الجشع والخداع: هل الوقت متأخر لممارسة المصرفية الأخلاقية؟

الجشع والخداع: هل الوقت متأخر لممارسة المصرفية الأخلاقية؟

يقول سايروس ميواوالا، محلل الأبحاث البارز المقيم في المملكة المتحدة، ومؤلف كتاب الخيال المالي الساحر ''مدينة اللصوص''، ''إن السنوات العشرين الماضية غيرت وجه النظام المصرفي، حيث قامت العصابة الكبيرة عام 1986 بتخفيض التنظيمات المالية على جانبي المحيط الأطلسي (من خلال السماح بالاستثمار العابر للحدود)، كما أدى إيقاف سريان قانون جلاس – ستيجال الذي يعود إلى فترة الركود الأمريكي العظيم، ويفصل بين النشاط المصرفي الاستثماري، ونشاط التجزئة المصرفية، إلى السماح للبنوك بالقيام بأمور لم يكن يسمح لها بالقيام بها في الماضي''.
ومن أمثلة ذلك ''استخدام حساب التوفير الخاص للاستثمار في الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية، وتزيينه بعامل تجميل''. ويقول ميواوالا ''كل ما كان يحتاج إليه رجال المصارف هو وصول إلى الأموال الرخيصة للقيام بمهام متعددة، بما في ذلك التداول بالأوراق المالية. ولذلك أراد معظم بنوك الاستثمار امتلاك ذراع استثمارية تؤدي وظائف قبول الودائع، حتى تتمكن تلك البنوك من استخدام تلك الودائع من أجل الاقتراض بثمن رخيص''.
إن هذا التصرف ليس بالأمر غير القانوني، ولكن هذا المؤلف يسمى ذلك في كتابه المذكور ''بالجشع، والخداع''. وقد يوافق أي مودع لأمواله في بنك تجزئة على مثل هذا الوصف. فمن هم الذين يمثلهم رجال المصارف؟ ''كلما كبر حجم المؤسسة، زادت فرصة الصراع'' كما يقول المؤلف الذي يؤكد أنه لمس ذلك خلال فترة عمله مع إحدى شركات المحاسبة الخمسة الكبرى، وكذلك كمحلل لشركات الأسهم لدى إحدى الشركات الكبرى الأخرى.
لماذا لا تعمل الأسواق في وقتنا الراهن حسب سيناريو تقليل التنظيمات؟ لأنه وفقاً للسيناريو الراهن، فإن رجال المصارف لا يعطون الأولوية لعملائهم، بل هم يستفيدون منهم، دون أن تعاقبهم الأسواق. ''يواصل العملاء العودة إلى التعامل مع البنوك لأن النشاط المصرفي في الأساس نشاط قلة متحكمة'' حسب رأي المؤلف. وإذا أخذنا حالة الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أخفق بنكان كبيران، هما بير شتيرنز، وليمان برذرز، خلال الأزمة الأخيرة، كما اندمج بنك ثالث، وهو ميريل لينش، مع بانك أوف أمريكا. وإذا كنت شركة كبيرة تتطلع إلى الاندماج، والاستحواذ، أو شركة كبرى تبحث عن الدين المهيكل، أو شركة كبيرة تبحث عن التوسع في الخارج، وجمع الأموال بعملات متعددة، فإنك بحاجة إلى التوجه إلى بنك استثماري كبير، حيث لا يوجد الكثير منها''.
الحقيقة هي أن توبيخ البنوك أصبح رياضة فكرية واسعة على النطاق العالمي، حيث إن موضوع التوبيخ هم السياسيون، وصانعو السياسات الذين يحاولون العثور على التنظيمات الصحيحة التي يمكن أن تحول دون انهيار آخر. ويقول المؤلف إن الأمر الرئيسي هو توزيع المخاطر، حتى يتم بذلك احتواء الخسائر المالية المتضمنة في ممارسة النشاط المصرفي.
يقترح المؤلف ''أن نقسم البنوك إلى شرائح متعددة من حيث أنواع المخاطر التي تقدم عليها، وذلك فيما يتعلق ببنوك خدمات التجزئة الرئيسية، ووسيلة الوصول إلى صناديق التحوط – ودعونا نفرض رسماً إضافياً على كل من هذه الشرائح على أساس ما تشكله من المخاطر على الاقتصاد ككل. ودعونا ننشئ صندوق تأمين لدعم عمليات الإنقاذ في حالة حصول فشل آخر، حتى لا يضطر دافع الضرائب إلى دفع ثمن ذلك. وأود بالإضافة إلى كل ما سبق أن تضع الحكومات معايير تحافظ بموجبها على البنوك الكبرى، وتبين الكيفية الدقيقة للقيام بمثل هذه المهمة: فهل ستتم حماية حملة الأسهم، أم لا؟ وهل سيتم القضاء على ممتلكات حملة الأسهم كما تم حين حصلت جنرال موتورز، الشركة الصانعة للسيارات، على دعم مالي اتحادي بقيمة 15 مليار دولار؟''.
يقول المؤلف إنه لا يرى مشكلة في ''التحركات الخطيرة'' من جانب البنوك التي تتمثل في التحرك صوب الخارج ''لأنه، على المدى الطويل، يحتمل ألا يكون من المجدي وجود هذه المخاطر في الداخل. ويريد العالم الأنجلو ساكسوني أن يكون مبدعاً في مجال النشاط المصرفي'' حسب قوله. ويضيف ''إنهم يبدعون منتجات جديدة لا تستطيع الجهات التنظيمية، في بداية الأمر، أن تفهمها. وإذا كنت من مؤيدي وجهة النظر الداعية إلى وجود مثل هذا النوع من الابتكارات المالية في بلدك، فإنك تعتنق بذلك وجهة النظر التي تفيد بأنك تريد المخاطر العالية، وهي ثقافة الجوائز الكبرى في الثقافة المصرفية''.

* شيلي كارابل رئيسة تحرير مجلة «إنسياد».

الأكثر قراءة