مؤشرات جديدة أكثر أمانا.
الحدث الآخر الذي يحمل مستوى أهمية كبيرا، هو الخوف من أن البرتغال أصبحت على وشك إعلان الإفلاس كثالث دولة بعد أيرلندا واليونان، وبذلك القبول بخطة إنقاذ من دول منطقة اليورو تصل إلى 80 مليار يورو بعد 110 مليارات يورو لليونان على مدى ثلاث سنوات، و85 مليار يورو لأيرلندا، وهذا بلا شك سيخلط الأوراق من جديد، خصوصا إذا ما حدثت مع ما يتردد اليوم من تعثر اليونان عن تسديد ديونها، وأنباء عن إعادة هيكلة ديونها للمرة الثانية على التوالي، والحلقة الأخيرة ــ من وجهة نظري ــ في القضاء على أحلام الاستقرار في منطقة اليورو سيكون في حالة إعلان إسبانيا أو إيطاليا بشكل أكثر أهمية عن حاجتها إلى خطة إنقاذ. عندها فقط فإن الاتحاد الأوروبي سيكون في مأزق حقيقي، وقد تعود أوروبا إلى المربع الأول، وقد تتوقف عنده.
الحدث الآخر، هو التحديات التي تواجه منظمة التجارة العالمية والمخاوف من انهيار جولة الدوحة، ودعم تلك المخاوف من خلال التحرك الكبير والقوى لدول مجموعة بريكس BRICS من خلال دعوة قمة ''بريكس'' التي عقدت أخيرا في الصين إلى نظام عالمي جديد يتوافق مع الواقع الحالي، ردة فعل تلك الدول على الضغوط الأمريكية بفتح أسواقها أمام قطاع الخدمات الأمريكي والسلع غير الزراعية، وهذه مواجهة جديدة بين الدول الصاعدة التي تمثل مستقبل الاقتصاد العالمي ودول مجموعة الثماني تحديدا، حيث يتوقع أن تمثل دول ''بريكس'' نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2030. ولنا هنا بحث آخر.
عموما كانت هذه ملاحظات مختصرة جداً على بعض الأحداث الاقتصادية العالمية التي أرى أنها ستشكل علامات فارقة في طريق المستقبل للاقتصاد العالمي، وأن تأثيراتها ستؤثر في الأوضاع الاقتصادية العالمية ومنها بلا شك المملكة، وأن الحديث عن تعاف حقيقي للاقتصاد العالمي حديث متفائل لا تدعمه الحقائق على أرض الواقع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي